كيف تتجاوز أزمة منتصف العمر؟

إذا كنت تشعر أنَّك تعاني من أزمة منتصف العمر، حتى لو كنت لا تزال صغيراً في السن؛ فاعلم أنَّك لست وحدك، وأنَّ الأوان لم يفت بعد لبدء الحياة التي تريدها؛ إذ إنَّه لمن المؤسف أننَّا نكدح ونعمل بشقاء كل يوم، لندرك بعد انقضاء حياتنا أنَّها قد مرَّت دون أن نستمتع بها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب توني إندلمان (Tony Endelman)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته مع أزمة منتصف العمر.

ستنظر في نهاية هذا المقال إلى أزمة منتصف العمر عند الرجال على أنَّها فرصة جديدة للبدء، وليست نهاية الحياة.

رحلتي إلى تحقيق الذات:

تأملت حياتي قبل بضع سنوات، وقررت أن أغيرها تغييراً جذرياً، وكنت أشعر بالتشتت ولا أعلم من أين يمكنني البدء، ولكنَّني كنت على يقين بأنَّني سأكون بائساً لبقية حياتي إذا استمريت على هذا النحو.

انتقلت إلى شيكاغو (Chicago) للعمل في كتابة المحتوى الكوميدي بعد التخرج من الجامعة، وأدركت بعد العديد من المواقف والتقلبات أنَّ العمل في هذا المجال لن يسدد نفقات معيشتي؛ لذا حصلت على وظيفة في مجال الإعلان، وكان هذا عكس رغبتي تماماً؛ وبعد قضاء عامين في شيكاغو، تملَّكني فيهما الاكتئاب والقلق، عدت إلى مدينتي أوماها (Omaha) لأعيد حساباتي وأجد حلولاً لمشكلاتي؛ ولكنَّني حصلت على وظيفة أخرى في مجال الإعلان، ثم وظيفة أخرى بعدها، وهكذا.

كنت أتنقَّل من وظيفة إلى أخرى على مدار عقد من الزمن تقريباً، لأجلس حزيناً في مكتب صغير، وأعمل في مهنة لا أحبها؛ وقد سارت الأمور على هذا المنوال إلى أن بلغت الثلاثين من عمري، وبدأت أفكر في حياتي، وشعرت حينها بالذعر.

أخذت أفكر في السنوات العشر الماضية، وكيف مرت كل هذه المدة وأنا في هذا البؤس، وشعرت بضرورة تغيير حياتي جذرياً؛ وسواء كانت هذه أزمة منتصف العمر أم لا، إلَّا أنَّني كنت أعاني من أزمة.

أول ما فعلته هو تحديد المشكلة بالضبط لأتمكَّن من إجراء التغيير الصحيح، فانتقلت إلى نيو أورلينز (New Orleans) -المدينة التي تجلب لي الفرح والإثارة العارمة- وانغمست في تطوير الذات والفلسفة، وبحثت عن المعلمين والمنتورز، وأصبحت كوتشاً معتمداً، وبدأت عملي الخاص؛ والآن، أساعد الآخرين على تجاوز أزماتهم الخاصة.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح ذهبيّة لتطوير الذات وتنميتها

ما هي أزمة منتصف العمر؟

تُعرَّف أزمة منتصف العمر عموماً على أنَّها حدوث تحوُّل مفاجئ في الهوية والثقة بالنفس لدى الأفراد في منتصف العمر، والذين عادة ما تتراوح أعمارهم بين 45 و64 عاماً.

تُوصَف هذه الظاهرة بأنَّها أزمة نفسية ناتجة عن تسليط الضوء على سن المرء واقتراب الوفاة، وربَّما على أوجه القصور في الإنجازات الحياتية؛ وبالتالي، تشبه أزمة منتصف العمر لدى الرجل تلك التي لدى النساء إلى حد كبير؛ وإنَّه لمن الطبيعي أن تؤدي هذه الأعراض إلى الشعور بالاكتئاب والقلق والرغبة في إجراء تغييرات جذرية في الحياة.

لقد كان المحلل النفسي الكندي إليوت جاكس (Elliott Jaques) أول من صاغ هذا المصطلح في عام 1965، ولكنَّ الدراسات الحديثة أظهرت أنَّ أغلب الناس لا يعانون من أزمة منتصف العمر، بل قد يتساءل بعضهم أيضاً عمَّا إذا كانت أزمة منتصف العمر موجودة في الأساس؛ لكن بالنسبة إلى الكثيرين منَّا -رجالاً ونساء- تُعدُّ أزمة منتصف العمر مشكلة حقيقية تماماً.

علامات أزمة منتصف العمر:

لقد صدر فيلم الجمال الأمريكي (American Beauty) عام 1999، وهو أعظم فيلم أُنتِج عن أزمة منتصف العمر، وقد فاز بعدة جوائز أوسكار.

كان ليستر بورنهام (Lester Burnham) -الشخصية التي لعبها كيفن سبيسي (Kevin Spacey)- يكره وظيفته كمدير تنفيذي في مجال الإعلانات، وكان بالكاد يتحمل زوجته المادية، وليس لديه أي فكرة عن كيفية التعامل مع ابنته المراهقة الغاضبة التي تبغض البشر؛ وقد كانت عائلة (بورنهام) تبدو وكأنَّها تتمتع بحياة هانئة، ولكنَّ (ليستر) كان في واقع الأمر تعيساً وناقماً على كل شيء.

يلقي الفيلم -الذي نال استحسان النُقاد- نظرة على الحياة اليومية المملة والرتيبة التي يعيشها ليستر بورنهام، حيث يبدو في كل مشهد مفتقداً للطاقة والحماس، ويقول: "لقد فقدت شيئاً ما لا أعلم ما هو، لكنَّني أعلم أنَّني لم أكن على هذه الحال".

شاهد بالفديو: 9 خطوات للتخلّص من روتين الحياة اليومية

لقد أوضح لنا فيلم الجمال الأمريكي (American Beauty) أنَّ علامات أزمة منتصف العمر عادة ما تكون أقل وضوحاً بالنسبة إلى الأشخاص العاديين، وقد تشمل علاماتها الشائعة ما يأتي:

  • التقلبات المزاجية: قد يبدو أولئك الذين يعانون من أزمة منتصف العمر مزاجيين للغاية، ويغضبون أو ينفعلون دون مبرر.
  • الاكتئاب والقلق: لا شك أنَّ أزمة منتصف العمر قد تجعل المرء يشعر بالحزن أو الاكتئاب أو القلق أو التعاسة.
  • الأرق أو الإفراط في النوم: قد يؤثر الاكتئاب والقلق والتفكير المستمر في عادات النوم تأثيراً ملحوظاً.
  • الهوس بالمظاهر: غالباً ما يشعر أولئك الذين يمرون بأزمة منتصف العمر بالحاجة إلى الحفاظ على جاذبيتهم أمام الآخرين.
  • تعاطي المخدرات أو الكحول: قد يلجأ بعض من يمرون بأزمة منتصف العمر إلى المخدرات أو الكحول للهرب من مشاعرهم وإخفائها.
  • الشعور بالتورط: غالباً ما يشعر أولئك الذين يمرون بأزمة منتصف العمر بأنَّهم عالقون في وظيفة سيئة، أو زواج غير مستقر، أو وضع سيئ بلا مخرج.
  • التفكير في الموت: قد تدفع أزمة منتصف العمر الناس إلى الهوس في التفكير بوفاتهم.

كما تشمل العلامات الأخرى لأزمة منتصف العمر: التسرع في اتخاذ القرارات، والدخول في علاقات غرامية، والاستعاضة عن الأصدقاء القدامى بأصدقاء أصغر سنَّاً، وإلقاء اللائمة على الآخرين، والشعور بالملل الشديد، والقلق من المستقبل.

لماذا تحدث أزمة منتصف العمر؟

ترفض الدراسات الحديثة فكرة أنَّ معظم البالغين يمرون حكماً بأزمة منتصف العمر، ويعتقد الباحثون أنَّ طبيعة الشخصية والمشكلات النفسية هي ما يهيئ بعض الناس لأزمة منتصف العمر المُتعارَف عليها؛ كما تشير إحدى الدراسات إلى أنَّ هناك فارقاً شاسعاً بين أزمة منتصف العمر وضغوطات هذه المرحلة، حيث يُطلَق مصطلح "الأزمة" على العديد من الضغوطات الاعتيادية في هذه المرحلة، وهذا مُسمَّى خاطئ تماماً؛ فلا شك أنَّ الضغوطات اليومية الشائعة قد تتراكم، ممَّا يدفع البالغين إلى الاعتقاد بأنَّهم يواجهون أزمة حقيقية؛ ولكن غالباً ما تكون أزمة منتصف العمر عند الرجال مجرد ضغوطات لا أكثر.

بالإضافة إلى أنَّ العديد ممَّن يبلغون منتصف العمر قد يعانون من أحداث حياتية تدفعهم إلى الشعور باكتئاب طويل الأمد أو اضطرابات نفسية، مثل وفاة شخص عزيز أو نكسة مهنية؛ ومع ذلك، قد تحدث هذه الأمور في وقت مبكر من الحياة.

على سبيل المثال: لقد توفي والدي فجأة قبل عيد ميلادي الثلاثين؛ ولكن بغض النظر عن بغضي لوظيفتي منخفضة الأجر، فقد نشرت كتاباً ولم يحظَ بنسبة المبيعات التي كنت أتخيلها، وأنشأت شركة وفشلت، وانقطعت علاقاتي ببعض الأصدقاء؛ فهل كنت أعاني من أزمة؟ ربَّما؛ وهل كنت أعاني من الاكتئاب بسبب الضغوطات الزائدة؟ بالتأكيد نعم.

جرِّب إجراء بعض الأبحاث حول أزمة منتصف العمر، وستجد أنَّ علماء النفس غالباً ما ينسبون هذه الظاهرة إلى الشيخوخة نفسها، أو شيخوخة أو وفاة الوالدين، أو نضوج الأطفال، أو العلاقات الزوجية (أو الافتقار إليها)، أو الوظائف (أو الافتقار إليها).

إقرأ أيضاً: نصائح لتحب نفسك وتمنحها حقها

كيف تتعامل مع أزمة منتصف العمر؟

إذا كنت تعتقد أنَّك تعاني من أزمة منتصف العمر، أو تشعر أنَّك عالق في روتين ممل دون تقدُّم يذكر، أو تعاني من الاكتئاب والقلق؛ فأنت لست وحدك، إذ إنَّ أزمة منتصف العمر مرحلة طبيعية يمر بها الرجال والنساء على حد سواء.

عندما شعرت ذات يوم بأنَّني لا أجدي نفعاً، ومُقدَّر لي أن أعيش وأنا أشعر بالبؤس وعدم الاستحقاق؛ قررت أن أتغير، وكرست حياتي لتعلُّم كيفية العيش بسعادة، وتوصلت إلى نظام حياة ناجح بالنسبة إليَّ بعد الكثير من التجارب؛ فإذا أردت أن تتغير أنت أيضاً، فإليك بعض الخطوات التي قد تساعدك على ذلك:

1. اتخذ القرار:

لقد قال أحدهم ذات مرة: "تكمن الخطوة الأولى للوصول إلى ما تريد في اتخاذ قرار حاسم بأنَّك لن تبقى حيث أنت"، ويمكنك من هنا الانطلاق.

لقد بدأت أشعر بالتغيير بعد أن اتخذت القرار ووعدت نفسي بأنَّني سوف أغير حياتي؛ ومهما بلغ حجم معاناتك، يمكنك أن تقطع الوعد نفسه.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

2. لا تبحث عن السعادة:

هناك شيء مضحك بشأننا نحن البشر، وهو أنَّنا نقضي حياتنا بأكملها في محاولة يائسة للعثور على السعادة؛ ومع ذلك، نحن لا نعرف حتى ماهيتها.

لا يمكننا تفسير السعادة أو وصفها أو تعريفها، وما نعلمه هو أنَّنا نريدها فحسب؛ ذلك لأنَّها تجعل كل شيء في حال أفضل؛ ولكنَّ الدراسات أظهرت أنَّ سعينا المحموم نحو السعادة كثيراً ما يكون الشيء الذي يدمرنا.

تُعدُّ محاولة العثور على السعادة جهداً عديم الجدوى، وقد تؤدي إلى تفاقم "الأزمة" التي تواجهها؛ لذا، توقف عن البحث عن السعادة، وابدأ اتخاذ خطوات نحو عيش الحياة التي تريدها؛ وعندما تفعل ذلك، لن تحتاج إلى إيجاد السعادة، بل ستجدك هي.

3. تأمَّل:

لقد كنت أُعِدُّ التأمل مجرد هراء لا معنى له، ولكنَّه في الواقع غيَّر حياتي تغييراً إيجابياً عندما بدأت ممارسته؛ فقد ثَبُت أنَّ التأمل يقلل من أعراض القلق والاكتئاب، ويحسِّن الذاكرة، ويعزز التركيز، ويزيد من الوعي الذاتي، ويعمل على تحسين الصحة البدنية والعافية عموماً؛ لذا، فهو طريقة رائعة للمساعدة في تخفيف أعراض أزمة منتصف العمر عند الرجال، كما أعتقد أنَّ هذا هو النشاط الوحيد الذي يروض "عقل القرد" بفاعلية.

إقرأ أيضاً: كيف نحصل على نتائج التأمل في حياتنا؟

تعدُّ حالة " عقل القرد" الحالة التي ينتقل فيها العقل من فكرة إلى أخرى دون وجود رابط فيما بينهما، ممَّا يؤدي إلى التشتت وانعدام التركيز؛ وهو ما أطلق عليه علماء الأعصاب مؤخراً شبكة الوضع الافتراضي (DMN).

إنَّ شبكة الوضع الافتراضي عبارة عن روابط بين عدة أجزاء من الدماغ، وتكون أكثر نشاطاً عندما لا تركز على أي شيء محدد، وتدع عقلك يقفز من فكرة إلى أخرى. عادة ما تكون هذه الأفكار ملهمة وممتعة؛ ولكن عندما تعاني من أزمة شخصية، تصبح هذه الأفكار مَرَضية ومدمرة.

يساعد التأمُّل على الهدوء، ويقلل من النشاط في شبكة الوضع الافتراضي (DMN)، ويساعد بذلك على إبقاء العقل في حالة يقظة ذهنية.

4. طوِّر عقلية الوفرة:

من بين كل الاستراتيجيات التي استخدمتها للتخفيف من الاكتئاب والقلق، كان التفكير بعقلية الوفرة هو الأكثر صعوبة، وكان الأكثر نفعاً أيضاً، وقد تطلَّب مني تغيير بعض معتقداتي الأساسية.

لقد كنت أتبنَّى عقلية الندرة لسنوات، وكنت غاضباً لأنَّ كل الأشياء الجيدة في العالم تذهب إلى الآخرين وليس إلي، وظللت أتساءل لماذا يحصل كل من حولي على المال والمِهن الرائعة والعلاقات الجيدة، ولا أحصل بدوري على أي شيء.

الواقع أنَّ طريقة التفكير هذه ليست منهكة فحسب، بل غير صحيحة البتة؛ فالعالم في واقع الأمر مكان وفير يتضمن فرصاً غير محدودة؛ لذا ذكِّر نفسك بهذا كل يوم مهما كان عمرك، وانفتح على كل ما يقدمه العالم؛ وكما كتب الدكتور واين داير (Wayne Dyer) في كتابه "السحر الحقيقي: خلق المعجزات في الحياة اليومية" (Real Magic: Creating Miracles in Everyday Life): "تخيَّل وجود إمكانات غير محدودة متاحة لك".

5. مارس الامتنان:

قبل أن تخلد إلى النوم، فكر في خمسة أشياء تشعر بالامتنان تجاهها، ومن الأفضل أن تدوِّنها.

قد تكون هذه الأحداث عادية لمعظم الناس، مثل رؤية غروب الشمس ومنظره الرائع، أو تعلُّم شيء جديد، أو سماع أغنيتك المفضلة عبر الراديو؛ فكما كتب الدكتور روبرت إيمونز (Robert Emmons)، البروفيسور في جامعة كاليفورنيا في ديفيس (UC Davis) والخبير العلمي الرائد على مستوى العالم في مجال الامتنان: "يُعدُّ الامتنان -أولاً وقبل كل شيء- طريقة لتغيير نظرتنا إلى العالم".

6. اتبع شغفك:

يُعدُّ اتباع الشغف أحد أكثر الطرائق نفعاً في تخفيف حدة أزمة منتصف العمر عند الرجال.

دائماً ما ينتابني شعور بالندم عندما أفكر في السنوات التي مضت دون أن أتبع شغفي؛ فعندما تعاني من أزمة منتصف العمر، قد يكون الشعور بالشغف إزاء أي شيء أمراً صعباً؛ ولكن يمكنك تحفيز نفسك وتنشيط روحك من خلال التفكير فيما تحب أن تفعله، أو ما كنت تحب القيام به عندما كنت طفلاً.

فكر كيف ستقضي وقتك إذا امتلكت الوفرة المالية لفعل أي شيء، أو في الأشخاص الذين تحبهم، أو في أولئك الذين تتمنى أن تمتهن مهنهم، وفي كل ما يجعل الوقت ممتعاً فعلاً؛ ومهما كان شغفك، اتبعه بكل إخلاص؛ فكما قال هانتر س. تومسون (Hunter S. Thompson): "يستحق كل ما يُشعِرك بالحماس القيام به".

تُظهِر الأبحاث أنَّ تجربة أشياء جديدة قد تزيد مستويات الدوبامين في الدماغ، ممَّا يساهم في تعزيز مستويات مستدامة من الرضا والطمأنينة؛ لذا اخرج من المنزل وجرِّب أشياء جديدة، وستجد في النهاية شيئاً يُسعِدك ويثير شغفك.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لتجاوز اكتئاب سن اليأس

7. مارس التمرينات الرياضية:

لا شك أنَّ ممارسة التمرينات الرياضية واحدة من أكثر الوسائل انتشاراً لتجنُّب المشاعر السلبية؛ فأنت لست مضطراً إلى الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية لممارسة الرياضة؛ إذ يمكنك ممارسة اليوجا، أو التنس، أو السباحة، أو الرقص، أو المشي، أو ركوب الدراجات، أو تعلُّم الكونغ فو؛ كما يمكنك أيضاً تنظيف حديقتك من الحشائش الضارة؛ فالفكرة هنا أن تبذل مجهوداً بدنياً لمدة 20 دقيقة يومياً.

8. حدد أهدافاً واسعَ إلى تحقيقها:

لقد كان مجرد سماع كلمة "أهداف" أمراً مزعجاً بالنسبة إلي؛ فحين أتأمل فيها، لا يمكنني التفكير سوى في العمل الممل في الشركات، وإعداد اللوائح والمعاملات الورقية البغيضة، وشطب المهمات غير الهامة؛ ولكنَّ تحديد الأهداف في الواقع أصبح أمراً حيوياً يعود عليَّ بالنفع، وينتشلني من حالة الاكتئاب التي أعيشها.

لذا أنشئ قائمة بكل ما ترغب في تحقيقه في العام المقبل، أو في السنوات الخمسة أو العشرة القادمة، ثم أخبر منتوراً أو شخصاً تحبه عن أهدافك، وضَع خطة لتحقيقها.

شاهد بالفديو: كيف تحدد أهدافك في الحياة؟

9. ابتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي:

لطالما كنت أعدُّ وسائل التواصل الاجتماعي من أسوأ المؤثرات في الحالة النفسية للمرء؛ فقد يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى كلٍّ من: الاكتئاب، والقلق، والحسد، والشعور باليأس، وانعدام القيمة، والعديد من المشكلات الأخرى؛ كما أنَّها هدر هائل للوقت، فتخيل -مثلاً- ما يمكنك إنجازه في حياتك الشخصية خلال الساعات التي تقضيها في مشاهدة حياة الآخرين.

لقد وجدت إحدى الدراسات أنَّ المشاركين الذين استخدموا فيسبوك (Facebook) كانوا أقل تقديراً لذاتهم؛ وذلك لكونهم يقارنون أنفسهم دوماً بالمظاهر المزيفة التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي.

10. اضحك قدر المستطاع:

تشير الدراسات إلى أنَّ الضحك يحفز الإندورفين، وينشط الناقل العصبي السيروتونين، ويخفف التوتر والإجهاد، ويعزز جهاز المناعة، ويحمي القلب؛ فهو أفضل دواء لكلِّ ما تعاني منه.

إذا كنت تعاني من أزمة منتصف العمر، فقد تتساءل عمَّا إذا كنت ستتمكَّن من الضحك مرة أخرى؛ ولهذا السبب، يتعين عليك السعي إلى تحقيق هذا الأمر.

دائماً ما أستبدل مشاهدة الأخبار المحبطة بمشاهدة العروض التلفزيونية المضحكة، أو المقاطع الكوميدية على يوتيوب (YouTube)؛ كما أشاهد مقاطع الكوميديا ​​الارتجالية (stand-up comedy) قبل أن أخلد إلى النوم، أو أقرأ كتباً مضحكة، أو أشاهد أفلاماً كوميدية، وأقضي الكثير من الوقت مع أشخاص يتمتعون بحس الكوميديا وخفة الظل.

حاول فعل الشيء نفسه، وابذل جهداً لجعل الضحك جزءاً من روتينك اليومي؛ واحتفِ بحياتك؛ إذ لا تُعدُّ حقيقة أنَّك على قيد الحياة سبباً للاحتفاء فحسب، بل هي معجزة حقيقية.

لقد قام الدكتور علي بينازير (Ali Binazir) -خريج جامعة هارفارد ومؤلف كتاب (The Tao of Dating: The Smart Woman's Guide to Being An Resistible)- بإجراء دراسة إحصائية لإثبات أنَّ احتمالية لقاء والدك بوالدتك كانت 1/20000، واحتمالية زواج والدك بوالدتك 1/2000، واحتمالية التقاء الحيوان المنوي الصحيح بالبويضة الصحيحة كانت 1/400 كوادريليون (مليون مليار)؛ وهذه فقط البداية، حيث نجد بالعودة إلى أجدادك وكل من سبقهم ممَّن التقوا وأنجبوا أطفالاً أنَّ احتمالية ولادتك تمثل 1 من كل 10 يليها 2.685.000 صفراً.

للأسف، لا يقدِّر الكثيرون منَّا ماذا يعني البقاء على قيد الحياة، فنستسلم لمخاوفنا، ونتخلى عن أحلامنا، ونتسامح فيما لا يجوز التسامح فيه؛ فنبقى في وظائف سيئة، وعلاقات سامة، وأوضاع مزرية؛ ونستمر على هذا الحال لسنوات أو عقود أو مدى الحياة؛ لذا احتفِ بحياتك، وتذكر أنَّ هدف الحياة هو الاستمتاع وليس المعاناة.

هل من الممكن منع حدوث أزمة منتصف العمر؟

إنَّه لمن المستحيل منع حدوث شيء مُقدَّر؛ ولكن إذا مررت بهذه الأزمة في المستقبل القريب، فبوسعك التغلب عليها وتجاوزها من خلال القيام بالأشياء المذكورة أعلاه؛ كما يمكنك التوقف عن اختلاق الأعذار التي تعيق تقدمك.

إذا كنت لا تستطيع تحديد ما إذا كنت تختلق الأعذار فعلاً أم لا، فمعرفة ذلك ليس بالأمر الصعب؛ إذ غالباً ما تبدأ كلامك بعبارات النفي مثل: "لا أمتلك الوقت"، أو "لا أمتلك المال"، أو "لا أعرف كيف أفعل كذا"، أو "لا أعتقد أنَّ هذا سينجح"، أو "لا أعتقد أنَّني مستعد بعد"؛ وكل هذه أعذار مُختلَقة.

دائماً ما نختلق الأعذار لمنع أنفسنا من الحديث عن تغيير حياتنا إلى الأفضل، وغالباً ما نفعل ذلك بدافع الخوف؛ فالخوف هو ما يحبسك داخل منطقة راحتك، ويقنعك أنَّك إذا تخطيت حدودك، فستقذف نفسك إلى المجهول، وقد تواجه في هذا المجهول الفشل والرفض والتوتر والإحراج، وقد تضطر إلى تحمُّل مسؤوليات جديدة، وقد تبذل جهداً في فعل شيء غير مثمر، أو قد تفعل شيئاً عظيماً.

لا توجد وسيلة لمعرفة النتائج؛ ولهذا السبب يُطلَق عليه المجهول، وقد يكون المجهول فعلاً مكاناً مخيفاً؛ ولكن لماذا نخاف منه؟

الخوف من المجهول شيء حتمي في الطبيعة الإنسانية؛ فنحن كبشر دائماً ما نميل إلى الاستقرار والشعور بالراحة؛ إذ نشعر بأنَّنا نسيطر على كل شيء، ولكنَّنا أحياناً ما نكون بحاجة إلى عدم الاستقرار أيضاً؛ ذلك لأنَّه يذكرنا بأنَّنا على قيد الحياة؛ وكما يقول توني روبينز (Tony Robbins): "يميل معظم الناس إلى الاستقرار المفرط، وتكون حياتهم بالتالي مملة للغاية".

لعلاج المشكلة، يجب أن تعترف بها أولاً؛ وللكف عن اختلاق الأعذار، يجب أن تُقِرَّ بأنَّك تختلقها في المقام الأول؛ وبمجرد القيام بذلك، ستشعر بتحسُّن كبير.

ولكن لا تزال هناك عقبة يجب التغلُّب عليها، وهي وجوب القيام بشيء ما؛ إذ لا يزال عليك اتخاذ إجراء، وقد يكون اتخاذ الإجراءات مخيفاً، ممَّا يمنعنا من القيام بأي شيء؛ لذا فكِّر في عواقب التكاسل.

ماذا سيحدث إذا لم تفعل شيئاً؟ لن يحدث شيء، وهذا ليس مفاجئاً؛ إذ ستبقى في مكانك تتأمل عيش حياة أخرى أفضل من حياتك الحالية، ولن ينفعك هذا التأمل بالتأكيد.

أزمة منتصف العمر: هل هي أزمة أم فرصة؟

بغض النظر عن عمرك، يوفر لك كل يوم فرصة جديدة للقيام بشيء جديد، وإليك هذه الأمثلة كي تقتنع بذلك:

  • لقد أسَّس سام والتون (Sam Walton) شركة وول مارت (Wal-Mart) في عمر الـ 44 عاماً.
  • اشترى راي كروك (Ray Kroc) أول مطعم ماكدونالدز بعد عيد ميلاده الخمسين.
  • كان هارلاند ساندرز (Harland Sanders) مفلساً تماماً في عمر الـ 65، ثم باع سلسلة كنتاكي فرايد تشيكن (Kentucky Fried Chicken) بما يعادل 75 ألف دولار.
  • ونشر تشارلز داروين (Charles Darwin) كتابه الشهير "أصل الأنواع" (On the Age of Species) في سن الخمسين.

دعونا نكون منطقيين: لا مفر من الموت، وسنموت جميعنا يوماً ما؛ ولكنَّ السؤال هو: ماذا ستفعل وأنت على قيد الحياة؟

الحياة ثمينة، ويجب عليك استغلالها نِعم الاستغلال؛ وإذا كنت تعتقد أنَّك تمر بأزمة منتصف العمر، فكِّر ملياً فيما يجري من حولك، واعلم أنَّها ليست أزمة على الإطلاق، بل فرصة جيدة لعيش الحياة التي لطالما أردتها؛ لذا لا تختلق الأعذار بعد الآن، وامضِ قدماً لعيش حياتك كما تستحق.

المصدر




مقالات مرتبطة