الطريقة التي تتعامل بها كل مجموعة مع التَّحديات والعقبات في الحياة هي ما يفصل بينهما، وقد تُفاجأ عندما تعلم أنَّ الأشخاص من ذوي العقليات المتحجرة هم في الغالب الأشخاص الذين يؤمنون بأنَّهم ذوي عقليات منفتحة. فقد تعلّموا أنَّ الانفتاح عبارةٌ عن خصلة مرغوب فيها، وقد تبنوها بالطريقة التي يتبنى بها الأشخاص ذوو العقول المتحجرة أيَّ شيء في حياتهم. إنَّهم يؤمنون بأفكارهم بشدة، ويفضلون الموت بدلاً من الإقرار بأنَّهم ذوي عقليات متحجرة.
السؤال المطروح هنا هو كالآتي: هل أنت ممن يظنون بأنَّهم من ذوي العقليات المنفتحة؟ وكيف تعلم إن كنت كذلك؟
في كتابه (Principles)، يضع راي داليو الملياردير العصامي ومؤسس أكبر صندوق تحوُّط في العالم، 7 قواعد راسخة تمكنك من معرفة ما إذا كنت منفتح الذهن أم لا. لذا لنتعرّف على تلك القواعد في قادم السُّطور:
1. يركز الأشخاص ذوو العقليات المتحجرة على أن يفهمهم الآخرون أكثرَ من التركيز على أن يتَفَهَّموا الآخرين:
ما الذي يحدث عندما لا تتفق في الرأي مع أحد الأشخاص؟ هل يحاول ذلك الشَّخص على الفور إعادة صياغة ما قاله بُغية تغيير رأيك، أم أنَّه يستمع إليك لكي يعلمَ سبب رفضك؟
عندما يكرِّر أحدهم ما قد أخبرك إياه لتوه -وإن كان بعبارة مختلفة- فهذا يعني أنَّه يفترض أنَّك لا تفهمه، عوضاً عن أن يفترض عدم موافقتك على ما قد أخبرك إياه.
وعلى المقلب الآخر، يشعر الأشخاص المنفتحون بأنَّهم مجبرون على رؤية العالم من منظور الآخرين. وحين لا تتفق معهم، يفترضون سريعاً أنَّهم هم الذين لم يفهموك بطريقة صحيحة، وسوف يستكشفون معك مكمن ذلك الخلاف.
2. من المرجح أن يُدليَ الأشخاص ذوو العقليات المتحجرة بتصريحاتٍ بدلاً من طرح الأسئلة:
إنَّ ذوي العقليات المتحجرة هم تلك النوعية من الناس الذين سيخبروك -وبسرعة- رأيهم حول أي شيء، بدلاً من أن يسألوك عن رأيك. يمكنك تمييزهم لأنَّهم غالباً ما يدلون ببيانات ويقدمون آرائهم. تأمَّل مثلاً في آخر اجتماع حضرته. هل كان من يتحدث يدلي ببيانات ويشارك آرائه، أم يطرح أسئلة كي يتعلم من الآخرين؟
يؤمن المنفتحون بأنَّهم قد يكونون على خطأ، لذلك يطرحون أسئلة تساعدهم على الفهم بطريقةٍ أفضل. ورغم أنَّ الأشخاص المنفتحون قد يكونون على درايةٍ كافية بجوانب وأبعاد الموضوع قيد النِّقاش، إلا أنَّهم يمتلكون فضولاً فطريَّاً من أجل معرفة المزيد، سواءً أكانوا خبراء أم أشخاص جدد على الموضوع ذي الصِّلة.
3. يجد ذوو العقليات المتحجرة صعوبة في تبنِّي فكرتين متناقضتين:
قال فرانسيس سكوت فيتزجيرالد ذات مرة: "ما يُميِّزُ العباقرة هو قدرتهم على الجمع بين فكرتين متعارضتين في الوقت عينه، مع بقائهم قادرين على الاستمرار في إبداعهم".
إنَّ ما يميزنا كبشرٍ هو سلوكنا الفطري المتمثل بإغلاق عقولنا في وجه أيَّةِ احتمالاتٍ جديدة. لأنَّه إن قامت أدمغتنا بمعالجة كل المعلومات التي تقدمها لها حواسنا فسنصاب بالجنون؛ بالمعنى الحرفي للكلمة. لذا نحتاج إلى معالجة المعلومات المتاحة وفرز ما هو جديد ومفيد لنا من أجل الخروج بأفكارٍ مفيدة.
إنَّ الأشخاص ذوي العقليات المنفتحة يكونون أكثر قدرة على تبني مفاهيم جديدة؛ مع احتفاظهم بأفكارهم الخاصة. لذا تجدهم يستوعبون عدة أفكار في الوقت نفسه، ويمعنون التَّفكير فيها بهدف اختيار أكثرِهَا فائدة.
4. يمنع ذوو العقليات المتحجرة النَّاس من أن يدلوا بآرائهم:
تهتم تلك النَّوعية من النَّاس بالحديث أكثر من الاستماع، ولا ترغب في سماع أيِّ رأيٍ يخالفُ آراءَهم. بينما يهتمُّ ذوو العقليات المنفتحة بالاستماع إلى آراء النَّاس أكثر من التَّعبير عن آرائِهم. بل ويعطون الناس الوقت الكافي بغية تشجيعهم على الكلام، لكي يتمكنوا من تعلُّمِ المزيدِ منهم.
5. غالباً ما يقول الأشخاص ذوو العقليات المتحجرة أشياءَ مثل "قد أكون مخطئاً، لكن...":
غالباً ما يكون مثل هذه الجملة عبارةً عن مبادرة شكليَّة تسمح للناس الإبقاء على آرائهم الخاصة مع إقناع أنفسهم بأنَّهم منفتحون. إذا ابتدأتَ جملتك بعبارةٍ مثل "قد أكون مخطئاً"، فيجب عليك أن تُتبعها بسؤال أو استفسار، وليس بجملةٍ تؤكد ما تقول.
يعلم ذوو العقليات المنفتحة متى يجب عليهم التَّأكيد على آرائهم، ومتى يجب أن يطرحوا أسئلة.
6. ينظر ذوو العقليات المنفتحة إلى الخلاف في وجهات النظر على أنَّه فرصةٌ لا تعوَّض من أجل توسيع مداركهم:
لا يحب ذوو العقليات المتحجرة أن يُطعَنَ بآرائهم. وغالباً ما يُصابون بالإحباط حين لا يتبنى الآخرون أفكارهم. بينما يُظهر ذوو العقليات المنفتحة فضولاً أكثر حول سبب وجود الخلاف، ويرون ذلك على أنَّه فرصة من أجل تحسينِ أفكارهم. فهم يعلمون دائماً بأنَّ الخطأ وارد، وأنَّ الأمر يستحق بذل مزيدٍ من الجهد من أجل معرفة المزيد عن آراء الشخص الآخر.
7. أصحاب العقلياتِ المنفتحة هم أناسٌ متواضعون:
يفتقر ذوو العقليات المنفتحة إلى الشُّعور بالتَّواضع. ومن أين يحصل الناس على هذه الخصلة؟ من الفشل عادةً. من الفشل الشديد الذي يدفعهم إلى عدم الرغبة في معاودة ذلك الفشل.
يواجه ذوو العقليات المتحجرة صعوبة في إدراك أنَّهم قد فشلوا. فهم يُبرِّرُون تصرفاتهم ويحمِّلُونَ غيرهم أو الظروف الخارجية مسؤولية ما قد جرى. بينما يتعامل ذوو العقليات المنفتحة مع الأمور من مبدأ الخوف من أن يكونوا على خطأ. فالخوف بالنِّسبة إليهم يعتبر نقطة قوةٍ تقودُ إلى التَّواضع.
هل اكتشفت بأنَّك ممن يمتلكون بعض خصالِ ذوي العقليات المتحجرة؟ إذا كان الأمر كذلك، فلا تقسو على نفسك. إذ إنَّ القدرة على استجواب وتقييم نفسك علامة رائعة تُظهر أنَّك متفتح الذِّهن (ولو نسبياً على أقل تقدير).
كما أنَّ للعقلية المتحجرة بعض الإيجابيات أيضاً. فلا يجب أن تكون ذو عقلية منفتحة دوماً. فإذا قدم إليك شخص ما فرصة عمل تؤدي إلى الاحتيال على الناس مثلاً، قم بإغلاق عقلك حينئذٍ. مع ذلك فكر في هذا: إنَّ الانفتاح هو عمليَّةٌ نشطة. إنه ليس شيئاً يمكن اكتسابه.
ضع في اعتبارك أنَّ العقلية المنفتحة هي أشبه بعملية مستمرة؛ إذ يجب عليك أن تنمي فيك تلك الخصلة مع مرور الزَّمن. كما أنَّ طرح الأسئلة على نفسك والاستماع إلى الآخرين والتَّعلم منهم هو الطريق إلى عيش حياةٍ ناجحة.
أضف تعليقاً