فما هي الأسباب الخفية وراء هذه المشاعر؟ وهل يمكن تجاوزها والتخلُّص منها؟ هذا ما سنتعرَّف إليه في هذا المقال.
ما هو الشعور بالضياع؟ وما هي أسبابه؟
الشعور بالضياع أحد المشاعر التي تنتاب الكثير من الناس في إحدى مراحل حياتهم، يشعر فيه الإنسان وكأنَّه واقف في الفراغ ولا يعرف إلى أين يذهب أو أيَّة وجهة يسلك، أو ماذا يريد، ويترافق هذا الشعور مع الكثير من الأسئلة التي يطرحها على نفسه وتجعله يبحث عن إجابات لها؛ لذلك يمكن القول إنَّ هذه المشاعر ليست سلبية دائماً؛ بل يمكن أن تكون سبباً يدفع الإنسان إلى الأمام.
أسباب الإحساس بالضياع:
توجد الكثير من الأسباب النفسية والاجتماعية والشخصية التي تقف وراء هذه المشاعر، وسنذكر أهمها فيما يلي:
- عدم التصالح مع الذات: في أغلب الأحيان الأشخاص الذين يمرون بمشاعر الضياع هم أشخاص غير متصالحين مع أنفسهم ولديهم تعريف قاسٍ عن ذاتهم، إضافةً إلى كونهم غير قادرين على رؤية إمكاناتهم الحقيقية وقدراتهم ويشككون بالصفات التي يمتلكونها وينتابُهم بسبب ذلك الشعور بالعجز والإحباط، فهم يعتقدون أنَّ وجودهم لا قيمة له وليس مؤثراً أو هامَّاً في حياة أحد.
- محاولة إرضاء الآخرين: بالطبع محاولة إرضاء الآخرين غاية لا تدرك؛ لذلك فكل الجهد المبذول في سبيل ذلك لا طائل منه ولن يجلب إلَّا مزيداً من الضغط والتوتر ولن يؤدي إلى النتيجة المرجوة، فمن الصعب جداً أن تعيش حياتك كما يريد غيرك وأنت في الوقت نفسه تعرف أنَّك غير قادر على إرضائهم، وهذا ما يُوصِل الشخص إلى مرحلة لا يُرضي بها نفسه ولا يُرضي غيره، فيتفاقم إحساسه بالضياع.
- التجارب السابقة: التجارب السيئة تُشكِّل عائقاً يمنع أي تقدُّم يتمناه المرء أو يريده وهو شيء لا يحصل بإرادة الشخص؛ وإنَّما يتشكَّل في اللاوعي عنده ويجعله خائفاً من تكرار هذه التجارب مرَّة أخرى في حياته.
- عدم وجود اتصال مع قلبك وروحك: وهذا يعني أنَّك لا تستجيب لصوتك الداخلي ولا تُعير مشاعرك الانتباه اللازم؛ حيث تنغمس في حياتك العملية وتستجيب فقط لما يُمليه عليك عقلك؛ مما يجعلك في النهاية تشعر بأنَّك لا تعيش لنفسك؛ وإنَّما أنت مجرَّد آلة تُنفِّذ وتطيع وتفعل المطلوب بحذافيره، وهذا ما يجعل حياتك مجرَّدة من أيَّة أحاسيس وعواطف، فتنتابك مشاعر وأحاسيس الضياع.
- الإحساس بالخوف: إحدى الأسباب الرئيسة لمشاعر الضياع التي يشعر بها الإنسان هي الخوف الذي يسيطر على مشاعره ويحكم حياته في كلِّ مكان وهذا ما يُصعِّب اتخاذ أي قرار أو التقدُّم أيَّة خطوة نحو الأمام، وتذكَّر دائماً أنَّك بمجرَّد تخلَّصت من مشاعر الخوف ووضعتَها جانباً، ستتمكن من المضي قدماً.
- اختيار الأصدقاء السلبيين وغير المناسبين: أن تقضي حياتك مع أُناس سلبيين ومُحبِطين وغير قادرين على اتِّخاذ أي قرار، سينعكس بالتأكيد على حياتك بشكل سلبي؛ لذلك حاول قدر الإمكان تجنُّب هذه الشخصيات وابحث عن الأشخاص الذين يدفعونك إلى الأمام وإلى الأفضل دائماً.
- تصديق الأفكار السلبية: الخوف من الفشل أو الخسارة أمر يشعر به الإنسان وهو شيء طبيعي، ولكنَّ غير الطبيعي أن يمتنع الإنسان عن أيَّة خطوة يقوم بها لأنَّه يتوقَّع الأسوأ، وغير الطبيعي أيضاً أن يُصدِّق كلَّ فكرة سلبية تخطر في باله ويعيش هواجس لا نهاية لها؛ وذلك لأنَّ هذا من شأن أن يجعل الإنسان في حالة من التردد والتخبُّط.
- عدم إعطاء أهمية للأحلام: يستخفُّ الكثير من الناس بأحلامهم وإمكانية تحقيقها ويفكِّرون بمنطقية مبالغ بها؛ حيث يصبح تحقيق الأحلام أمراً مستحيلاً وصعباً، وهذا ما يجعل أي إنسان في حالة ضياع بين ما يعيشه وما يتمنى أن يعيشه ويجده صعب المنال.
- الوصول إلى الكمال: الرضى لا يعني أبداً أن تكون كاملاً؛ إذ إنَّ بعض الإنجازات مهما كانت صغيرة تكفي للإحساس بالرضى عن النفس؛ لذلك لا تبحث عن الكمال في كلِّ شيء؛ بل ابحث عن الإحساس بالرضى لما تصل إليه.
- عدم تقبل الواقع الذي تعيشه: تشير الدراسات النفسية إلى أنَّ الضياع ينتشر انتشاراً كبيراً بين الناس الذين لا يعيشون واقعهم ويشعرون بعدم الانتماء إلى ما يمرون به وما يعيشونه وما هم عليه، وهذا ما يسبب انعدام الشغف في حياتهم والشعور بأنَّ هذه الحياة التي يعيشونها لا تخصَّهم وليست لهم.
- النظر فقط إلى النتيجة النهائية: أغلب الناس الذين كانوا عاجزين عن تحقيق أحلامهم هم أولئك الذين كانوا يُركِّزون في النهايات أكثر من تركيزهم في الطريق الذي عليهم أن يسلكوه؛ إذ إنَّ الأحلام ليست أمراً سهلاً وتحقيقها يحتاج إلى عمل وجهد وتركيز في الأدوات والوسائل من أجل الوصول في النهاية إلى الهدف، وإذا كانت عينك منذ البداية على الهدف متناسياً كلَّ ذلك، فسوف تشعر بالإحباط عندما يواجهك أي عائق وستشعر بأنَّ لا شيء يُملَك وأنَّ الضياع هو التفسير الوحيد لمشاعرك.
- قلَّة العلاقات الاجتماعية: الوحدة وعدم وجود أصدقاء لدى الشخص مع عدم الشعور بالانتماء إلى العائلة يجعل الشخص يعيش حياةً صعبة وقاسية لغياب الدعم المعنوي والمساندة، وهذا ما يُنمِّي الشعور بالضياع والإحساس بعدم الأمان، فطبيعة الحياة المعاصرة اليوم أدَّت دوراً كبيراً في تعزيز هذا السبب وزيادة المشاعر السلبية نتيجةً لتراجع العلاقات الاجتماعية وتفكك الروابط الأسرية بعد الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي التي حلَّت بديلاً عن الاتصال المباشر.
- قلَّة الثقة بالنفس: الكثير من المشكلات التي نواجهها في حياتنا تحدث بسبب قلَّة الثقة بالنفس؛ إذ إنَّ الشعور بالضياع ليس إلَّا نتيجةً مباشرةً لعدم الثقة بالنفس التي تجعل الإنسان تابعاً لغيره، وتجعل الآخرين قادرين على التأثير فيه وفي سَيرِ حياته.
نصائح للتخلُّص من مشاعر الضياع:
مشاعر الضياع كما ذكرنا هي مشاعر مؤقتة ويتعرَّض لها جميع الناس، فالهام كيف نواجهها ونتخلَّص منها قبل أن تؤثر في حياتنا وتدفعنا باتجاه قرارات خاطئة، وسنذكر فيما يأتي بعض نصائح التخلص من مشاعر الضياع:
- اقبَل المشاعر التي تنتابك: علاج وحل أيَّة مشكلة يبدأ بالاعتراف بها؛ لذلك لا يمكن الحديث عن أي شكل من أشكال العلاج قبل الاعتراف بما تمرُّ به، فاقبل بدايةً مشاعر الضياع التي تعيشها وتَحُسُّها وضع في بالك أنَّ لا شيء منها سيستمر مدى الحياة ولكلِّ شيء نهاية.
- لا تبنِ حياتك بناءً على وجهة نظر غيرك: حياتك هي ملكك أنت، وأنت فقط صاحب القرار الأوَّل والأخير بها، ولا تهتم بكلام الناس وبما يقولونه ويفكرون فيه عنك، وارسم حياتك بالطريقة التي تراها مناسبة، وابتعد عن أيَّة ثرثرة أو ضجيج من شأنه تعكير صفو حياتك، وابحث دائماً عن سعادتك الخاصة.
- اطرح على نفسك الكثير من الأسئلة: الأسئلة التي تراود الشخص عندما يشعر بالضياع تدل على أنَّه يُفكِّر ويحاول أن يفهم حقيقة وجوده وما يريده من الحياة؛ وهذا يعني أنَّ لا رغبة لديه في البقاء ثابتاً؛ بل على العكس هذا ما يؤرِّقه ويزعجه؛ لذلك يجب تحويل هذه الأسئلة من سلاح ضدنا إلى سلاح يحمينا وينقلنا من مكان إلى آخر.
- ضع جدولاً مليئاً لقضاء يومك: من الهام جداً أن تعرف كيف تقضي يومك بما يفيدك وينفعك، فأنت في النهاية لستَ إلَّا حصيلة ما تفعله كل يوم، فإذا كان كل ما تفعله إضاعة للوقت ولا جدوى منه، فسينعكس هذا بالتأكيد عليك ويُشعِرُك بالضياع والفراغ وعدم الجدوى؛ لذلك تخلَّص من العادات السيئة وضع لنفسك جدولاً مزدحماً ومليئاً بالنشاطات الممتعة والمفيدة كالقراءة والرياضة ومشاهدة الأفلام.
- ابتعد عن دور الضحية: كثير من الناس يمرون بظروف صعبة في حياتهم وبدلاً من الاستسلام تراهم ينهضون ويقاومون ويرفضون تأدية دور الضحية، وهذا بالضبط ما يجب أن تقوم به لتتخلَّص من مشاعرك وإحساسك بالضياع؛ حيث لا يوجد أحد في العالم لم يمر بظروف صعبة ومُحبِطة وقاسية، والفارق فقط بكيفية تعامل كل شخص مع هذه المشاعر، فلا تقبل أن تكون ضحية ولا تقبل بالظلم، وخُذ استراحة ونفساً عميقاً ثمَّ تابع طريقك.
- اختر لنفسك أشخاصاً إيجابيين وطموحين وتقرَّب منهم واجعلهم أصدقاءك وابتعد عن المحبطين السلبين لأنَّهم يسلبونك طاقتك.
- حسِّن مهاراتك وطوِّر الخبرات الموجودة لديك: بهذه الطريقة تنفتح أمامك أبواب كثيرة وعديدة وبذلك تزداد فرص تحسين حياتك، كما عليك أن تبحث دائما عن المعرفة؛ وذلك لأنَّ كل معرفة جديدة تزيد من قوَّتك وتجعلك شخصاً قادراً على مواجهة الحياة وجميع المشاعر التي تصيبك من وقتٍ إلى آخر، والتي قد تكون مشاعر الضياع إحداها.
- صدِّق إحساسك: المنطق هام جداً وتحكيم العقل ضروري أيضاً، ولكن وسط كلِّ هذا لا تُغيِّب أهميَّة مشاعرك وما تريد أنت وتحب؛ لذلك استمع لصوتك الداخلي وصدِّق إحساسك وآمن بأحلامك وإمكانية تحقيقها، وحقِّق التوازن في حياتك لتحافظ على هدوئك وحتى يكون هدفك واضحاً وأدواتك واضحة لتحقيقه.
شاهد بالفيديو: 8 طرق بسيطة لتجدد رغبتك بالحياة بعد فقدانها
في الختام:
مشاعر الضياع كما سبق وذكرنا لا تخصُّ شخصاً بعينه أو ظرفاً دون آخر؛ إذ إنَّ الجميع معرضون لها في فترة من فترات حياتهم، وهذا لا يعني طبعاً أنَّ هذه المشاعر سهلة ومن الممكن تجاوزها بسهولة، وتذكَّر دائماً أنَّك لا تحتاج إلى الكثير من الإنجازات لتشعر بالرضى عن نفسك وأنَّك أيضاً لستَ مُطالباً بسيرة حياة عظيمة، تكفي بعض الأمور السهلة والقريبة من قلبك لترى الحياة بطريقة أفضل وتصبح سعيداً؛ لذلك أعطِ عواطفك والأمور التي تحبها الثقل الحقيقي في حياتك ولا تفاضل بينها وبين ما يريد الناس من حولك لتتجنَّب التخبط والإحساس بالضياع.
أضف تعليقاً