لكن ومع ذلك، فمفهوم الإيجابيّة ليس مفهوم السعادة نفسه؛ فالسعادة نتيجة، بينما الإيجابيّة اختيار. ورغم أنَّك قد لا تقدر دوماً على اختيار أن تكون سعيداً، إلا أنَّه بمقدورك تفضيل الإيجابيّة على السلبيّة متى ما أردت. يوجدُ سببٌّ وجيهٌ يدفعك إلى جعل الإيجابيّة أولويّةً من أولوياتك؛ إذ تُظهر أحدث الأبحاث أنَّ الإيجابيّة ليست نتاجاً للصحّة فحسب، بل هي إحدى مُسبباتها أيضاً. ومع إضافة النجاح إلى هذه المعادلة، تصبح الإيجابيّة خياراً لا يمكن الاستغناءُ عنه. وبناءً على ما سبق، نُقدم إليك في هذه المقالة تسعة نصائح لتوجيه تركيزك نحو الإيجابية.
1. قم بعملية جرد لمخزون أفكارك:
يبدأ كلّ شيءٍ من أفكارك؛ فمقدار الإيجابيّة التي تعيشها هي نتيجةٌ مباشرةٌ لكيفيّة اختياركَ فهم التجارب التي تعيشها في حياتك، لذا تعامل مع عادات تفكيرك بواقعية؛ فإذا كنت اعتدت التفكير مليّاً بغية إيجاد الخير في أيّ موقف، ستشعر بمزيدٍ من المشاعر الإيجابيّة نتيجةً لطريقة التفكير تلك. لذا تحمّل مسؤولية تأثير أفكارك على حالتك العاطفية، وقرّر ما إذا كانت عاداتك الحاليّة تفيد أو تعيق تمتُّعك بالحياة.
فيما يلي بعض الطرائق التي تُمكّنك من جرد مخزون أفكارك:
- انظر إلى التحديات على أنَّها فرص: يرى ذوو النظرة الإيجابيّة أنَّ العقبات فرصٌ للنمو؛ وهو ما يُعَدُّ أسلوباً جيداً للتحقق من أنماط تفكيرك الحالية، وملاحظة كيف يستجيب عقلك (أو يتفاعل) عندما تسير الأمور بشكلٍ جيّدٍ أو سيء.
- أكثِر من التأمّل: انظر إلى تأملاتك بكونها وقتاً تتعرف فيه على نفسك وترى أفكارك بوضوحٍ أكثر؛ فمن خلال تعلم الانفصال عن أفكارك بدلاً من التماهي وإيَّاها، سوف تكون قادراً على اتخاذ قراراتٍ تُراعي مصلحتك أكثر.
2. رجِّح كفة موازينك إلى تحقيق نسبة الإيجابية:
كشفت أعمال عالمة النفس "باربرا فريدريكسون" عن نظرية أسمتها "نسبة الإيجابية"، والتي تُفيد بوجود "نقطة تحول" بين الوهن والانتعاش عند المرء نتيجة حدوث ثلاث تجارب إيجابيّة مقابل كلّ تجربةٍ سلبيّةٍ واحدة. تقول فريدريكسون: "من خلال الحفاظ على نسبة (1:3) تلك، يدخل الناس في مُنْحَنٍ تصاعديٍّ من النموّ الإيجابي.
لكن ما الذي يحدث حين تقلّ هذه النسبة؟ تتفوّق حينئذٍ السلبيّة على الإيجابية من حيث التأثير، مما يعني أنَّك ستكون أكثر ميلاً إلى التأثر برأيٍ سلبيٍّ واحدٍ، مقابل 99 رأياً إيجابياً من أصل مئة. كما تشير نسبة الإيجابية إلى أنَّ تجاربك السلبية يمكن أن "تبتلع" تجاربك الإيجابية إن مالت الكفة إلى الاتجاه الخاطئ.
3. قلِّل السلبية في حياتك:
من شأن تقليل السلبية في حياتك أن يُتيح المجال إلى الإيجابية للدخول إلى حياتك بسهولةٍ أكثر. وفي حين تكون بعض أشكال السلبية أمراً لا مفرّ منه، تكون بعض الأشكال الأخرى أمراً غير مبرَّرٍ يُفسد مقدرتك على العمل في أفضل حالاتك. لذا اسأل نفسك: كيف أقضي معظم وقتي؟ ومن الذي أقضي معظم وقتي معه؟
إذا كان قضاؤك لوقتك على وسائل التواصل الاجتماعي يصيبك بالإحباط، فخُذ استراحة. وإن أصبح أصدقاؤك سامين ونمامين، فقاوم الرغبة في التصرف مثلهم. وإذا كانت مهام العمل تثبط عزيمتك، ففوِّض بعضاً منها إلى أشخاص آخرين.
كما من يفيدك أيضاً تجنب الحديث السلبي عن النفس؛ فالحياة صعبة بما فيه الكفاية، فلا داعي لأن تزيدها صعوبة بانتقادك لنفسك.
4. مارس الامتنان يومياً:
ليس من المستغرب أن تكون مشاعر الامتنان واحدةً من أضمن الطرق التي توصل إلى حياةٍ أكثر سعادة؛ فكلما زاد تقديرك لجسمك وظروفك وعلاقاتك، زادت سعادتك وازدهرت حياتك.
بمجرد أن تنتبه إلى وجود السلبيّة في حياتك -أو عدم وجود الإيجابية- يمكنك البدء في ضخ المزيد من مشاعر الامتنان إلى تجاربك.
تذكر أنَّ الإيجابية تتأثر بالطريقة التي تختارها لتفسير ما يدور في حياتك؛ فمن خلال تحديد شيءٍ يمكن أن تكون شاكراً له في أيّ لحظة، فإنك تؤدي إلى نموٍّ تصاعديٍّ في رفاهيتك ونوعية حياتك.
5. استمتع بأوقاتك الجيدة:
في عالمٍ تُعلِّمك فيه التكنولوجيا أنَّ الأسرع هو أفضل، يكون من المهم أن تتذكر قيمة التريث وتذوق طعم اللحظات الجيدة والاستمتاع بها؛ فلن يجترّع محبو القهوة قدحاً منها في رشفةٍ واحدة، بل سيحتسونها ببطءٍ ويستمتعون بكلّ رشفةٍ على حدة.
وفي المرة التالية التي تجلس فيها لتناول وجبة لذيذةٍ من الطعام، تناول الطعام ببطء واستمتع بكلّ لقمة. وعندما تُجري محادثةً مع طفلك، لاحظ بريق عينيه وإيقاع حديثه بدلاً من حثِّهِ على الإسراع في الكلام.
انتبه إلى التفاصيل كما لو أنَّك تريد حفظها في ذاكرتك؛ إذ تكمن البهجة في اللحظات التي تمر برمشة عين دون أن ننتبه إليها.
6. تصوّر رحلتك إلى النجاح مستقبلاً:
في حين يُفضِّل بعض الناس النظر إلى الماضي، يتطلع آخرون إلى المستقبل. القلق بخصوص المستقبل هو التوتر بعينه، بيد أنَّ تصور تجارب مشرقة وصفة لتحقيق الإيجابية.
تشير الدراسات إلى أنَّ التصوّر الإبداعي للخطوات اللازم اتخاذها لتحقيق مَهَمَّةٍ في المستقبل يؤدي إلى نتائج ناجحة أكثر؛ وذلك بالمقارنة مع عدم التصور على الإطلاق، أو مجرد تصور النتائج الإيجابية نفسها. فمثلاً: من شأن تصوُّر كلّ الأمور التي يتعيَّن عليكَ القيام بها من أجل اجتياز امتحاناتك أن يساعدك على اجتيازها بفعاليّة أكثر من مجرد تَخَيُّل أنَّك قد نجحت في اجتيازها.
7. حَسِّن علاقاتك مع الآخرين:
سيزيد قضاء بعض الوقت مع أشخاص آخرين من الإيجابيّة في حياتك؛ فقد أظهرت دراسات لا حصر لها أنَّ الاختلاط مع الغير جزءٌ لا يتجزأ من جودة الحياة. لذا اخرج وتفاعل مع الناس يومياً، ولا تسأل عن الأسباب التي تدفعك إلى القيام بذلك. بل اسأل نفسك: هل أُقَدِّرُ الأشخاص الذي أهتمُّ لأمرهم حقَّ قدرهم؟ وهل يدركون كم أنا ممتن لوجودهم في حياتي؟ العلاقات هي السبب الأول لحياةٍ سعيدة، وهي تستحق بالتالي مزيداً من اهتمامك وامتنانك. لذا لا تنتظر أن يخرج شخصٌ من حياتك حتى تشعر بأهميته بالنسبة إليك.
8. لا تبق حبيسَ المنزل:
يتفق الباحثون على وجود علاقةٍ قويّةٍ بين التواجد في الطبيعة والسعادة. ونظراً لأنَّ واقع الحياة المعاصرة لمعظم الناس يجبرهم على البقاء في منازلهم، فإنَّ مجرد الخروج من المنزل لديه القدرة على تعزيز الإيجابية في كثيرٍ من الأحيان.
لذا اخرج من منزلك واستمتع بأشعة الشمس وعبق الطبيعة من حولك، ووسّع مداركك لتزيد من الفرص في حياتك.
9. استمر في التعلّم والنمو:
إنَّ الرغبة في التعلّم وتنمية القدرات حاجةٌ فطريّةٌ في النفس البشرية، لذا احرص دوماً على التواجد في جوٍّ يشجّعك على القيام بذلك. فمن شأن رغبتك في تعلّم شيءٍ جديدٍ وتوسيع نطاق اهتماماتك وتحسين مواهبك التي وهبك الله إياها أن يمنحك عقليّةً إيجابيّةً تجعلك قادراً على إيجاد مخرجٍ لأيّ أزمةٍ قد تعترض طريقك.
أضف تعليقاً