لقد أصبح قلق المستقبل وعدم الوثوق به سمة تميز العنصر البشري، ويظهر بشكل واضح عندما يواجه عوائق شخصية أو بيئية تحول دون تحقيق أحلامه وطموحاته وربما تهدد وجوده، فتتولد لديه مشاعر الاضطراب والتوتر والقلق بوصفها نتيجة طبيعية للأحداث الحاضرة التي يمر بها أو حتى الأحداث الماضية والتي ما يزال أثرها يرافقه في حاضره، ونتيجة أيضاً للشعور بالعجز تجاه تلك الأحداث، بالإضافة إلى قلة الإمكانات المتوفرة لديه للتصرف حيالها.
فالفرق بين الحلم والواقع المرير يؤدي إلى صراعات نفسية وانفعالية واضطرابات شخصية مختلفة، ويكون عنوانها العريض الخوف من المستقبل سواء الخوف المرتبط بالمهنة أم المرتبط بالزواج أم المال أم النجاح أم المرتبط بالعائلة وسوى ذلك، وغدا الخوف من المستقبل من أكثر السلبيات التي ترافق الإنسان في مختلف مراحل حياته، وكثيراً ما يظهر في كل موقف يشعر فيه الفرد بأنَّه مهدد في ناحية من نواحي حياته واستقرارها.
أولاً: ماذا نقصد بالخوف من المستقبل؟
يشغل موضوع الخوف من المستقبل الأفراد على اختلاف أعمارهم وجنسهم ومستوياتهم الثقافية؛ وهذا الخوف يمنعهم من الوصول إلى تحديد أهداف واضحة يرفقونها بخطة مرسومة وخطوات إجرائية لتحقيقها، فالخوف من المستقبل هو مفهوم نفسي سلبي بدأ بالظهور في الدراسات العلمية منذ إطلاق "توفلر" (Toffler) مصطلح "صدمة المستقبل"، فالمستقبل الغامض وإحساس الفرد بأنَّ مستقبله خارج عن سيطرته وارتفاع العجز تجاه ما يحدث وما يمكن أن يحدث يزيد من الخوف، ويصبح الفرد عاجزاً عن التخطيط أو التفكير ويصبح هذا الخوف مرضياً.
فالخوف من المستقبل أو كما يُعرف عليماً "كرونوفوبيا" هو خلل أو اضطراب ينتج عن خبرات سابقة أو حالية غير سارة، مع تضخيم السلبيات الموجودة بها ودحض الإيجابيات؛ إذ يزداد تفكير الفرد في المستقبل بالشكل الذي يجعله دائم التوتر والانفعال والقلق بسبب إحساسه بفقدان الطمأنينة والأمان، الأمر الذي يدفعه للتشاؤم وتعميم حالة الفشل على كل الأفعال التي يمكن أن يقدم عليها في المستقبل وتوقع الأسوأ دائماً في كل الأحداث التي تحدث حوله.
فالخوف من المستقبل هو حالة انفعالية مضطربة من التوجس وعدم الاطمئنان وعدم الارتياح والكدر والهم وفقدان الأمن النفسي والخوف من التغيرات غير المرغوبة المتوقع حدوثها في المستقبل والتي تهدد قيمة الفرد أو كيانه، وفي الحالة القصوى من هذا الخوف قد يكون هناك شعور بتهديد شيء ما غير حقيقي سوف يحدث للشخص.
ثانياً: هل الخوف أمر طبيعي أم مرض؟
يُعَدُّ الخوف أمراً طبيعياً في حياة الإنسان، فهو رد فعل لتهديد حقيقي أو متخيل يؤدي بالجسم إلى اتخاذ تدابير لدفع الضرر عنه، لكن ثمة حالات معينة يمر بها الإنسان وتجعل من هذا الخوف مرضاً وليس أمراً طبيعياً، فهو شاذ ومتكرر مثل حالة الخوف التي لا تتناسب مع الشيء المخيف، أو الخوف من أشياء غير موجودة في الأساس؛ بمعنى أنَّه خوف غير منطقي ولا توجد أسباب تبرره، ولا يمكن ضبطه أو السيطرة عليه كالخوف من المستقبل الذي غالباً ما يكون مجهول الأسباب كثير التوقعات والخيال ويؤثر في مجريات حياة الفرد تأثيراً سلبياً.
شاهد بالفيديو: كيف تخطط لمستقبلك بنجاح؟
ثالثاً: أسباب الخوف من المستقبل
1. غموض المستقبل والعجز عن التكهن بأحداثه:
يعيش الإنسان في الوقت الحالي ضمن عالم سريع التغير والتطور؛ عالم تنتفي فيه صفة اليقين وتبرز فيه الشكوك في كل شيء، وكثيراً ما يجد فيه الفرد نفسه عاجزاً عن تحقيق احتياجاته ورغباته، كما يكون عاجزاً عن التنبؤ بمستقبله أو التحكم بسلوكه، فلا يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل تجاه الأحداث وأي موقف يجب أن يتخذ أو اتجاه سوف يتبع، فيتولد لديه الخوف تجاه ما قد ينتظره في الغد ومن ثم المستقبل.
2. أسباب اجتماعية:
مثل اعتقاد الفرد بعدم حصوله على المساعدة عند حاجته إليها، فكثيراً ما يحتاج الفرد إلى مساعدة الآخرين في أمور كثيرة في حياته، لكن عندما يبدأ الشك يدخل إلى نفسه بأنَّه ليس لديه من يحيط به أو يعيش معه يهتم لأمره أو يمكنه الاعتماد عليه في حل مشكلاته يبدأ الخوف، فحاجة الفرد لمن يثق به ويكون سنداً له ويستطيع محاورته ومناقشته في مخاوفه وطلب الرشد والنصح منه هي حاجة ضرورية، وعدم إيجاد ذلك الشخص يمكن أن يكون سبباً في ظهور القلق من المستقبل.
كما أنَّ قيام علاقات الفرد الاجتماعية على أساس المنفعة واحتمال تدميرها بأيَّة لحظة نتيجة انتهاء تلك المنفعة، يمثل خوفاً مستمراً لدى الأفراد عامة، كما يمثل فقدان شخص عزيز لسبب ما مثل الوفاة عاملاً هاماً في ظهور الخوف.
3. فقدان الشعور بالانتماء:
فعند شعور الفرد بالاغتراب سواء عن مجتمعه أم أسرته أم مكان عمله أم مدرسته أم جامعته يصبح يائساً وتتجرد حياته من المعنى ويفقد هويته وتبدأ مخاوفه من المستقبل المجهول.
4. عدم الاستقرار الأسري:
المشكلات داخل أسرة الفرد وكثرة المشاحنات والمشاجرات وحالات الطلاق وغياب أحد أفراد الأسرة وخاصة الوالدين؛ كلها تمثل ضغوطات نفسية تؤثر في الاستقرار النفسي للفرد وتدفعه باتجاه المزيد من القلق والخوف مما يخبئه المستقبل.
5. أسباب اقتصادية:
كثرة متطلبات الحياة وأعبائها تفرض على الفرد أن يكون في مستوى مادي معين ليتمكن من تلبية حاجاته ورغباته، وربما يكون هذا الفرد معيلاً لأسرته، ومن ثمَّ تزداد هذه الأعباء والمسؤوليات الاقتصادية الملقاة على عاتقه فيكبر خوفه من المستقبل كلما كبر حجم مسؤولياته الاقتصادية، ناهيك عن حالات أخرى كالبطالة مثلاً.
6. غياب القيم الدينية والأخلاقية:
توجد الكثير من الدراسات التي توصلت لنتيجة بأنَّ الأفراد الأقل تديناً والأقل التزاماً بالمعايير الأخلاقية يُظهرون خوفاً من المستقبل مقارنة بباقي الأفراد.
7. الضغوطات النفسية:
قد يصبح الفرد عاجزاً عن التأقلم مع المتغيرات اليومية التي يمر بها مثل تغير السكن، وتغير المهنة، والدخول في جو جديد من العلاقات في العمل، وصعوبات في الامتحانات والاختبارات التحصيلية، والتعرض للأمراض، وحالات الطلاق والزواج أو التأخر في الزواج، والتقدم في السن والشيخوخة، وغيرها من الأسباب التي يولِّد كل منها ضغطاً نفسياً يسبب الخوف من المستقبل.
رابعاً: كيف يمكن علاج الخوف من المستقبل والتخلص منه؟
1. إزالة الأسباب المسببة للخوف بشكل تدريجي:
فمثلاً إذا كان الفرد يخشى وقوع حادث ما، فيتخيل أنَّ الحادث وقع فعلاً، ثم يقوم بالاسترخاء العميق، وتخيُّل تلك الحادثة وكيفية مواجهتها وإعادة التجربة مرات عديدة حتى يصل إلى نقطة تخيلها دون أن يصاب بالقلق تجاهها، فالمواجهة الأولى تكون في الخيال فإن تمكَّن من مواجهتها فبالتأكيد سوف يستطيع مواجهتها في الواقع.
2. تنظيم التفكير:
تقوم هذه الطريقة على استبدال الأفكار السلبية بأفكار أخرى إيجابية، وهذه الطريقة تنقل الفرد بعيداً عن الأمراض النفسية وتأخذه باتجاه اكتساب قوى إيجابية تكون داعمة له مدى الحياة.
3. غرس الأمل والتفاؤل:
التحلي بالإيمان والالتزام بالقيم الأخلاقية والإنسانية هو السبيل في امتلاك الفرد للأمل الذي يجعله يقاوم كل المخاوف التي تعترض مسيرة حياته ويتوجه بكل تفاؤل تجاه الحياة ومستقبله.
4. طريقة الإغراق:
هنا يجب على الفرد أن يتخيل أقصى حد من المخاوف في خياله دون القيام بأي استرخاء عضلي ويتدرب على التكيف معها، ويكرر هذه العملية مدة طويلة حتى يتقبلها تماماً وتصبح أموراً معتادة بالنسبة إليه.
5. ضرورة ابتعاد الفرد عن الأماكن التي تعرَّض فيها للصدمة:
أي تلك الأماكن التي جعلت الخوف يتمكن منه ويسيطر على حياته؛ إذ يسهم ذلك في نسيان أسباب الصدمة شيئاً فشيئاً والعودة إلى الحياة الطبيعية الواقعية والسعي إلى رسم خطة لحياته ضمن الإمكانات المتاحة والعمل على تحقيقها.
في الختام:
يعيش الإنسان في عصر سريع التغير والتقدم، ومع هذا التطور تزداد آمال الفرد وطموحاته ويسعى إلى تحقيقها بمختلف الوسائل، وتبرز الكثير من العقبات عند قيامه بتلك المحاولات التي غالباً ما تعوق تلبية حاجاته ورغباته، فتزداد الضغوطات ويبدأ بفقدان الأمل بتحسن الحال والإحساس بانعدام الأمان، إضافة إلى الحزن والقلق والخوف تجاه كل ما قد يحدث له في المستقبل.
فالخوف من المستقبل منتشر في أرجاء العالم كانتشار النار في الهشيم، لكن يجب التأكيد على أنَّ هذا الخوف هو مرض نفسي عارض يمكن أن يزول بزوال السبب؛ لذا لا بد من اتباع الفرد لبرنامج علاجي يساعده على تحديد مخاوفه وكيف يمكن له التخلص منها، فإذا ما أخذ وضع الفرد يتحسن ونال الفرح انتهى القلق وزال الخوف.
المصادر:
- إبراهيم سعد على الطخيس، فعالية برنامج إرشادي واقعي في خفض قلق المستقبل لدى طلاب المرحلة الثانوية، جامعة الملك عبد العزيز، 2014
- هبة مؤيد محمود، قلق المستقبل عند الشباب وعلاقته ببعض المتغيرات، مجلة البحوث التربوية والنفسية، العدد السادس والعشرين.
- بوثينة ومان، قلق المستقبل لدى المرأة المتأخرة عن الزواج، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر،2020
أضف تعليقاً