كيف أتخلص من جلد الذات وأعيش حياة آمنة؟

حقاً، لا يوجد شعور أشد معاناة من ذلك الضغط الداخلي الذي يسببه جلد الذات، شعور يكبت حركتنا ويخنق طموحاتنا، أسوار لا تسمح لنا بالسعادة يجب علينا كسرها والتخلص منها، هذا المقال بمنزلة رحلة لتحرير الذات والتخلص من جلدها باللوم، فيه نصائح مفيدة لفتح صفحة جديدة واكتشاف أنفسنا من جديد وبطريقة تمكننا من العيش بحرية أكبر وسعادة أعظم وإعادة بناء صورتنا الحقيقية بأبعادها الإيجابية والمفعمة بالحيوية.

ماهية جلد الذات وأسبابه:

"جلد الذات" مصطلح يشير إلى الحكم الصارم على الذات، ويتجلى في النقد الدائم والاستهتار بالنفس البشرية واستعراض الأفعال والخطايا بكل تفاصيلها، وعدم السماح للنفس بالغفران لنفسها عند الخطأ، ومحاولة تحقيق معايير لا يمكن بلوغها، فالسعي تجاه المثالية والكمال التي لا يمكن تحقيقها بصفتنا بشراً نخطئ، يُفقد النفس قيمتها الحقيقية وحقها في الخطأ والتعلم من تلك التجارب.

جلد الذات عادة ما يترافق مع مشاعر الندم ولوم النفس ومجموعة من السلوكات التي يظهرها الفرد أمام الآخرين، والتي قد تكون مختلفة عن حقيقته الداخلية، ويشمل جلد الذات أيضاً النظرة السلبية نحو الذات والشكوك في قدرات الفرد، وهذا يؤثر في الثقة بالنفس ويقلل من رغبته في تحمل المخاطر، وقد يقود هذا النمط السلبي إلى تجنب التحديات والفرص الجديدة خوفاً من الفشل أو الانتقاد، يعد جلد الذات نوعاً من أنواع تشويه الفرد لذاته، فيضخِّم الفرد الأخطاء الصغيرة ويحلِّلها بشكل مبالغ فيه، وهذا يؤثر في الصحة النفسية عموماً.

لجلد الذات أسباب كثيرة منها: الضغوطات الاجتماعية، والهروب من الفشل، والتجارب السلبية الماضية، وفقدان الأمل، والفراغ، وتدنِّي الثقة بالنفس، والتربية والبيئة الاجتماعية ذات الأفكار السلبية، والتوترات النفسية، ومقارنة الفرد نفسه بالآخرين، والرغبة في الوصول للمثالية، وغير ذلك من الأسباب.

خصائص الشخصية المصابة باضطراب جلد الذات:

تظهر سمات الشخصية المتأثرة باضطراب "جلد الذات" بوضوح في عدة مظاهر، منها:

• الحديث الذي يكون مهيناً للذات ويُقلل من قيمتها.
• فقدان الأمل في كل جانب من جوانب الحياة.
• الميل نحو الشعور بالهزيمة والخسارة.
• الشخصية المشلولة التي تظهر استعداداً للفشل أكثر من استعدادها للنجاح.
• انخفاض في الطاقة والحيوية.
• إحباط الآخرين.
• التفكُّر في توافه الأمور.
• إظهار التشاؤم وعدم الاستبشار، وتوقع الشر في مختلف المواقف.
• يصبح الفرد عضواً غير فعال في المجتمع، ومستهلكاً، وغير مبادر، ومستسلماً لإرادة الآخرين، وتابعاً لهم لا سيما للأقوى في الفكر أو الرأي.
• العيش في حالة من الضياع والعزلة.
• يجد الفرد نفسه في مواقف متكررة من الخطأ، ويعيش في حالة عدم أمان وخوف من المستقبل.

كيف أتخلص من جلد الذات وأعيش حياة آمنة؟

1. الإيمان بالله تعالى:

الإيمان بالله وسيلة فعَّالة للتخلص من جلد الذات، فيوفر الإيمان الدعم الروحي والعاطفي والثقة بوجود قوة عظيمة تهتم وتحب كل فرد، يمكن للإيمان بالله أن يقدم الراحة والأمان ويعطي معنى للتجارب الصعبة، ويوجه للتفاؤل والأمل بالتغيير والنمو الشخصي، من خلال الاعتماد على الإيمان، يمكن للفرد أن يجد القوة لقبول الذات كما هي، والعمل على التطور والتحسن دون أن يكون محكوماً بالأفكار السلبية عن الذات.

2. التوجه نحو النقاط الإيجابية:

يتضمن التوجه نحو الإيجابية التركيز على نقاط القوة في الذات، مثل المهارات أو الصفات الإيجابية أو القدرات التي يمتلكها الشخص، بدلاً من التركيز على النواحي السلبية، وهذا يعني توجيه النظر إلى ما يفعله الشخص بشكل جيد والعمل على تعزيز هذه الجوانب، وهذا يساعد على بناء الثقة بالنفس وزيادة الإيجابية في الحياة اليومية.

3. تقليل التوقعات الكبيرة:

يعني تقليل التوقعات الكبيرة وضع أهداف تكون واقعية ومناسبة للقدرات والظروف الشخصية، بحيث يمكن تحقيقها بجهد معقول وخطوات متدرجة، وهذا يساعد على تجنُّب الإحباط ويعزز الانطلاق نحو التقدم بخطوات صغيرة ومستدامة نحو التحسن الشخصي.

4. النظر إلى الأخطاء بوصفها فرصاً للتعلم والنمو:

يعني التعلم من الأخطاء أن تنظر إلى الأخطاء بوصفها فرصاً لفهم أفضل وتطوير مهاراتك، بدلاً من إلقاء اللوم على الذات؛ لذا ركِّز على كيفية تحسين ما قمت به وطبِّق التعليمات لجعل الأمور أفضل في المستقبل، فهذا يساعد على تعزيز النمو الشخصي وتقوية الثقة بالنفس بدلاً من الاحتفاظ بالأخطاء بوصفها عوائق للتقدم.

5. تحويل الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية:

يتضمن تحويل الأفكار السلبية إلى إيجابية استبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية، مثل تحويل "لا أستطيع" إلى "سأحاول"، وذلك بممارسة الوعي بالأفكار السلبية وتحويلها إلى تفكير إيجابي من خلال تغيير النمط الذهني والتركيز على الحلول والإيجابيات في المواقف المختلفة.

شاهد بالفديو: 5 طرق لمحاربة التفكير السلبي في الحياة

6. التحرر من المقارنة:

يعني التحرر من المقارنة عدم وضع النفس في مواجهة مباشرة مع أداء الآخرين أو نجاحاتهم، فيجب أن تعتاد على قبول فكرة أنَّ كل فرد فريد بنفسه ولديه مساره الخاص في الحياة، فعندما نترك المقارنة، نبني تقديراً أعمق لأنفسنا ونفهم أنَّ قيمتنا ليست مرتبطة بما يحققه الآخرون، وهذا يؤدي إلى شعور بالراحة وتقبُّل الذات كما هي، والتركيز على النمو الشخصي دون الضغط بسبب المقارنات السلبية.

7.  الاهتمام بالرعاية الذاتية:

يركز الاهتمام بالرعاية الذاتية على العناية بالجسم والعقل والروح لتحقيق التوازن والصحة العامة، ويشمل ذلك الحصول على نوم كافٍ لضمان الراحة واستعادة الطاقة، والتغذية الصحية لتوفير الغذاء الضروري للجسم، وممارسة التمرينات الرياضية للحفاظ على لياقة جسدية جيدة، إضافة إلى الاسترخاء والتأمل لتحقيق الهدوء الداخلي وتقوية الصلة بالذات، عموماً، يهدف الأمر إلى إدارة الضغوطات اليومية وتعزيز الشعور بالراحة والتوازن الداخلي.

8. الاستفادة من دعم العائلة والأصدقاء:

الدعم والتشجيع من قبل الأصدقاء، أو العائلة، أو حتى الانضمام إلى مجموعات تقدم الدعم النفسي، هذا الدعم يكون عاطفياً أو معرفياً، ويوفر الاطمئنان والتشجيع في الأوقات الصعبة، ويقدم المشورة أو الإرشاد في مواقف معقدة، والاحتكام إلى هذا الدعم يساعد على التغلب على الصعوبات وتعزيز الثقة بالنفس والشعور بالانتماء والدعم في تحقيق الأهداف الشخصية.

9. تقبُّل الفشل:

يعني تقبُّل الفشل عدَّ الفشل جزءاً من مسار التجارب والتعلم، وفرصة للنمو الشخصي، فعندما نتقبل الفشل بشكل إيجابي، نركز على ما نتعلمه من تلك التجارب حتى في أصعب الأوقات، وهذا يعزز قدرتنا على التأقلم مع التحديات والارتقاء بها لتحقيق النجاحات المستقبلية.

10. التفاعل مع الملهمين الإيجابيين:

للتخلص من جلد الذات وعيش حياة آمنة، يجب التفاعل مع أشخاص يلهمون الإيجابية والتحفيز، ويشمل ذلك قراءة كتب أو مقالات تحفيزية، والاستماع إلى محادثات ملهمة أو متابعة أشخاص ينشرون الطاقة الإيجابية والتحفيز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا التفاعل يلهم ويحفز لاتباع نمط حياة إيجابي وتحقيق أهداف شخصية ومهنية.

11. تعلُّم شيء جديد:

يمثل تعلُّم شيء جديد واكتساب مهارات جديدة فرصة للتطور الشخصي والتغيير الإيجابي، ويمكن ذلك عبر قراءة كتب جديدة، أو حضور دورات تدريبية، أو تعلُّم مهارات جديدة في أي مجال من الحياة، سواء كان ذلك في العمل أم الهوايات أم المجالات الشخصية.

12. الممارسة اليومية للامتنان:

تعني الممارسة اليومية للامتنان التركيز على الأشياء الإيجابية في الحياة وتقديرها، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وتدوينها أم التفكير فيها يومياً، يساعدك هذا النهج على تعزيز المشاعر الإيجابية والسعادة، ويساهم في إحداث تغيير في النظرة نحو الحياة وتحسين الرضى الشخصي.

13. تحقيق التوازن في الحياة:

يعني الحفاظ على التوازن في الحياة توازن الجوانب المختلفة فيها مثل العمل والراحة والعلاقات الاجتماعية والصحة النفسية والبدنية، وهذا يعني ألَّا تخصص كل وقتك وجهدك لجانب واحد فقط، بل تسعى إلى تحقيق توازن بين مختلف الجوانب، وهذا يساعد على الشعور بالراحة النفسية والنجاح في الحياة الشخصية والمهنية.

14. الاستماع إلى العقل الداخلي:

يعني الاستماع إلى العقل الداخلي النظر بعقلانية إلى الأفكار والمشاعر التي تمر بها، وتحليلها بعناية لفهمها بشكل أفضل، ويشمل ذلك التفكير المنطقي والتأمل في الأمور بدقة، وذلك بدوره يساعد على اتخاذ القرارات بناءً على تقييم شامل وفهم أعمق للوضع بدلاً من الاعتماد على الانطباعات السريعة أو العواطف.

شاهد بالفديو: 7 فوائد للمشي التأملي

15. تحديد الحدود الشخصية:

يعني تحديد الحدود الشخصية وضع القواعد والتوجيهات التي تحدد كيفية معاملتك وتفاعلك مع الآخرين ومع الأمور المحيطة بك، فتساعد القدرة على قول "لا" عند الضرورة وتحديد ما يمكن وما لا يمكن قبوله على الحفاظ على سلامة وراحة الذات.

16. ممارسة العفو والسماح للذات بالخطأ:

تعني ممارسة العفو والسماح للذات بالخطأ عدم احتفاظك بالأخطاء والذنوب لفترة طويلة، إنَّها تقنية تركز على قبولك الأخطاء بوصفها جزءاً طبيعياً من الحياة والتعلم منها، ثم السماح للنفس بالمضي قدماً دون أن تكون مرتبطة بالأخطاء التي وقعت في الماضي، وهذا النهج يسمح لك بتحقيق التطور الشخصي والنمو بدلاً من أن يكبِّلك الندم والحزن على الأخطاء السابقة.

17. طلب المساعدة الاحترافية:

يتضمن طلب المساعدة الاحترافية استشارة متخصص نفسي للتعامل مع مرض "جلد الذات" وتغيير الأنماط السلبية، ويوفر هذا النوع من المساعدة أدوات واستراتيجيات تساعدك على فهم أصل التحديات الشخصية والعمل على تحسين الصحة النفسية والعلاقات الشخصية، وهذا بدوره يقود إلى عيش حياة آمنة.

في الختام:

إنَّ القوة لتغيير الواقع تكمن في قبولنا للنقاط الضعيفة والعمل على تحسينها، فعندما نستثمر في تعزيز ثقتنا بالنفس ونمارس الرحمة والعفو مع أنفسنا، نبني جسوراً لحياة أكثر توازناً وسلاماً، لنكن صادقين مع أنفسنا ونعيش بوعي، ولنطلق العنان لقوتنا الداخلية لتشكيل حاضرٍ أكثر سلامة ومستقبلٍ أكثر إشراقاً، قد تكون الرحلة صعبة، لكن كل خطوة نخطوها نحو تقبُّل الذات وتجاهُل الماضي المؤلم، تقودنا إلى حياة مليئة بالأمان.