مفهوم العزلة الاجتماعية:
يشير مفهوم العزلة الاجتماعية إلى غياب العلاقات الاجتماعية؛ أي عدم الاختلاط بالناس، وهي الحالة التي يفتقد فيها الإنسان للشعور بالانتماء الاجتماعي، ويميل للبقاء وحده، وتجنُّب الآخرين، وعدم الرغبة في التواصل معهم وتكوين العلاقات، وتفضيل إنجاز مهام حياته اليومية منفرداً دون الاستعانة بمن حوله.
تختلف العزلة عن الوحدة؛ إذ يشعر الشخص بالعزلة الاجتماعية سواء أكان بمفرده أم بوجود أشخاص آخرين من حوله، والعزلة هي قرار يتخذه الفرد بإرادته بغض النظر عن أسبابها، أما الوحدة فهي غالباً ما تكون مفروضة عليه؛ كأن يكون الإنسان وحيداً بسبب بُعد الآخرين عنه، مسافراً مثلاً في بلد غريب، أو أنَّه يعيش مع أهل وأصدقاء لكنَّهم لا يمنحوه الاهتمام والعاطفة.
أنواع العزلة الاجتماعية:
تختلف العزلة بأنواعها، فمنها ما هو إيجابي بقصد الراحة مع النفس والعودة إلى السكينة، ومنها ما هو سلبي، نبين النوعين فيما يلي:
1. عزلة إيجابية:
وهي العزلة الطبيعية التي نحتاجها نحن البشر بين الفترة والأخرى، والمقصود هنا بالعزلة هي الخلوة مع أنفسنا لبضع الوقت لنعيد بها حساباتنا، وترتيب أولوياتنا، والتأمل في مجريات أيامنا، والتفكير العميق قبل اتخاذ قرارات حاسمة في حياتنا.
2. العزلة السلبية:
والتي تعني الابتعاد عن الناس، وعدم الاختلاط بهم، والتهرب من التواجد في الجلسات والمناسبات الاجتماعية. وقد أُجريَت العديد من الدراسات حول العزلة الاجتماعية، وكان من أبرز نتائجها:
- يشعر 40% تقريباً من الناس بالعزلة في إحدى فترات حياتهم، ولكنَّ عدداً قليلاً منهم يعلم بانعكاسات العزلة، وسلبياتها على صحته وحياته.
- 60% من الأشخاص الذين يشعرون بالعزلة، هم أشخاص متزوجون في الأصل، وسبب ذلك عدم توفر الجانب العاطفي وقلة مشاركة المشاعر مع الشريك.
- تزداد فرصة فقدان الحياة بالنسبة للأشخاص المصابين بالعزلة الاجتماعية بنسبة تصل إلى 14%، مما يجعل العزلة والتدخين على صعيد ومرتبة واحدة.
شاهد بالفيديو: 10 أشياء إيجابيَّة تحدث لك عندما تبقى وحيداً
ما هي أسباب العزلة الاجتماعية؟
لم تُعرف الأسباب الكامنة وراء العزلة الاجتماعية بشكل واضح بعد، ولكن يُعتقد أنَّها قد تتمثل في أحد ما يلي:
1. أسباب صحية:
قد تكون العزلة الصحية نتيجة حالة صحية عقلية أو جسدية؛ مثل الوسواس القهري الذي قد يظهر في صورة وسواس النظافة في المصافحة والتواصل، فيُفضِّل أصحابه عدم التعامل مع الناس حرصاً على صحته وسلامته من البكتيريا والأمراض، ومرض الاكتئاب الذي من أبرز أعراضه الانعزال عن الناس والانطوائية؛ وهناك أيضاً مرض الرهاب الاجتماعي الذي يقرر المصاب به الانعزال؛ بسبب الخوف والقلق من أحكام الآخرين.
2. أسباب تربوية:
تؤثر طريقة التربية تأثيراً كبيراً في شخصية الأولاد ونمط حياتهم، إذ غالباً ما تخلق التربية القائمة على العنف والخوف، أشخاصاً غير أسوياء نفسياً يعانون من قلة الثقة بالنفس، والخوف من المجتمع الخارجي، فتكون النتيجة غالباً هي ميل هؤلاء الأشخاص للعزلة الاجتماعية.
3. أسباب بيئية:
عندما ينشأ الإنسان في بيئة منغلقة وغير اجتماعية، فإنَّه يعتاد على العزلة من الصغر، ويُصبح أكثر ميلاً وتعوداً عليها عندما يكبر، ويزداد الأمر عندما يكون أحد الوالدين يتمتع بالصفة ذاتها.
4. أسباب عُمرية:
قد تكون مثلاً التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في سن المراهقة، وما يُرافق هذه المرحلة العمرية من حساسية مُفرطة في تقييم الأمور والعلاقات، سبباً في العزوف عن التواصل مع الآخرين وحب العزلة.
كما تُشير تقديرات إحصائية عالمية إلى أنَّ نحو نسبة الثلث إلى النصف، من فئة كبار السن في عمر الـ 60 عاماً فما فوق، مُعرَّضون لاختبار مشاعر الوحدة والعزلة الاجتماعية؛ وذلك بعد تركهم زملاء العمل أو زواج الأبناء أو سفرهم.
5. أسباب تتعلق بالعمل:
عندما يكون الإنسان غير راضٍ عن وظيفته، ويشعر بأنَّها لا تُشبع طموحاته، وأنَّ زملاءه لا يشبهونه، يبدأ الابتعاد عنهم وعن بيئة العمل نفسها.
6. أسباب أخرى:
هناك أسباب نتيجة ظرف ما، مثل: فقدان شخص عزيز، أو الرسوب في الدراسة، أو الطرد من الوظيفة، أو صدمة مفاجئة، أو الطلاق والانفصال عن الشريك، أو الإفلاس.
7. الغرور والتكبر:
يرى الشخص المغرور نفسه أنَّه دائماً على صواب، والآخرين على خطأ، ويجعل هذا الهاجس مبدأه في التعامل، فيتجنَّب مشاركة الآخرين الرأي أو النقاش في موضوع ما، وقد تصل به لدرجة أن يُصبح الاختلاط بهم أمراً غير مستحب لديه.
8. وسائل التواصل الاجتماعي:
أصبح الكثيرون اليوم يميلون للعزلة عن الآخرين، ويفضِّلون قضاء وقتهم في تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل مع أشخاص افتراضيين لا يعرفونهم، بدلاً من التواصل الحقيقي مع من يُحيطون بهم من أقارب وأصدقاء.
ما هو علاج العزلة الاجتماعية؟
اقترح الخبراء حلولاً لمشكلة العزلة الاجتماعية، من أبرزها:
1. الاعتراف بالمشكلة:
أولى خطوات علاج أي مشكلة؛ هي الاعتراف بها؛ أي أن نعترف أنَّنا نُعاني من مشكلة العزلة الاجتماعية، وأن نأخذ قراراً بأنَّنا نريد علاجها.
2. تجنب وسائل التواصل الاجتماعي:
ينصح الخبراء بتجنب الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، واستخدامها بوعي واعتدال؛ حيث إنَّ أحد نتائج إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، هي العزلة التي يدخل فيها الإنسان دون أن يشعر، ويُصبح التواصل عبر الأجهزة الإلكترونية، بديلاً لديه للتواصل وجهاً لوجه مع الآخرين.
قامت دراسة نُشرت في المجلة الأمريكية للطب الوقائي، باستطلاع آراء 7,000 شخصاً، ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاماً، وكانت نتيجة هذه الدراسة أنَّ الأشخاص الذين يقضون وقتاً أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، يُصبحون أكثر عُرضةً مرتين للشكوى من العزلة الاجتماعية، والتي يُمكن أن تتضمن نقصاً في الشعور بالانتماء الاجتماعي، وتراجعاً في التواصل مع الآخرين، وفي الانخراط في علاقات اجتماعية.
3. الثقة بالنفس:
تُعزى أسباب العزلة الاجتماعية في بعض الحالات إلى قلة الثقة بالنفس، ونظرة الإنسان لذاته، ومقارنة نفسه بالآخرين واعتقاده أنَّهم أفضل منه؛ إذ تجعل نظرة الإنسان الدونية تجاه نفسه من تواصله مع الآخرين مصدر إرهاق له، فيميل للهرب منها بالعزلة.
4. حسن الظن بالناس:
يصل بعض الأشخاص نتيجة خوضهم علاقات فاشلة، أو تعرُّضهم لخيبة من صديق أو زميل، لاعتقاد خاطئ وهو أنَّ كل الناس أشرار ويجب اعتزال التعامل معهم، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ؛ إذ إنَّ الحياة مليئة بالناس الطيبين والمُحبين والمتعاونين مع غيرهم.
5. الانفتاح:
من أهم خطوات العلاج من العزلة هو التدرب على الانفتاح على الآخرين، وكسر حاجز الخوف والخجل، وإجبار أنفسنا على التعامل مع الآخرين، ويكون ذلك من خلال قضاء أوقات الفراغ مع من نحب من الأقارب أو الأصدقاء، وقبول الدعوات لحضور حفلة ما أو لتناول العشاء مع أحد الزملاء، والتوقف تماماً عن اختلاق الأعذار غير الصادقة للتهرب من الحضور.
6. الإيجابية:
الإيجابية إحدى الطرائق الفعالة للتخلص من العزلة؛ أي أن يتوقف الإنسان عن التفكير السلبي، وعن الاعتقاد بأنَّه شخص غير اجتماعي؛ لأنَّ ذلك سيزيد من عزلته ونفوره من الآخرين؛ لذا يجب أن يحرص على التفكير بطريقة إيجابية من خلال تعزيز ثقته بنفسه، والإيمان بأنَّه قادر على التفاعل والانسجام مع الآخرين، وأنَّ بإمكانه أن يُصبح اجتماعياً أكثر.
7. المبادرة:
من المعروف أنَّ العلاقات الإنسانية مبنية على الجهد المتبادل، أي لا يمكن للإنسان أن ينتظر من الآخرين أن يأتوا إليه للتعارف وتبادل أطراف الحديث؛ بل عليه أن يأخذ المبادرة، ويفتح لهم المجال للتقرب منه.
8. التعرف على أشخاص جدد:
ليتخلص الإنسان من عزلته ويتعافى منها، عليه استغلال أية فرصة لتكوين صداقات جديدة وتوسيع دائرة علاقاته الاجتماعية، وذلك بحضور الندوات والتجمعات، وفتح الحديث مع الغرباء، ممن لا يعرفهم سواء في الحافلة، أم في المقهى، أم على متن الطائرة.
ما هي أعراض العزلة الاجتماعية؟
يمكنا ملاحظة أننا نعاني من عزلة اجتماعية، في حال ظهرت الأعراض التالية:
1. أعراض جسدية:
غالباً ما يُعاني مصابو العزلة الاجتماعية من أعراض جسدية مثل: صداع، خمول، فقدان الشهية، اضطرابات النوم، قلة النشاط.
2. أعراض نفسية:
قد تنتج عن العزلة الاجتماعية اضطرابات نفسية، مثل: القلق، والاكتئاب، وتغيرات مزاجية، وشرود الفكر، وميول انتحارية، وقلة الثقة بالنفس وبالآخرين، وملل، ويأس.
3. أعراض سلوكية:
- من المحتمل أن تؤدي العزلة الاجتماعية لسلوكيات غير سوية، كالتدخين بشراهة، أو إدمان الكحول، أو تعاطي المواد المخدرة، أو الجلوس لساعات طويلة على الإنترنت.
- التهرب من الجلسات الاجتماعية، وتجنب الاجتماع مع الناس، أو التفاعل معهم، وعدم المشاركة في المناسبات أو تلبية الدعوات.
- بقاء الشخض بمفرده أغلب الوقت، دون أن يُخالط أو يحتك بأحد.
- الشعور بالخوف والقلق في أثناء الاختلاط بالآخرين، ومحاولة إنهاء أي حديث معهم بأسرع ما يمكن.
ما هي الآثار السلبية للعزلة على الصحة؟
أشار الباحثون إلى أنَّ العزلة الاجتماعية تُسبب مضاعفات صحية؛ وذلك لأنَّها تزيد من فرصة الإصابة بأنواع مختلفة من الالتهابات؛ إذ يحدث الالتهاب عندما يُخبر جسمنا جهازنا المناعي بأن يُفرز بعض المواد الكيميائية اللازمة لمحاربة العدوى أو الأذى، ويحدث أيضاً الشيء ذاته عندما نتعرَّض لضغط نفسي أو اجتماعي.
حيث وجد الباحثون أنَّ الأشخاص الذين يميلون للانعزال عن المجتمع يُعانون من مستويات مرتفعة لنوعين من المواد الكيمائية المنشطة للالتهابات، وهما: بروتين سي التفاعلي وفيبرينوجين؛ حيث يُستخدم الأول مؤشراً على الإصابة بالالتهابات، أما الثاني فيزيد من فرص الإصابة بالجلطات الدموية والذي ترتفع نسبته عند تعرضنا للأذى أو الصدمة، فيؤدي التعرض لمستويات مرتفعة من تلك المسببات للالتهاب إلى خطر تدهور الحالة الصحية.
كما وفسر العلماء احتمالية وجود ارتباط بين الإصابة بمستويات الالتهاب المرتفعة وبين العزلة الاجتماعية؛ بأنَّ التطور البشري قد حوَّلنا لكائنات اجتماعية؛ لذا من المحتمل أن يكون الانعزال مصدراً للضغط النفسي، وهذا الضغط يؤثر في الجهاز المناعي.
وتقول الكُلية الملكية للأطباء الممارسين في المملكة المتحدة: إنَّ للعزلة نفس خطورة مرض السكري في التسبب بالموت المفاجئ، فالروابط الاجتماعية القوية في غاية الأهمية للأداء المعرفي للإنسان، والوظائف الحركية، ولعمل نظام المناعة عملاً سلساً.
في الختام "عزلة اجتماعية لـ 10 دقائق لا تضر":
كما ذكرنا هناك عزلة إيجابية نحتاجها جميعنا؛ وهي تخصيص بعض الوقت من يومنا لنجلس به مع أنفسنا، للاسترخاء والتركيز مع ذواتنا وتنميتها، وإعادة النظر في حياتنا وأعمالنا وأهدافنا، وتكون هذه المساحة الزمنية مقدسة في يومياتنا، ولو كانت لمدة 10 دقائق فحسب، ولكن مع الانتباه وكامل الوعي لعدم الوقوع في فخ العزلة الاجتماعية، فمهما كان ما حدث لنا في الحياة، يجب ألا نقرر يوماً العزلة عن الناس والبقاء وحدنا؛ لأنَّنا بذلك نكون قد دخلنا في متاهة غير منتهية من من العِلل النفسية.
أضف تعليقاً