التوازن هو الشعور باعتدال جميع المؤثرات والعناصر والقوى التي تعرضنا إليها في حياتنا، وهي حالة التناسب بين المتناقضات، كالراحة والنشاط، والعمل واللهو، والليل والنهار، والحرارة والبرودة؛ ومن الناحية الفيزيولوجية، ينعكس التوازن من خلال الاستقرار الداخلي الذي يساعد على ضمان الأداء الأمثل لأجسادنا.
التوازن أكثر من مجرد حالة جسدية:
يُعدُّ التوازن حالة طبيعية في جوهره؛ فعندما يختل توازننا، نستشعر وجود خطأ ما بداخلنا، وتُعدُّ هذه الإشارات الجسدية بمثابة رسائل تحثنا على العودة إلى حالة أكثر تماسكاً واستقراراً.
رغم أنَّنا نستطيع العيش والعمل في حالة غير متوازنة، لكن دائماً ما يكون أداؤنا دون المستوى؛ ووفقاً للأيورفيدا، فاختلال التوازن هو أصل كل الأمراض؛ ومع ذلك، لا تقتصر أولوية تحقيق التوازن في الحياة على الحفاظ على أجسامنا المادية فحسب؛ بل إنَّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسعادتنا العامة والشعور بالرضا في الحياة.
الهدوء والتركيز:
يمثِّل التوازن حجر الأساس الذي يقوم عليه الهدوء والتركيز على مواجهة تحديات الحياة العديدة؛ فعندما تحقِّق التوازن، تشعر بالثبات والاستقرار، وتصبح أكثر استعداداً لاتِّخاذ قرارات واعية، والتصرُّف بتأنٍّ ورصانة وسلام؛ وخلافاً لذلك، فقد يكون العيش في حالة خلل دائم مرهقاً على نحو مزمن، ويجعلك عرضة إلى الخوف والقلق؛ فالأمر أشبه بمحاولة السير على رصيف مغطَّى بالجليد، حيث ستشعر بالخوف والتوتُّر نتيجة لشعورك بعدم التوازن، والخوف من انزلاق قدمك في أي لحظة.
الآن، وبعد أن عرفنا الأهمية الأساسية للتوازن والتركيز، ما الذي يمكننا فعله لتحسين توازننا جسدياً وعقلياً وعاطفياً؟
إنَّ البحث عن نقطة التوازن خاصتك عملية ذاتية؛ ولكن انظر في المبادئ الأساسية الآتية لتساعدك في رحلتك لإيجاد التوازن الأمثل بين العقل والجسد:
1. جعل التوازن أولوية:
اسعَ إلى تحقيق التوازن بين العقل والجسم والحفاظ عليه دائماً، فمن غير المفترَض أن تعثر على نمط حياة مركز ومتوازن دون اتخاذ خطوات فعَّالة لتحقيق ذلك، كما ستلهيك أولويات الحياة عن تحقيق ذلك إذا لم تضع غاية محدَّدة لما ترغب في القيام به في حياتك.
2. وضع الحدود:
بالإضافة إلى وجود نية وهدف واضحين للحفاظ على توازنك، قد تحتاج أيضاً إلى وضع حدود واضحة.
تصوَّر حدود توازنك وكأنَّها جدران قلعة، فهي تشكِّل محيطاً محدداً يحميك من المؤثرات غير المرغوب فيها، وتضع حدَّاً واضحاً، وتترك رسالة في العقل تقول: "لن أفعل أي شيء يعرِّض احتياجي إلى التوازن والتركيز إلى الخطر"، وتجسد الانضباط المطلوب لمنع نفسك من التشتُّت وتجاوز الأهداف؛ لذا حدِّد لنفسك الحدود التي لا ترغب في تجاوزها عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على التوازن الذي تحتاجه، والتزم بها.
3. التأمُّل:
يعدُّ التأمل وسيلة قوية لمساعدتك في تحقيق التوازن في مجالات حياتك ككل؛ فبينما تستقر في حالة سكون، يؤدي تنشيط استجابة الوعي الهادئ (restful awareness) إلى تحفيز التوازن الداخلي في جسدك، ممَّا يدفع أنظمة جسدك إلى البقاء تدريجياً في حالة أكثر تناغماً وتوازناً؛ فحالة الوعي الهادئ عبارة عن وظيفة متوازنة ومركَّزة بعمق لتهدئة جهازك العصبي، والتي تؤدي إلى زيادة التوازن في جميع مجالات حياتك.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لتصفية ذهنك
4. ممارسة اليوجا (أسانا):
قد يكون لوضعيات اليوجا (الأسانا) -خاصة تلك التي تعمل على تعزيز التوازن الجسدي- تأثير مدهش على شعورك العام بالتوازن بين العقل والجسم؛ ونظراً إلى أنَّ جسدك هو جزء من نظام متكامل، فعندما نمارس وضعيات اليوجا التي تتطلب منَّا الوقوف على قدم واحدة أو تثبيت أنفسنا في أوضاع صعبة، فإنَّ التوازن الذي نطوره يُنسَج في كل جزء من كياننا.
لذا، عندما نُحِسُّ بالتوازن، نبدأ تدريجياً تجسيده بداخلنا على جميع المستويات، سواء في الجسد أم الروح أم العقل؛ ومع الممارسة المستمرة، قد تجد نفسك قادراً على الحفاظ على توازنك الجسدي والعقلي والعاطفي والروحي.
5. التمهُّل:
لا يمكن تحقيق التوازن بالتسرع والاندفاع، فالتوازن عبارة عن حالة مستقرة ومتوازنة وثابتة؛ لذا كلما كانت وتيرة حياتك أسرع، أصبح التوازن أكثر صعوبة بالنسبة إليك.
تتضمن كل خطوة من هذه الخطوات شعوراً محدداً باتِّخاذ قرارات متعمَّدة ومدروسة كنتيجة لحالة داخلية هادئة تسمح لك برؤية حياتك من منظور أكثر حيادية وموضوعية؛ أمَّا عندما تنشغل بنوبة نشاط عالية السرعة، تصبح الحياة ضبابية، ويصعب عليك إيجاد التوازن؛ لذا، توقَّف لحظة لتقييم وتيرة حياتك، وابحث عن الفرص المتاحة لتقليل اندفاع الأحداث بداخلها، وسيعود نظامك في ظل التمهُّل البسيط إلى حالة أكثر توازناً.
6. الانتباه إلى حدسك الداخلي:
يزودك جسدك دائماً برسائل وإشارات متعددة من خلال الشعور بالراحة أو عدم الراحة، فإمَّا أن يقول لك جسدك "أحب ذلك" أو "لا أحبه على الإطلاق"، وكأنَّ بداخلك نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والذي يشير إلى الخيارات التي ستقودك إلى وجهة التوازن والتناغم والاستقرار، أو إلى الفوضى والاضطراب وعدم التوازن.
الحدس بداخلك على الدوام، وما عليك القيام به هو الانتباه إلى المشاعر والتغذية الراجعة واتِّباع ما تشعر به فحسب؛ ومن خلال القيام بذلك، ستندهش غالباً من الكيفية التي يمكن أن يرشدك إدراكك الدقيق بها، ويوجهك غريزياً إلى حيث تريد أن تكون بمصداقية ملحوظة.
7. إنشاء روتين:
يُعدُّ اتباع الروتين أحد أفضل الطرائق لخلق التوازن والحفاظ عليه في حياتك، إذ يساعد الروتين اليومي على الحد من فوضى النشاط المفرط والإفراط في الترف، ويضفي روح النظام والتماسك على أنشطتك المعتادة.
رغم أنَّه لا بد وأن يكون روتينك مرناً للسماح بالتغييرات، فيجب أن يكون حازماً بما فيه الكفاية لإبقائك على المسار الصحيح، وستساعدك إدارة وقتك من خلال إنشاء جدول منتظم والتأمل والتمرينات الرياضية والعمل والراحة على الاستقرار في نمط حياة مريح، مع الحفاظ على توازن العقل والجسم.
أخيراً، تذكَّر أنَّه لا ينبغي عليك المعاناة في أثناء العثور على حالتك المتوازنة المثالية؛ إذ ينجذب نظام العقل والجسد تلقائياً إلى الانسجام والتوازن والوعي المركَّز، وكل ما عليك فعله هو التغلب على العوائق الموجودة في طريقك ومعرفة وجهتك النهائية.
أضف تعليقاً