في الواقع، أنت لم تعد إلى ممارسة الرياضة منذ أن مرضت في أحد الأسابيع، وأصبح دفع الاشتراك خيط الأمل لإقناع نفسك بأنَّك لا تزال تفعل شيئاً، أو أنَّك مرتبط بأمرٍ يمكن أن يجلب لك تغييراً إيجابياً. تحتاج فقط إلى القيام بذلك، لكنَّك لا تفعل شيئاً بهذا الخصوص.
تلك الكلمات البسيطة مدمِّرة.
تضجُّ أصوات والديك العالية في رأسك عن عدم انضباطك، وينكمش كتفاك تحت وطأة الندم والذنب وفقدان الثقة؛ ولكنَّك تقنع نفسك -وأنت في أضعف حالاتك العاطفية- بأنَّك لست أسوأ حالاً ممَّا كنت عليه حين بدأت.
هل يبدو هذا مألوفاً؟
من السهل الخروج بأفكارٍ وطرائق لتغيير حياتك؛ لكنَّ تحويل هذه الأفكار والطرائق لتصبح عاداتٍ هو الأصعب. ومع ذلك، عندما تفهم أولاً كيف تُشكِّل العادات، تصبح متمرِّساً في تطبيق عمليةٍ سريعةٍ لإعادة تشكيل وتغيير أيِّ مجالٍ تريده من مجالات حياتك.
كيف نطوِّر العادات؟
تمنحنا العادات شيئاً ما؛ فهي تجعلنا نشعر شعوراً أفضل جسدياً وذهنياً وعاطفياً، وإلَّا لما قمنا بها.
يتعلَّم دماغنا -لا شعورياً- أنَّه يجب الحفاظ على سلوكٍ معين، وعادةً لا ندرك العادات التي نطوِّرها؛ ولكن عندما نتعمَّق لنرى لماذا طوَّرناها أصلاً، نطلق عالماً كاملاً من الاحتمالات.
نحن نبتكر عاداتٍ طويلة الأمد، ونحافظ عليها بإحدى الطرائق الثلاث:
- ممارسة التأمُّل.
- تغيير بيئتنا.
- إجراء تعديلاتٍ وتغييراتٍ صغيرةٍ بمرور الوقت.
عادةً ما يكون الإلهام حدثاً نادراً، وشيئاً خارجاً عن نطاق سيطرتنا؛ وتغيير بيئتنا شيءٌ يمكن أن نفعله، ولكنَّه يستغرق بعض الوقت. إنَّ إجراء تغييراتٍ تدريجيةٍ هو الطريقة الأبسط والأكثر فعاليةً لإجراء تغييراتٍ كبيرةٍ في حياتك.
يجري العمل على عاداتك في تسلسلٍ من ثلاث خطوات:
1. الحافز:
قد يكون الحافز هو تثاؤبك في الظهيرة، ممَّا يشير إلى أنَّك بحاجةٍ إلى رفع حيويتك (لاحظ أنَّ سبب التثاؤب ليس شيئاً يمكنك السيطرة عليه عن وعي).
هذه أخبارٌ رائعةٌ بالنسبة إلينا؛ لأنَّها تعني أنَّ المحفِّزات لا تعتمد على حالتنا المزاجية، أو على مستوى التحفيز. إذا كنت ترغب في تغيير عاداتٍ معينةٍ لتغيير مسار حياتك، فيمكنك استخدام أصغر المحفِّزات التي تحدث يومياً وطوال الوقت؛ لإحداث التغييرات التي تريد.
2. السلوك الروتيني:
يتبادر إلى ذهنك عند التثاؤب -تلقائياً- تناول نوعك المفضَّل من الكافئين، فتخبر زملاءك في العمل أنَّك ستخرج لتناول القهوة.
لقد طوَّرت الآن إدراكاً واعياً لهذا السلوك التلقائي بأنَّك في موقعٍ أكبرَ من السلطة لاختيار ما إذا كنت تريد تعديله لشيءٍ أفضل.
3. المكافأة:
الحصول على مكافآتٍ مثل الشعور بأشعة بالشمس تشرق على وجهك، وبراحةٍ أكبر في جسمك أمرٌ منطقي؛ ذلك لأنَّ ساقيك حصلا على فرصةٍ للتمدُّد.
تتضاءل هذه المكافآت بالمقارنة مع النكات المسلية التي تتبادلها مع صاحب عربة القهوة الغريب والمرِح في أثناء تحضيره قهوتك؛ هنالك شيءٌ ما في ابتسامته يرفع دائماً من روحك المعنوية.
يمكنك استراتيجياً، ومن خلال معرفة هذا التسلسل لجميع عاداتك، استخدام هذه الخطوات لتوجيه سفينة حياتك نحو السعادة.
كيف تبني عادات وتغيِّرها تغييراً دائماً؟
فيما يلي سبع خطواتٍ لإجراء تغييراتٍ في الحياة:
1. توضيح واتخاذ قرارٍ بشأن التغييرات الإيجابية التي تريدها، واستكشاف الفوائد منها:
تحديد الأهداف البسيطة مفيدٌ للغاية في تحديد التغييرات التي تريد تجربتها حقاً.
فكِّر بتمعُّن، وحدِّد التغييرات التي تريدها أولاً، ثمَّ حدِّد أولويَّاتك. إذا لم تكن هناك أسبابٌ عاطفيةٌ تبرِّر إرادتك في إجراء تغييراتٍ معيَّنة، فستكون محاولة الحفاظ على هذه العادة أصعب.
يعمل دماغك دائماً بطرائق تضمن الحفاظ على سلامتك وراحتك وسعادتك. استخدم هذه المعرفة لصالحك، وتوقَّع أن تشعر ببعض الانزعاج من فعل شيءٍ مختلفٍ عن روتينك المعتاد؛ هذا أمرٌ عادي، وكذلك تلك الأعذار والأسباب البالية التي تتبادر إلى الذهن على الفور وتجعلك تراوح في مكانك.
فلتكن على علمٍ بهذا؛ لكن لا تقاومه، بل استكشفه بشكلٍ مستفيض، وحدِّد الفوائد الفورية والثانوية (المؤجَّلة)، وسجِّلها كلَّها.
قد يكون الاستيقاظ مبكراً والتأمُّل مثالَين عن عادةٍ جديدة؛ لذا قد نضع في اعتبارنا أنَّ الفوائد هي:
- يبدو ذهني أكثر وضوحاً (فائدة فورية).
- أشعر بالهدوء (فائدة فورية).
- تصبح إدارة بقية يومي أسهل (فائدة ثانوية).
- يتلاشى الألم في جسمي (فائدة فورية).
- تتوارد إلى ذهني الأفكار والإجابات بحريَّة (فائدة فورية وثانوية).
- يعمل ذهني بشكلٍ أكثر حدَّةً وسرعة؛ فعندما أبطِئ، يمكنني الإسراع فعلياً (فائدة ثانوية).
- أرى إمكاناتٍ لا يمكنني رؤيتها عادةً تحت الضغط (فائدة ثانوية).
كلَّما زادت الفوائد الفورية التي يمكنك التعرُّف عليها، أصبح تغيير عادتك أسهل؛ ذلك لأنَّ عقلك سيحبُّها.
2. الحرص على أن تكون الأهداف والتغييرات التي تختارها مناسبة:
من الممكن اختيار العادات الخاطئة للتغيير. تعلَّم أنَّه إذا وجد الآخرون حميةً غذائيةً رائعةً وناجحةً للغاية بالنسبة إليهم، فلا يعني هذا أنَّك يجب أن تقوم بالمثل أيضاً.
يدقّ ناقوس الخطر عند محاولتك فقدان بعض الكيلوغرامات، لأنَّ شريكك يقول أنَّه يجب عليك ذلك أيضاً. قاوم كونك مرغماً على اتباع الدوافع الموجودة في جداول أعمال الآخرين، واقضِ بعضاً من وقتك في توضيح التغييرات التي تريد تجربتها في حياتك.
أظهرت الأبحاث مراراً وتكراراً أنَّه عندما تطوِّر أهدافك الخاصة، فمن المرجح أنَّك ستتابع تحقيق هذه الأهداف. إنَّها حياتك؛ لذا تولَّ زمام المبادرة، واختر مغامراتك الخاصة.
3. تحديد السلوكات التي تمنحك التغيير الذي تريده، ثمَّ اختيار إحداها:
اختر بحكمة. هناك طرائق عديدةٌ لممارسة الرياضة وتحقيق هدفك في فقدان الوزن، وأطرٌ عديدةٌ لمساعدتك في تحديد أولويات وقتك بشكلٍ أفضل، لتصبح أفضل في مجال إدارة الأموال؛ السرّ هو اختيار شيءٍ تتجاوب معه تجاوباً إيجابياً، ممَّا يولِّد لديك مكوِّناً قويَّاً من مكوِّنات المرح.
إذا اخترت شيئاً تربطه أكثر بالعقاب وتأخير المكافأة، يُمسي التمسك بعادتك الجديدة أصعب وغير مرجَّح. لذا اختر تغيير عادةٍ واحدة، وأتقنها جيداً، واستمرَّ في محاولة إتقانها حتَّى تصل إلى الدرجة التي تصبح فيها هذه العادة جزءاً منك، بحيث تجد أنَّه لمن الخطأ عدم القيام بها.
وظيفتك هي أن تتقن ما تغيِّره؛ لأنَّك حين تقوم بهذا، فسوف تتحدَّث النتيجة عن نفسها.
4. تغيير نمط حياتك من خلال إجراء تعديلاتٍ طفيفة على العادات:
سيسبِّب التوقف عن إدمان ممارسة العادة صدمةً لك، وستكون قد عدت لاستئناف تلك العادة القديمة قبل مُضيِّ فترةٍ طويلة.
إذا كنت تأمل بإجراء تغييراتٍ كبيرة، فإنَّك ستسقط سقوطاً مدويَّاً (عاطفياً وعقلياً)، وسيترافق حرمان نفسك من المتعة -فعلياً- مع منظورٍ سلبيٍّ للعادة الجديدة التي تحاول خلقها؛ فقد ضحَّيت بعادةٍ تُشعِرك بالمتعة من أجل بناء عادةٍ جديدة.
يوصي "بي جيه فوج" (B.J. Fogg)، باحثٌ وعالِمٌ نفسيٌّ في جامعة ستانفورد، بتدريب دماغك على النجاح في إنجاز التعديلات الصغيرة؛ لذا وائم بين عادتك التي ترغب في إنجازها والحافز الحالي؛ ولا تفكِّر في تغيير هذه العادة دفعةً واحدة، بل أعِد هيكلتها بخطواتٍ تدريجية.
باستخدام مثال التأمُّل السابق، لنفترض أنَّك ترغب في زيادة فترة التأمُّل الصباحي لتهدئة قلقك، فإذا كان روتينك الصباحي حافلاً بالفعل، فلتفكِّر فيما إذا كان يمكنك إقرانه بسلوكٍ آخر تقوم به مسبقاً:
- بينما أستحم (الحافز)، أقف ثابتاً لمدة عشرين ثانية، وأغلق عيني لأدع الأفكار تأتي إلى رأسي.
- وأنا أغسل أسناني بلطف (الحافز)، أُغمِضُ عينيَّ، مع الانتباه إلى قضاء 30 ثانيةً في كلِّ جزءٍ من فمي.
- عندما أستيقظ (الحافز)، أجلس في السرير، وأغلق عيني، وأتعمَّق في التفكير، وأبطِئ عملية تنفسي.
سيكون القيام بأحد الاقتراحات السابقة أسهل وأسرع من إشعال شمعة ثمَّ الجلوس في "وضعية اللوتس" -أحد وضعيات الجلوس في اليوغا-، وتشغيل موسيقى هادئة، ومحاولة التأمُّل لمدة 10 دقائق.
سيناضل دماغك دائماً للتكيُّف مع التغيرات الكبيرة وغير المألوفة، حتَّى لو كنت تعلم أنَّها تغييراتٌ جيدةٌ لك؛ لذا اعمل على إجراء تغييرٍ طفيفٍ واحدٍ في المحفِّزات الموجودة لديك مسبقاً، وعدِّل من روتينك قليلاً، وركِّز على هذا لمدة أسبوع.
5. اختيار شيءٍ من السهل البدء به:
ليس تحديد أولويات التغييرات والعادات الجديدة التي تريد القيام بها سهلاً بقدر ما تعتقد. هل تبدأ يومك بممارسة الرياضة؟ أم أنَّك تركِّز على استبدال فترة تناول قهوة بعد الظهر بممارسة الرياضة؟ وهل تُحرِز تقدُّماً فيما يخص مغادرة مكان عملك في الوقت المحدَّد بدلاً من التأخُّر لنصف ساعةٍ إضافيةٍ كلَّ يوم؟
نحن ننجرُّ إلى هنا وهناك بسبب تغيير مطالب العمل، ومرض أطفالنا، وتوتُّر علاقاتنا مع الأصدقاء، أو لأنَّ العائلة تمرّ بأوقاتٍ عصيبة.
ابدأ بعادةٍ صغيرة، واختر البدء بشيءٍ يمكنك التحكُّم به بالكامل، على الرغم من الصفعات التي قد توجِّهها الحياة إليك.
باستخدام مثال التأمُّل الصباحي مرةً أخرى، سيكون من العبث التفكير بأنَّ لديك وقتٌ كافٍ في الصباح إذا كان لديك أطفالٌ عليك تجهيزهم للمدرسة؛ لذا ستكون استراحة الشاي الصباحية هي الوقت الأفضل الذي يمكنك استغلال 2-3 دقائق منه دون انقطاع.
يمكن أن يكون تغيير حياتك أمراً سهلاً، وذلك من خلال اتخاذ خطوةٍ صغيرةٍ واحدةٍ في كلِّ مرة.
6. تعزيز وتثبيت عادتك الجديدة من خلال زيادة اهتمامك بها:
سهِّل على نفسك تثبيت عادتك الجديدة عن طريق زيادة تركيزك واهتمامك بها. تحدَّث عنها مع الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل، ومع جيرانك أيضاً.
اكتب عنها، وابحث عن الأشخاص الذين نجحوا في تغيير هذه العادة بنشاطٍ، وأنشِئ مجتمعاً يمكنك الاندماج فيه ويدعم التغيير الذي تتطلَّع إلى محاولة إنشائه.
عندما تعود إلى التدخين مجدداً، فاعترف وتقبَّل هذا؛ وإذا كنت تستمرُّ في القيام بذلك، فأعِد النظر في حوافزك وروتينك المُعدَّل؛ فقد يساعدك هذا في ضبط هذه العادة.
ربَّما تحتاج إلى خلق بعض التنوُّع، فقد يكون من المحتمل جداً أنَّ سلوكك الجديد لم يعد يمنحك الشعور بالرضا الذي شعرت به في البداية، وربَّما حان الوقت لخلط الأشياء قليلاً.
إذا كنت ترغب في زيادة وقت ممارستك للرياضة، فيمكنك البدء بصعود ثلاثة طوابق إلى الطابق الثالث، ثمَّ اصعد بالمصعد إلى الطابق الخامس، حيث يوجد مكان عملك.
قد يدفعك صعود الطوابق الخمسة الكاملة شيئاً إضافياً، خاصةً إذا كنت تريد تجنُّب إجراء محادثة الصباح مع زميل العمل الذي يستنزف طاقتك.
قد تتطلَّع بعد ذلك إلى المشي في الخارج لمدة 10 دقائق عند انطلاق المنبِّه الذي ضبطته لوقت الغداء في الساعة 1:00 ظهراً، لتشعر بالهواء على وجهك، وترى السماء، وترى أشخاصاً مختلفين.
وعندما تعود بعد الغداء، ستشعر بأنَّك أكثر نشاطاً؛ بينما يعاني زملاؤك من انخفاض طاقتهم بعد تناول الغداء في مكاتبهم.
عليك أن تجيد إنشاء تعديلاتٍ صغيرةً ومثيرةً للاهتمام، فعادةً ما يأتي سحر التغيُّرات العظيمة في الحياة من تغييراتٍ صغيرة.
7. مكافئة نفسك في كلِّ مرةٍ تنفِّذ فيها سلوكاً جديداً:
احتفي بكلِّ الانتصارات، بغضِّ النظر عن مدى صغرها. سيساعد تثبيت التجربة الإيجابية على تخزين تلك الذكرى الممتعة في دماغك، وعلى الشعور بأنَّ عادتك الجديدة هي التي تريد الاستمرار في القيام بها.
انغمس في هذا الشعور لمساعدة عادتك الجديدة على الثبات؛ حيث يشبه الغوص فيها البقاء في ماء الحمام لفترةٍ طويلةٍ حتَّى يسترخي جسمك (قل لعقلك بأنَّ هذا شيءٌ جيد).
انتبه في أثناء تنفيذ عاداتك الجديدة كيف أنَّك تشعر شعوراً أفضل حيال نفسك، وعزِّز الذكريات الهادفة من هذه التجربة.
سيوجهك دماغك بمرور الوقت للحفاظ على هذه العادة، وستشعر بتحسُّنٍ بسبب ذلك، لتستيقظ يوماً ما فتجد أنَّ حياتك تبدو مختلفةً جذرياً؛ ولن يكون الأمر صعباً بقدر ما تظن عندما تنظر إلى الوراء.
أضف تعليقاً