فقدان الذاكرة النفسي: أسبابه، وأعراضه، وأنماطه، وطرق علاجه

يُقال إنَّ النسيان نعمة، نعم هو نعمة عندما نريد تجاوز الأحزان والأوجاع، لكنَّه قد يكون نقمة في حالات أخرى، كأن يتعرَّض الإنسان لصدمة نفسية، فيستيقظ فجأة وهو لا يعرف مَن يكون، وينظر إلى المرآة، ولا يسستطيع تذكُّر اسمه وعمره وأي شيء عن حياته؛ تُعرف هذه الحالة المَرَضية بـ "فقدان الذاكرة النفسي".



ما هي الذاكرة؟

الذاكرة هي أحد أجزاء الدماغ الأكثر غموضاً، والمسؤول عن تخزين المعلومات، واسترجاعها عند الطلب، وهي نوعان؛ الذاكرة قصيرة الأمد، والذاكرة طويلة الأمد.

يوجد ثلاثة أجزاء رئيسة في المخ، هي المسؤولة عن الذاكرة، وهي:

  • الحصين؛ هو الجزء المسؤول عن صنع الذاكرة المرتبطة بالحقائق والأحداث اليومية، وعن الذاكرة المرتبطة بالمسارات والطرق.
  • اللوزة؛ هي الجزء المسؤول عن الذاكرة المرتبطة بالعاطفة والمشاعر.
  • الفص الدماغي؛ هو الجزء المسؤول عن الذاكرة التقريرية، وهي نوع من أنواع الذاكرة طويلة الأمد.

وبما أنَّ الذاكرة تعتمد على هذه الأجزاء من المخ؛ لذا فإنَّ أي مرض أو إصابة تؤثِّر في الدماغ، يمكن أن تُسبب فقداناً للذاكرة، وهناك نوعان لفقدان الذاكرة:

فقدان الذاكرة العضوي:

يحدث فقدان الذاكرة العضوي نتيجةً لتلف في الدماغ أو لسبب بيولوجي عصبي ناتج عن سكتة دماغية، أو التهاب الدماغ، أو نقص الأوكسجين الذي يصل إلى المخ، وتكون عودة الذكريات هنا نادرة أو تدريجية وبطيئة.

فقدان الذاكرة النفسي:

وهو ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال.

إقرأ أيضاً: سلوكيات خاطئة تؤثر على عمل الدماغ

ما هو فقدان الذاكرة النفسي؟

فقدان الذاكرة النفسي أو ما يُعرف بفقدان الذاكرة الانفصامي أو الانفصالي: هو حالة من الاضطرابات النفسية، تُصيب الإنسان في مراحل مختلفة من عمره، وتؤثر تأثيراً مُفاجئاً في ذاكرته، وتحدث نتيجة للضغوط أو الصدمات النفسية الشديدة التي لا يستطيع الإنسان استيعابها أو التأقلم معها، ويُحاول أن ينكر ما حصل، مما يجعله يُعاني من النسيان، ويُصبح غير قادر على تذكُّر أي شيء خاصة المعلومات الشخصية عنه، مثل: الاسم، والعمر، وعنوان السكن، وفي بعض الأحيان لا يتذكَّر أفراد عائلته ويبدأ بالتساؤل مَن يكونون هؤلاء؟

إذن لا يحدث هذا النوع من فقدان الذاكرة بسبب إصابة أو مرض في الدماغ، فالذاكرة لا تزال موجودة، لكن يُمكن القول إنَّها "محجوبة" بحيث تكون قادرة على الظهور مرة أخرى من خلال بعض المحفزات.

فقدان الذاكرة النفسي هو فقدان مؤقَّت في الذاكرة؛ إذ يسترجع الأشخاص الذين يُعانون منه، ذاكرتهم من تلقاء أنفسهم بعد مدة قصيرة، تتراوح بين ساعات وشهور، أو بمساعدة معالج نفسي.

تُشير الإحصاءات إلى أنَّ فقدان الذاكرة النفسي من الاضطرابات قليلة الحدوث؛ إذ يُمكن أن يُصيب 1% من الرجال، في مقابل 25% من النساء.

أسباب فقدان الذاكرة النفسي:

تُعد الصدمة النفسية السبب الرئيس  لفقدان الذاكرة النفسي، مثل:

  • تعرُّض المصاب للاعتداء جسدياً أو نفسياً، مثل الاغتصاب.
  • فقدان أو موت شخص عزيز.
  • تعرُّض الإنسان لأزمة شديدة في عمله، أو في ممتلكاته.
  • قد تكون حالات الانفصال والطلاق، من أسباب الإصابة بفقدان الذاكرة النفسي.
  • أن يتعرَّض الإنسان لمحاولة قتل، أو يكون شاهداً عليها، أو مشاركاً فيها.
  • الحروب؛ وما يعيش فيها الإنسان من دمار وموت أحبة.
  • الكوارث الطبيعية، كالزلازل والبراكين والفيضانات، وما يُعانيه فيها الإنسان من قلق وخوف.
  • تُشير بعض الدراسات إلى أنَّ هناك علاقة وثيقة بين مرض فقدان الذاكرة النفسي، والعامل الوراثي لدى عائلة المريض.

وهناك أسباب أخرى قد تؤدي إلى فقدان الذاكرة النفسي، مثل:

  • المعاناة من حالة مرضية نفسية ذات تأثير عصبي، مثل: إصابة سابقة بمرض الصرع، أو التشجنات العصبية الدماغية.
  • أسباب عصبية؛ ترتبط بظهور تلف في الأعصاب أو الدماغ، مما يؤدي في البداية إلى فقدان الذاكرة العضوية، والذي يُؤدي مع مرور الوقت إلى الإصابة باضطراب فقدان الذاكرة النفسي.
  • تؤثر الإصابة بالصداع النصفي المزمن في الدماغ؛ مما يؤدي إلى المعاناة من فقدان الذاكرة النفسي.

أنماط فقدان الذاكرة النفسي:

تتعدد أنماط فقدان الذاكرة النفسي، وهي:

1. فقدان الذاكرة الجزئي أو المحدد:

عندما يؤثر فقدان الذاكرة في أجزاء معينة من حياة الشخص، كأن ينسى فترة من فترات الطفولة، أو أمراً يتعلق بزميل في العمل، أو حادثة معينة؛ كأن يتعرَّض الشخص لمحاولة قتل أو سرقة، يُمكن أن ينسى هذه الحادثة بينما يتذكر كل أحداث اليوم الأخرى.

2. فقدان الذاكرة العام:

أن يؤثر فقدان الذاكرة في أجزاء رئيسة من حياة الشخص أو هويته، مثل: عدم قدرته على التعرف إلى اسمه، ووظيفته، وعائلته، وأصدقائه.

3. الشرود الانفصالي:

أن يفقد الشخص ذاكرته الكلية، بكل شيء يخص حياته، ولا يعرف شيئاً عن ماضيه، لدرجة قد يصل الأمر بالمُصاب إلى أن يتبنَّى هوية جديدة، ويبدأ الابتعاد عن جميع أماكنه المعتادة، أو أن يصدم بسيارته شخصاً آخر ويتسبب في وفاته، وبسبب هذه الصدمة ينكر نفسه وينسى كل ما يتعلق به وبماضيه، ويذهب لمدينة أخرى ويعمل بعمل بعيد عن تخصصه، وباسم آخر.

إقرأ أيضاً: عادت يوميَّة مسؤولة عن إصابتك بفقدان الذاكرة

من أعراض فقدان الذاكرة النفسي:

  • يعد فقدان قدرة المريض على تذكُّر المعلومات الشخصية عن نفسه من أهم أعراض فقدان الذاكرة النفسي.
  • يعد القلق المزمن من أكثر الأعراض المرافقة لفقدان الذاكرة النفسي؛ إذ يكون المريض دائم القلق من كل شيء وكل شخص في محيطه، وبدون أي مبررات أو أسباب.
  • يُعاني مصابو فقدان الذاكرة النفسي من صعوبة في تشكيل العلاقات والحفاظ عليها.
  • يبدو على بعض المرضى حالة من التخبط الذهني، واللامبالاة بشكل مثير للاستغراب.
  • قد تُرافق فقدان الذاكرة النفسي أعراض أخرى، مثل: التعب، والضعف، ومشكلات في النوم، والاكتئاب، والميول الانتحارية.

تشخيص فقدان الذاكرة النفسي:

يعتمد الطبيب في تشخيص فقدان الذاكرة النفسي على مجموعة من الطرائق والوسائل، من أهمها:

  • التخطيط الدماغي: يُساعد تخطيط الدماغ على معرفة أماكن الإصابة فيه، وقياس أدائه في العمل بكفاءة؛ لذا فهو من الوسائل الهامة في تشخيص ومتابعة فقدان الذاكرة النفسي.
  • الرنين المغناطيسي: يُستخدم الرنين المغناطيسي للحصول على صورة للجهاز العصبي، مما يُساعد في تحديد الأسباب العضوية لفقدان الذاكرة في حال وجودها.
  • التحاليل: تُستخدم تحاليل الدم في التشخيص، وذلك لاستبعاد احتمال تناول العقاقير أو المنشطات، والتأكد من عدم وجود عدوى أو نقص في الفيتامينات.
  • سؤال المريض: يُوجِّه الطبيب مجموعة من الأسئلة العامة للمريض، ويُقيِّم من خلالها حالته النفسية، مثل: سؤاله عن اسمه، وعمره، ولونه المفضل.

علاج فقدان الذاكرة النفسي:

  • إنَّ الدعم النفسي هو كل ما يطلبه المصاب بفقدان الذاكرة النفسي؛ وذلك لمساعدته على تذكُّر الجزء المفقود من ذاكرته، من خلال جلسات يقضيها المصاب مع طبيبه النفسي، الذي يسعى لمساعدته في تقبُّل حالته وعدم رفضها، وقد يلجأ الطبيب لطرائق أخرى كالتنويم المغناطيسي أو إعطاء المهدئات، ليدخل المريض في حالة استرخاء، ويبدأ الكلام معه، ومحاولة إرجاعه إلى الماضي، وتحفيز واستدعاء الذاكرة المفقودة.
  • كما ويتجنَّب الطبيب الضغطَ على المريض؛ وذلك لأنَّه غالباً ما تُسبب الذاكرة المفقودة ألماً وانزعاجاً شديداً له، ويحتاج أن يُطمئنه ويحصل على ثقته، ويُشعره أنَّه موجود لمساعدته، خاصة إذا كان المريض قد تعرَّض للإيذاء في مرحلة سابقة، فغالباً ما يُشكك في الطبيب الُعالِج ويتوقع أنَّه قد يستغله أو يؤذيه.
  • يهدف العلاج النفسي إلى مساعدة المصاب في التعامل مع الأحداث المؤلمة السابقة، والتعايش معها، وأيضاً تأهيله وتدريبه للتعامل مع الصدمات المستقبلية وتجاوزها.
  • يُستخدم اليوم العلاج بالموسيقى كطريقة جديدة في العلاج النفسي؛ وذلك بأن يُحاولوا معرفة نوع الموسيقى أو الأغاني التي كان يُحبها المريض، وترتبط لديه بذكريات خاصة، ويُسمعوها له، قد ينجح ذلك في مساعدته على استرجاع أفكاره ومشاعره القديمة.
  • بالنسبة إلى العلاجات الدوائية؛ لا يوجد علاج دوائي يُشفي من فقدان الذاكرة النفسي، ولكن قد يصف الطبيب بعض الأدوية لعلاج الاضطرابات التي تُصاحب فقدان الذاكرة النفسي، مثل: القلق والاكتئاب.

أطعمة مفيدة لصحة الدماغ:

لاحظ العلماء أنَّ هناك أطعمة مفيدة لصحة الدماغ لتحسين أدائه وتنشيط الذاكرة، من أهم هذه المواد:

  • الشوكولاتة الداكنة: تُساعد الشوكولاتة الداكنة التي تحوي نسبة عالية من الكاكاو على تخفيض ضغط الدم، وتحسين تدفقه إلى الدماغ والقلب؛ وذلك لاحتوائها على نسبة عالية من مضادات الأكسدة.
  • الجوز: يُساعد تناول مقدار بسيط من الجوز يومياً، على تحسين أداء الدماغ والذاكرة؛ لاحتوائه على نسبة عالية من مضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن.
  • الأفوكادو: يُحسِّن الأفوكادو الوظيفة الإدراكية للدماغ خاصة الذاكرة والتركيز؛ فهو غني بفيتامين B، وفيتامين K، ويحتوي نسبة عالية من البروتين.
  • الشوندر: يعد الشوندر من الأطعمة الهامة جداً لصحة الدماغ؛ لاحتوائه على نسبة عالية من مضادات الأكسدة، بالإضافة إلى النترات الطبيعية التي لها دور في زيادة تدفُّق الدم إلى الدماغ.
  • مرق العظام: يحتوي مرق العظام على الجليكاين والبرولين، المفيد للجهاز المناعي وتحسين الذاكرة.
  • البروكلي: يُعد البروكلي من أفضل الأطعمة لصحة الدماغ؛ وذلك لاحتوائه على نسب عالية من فيتامين K، والكولين، وفيتامين C، والألياف التي ترفع الأداء العقلي.
  • الكرفس: يفيد الكرفس في صحة الدماغ؛ لاحتوائه على نسبة عالية من مضادات الأكسدة، والسكاريد، والفيتامينات، والمعادن.
  • زيت الزيتون: يعد زيت الزيتون الصافي وذو النوعية الجيدة، من أفضل ما يُمكن أن نقدِّمه للدماغ، ولتحسين وظائف الذاكرة يجب تناوله بارداً بإضافته إلى السلطات؛ وذلك لأنَّه يفقد خواصه عند تعرُّضه للحرارة.
  • سمك السلمون: يعد سمك السلمون من أهم الأطعمة لصحة الدماغ، وتقوية الذاكرة؛ وذلك لاحتوائه على نسبة من الأحماض الدهنية أوميغا 3.
  • صفار البيض: يعد صفار البيض مفيداً لصحة الدماغ؛ لاحتوائه على نسبة عالية من الكولين.
  • الكركم: يعد الكركم مخزناً لمضادات الأكسدة، ومن ثم يُساهم في توفير الأوكسجين للدماغ.

ممارسات مفيدة للدماغ والذاكرة:

  • ممارسة الرياضة: يزيد النشاط الحركي والبدني من تدفُّق الدم إلى كافة أعضاء الجسم، كما أنَّه يقوِّي الذاكرة وينشِّطها.
  • النوم الجيد: من المعروف أنَّ النوم يُساعد على ترسيخ الذكريات، ليستطيع الدماغ استرجاعها في أي وقت مستقبلاً، ومعدل النوم الصحي هو من سبع إلى تسع ساعات نوم يومياً.
  • اتباع نظام غذائي صحي: يجب تناول الأطعمة التي تحتوي على العناصر الغذائية الضرورية للجسم، والابتعاد عن الدهون والطعام الجاهز، والكحول، والتدخين.
  • الأنشطة العقلية: تحفيز العقل من خلال الأنشطة العقلية، كالكلمات المتقاطعة، أو العزف على آلة موسيقية، أو تعلُّم لغة جديدة.
  • العلاقات الاجتماعية الصحية: تحمي العلاقات الاجتماعية الصحية صاحبها من فرص الإصابة بالاكتئاب والضغط النفسي، وهما ما يجعلان الإنسان أكثر هشاشةً واستعداداً للإصابة بفقدان الذاكرة النفسي.
إقرأ أيضاً: 7 عادات خطيرة تؤذي الدماغ توقف عنها حالاً

قوِّي مناعتك النفسية:

تذكَّر دائماً أنَّ الحياة مليئة بالتناقضات، بالفرح والحزن، وباليُسر والعُسر، فكلنا مُعرَّضون لنعيش أقصى مشاعر الفرح والسعادة في لحظات، وفي لحظات أخرى قد نختبر أقسى مشاعر القهر والألم والخيبة؛ لذا عليك أن تُقوِّي مناعتك النفسية ضد الصدمات والضغوط النفسية بالإيمان والصبر والثقة بالنفس والتفكير الإيجابي، حتى لا تقع فريسةً للأمراض النفسية من فقدان الذاكرة وغيره.

ازرع في رأسك دائماً أنَّك قوي وقادر على تجاوز أي أمر.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة