ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "ألبرت كوستيل" (Albert Costill) مسوق المحتوى في موقع "كاليندر" (Calendar) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في مواجهة الاحتراق الوظيفي.
ولأنَّه لم يَعُد هناك حقاً ما يُسمَّى بالفصل بين العمل والحياة الشخصية، فإنَّ نسبة الاحتراق الوظيفي ترتفع ارتفاعاً كبيراً؛ حيث وجد استطلاعٌ نُشِر في موقع "سبرينغ هيلث" (Spring Health) بتكليف من شركة أبحاث وتحليلات السوق الأمريكية "ذي هاريس بول" (The Harris Poll) الأرقام الصادمة التالية:
- يعاني أكثر من ثلاثة أرباع؛ أي ما يقارب نسبة 76% من الأمريكيين العاملين حالياً من الاحتراق الوظيفي.
- يعاني ما يقارب من 1 من كل 10 أي 9% من الموظفين الأمريكيين الاحتراق الوظيفي الكامل.
يمكن أن يؤدي إهمال نفسك إلى التعب الجسدي والعاطفي، ويتبعه بعد ذلك القلق الدائم وسرعة الغضب وتقلُّب الحالة المزاجية، ويُعَدُّ ذلك كافياً للتأثير سلباً في علاقاتك وإنتاجيتك أيضاً، فلا تفقد الأمل إذا كنتَ تعاني الاحتراق الوظيفي، ولحسن الحظ، لن تخسر كل شيء إذا كنتَ تعاني من الاحتراق الوظيفي، وإليك فيما يلي 9 طرائق للتصدي لهذه المشكلة بشكلٍ كامل:
1. تحديد أسباب الاحتراق الوظيفي:
تختلف أسباب الإصابة بالاحتراق الوظيفي من شخصٍ إلى آخر، ومع ذلك، فقد جمع البحث الذي أجرته طالبتا الدكتوراه في جامعة "واشنطن" (Washington University) "يو تسي هينج" (Yu Tse Hing) و"كيرا شابرام" (Kira Shabram) علامات الاحتراق في الأعراض الثلاثة الآتية:
- الإنهاك، وهو استنزاف للقدرات العقلية أو المادية.
- العزلة التي سببها الشك في الآخرين وانخفاض الترابط الاجتماعي.
- انخفاض الشعور بالفاعلية؛ حيث يتم استنزاف القيمة الذاتية.
من أجل التعافي من الاحتراق الوظيفي يجب علينا تحديد الموارد التي استُنفِدَت وتعويض النقص الحاصل فيها، على سبيل المثال: عندما يكون الإنهاك هو المصدر الرئيس للاحتراق الوظيفي، فإنَّ إعادة تنشيط أساليب الرعاية الذاتية هي أكثر الأدوات فاعليةً للتعافي، فقد وجدَت الدراسات أنَّ الاهتمام بالذات وممارسة بعض النشاطات مثل التأمل والقيلولة يمكن أن يقلل من الاحتراق الوظيفي الذي تعانيه.
ومن ناحية أخرى، قد لا تكون الرعاية الذاتية هي الاستراتيجية الأكثر فاعليةً عندما يكون النفور هو السبب في استنزاف طاقتك، فعند الشعور بالنفور من الآخرين، قد يؤدي التركيز على نفسك إلى الانعزال أكثر، بينما يمكن أن يساعدك التعامل اللطيف مع الآخرين على استعادة الشعور بالترابط والانتماء في مجتمعك، فالتخفيف من التحديات التي يواجهها الآخرون هو أفضل إجراءٍ يمكن اتِّباعه.
كما أظهر البحث أنَّه عندما عانى الموظفون من شعور عدم الكفاءة، فإنَّ التصرفات التي ركزَت على تعزيز شعورهم الإيجابي بالذات كانت الأكثر تأثيراً، ومن المثير للاهتمام أنَّ هذا يعني إما التعاطف مع الذات أو التعاطف مع الآخرين، والسر ببساطة هو إنجاز شيء من شأنه أن يعزز إحساسك بالقيمة الشخصية.
2. تحديد أولوياتك:
يُنسَب إلى الباحث والكاتب الأمريكي "جيم كولينز" (Jim Collins) القول الاستثنائي التالي: "إذا كان لديك أكثر من ثلاث أولويات، فليس لديك أولويات"، أفهم أنَّك تعتقد أنَّ كل شيء يمثل لك أولوية، ولكن عندما تحاول إنجاز أكثر من مهمة في وقتٍ واحد، فلن تُحرِز تقدُّماً مجدياً، بالإضافة إلى أنَّه سيكون ذلك عملاً شاقاً.
ولكن، ماذا لو حددتَ ثلاث أولويات هامة فقط؟ فعلى الرغم من أنَّه ليس أمراً سهلاً أيضاً، إلا أنَّه بالتأكيد أكثر قابليةً للتعامل والإدارة وأقل تعباً، فقبل أن تُثقل نفسك بالمتاعب، خذ وقتاً مستقطعاً وفكِّر في الأشياء الثلاثة التي يجب عليك فعلها، فمثالياً، يجب أن تكون هذه الأفعال هي التي تقربك من أهدافك أو قيمك، وأضف هذه الأشياء الثلاثة الأولى إلى جدول أعمالك فور تحديدها، فهي سوف تحمي بذلك أولوياتك وتجعلها غير قابلة للتأجيل.
3. السعي إلى ما هو أكثر من التوازن بين العمل والحياة الشخصية:
يقول "جون هول" (John Hall)، أحد مؤسسي موقع "كاليندر" (Calendar): "كان التوازن بين العمل والحياة الشخصية لسنوات هو الحجر الذي يصيب عصفورَي العمل والحياة الشخصية في الوقت نفسه، ولكن لسوء الحظ، إنَّها خرافة، وقد أثبتَت الجائحة هذا الحال.
بالنسبة إلى المبتدئين، ستكون هناك أوقات يمتزج فيها العمل مع الحياة الشخصية والعكس صحيح، مثل الطهي في أثناء الرد على رسالة بريد إلكتروني هامة، فلن تؤدي محاولة الحفاظ على هذا التوازن غير الموجود إلا إلى زيادة التوتر لدرجة الاحتراق الوظيفي، والنهج الأكثر مثاليةً هو دمج الحياتَين معاً، ومن الأمثلة على ذلك، مطالبة طفلك بترتيب مكتبك وتنظيمه أو إجراء مكالمة عمل في أثناء اصطحاب كلبك في نزهة على الأقدام.
هناك خرافات إضافية عن تحقيق التوازن ذكر "جون هول" أنَّها بحاجة إلى دحض:
- تقسيم الحياة إلى أجزاء مفصولة عن بعضها: لا يمكنك تقسيم وقتك بالتساوي بين العمل والحياة الشخصية، وبدلاً من ذلك، تحتاج إلى تخصيص الوقت المناسب لأهم أولوياتك.
- إمكان إنجاز كل ما تفكر في إنجازه: لسوء الحظ، عليك أن تقدِّم تضحيات معيَّنة في الحياة.
- يكمن سر النجاح في إدارة الوقت: للأسف يتعلق الأمر كله بإدارة طاقتك وتركيزك على المهام.
- تُوفِّر التكنولوجيا المزيد من الوقت: في حين أنَّ هذا الأمر يمكن أن يكون مفيداً، إلا أنَّه لا يمكنك أتمتة كل جانب من جوانب الحياة.
- التوازن بين الحياة الشخصية والعمل هو أكثر ما يُهِمُّ الموظف: صحيحٌ أنَّ المرونة هامة، إلَّا أنَّ الممارسةً ذات المعنى والتقدير والتعاطف تُعَدُّ أهم منها.
- النجاح حليف الأشخاص الذين يستيقظون باكراً فقط: ما لم تكن شخصاً يستمتع بساعات الصباح، فلا تقاوم ساعتك البيولوجية.
- العمل يكون فقط في أوقات الدوام: ستكون هناك أيام تعمل فيها 12 ساعة، وبالمقابل ستكون بعض أيام العمل 4 ساعات فقط.
- كلما قلَّ عملك، كنتَ أكثر سعادةً: حتى لو كنتَ تعمل لمدة 20 ساعة في الأسبوع، هل ستكون سعيداً إذا قضيتَ معظم وقتك في تصفُّح منصات التواصل الاجتماعي؟".
- يحتاج كل شيء إلى تنظيم: يمكنك ترك بعض المساحة الخالية خارج مهامك ومواعيدك الأساسية حتى يكون لديك بعض المرونة.
شاهد بالفديو: ارشادات لتجنب التوتر الناجم عن العمل
4. الاهتمام باحتياجاتك الأساسية:
كتبَت خبيرة إدارة الوقت "إليزابيث جريس سوندرز" (Elizabeth Grace Saunders) في صحيفة "نيويورك تايمز": "يمكنك التخفيف من استنفاد الطاقة المرتبط بالاحتراق الوظيفي وتسهيل استعادة النشاط من خلال إعطاء الأولوية لثلاثة احتياجات أساسية مشتركة بين جميع الناس وهي: النوم والأكل والحركة"؛ لذا، دعني أشرح بإيجاز كيفية الاعتناء بكل منها:
4. 1. تحسين نظام النوم لديك:
يُعَدُّ النوم غير الكافي مؤشراً على الاحتراق الوظيفي، وهذا أمرٌ منطقيٌّ بالفعل، فإذا كنتَ تماطل في وقت النوم أو تواجه كوابيس متعلقة بالعمل، فهاتان إشارتان تحذيريتان، ولمعالجة هذا الأمر، تعرف أولاً إلى مقدار النوم الذي تحتاجه كل ليلة، وبعد ذلك حسِّن نوعية نومك من خلال:
- وضع جدول ثابت للنوم.
- تجنُّب استعمال هاتفك على الأقل قبل ساعة من النوم.
- الحفاظ على غرفتك باردة وهادئة ومظلمة.
- تخصيص غرفة النوم للنوم فقط.
- إعادة ترتيب سريرك وفراشك ووسادتك.
- الاسترخاء التدريجي للعضلات (Progressive muscle relaxation).
- مواجهة مخاوفك عن طريق كتابتها في مفكرةٍ مثلاً.
4. 2. تحسين نوعية ووقت الطعام:
تقول "سوندرز": "ما تضعه في فمك من طعام له أيضاً تأثير في مزاجك وطاقتك، فتجنَّب الأطعمة التي تجعلك تشعر بالتعب أو التُخمة، وبدلاً من ذلك، تناول أطعمةً خفيفة وصحية أكثر تزيد من مستويات الطاقة لديك، وبالمثل، فإنَّ تناول وجبات صغيرة وعلى فترات متتالية يمكن أن يساعد على الحفاظ على طاقتك العالية".
4. 3. ممارسة التمرينات الرياضية:
تقول "سوندرز" أخيراً: "خصِّص وقتاً لجسمك وعقلك لاستعادة التوازن؛ إذ يذكر الأشخاص الذين يمارسون الرياضة في الهواء الطلق أنَّها تمنحهم في الوضع المثالي شعوراً أكبر بالحيوية وزيادة الطاقة وتقليل التوتر والارتباك والغضب والاكتئاب"، ومع ذلك، إذا كنتَ تشعر بالتوتر يتسلل إليك، فابحث عن طرائق للتخلص من هذه الطاقة السلبية، كالذهاب في نزهةٍ سريعة أو ممارسة تمرينات يمكنك القيام بها على مكتبك مباشرة.
5. التصرف على سجيتك:
تقول "سوندرز" أيضاً: "عليك أن تعرف ما الذي يعيد حماستك ويجعلك تستثمر تلك النشاطات لمنع الشعور بالاحتراق الوظيفي"، وهذا يعتمد على شخصيتك، فإذا كنتَ شخصاً منفتحاً اجتماعياً، فقد تحتاج إلى التنزه مع الأصدقاء أو العائلة يومياً بعد العمل لتجنُّب الاحتراق الوظيفي، ومن ناحية أخرى، قد يحتاج الشخص شديد الانطوائية إلى وقت بمفرده لإعادة دعم وتعزيز طاقته.
يوجد عنصر آخر لمنع الشعور بالاحتراق الوظيفي وهو أن تدرك واقع ظروف عملك الحقيقية - ما يمكنك تغييره بالفعل، وأين تستطيع إيجاد مصادر بديلة لتلبية احتياجاتك - ووفقاً لنموذج "مجالات الحياة العملية" (Areas of Worklife)، يمثِّل عبء العمل واحداً من ستة مسببات للاحتراق الوظيفي، وتُعَدُّ السيطرة، والمكافأة، والإنصاف، والتواصل الاجتماعي، والقيم، العناصر الخمسة الأخرى، وتتمحور هذه الأسباب الأخرى حول الشعور بالدعم والتقدير والأمان.
مثالياً (من الناحية المثالية)، يمكنك إما تغيير بيئة عملك الحالية أو العثور على وظيفة جديدة؛ حيث تلبي كل هذه المجالات توقعاتك، ولكن يُعَدُّ هذا غير ممكن في بعض الحالات، وفي هذه الظروف، لديك خيارات أخرى، فقد تضطر إلى تعديل توقعاتك، على سبيل المثال: إذا لم تكن اجتماعات الغداء تستهوي الزملاء، فابحث عن طرائق أخرى للتواصل معهم، فربما تكون أنت وأحدهم من مشجعي فريق كرة القدم نفسه؛ حيث يمكنكم حضور مباراة معاً، أو على الأقل لديكما موضوعٌ ذو اهتمام مشترك تتحدثان عنه.
6. الذهاب في إجازة:
تشير الأبحاث دائماً أنَّ الإجازات أمر حيوي لصحتنا وسلامتنا عموماً، ويمكن أيضاً أن تُوفِّر لنا هذه الإجازات مسافةً كافية بيننا وبين العمل بحيث نستطيع فعلاً نيل قسطٍ من الراحة، وبعد أن احتُجِزنا في منازلنا لمدة عام، نحتاج الآن إلى قضاء إجازة أكثر من أي وقت مضى، ولكن تكمن هنا مشكلة أخرى، فكيف يمكنك بالفعل الذهاب في إجازة دون أن يشغل تفكيرك العمل؟
أولاً، بما أنَّك تعرف ما هي أولوياتك، عالِجها في أسرع وقت ممكن، ومهما كان ما يجب عليك القيام به، فيمكن إعادة تنظيمه أو تفويضه أو إلغائه، وفي الوقت نفسه، إيَّاك والإفراط، فتأكَّد من أنَّك لا تزال تُحدِّد وقتاً للراحة واستعادة الطاقة، كما يمكنك أيضاً زيادة قدرتك على تحمُّل العيش بعيداً عن وسائل التكنولوجيا الحديثة، على سبيل المثال: عندما تذهب في نزهة على الأقدام أو تتجول في متجر، اترك هاتفك في المنزل، ويمكنك أيضاً تخصيص فترات زمنية تقضيها وحدك تكون فيها غير متاح للتعامل مع أحد.
وعندما تكون في الخارج، اضبط إعداد البريد الإلكتروني بحيث يجري الرد آلياً على أيَّة رسالة بعبارة "أنا خارج المكتب"؛ حيث يتيح هذا الأمر للآخرين، أن يعرفوا أنَّك غير متوفر في الوقت الحالي والجهة التي يجب الاتصال بها في حالة الطوارئ، بالإضافة إلى منع البريد الوارد من أن يمتلئ كثيراً، وإذا كنتَ لا تشعر بالأمان في السفر جواً، فجرِّب رحلةً برية أو رحلةً قصيرة لا تستدعي الإقامة خارج المنزل.
7. البحث عن لحظات الفرح الصغيرة:
لا يتأقلم جميع الأشخاص في العمل عن بعد، فقد يستمتع بعضنا بتلك المحادثات الشخصية مع الأصدقاء في العمل أو حفلات المكتب، وقد يفتقد الآخرون إلى بعض الضوضاء أو إلى بعض الهدوء الذي يوفره الطريق إلى العمل، وتوضح "جينا لي" (Jena Lee) الطبيبة النفسية في جامعة "كاليفورنيا" في "لوس أنجلوس" (UCLA): "كل هذه الأشياء هي محفزات لاشعورية تُمثل كما تعلم جزءاً كبيراً؛ مما يجعل أيامنا ذات قيمة ويجعلنا نشعر بأنَّنا تماماً جزء من العالم وجزء من بيئتنا".
لسوء الحظ، قد لا تكون العودة قريبة إلى حياة ما قبل الجائحة، تقول المذيعة "كلير ميللر" (Clair Miller): "مع تخطيط ما يقارب من 80% من الشركات للاستمرار بخيارات العمل عن بعد بعيداً عن الوباء، سوف يحتاج الكثير منا إلى هذا القسط من الدعم؛ لذا فإنَّ السؤال الذي يجب طرحه على أنفسنا هو، ما الذي يجعل أيامنا مثمرة؟"، فأعطِ دائماً مُتَع الحياة الصغيرة قيمةً، سواء كانت تلك الأفراح هوايةً مثل البستنة، أم الضحك، أم الاجتماع مع صديق.
8. تعزيز نظام الدعم الخاص بك:
قد يكون الأمر واضحاً، لكنَّ نظام الدعم القوي أمرٌ ضروري؛ بل إنَّه أيضاً يعزز النتائج الصحية، وأعتقد شخصياً أنَّه يمكن استخدامه لجعل التنفيس عن الغضب أكثر فاعليةً، ويُعَدُّ أيضاً مصدر تسلية صحي، وإذا مرت فترة من الزمن، فاحرص على تعزيز نظام الدعم الخاص بك عن طريق الاتصال بصديق يجعلك تضحك، ويمكنك تنظيم عشاء مع عائلتك أو توسيع شبكتك المهنية عبر منصة "لينكد إن" (LinkedIn).
9. مساعدة الآخرين من حولك:
تُظهِر الأبحاث أنَّ مساعدة الآخرين يمكن أن تُخفف من التوتر اليومي، وتشمل الأمثلة تقديم تغذيات راجعة إيجابية وتقديم يد العون للزملاء، حتى إذا لم تتمكن من الحصول على هذا داخل مؤسستك، فابحث عنه في مكان آخر، مثل التطوع في النشاطات الاجتماعية.
أضف تعليقاً