متى يصبح الاكتئاب مرضاً يجب معالجته؟

الحياة ليست جنَّة، ونحن جميعاً معرضون للإحباط، للفشل، للفقدان، وللظروف الصعبة، وهذا كله سيسبب لنا ألماً داخلياً كبيراً، ويجعل مشاعر الحزن والتعاسة مسيطرةً علينا بشكل كلي. عادةً ما نسمي الحالة التي نمرُّ بها اكتئاباً، فنقول هذه الكلمة باستخفاف أحياناً، ومن دون معرفة معناها بشكل دقيق. ما الاكتئاب إذاً؟ ومتى يصبح الاكتئاب مرضاً علينا معالجته؟



الفرق بين الحزن والاكتئاب:

يكافح الأطباء للتمييز بين حالتي الحزن والاكتئاب، فالحزن ليس إلا أحد أعراض الاكتئاب، واستخدام مصطلح الاكتئاب للتعبير عن حالة نفسية سيئة نمرُّ بها، أو ظرف صعب نواجهه، هو أمر خاطئ؛ ذلك لأنَّه يؤدي إلى التقليل من أهمية وصعوبة حالة نفسية خطيرة كالاكتئاب؛ لذلك كان من المهم التمييز بينهما. وفيما يلي أهم الفوارق بين الحالتين:

  • الحزن حالة طبيعية أمَّا الاكتئاب حالة غير طبيعية: غالباً ما يسيطر علينا الحزن نتيجةً لتجربةٍ، أو موقف صعبٍ نمرُّ به، أو حدثٍ كان مخيباً لتوقعاتنا وآمالنا، وهذا الحزن أمر طبيعي سيختفي عندما يتلاشى الأذى العاطفي الذي نشعر به. الحزن يرحل أمَّا الاكتئاب فلا يرحل، وهو حالة تُسيطر علينا، ليس نتيجةً لموقف أو حدث أو تجربة أو ظروف معيَّنة، بل هو شعور دائم بالحزن، وتجاه كل شيء.
  • تأثير الاكتئاب طاغٍ أمَّا الحزن تأثيره محدود: الحزن غالباً ما يكون موجَّهاً تجاه شيء محدد، فهو لا يؤثر في سير حياتنا، ولا يتدخل في اهتماماتنا، ولا يؤثر في علاقاتنا مع أنفسنا أو مع المحيطين بنا، لا يجعلنا نشكك في قدراتنا ولا يستنزف طاقاتنا، على عكس الاكتئاب الذي يؤثر في جوانب حياتنا كلها، ويفقدنا أي رغبة في الحياة، ويجعل كل شيء أقل متعة، ويبعدنا عن الآخرين، ويُشعرنا بالغضب منهم والميل إلى إلقاء اللوم عليهم، فضلاً عن كثير من مشاعر عدم الرضا عن أنفسنا، واستنزاف طاقتنا، وفقدان أي قدرة على الشعور بالسعادة تجاه أي تجربة.
  • الاكتئاب مرض أمَّا الحزن فهو عاطفة: خيبة الأمل، السفر، الانفصال، موت أحد المقربين، تجارب صعبة يمرُّ بها الإنسان، ويشعر تجاهها بعاطفة أساسية وطبيعية هي الحزن. أمَّا الاكتئاب فهو أحد الأمراض النفسية الذي يرافقه أعراض جسدية ونفسية سنذكرها لاحقاً بالتفصيل.
  • الحزن لا أعراض له أمَّا الاكتئاب فله أعراض نفسية وجسدية: يظهر على الشخص الحزين بعض الأعراض الخفيفة الطبيعية، الناتجة عن ظرف صعب كالبكاء. أمَّا في حالة الاكتئاب، فتظهر كثير من الأعراض النفسية والجسدية، وأغلبها من دون سبب واضح، كالبكاء بلا سبب، والغضب لأتفه الأسباب، وفقدان الاهتمام بالذات، حتى في الأمور المتعلقة بالنظافة الشخصية.
  • الحزن حالة مؤقتة أمَّا الاكتئاب فهو حالة مستمرة: الحزن سيخفُّ تدريجياً مع مرور الوقت حتى يختفي من تلقاء نفسه، وفي حال استمرَّ الحزن فهذا أحد مؤشرات الاكتئاب. الاكتئاب حالة مستمرة تؤثر في كل جوانب حياتك، وأفكارك، وسلوكاتك، وعواطفك، وتصوراتك، كما ذكرنا سابقاً.
  • الاكتئاب حالة لا شعورية أمَّا الحزن فهو شعورٌ واعٍ: عندما تكون حزيناً فأنت مُدرك تماماً للمشاعر التي تجتاحك، وأنت في الوقت نفسه قادر على التحكم فيها، وقد تبدو بخير في كثير من الأحيان لمن يراك، فضلاً عن أنَّك ستكون قادراً على التواصل مع الآخرين، وعلى الضحك والاستمتاع بالنشاطات والأشياء التي تحبها. في الاكتئاب تجد أنَّ الحزن والبكاء يجتاحك من دون سبب، فأنت لا تستطيع إيقاف مشاعر الألم والحزن، أو السيطرة عليها، حتى تظن أنَّك ستستمر على هذه الحال كل حياتك، ولن تشعر أبداً بتحسن.
  • بالحزن يتغير مزاجك وبالاكتئاب تتغير حياتك: إذا كنت حزيناً ستغيِّر بعضاً من عاداتك، وستأخذك الأفكار الحزينة بعض الوقت، ثم ستعود لممارسة حياتك بشكل طبيعي. أمَّا في الاكتئاب، ستصبح حياتك أكثر صعوبة، وتكون عاجزاً عن القيام بأي نشاط أو حتى القيام بأعمالك؛ ممَّا يُسبب خسارات كبيرة لك في حياتك المهنية والاجتماعية والعاطفية.

خلاصة القول، ومن خلال كل ما سبق، يمكننا تعريف الاكتئاب المرضي بأنَّه أحد اضطرابات الصحة العقلية، يجعل كل شيء في حياتك يبدو أقل متعة وأقل أهمية، علاوة على أنَّه يؤثر في مشاعرك وعواطفك وطريقة تفكيرك. هو حالة ذهنية عاطفية غير طبيعية، تتغلغل في كل جوانب حياتك. الاكتئاب ليس له سبب أو دافع، ليس خياراً أو ظرفاً مؤقتاً، هو مرض عقلي يحتاج إلى علاج.

تُصنَّف نوبات الاكتئاب إلى طفيفة ومتوسطة وحادَّة، وفي حالة النوبات الطفيفة يستطيع المكتئب مواصلة حياته وعمله؛ لذلك يتم الخلط بينها وبين الحزن. أمَّا في الحالات المتوسطة والحادَّة، تكون مواصلة الحياة والعمل أمراً في غاية الصعوبة.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

أعراض الاكتئاب:

تظهر أعراض الاكتئاب أغلب اليوم وفي كل يوم، ويمكن تلخيصها بالآتي:

  • مشاكل النوم: كالنوم فترات طويلة وساعات متواصلة، أو الأرق وفقدان القدرة على النوم.
  • الوهن والتعب الدائم: حيث إنَّ الأعمال البسيطة والسهلة تسبب كثيراً من الإرهاق وبذل الجهد.
  • الحزن والبكاء والغضب بسبب أمور بسيطة، ومن دون أسباب مباشرة.
  • شعور باليأس والإحباط والفراغ يصاحبنا كل لحظة.
  • فقدان المتعة عند القيام بأي نشاط، وفقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام، وفقدان الرغبة الجنسية.
  • التفكير الدائم في الغاية من الحياة والموت، وسيطرة الأفكار الانتحارية والرغبة في الانتحار، وقد يصل الأمر إلى محاولة الانتحار فعلاً.
  • الإحساس بعدم القيمة، وكره الذات، وسيطرة المشاعر السلبية بشكل دائم.
  • صعوبة في التركيز، ومشاكل في الذاكرة، وعدوانية شديدة.
  • العزلة والابتعاد عن الناس.
  • مشاكل جسدية، كآلام الظهر والمفاصل والصداع، وجميعها من دون سبب عضوي مباشر.

تسيطر هذه الأعراض بشكل واضح، وتكون شديدة لدرجة إحداث مشاكل واضحة في حياة الإنسان اليومية، وفي العمل والمدرسة والجامعة والمنزل، فضلاً عن الإحساس الدائم بالبؤس وعدم السعادة، وكل ذلك من دون أسباب واضحة. إذا ظهرت عليك هذه الأعراض فهذا يعني شيئاً واحداً، أنت تعاني من مرض الاكتئاب، وتحتاج إلى مساعدة طبية. إنَّ إهمال علاج الاكتئاب يؤدي إلى كثير من المشاكل التي قد تنتهي بالانتحار، حيث يموت تقريباً 800000 شخص كل عام بسبب الانتحار الناتج عن الاكتئاب، فهو ثاني سبب للوفيات في الفئة العمرية بين 15 و29 عاماً.

كيف تواجه الرغبة في الانتحار؟

إذا كنت تشعر برغبة في الانتحار، أو تواجه أفكاراً انتحارية تسيطر عليك، لا تتردد في طلب المساعدة من مختص. وإذا لم تتمكن من التواصل مع مختصين، اتصل بأحد أصدقائك أو بأحد أفراد عائلتك المقربين منك، تواصل مع من تحب وشاركه أفكارك، لا تبقَ وحيداً ولا تعانِ كل هذا وحدك.

شاهد بالفديو: كيف تتخلص من الأفكار السوداوية بشكل نهائي؟

الأسباب والعوامل المساعدة على الإصابة بالاكتئاب:

الاكتئاب مثل أغلب الاضطرابات النفسية، لا يوجد سبب واضح له لكن هنالك عديد من العوامل المشتركة والمساعدة على ظهوره، وهي:

  • الاختلافات الفيزيائية في الدماغ: تُشير الدراسات إلى وجود اختلافات فيزيائية في أدمغة المصابين بالاكتئاب، وهذا الشيء ليس مؤكداً حتى اليوم.
  • الهرمونات: التغير في توازن الهرمونات في الجسم قد يسبب اكتئاباً، وهذه التغيرات تنتج عن الحمل، أو عن الولادة، أو عن انقطاع الطمث، أو بسبب مشاكل بالغدد الدرقية. تجدر الإشارة إلى أنَّ النساء عرضة للإصابة بالاكتئاب أكثر من الرجال.
  • نقص مادة السيروتونين في المخ، أو نقص عدد مستقبلاته العصبية، أو نقص مادة التريبتوفان المسؤولة عن تصنيعه. عند زيادة السيروتونين يتحسَّن المزاج، وعند نقصانه يظهر الاكتئاب.
  • الوراثة: قد يظهر الاكتئاب أكثر في العائلات التي لديها تاريخ بهذه الحالة، وما زال الباحثون حتى الآن يبحثون عن الجينات المسببة له.
  • هناك عوامل أخرى تزيد خطر الإصابة بالاكتئاب وهي: صفات شخصية مثل قلة الثقة بالنفس وكره الذات، والتي تكون عادة نتيجةً لامتلاك صفات مرفوضة اجتماعياً، كالمثلية الجنسية، أو نتيجة للتعرض لحوادث مؤلمة، كالاغتصاب والتعنيف الجسدي، أو موت وفقدان أحد المقربين، أو بسبب تاريخ عائلي حافل بالاضطرابات النفسية والانتحار والإدمان.

علاج الاكتئاب:

الاكتئاب ليس نوبة مزاجية سيئة، وليس مشاعر عابرة تخرج منها ببساطة؛ إنَّما الاكتئاب مرض مُعترف به، وقد يحتاج علاجه إلى فترة طويلة. ومع هذا، فما من شيءٍ يدعو إلى القلق؛ ذلك لأنَّ أغلب الحالات التي تلقَّت العلاج، نجحت في هزيمة الاكتئاب والتغلب عليه. إلا أنَّ هناك بعض العوائق التي قد تمنع الحصول على العلاج، والتي كان من الضروري ذكرها ملخصة على النحو الآتي:

  • نقص الموارد أو عدم وجود كوادر من المؤهلين، أو ضعف تأهيل المتدربين وعدم كفاءتهم.
  • وصمة العار المرتبطة بالاضطرابات النفسية، والتي تقف عائقاً في وجه من يرغب في مراجعة مختص.
  • عدم دقة التشخيص، فكثيراً ما يتم علاج بعض الأشخاص على أنَّهم مصابون بالاكتئاب، وتُوصف لهم مضادات الاكتئاب، في حين أنَّهم ليسوا كذلك.

ولعلاج المصابين بالاكتئاب الحاد والمتوسط، يخضع المصابون لطرائق علاج متعددة، منها:

  • العلاج المعرفي السلوكي، ويكون باستخدام مهارات الجلسات الفردية أو الجماعية أو العلاج بالسيكودراما.
  • مضادات الاكتئاب. والجدير بالذكر هنا، أنَّه في حالات الاكتئاب الطفيف، لا يُنصح بهذا النوع من العلاج، وخاصةً للأطفال والمراهقين.
  • أدوية تزيد من مادة السيروتونين، والتي تحدثنا سابقاً عن علاقتها بالاكتئاب.
  • تناول الغذاء الصحي، فالمعروف أنَّ تناول بعض الأطعمة يُخفف من الاكتئاب، كالسمك والخضار والفواكه، وكذلك الابتعاد عن تناول السكريات والكربوهيدرات.
  • من المهم أن نذكر أنَّ كثيراً من المدارس والمناهج الطبية النفسية، ترى أنَّه يجب التعامل مع الاكتئاب وبكل درجاته من دون تدخل دوائي، في حين تذهب المدارس الطبية الحديثة إلى اتباع العلاجين، الدوائي والنفسي معاً، للوصول إلى الشفاء التام.
  • قاوم المشاعر السلبية التي تشعر بها تجاه الناس والتواصل معهم، وابتعد عن العزلة؛ ذلك لأنَّ التغلب على الاكتئاب لوحدك أمر صعب. قد تشعر بالإرهاق عند التحدث مع الآخرين، إلا أنَّك في نهاية الأمر ستجد فرقاً وسيتحسن مزاجك؛ لذلك ابحث عن شخص جاهز للاستماع إليك بانتباه وحنان، وليس مهماً أن يكون قادراً على ترميم ما في داخلك، إنَّما المهم أن يحبك ويكون إلى جانبك.
  • لا تستبدل الحديث مع الآخرين ورؤيتهم بالمكالمات الهاتفية والرسائل النصية، أو بالتواصل على مواقع التواصل الاجتماعية.
  • قدِّم المساعدة، وتطوَّع في الأنشطة الخيرية، فتقديم المساعدة يولِّد كثيراً من المشاعر الإيجابية.
  • مارس الرياضة في الهواء الطلق، واختر هوايةً تحبها، واستمع إلى الموسيقا.
  • الاستيقاظ مهمَّة شاقة بالنسبة إليك، نحن ندرك ذلك، ولكن بإمكانك التغلب عليه بالتمارين المنتظمة.
إقرأ أيضاً: الاكتئاب عند الأطفال، أسبابه، أعراضه، وطرق علاجه

بعض النصائح للتغلب على الاكتئاب:

  • قاوم المشاعر السلبية التي تشعر بها تجاه الناس والتواصل معهم، وابتعد عن العزلة؛ ذلك لأنَّ التغلب على الاكتئاب لوحدك أمر صعب. قد تشعر بالإرهاق عند التحدث مع الآخرين، إلا أنَّك في نهاية الأمر ستجد فرقاً وسيتحسن مزاجك؛ لذلك ابحث عن شخص جاهز للاستماع إليك بانتباه وحنان، وليس مهماً أن يكون قادراً على ترميم ما في داخلك، إنَّما المهم أن يحبك ويكون إلى جانبك.
  • لا تستبدل الحديث مع الآخرين ورؤيتهم بالمكالمات الهاتفية والرسائل النصية، أو بالتواصل على مواقع التواصل الاجتماعية.
  • قدِّم المساعدة، وتطوَّع في الأنشطة الخيرية، فتقديم المساعدة يولِّد كثيراً من المشاعر الإيجابية.
  • مارس الرياضة في الهواء الطلق، واختر هوايةً تحبها، واستمع إلى الموسيقا.
  • الاستيقاظ مهمَّة شاقة بالنسبة إليك، نحن ندرك ذلك، ولكن بإمكانك التغلب عليه بالتمارين المنتظمة.

في الختام:

الاكتئاب حالة خطيرة وله تأثيرات كبيرة في حياتنا الشخصية والمهنية، وقد قُدِّر أنَّ حوالي ثلاثمئة مليون شخص حول العالم مصابون بالاكتئاب. الاكتئاب مرض يترك تأثيره السلبي في كل شيء، يُحبطك، يُشعرك بالألم، يُهدِّم كل توقعاتك بمستقبل أفضل. لكن عليك أن تتذكر دائماً أنَّ كل هذه المشاعر ليست حقيقية، وما هي إلا تشوهات معرفية غير واقعية ناتجة عن مرضك؛ لذلك حدد أفكارك السلبية كلها وتخلَّص منها، واستبدلها بأفكار تحقق التوازن لك. ولا تتردد في طلب المساعدة من شخص مختص، وضع كل اعتبارات المجتمع جانباً. والأهم من هذا كله، كن واثقاً بأنَّك ستنتصر وتبدأ حياتك من جديد.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة