ما هي الحدود الشخصية؟
باختصار، الحدود الشخصية قواعد ومبادئ تحدد الطرائق التي تتوقع أن يتصرف بها الآخرون تجاهك؛ بمعنى آخر: عدم السماح لأشخاص آخرين بإهانتك أو استغلال حسن نيتك، وتَعَلُّمُ قول "لا"؛ بحيث تقدر على اتخاذ قراراتك بناء على مصلحتك أنت بدلاً من اتخاذها بناءً على مصلحة الآخرين. يتمتع من وضعوا حدوداً شخصية لأنفسهم بدرجة عالية من الثقة بالنفس، في حين يفتقر إليها من لم يقوموا بذلك.
طرق وضع حدود شخصيّة:
1. اعلم أن ذلك يزيد من احترامك لذاتك:
في كتابه "الأركان الستة لاحترام الذات - The Six Pillars of Self-Esteem"، يقول المؤلف ناثانيال براندن إن الأشخاص الذين يتمتعون باحترام كبيرٍ للذات يميلون إلى تحمل مسؤولية أفعالهم، وينأون بأنفسهم عن الإلقاء باللائمة على الآخرين. وعدم وجود حدود شخصية أو عدم احترامها، هو نقيض ذلك تماماً: فهو السماح للآخرين بتحمل مسؤولية أفعالك بدلاً عنك، والتقليل من احترامهم لك.
وبالتالي، ما لم تقدر على تقديم اعتراف صادق لنفسك بأنك لم تكن شخصاً واثقاً من نفسه، فلن يتغير أي شيء.
2. قرر من أنت وما الذي تمثله:
يقول توني روبنز: "إن لم تضع معايير أساسية لما تقبله في حياتك، ستجد أنه من السهل الانجرار إلى السلوكات والمواقف ونوعية الحياة التي تقل كثيراً عن المستوى الذي تستحقه. لذا يجب عليك أن تضع هذه المعايير وتعيش بما يتماشى وإياها؛ وذلك بغض النظر عما قد يحدث في حياتك".
في الواقع، إذا لم تقرّر من أنت وما الذي تمثله، ستتحطم حياتك سريعاً، وستجد نفسك ضائعاً في كل الاتجاهات، لتصل في نهاية المطاف إلى مكان لا تريد أن تكون فيه. وبمجرد أن تعلم ما تريده بوضوح، تتمكن حينئذ من تحديد ما لا تريده؛ وهنا تضع الحدود التي تريد.
لذا فكر في الأشياء التي ستكون الأكثر أهمية في الحياة التي تريدها ثم ضع لنفسك حدوداً تحميها. فمثلاً: قد يكون الاستيقاظ في الساعة 5 صباحاً أمراً هاماً بالنسبة إليك؛ فمن خلاله تزيد من إنتاجيتك طيلة اليوم. ولكي تحصل على هذا الأمر، يتعين عليك "حماية أمسياتك" إن صح التعبير؛ لذا يجب أن تنام بحلول الساعة 9:15 مساءً لتحصل على ما يكفيك من النوم.
وعليه تكون حدودك الشخصية هي ألا تقوم بأي عمل بعد الساعة 9 مساءً، وألا ترد على أي مكالمات هاتفيّة أو رسائل بريد إلكتروني بعد هذا التوقيت؛ حتى وإن حاول الأصدقاء أو الأقارب أو العملاء التواصل معك (فأنت لا تعيش حياتك لأجلهم؛ وإنما لنفسك).
عدم الإبقاء على أي حدود شخصية لا يضر بك وحدك فحسب؛ بل وبعلاقاتك أيضاً. لذا قرر أهم الحدود في حياتك، ومن ثم التزم بها وحافظ عليها.
3. وفق بين قراراتك وعواقبها:
لن يفيدك البتة انتظار معرفة نتائج قراراتك في حينه؛ فذلك لن يقودك إلى اتخاذ قرار جيد بالضرورة. لذا وبدلاً من ذلك، اعرف ما تريد تحقيقه مسبقاً، ثم اعمل على تحقيقه.
فمثلاً: أخبر الأشخاص هاتفياً أنه بمقدورهم التواصل معك قبل الساعة التاسعة مساءً، وأنك لن تتواصل مع أحد بعد هذا التوقيت. فإن أرسل أحد العملاء إليك بريداً إلكترونياً يطالبك بالعمل بعد هذا التوقيت، فقل له: "شكراً، سأقوم بهذا غداً".
لكن تحل بالمرونة أيضاً، ولا تظنن أنه يجدر بك نقش حدودك على "لوح حجري"؛ إذ ستصادفك حالات يكون فيها عدم الوقوف عند الحدود التي وضعتها لنفسك أكثر منطقية من الوقوف عندها.
لكن يجب مراعاة كلتا الحالتين؛ فمثلاً قد يتعين عليك العمل بعد التاسعة مساءً إذا كان الأمر عاجلاً وهاماً. لذا يجب أن تقدر على إعطاء حكم سديد لأي عارض يواجهك.
4. حاول أن تغير نفسك واترك الآخرين وشأنهم:
لا تتمنى أن يتغير الناس إن هم حاولوا باستمرار إخراجك عن طورك؛ بل غير نفسك. فنظرتك إلى المشكلات قد تكون مشكلة بحد ذاتها؛ لذا غير عقليتك بحيث تقدر على أن تكون أهلاً لأي موقف يعترضك.
5. تعلم أن تقول "لا":
ليست كلمة "لا" بالكلمة التي يتعين على المرء الخوف منها حينَ التلفظ بها؛ وإنما هي كلمة يتعين عليه إتقان استخدامها إن أراد النجاح وتحقيق السعادة.
يقول وارن بافيت: "الفارق بين الناجحين وسواهم من الناس هو أنَّهم يقولون "لا" لكل شيء تقريباً. فإن لم يكن الأمر يتماشى مع قيمك ومبادئك، فارفضه من فورك".
كيف تعلم ما هي الحدود التي وضعها الآخرون لأنفسهم وتحترمها؟
الاحترام طريق ذو اتجاهين متعاكسين؛ فلا تأمل أن يحترم الناس حدودك إن لم تقم بالمثل. لذا، كيف تعلم حدود الآخرين؟ إليك طريقة القيام بذلك:
1. اقرأ ما بين السطور:
ملاحظة التلميحات الاجتماعية للسلوك طريقة رائعة لمعرفة الحدود التي وضعها الآخرون لأنفسهم؛ فإن تراجع أحدهم إلى الوراء إذا اقتربت منه في أثناء حديثكَ معه، تكون حينئذ قد حصلت على معلومة تتعلق بالمسافة التي يسمح هذا الشخص للآخرين بأن يقتربوا منه.
توجد إشارات شفوية وغير شفوية أخرى تشير إلى أنك تضغط على الآخرين، مثل:
- تجنب التواصل البصري.
- النظر بعيداً.
- طي الذراعين وتصلب الجسم.
- تغير نبرة الصوت.
- الضحك بارتباك.
- الرد بأجوبة مقتضبة.
2. اسألهم:
إن كنت تفترض أن القيام بتصرف ما قد ينظر إليه على أنه أمر غير مناسب، فاسأل الشخص إذا كان سيرتاح لما ستقوم به، قبل القيام به. فمثلاً؛ قد يكون من الأنسب الاستفسار قبل طرح سؤال شخصي على أحدهم. فإن لم تفعل، تكون قد تعديت على مساحته الشخصية، مما يعود بالسلب على علاقتك معه.
3. أصغ إليهم:
عندما يقول شخص ما "لا" أو يشعرك بعدم ارتياحه بطريقةٍ أو بأخرى، فلا تحاول أن تضغط عليه أكثر. بل أصغِ إليه واحترم حدوده الشخصية مثلما تتوقع منه أن يحترم حدودك. فمثلاً، إذا قال أحدهم: "لا، لا أريد التحدث عن ذلك الآن"، فاتركه واطرح الموضوع لاحقاً من منظور مختلف.
إن تجاوز حدود الآخرين لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة، لذا تذكر القاعدة الذهبية: عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك، ولا تكل بمكيالين في تعاملك معهم.
كيف تضع حدود بينك وبين الآخرين؟
1. فكر في أسباب حدودك:
لكي تتمكن من وضع الحدود بنجاح، من المهم أن تفهم سبب أهمية كل منها بالنسبة لك وكيف ستفيد صحتك العاطفية.
2. ابدأ ببعض الحدود:
إذا لم يكن لديك العديد من الحدود المعمول بها بالفعل، فقد يبدو احتمال وضع المزيد أمراً صعباً، لذا قم ببناء هذه الحدود ببطء.
3. فكر في وضع الحدود في وقت مبكر:
من خلال وضع الحدود والتوقعات منذ البداية، يعرف الجميع أين يقفون، ويمكن تقليل مشاعر الأذى والارتباك والإحباط.
4. حاول أن تكون متسقاً مع حدودك:
إن ترك الحدود تنزلق يمكن أن يؤدي إلى الارتباك ويشجع التوقعات والمطالب الجديدة بين من حولك.
حاول إبقاء الأمور متسقة وثابتة. يساعد هذا على تعزيز حدودك ومعتقداتك الأصلية، ويضمن بقاء تلك الحدود ثابتة بوضوح.
5. خصص وقتاً لنفسك:
فكر في قضاء ساعة أو ساعتين بمفردك في نهاية كل أسبوع. يمكن أن تنطبق هذه الحدود سواء كنت تعيش مع شريك، أو لديك جدول اجتماعي مزدحم مع الأصدقاء، أو قريب من عائلتك.
6. لا تخف من إضافة حدود إضافية:
في بعض جوانب حياتنا، هناك حدود موجودة بالفعل، كما هو الحال في مكان العمل. لكن اعتبر هذه الحد الأدنى. من المحتمل أن يكون لدى زملائك بعضاً من أعمالهم الخاصة، ولا بأس أن تضيف بعضاً منها أيضاً.
7. ضع حدوداً صحية على وسائل التواصل الاجتماعي:
تسمح هذه المنصات بمزيد من التواصل أكثر من أي وقت مضى، ولكنها شجعت أيضاً على عدم وضوح الحدود بشكل كبير.
إذا كنت تعتبر أن إجراء معين بمثابة عبور للحدود في الحياة الواقعية، فإن مخاوفك لا تقل أهمية عندما يحدث رقمياً.
8. تواصل عندما يتم تجاوز حدودك:
على سبيل المثال، إذا كان لديك صديق يرسل رسائل دون توقف، يمكنك أن تقول شيئاً على غرار "أستطيع أن أرى أنك تريد حقاً التواصل معي، ولكن أفضل ما يمكنك فعله هو مراسلتي على رسالة، وسأعود إليك عندما أستطيع ذلك".
هذا يسلط الضوء بلطف على سلوكهم بينما يؤكد في نفس الوقت على الحد الخاص بك.
9. مارس حب الذات وشارك في الأنشطة التي تستمتع بها:
لكي يكون للحدود أساس قوي، عليك أن تظهر لنفسك القليل من الحب، وإذا كانت لديك رواية في رأسك تقول أنك عديم القيمة وغير مستحق، فستجد صعوبة في وضع حدود تحميك، والكثير منها يعود إلى القيمة الذاتية.
في الختام:
الحدود الشخصية جزء أساسي من الحياة؛ فهي تحددنا كأفراد، وتحدد الأشياء التي نحبها والأشياء التي نكرهها، وتعطينا المساحة والوقت اللازمين لأنفسنا. ومن دونها تتحول حياتنا بسرعة إلى فوضى عارمة، ونعيش لمصلحة شخص آخر بدلاً من أن نعيش لأنفسنا.
لذا انتبه جيداً إلى حدودك الشخصية، واحترم حدود الآخرين وعش وفقاً إلى المعايير التي وضعتها لنفسك، واحترم معاييرهم التي وضعوها لأنفسهم.
أضف تعليقاً