إنَّ الموت هو جزءٌ من هذا الحياة. وحقيقة أنَّنا على قيد الحياة اليوم، تعني أنَّنا يجب أن نموت يوماً ما. وبعد مئة عامٍ من الآن، سيختفي كُلُّ إنسانٍ تقريباً كان يمشي على هذه الأرض في وقتنا هذا، مُفسحاً المجال لقدوم جيلٍ آخر. إنَّ هذا ليسَ بالأمر الجديد، فقد كانت مثل تلك التَّغييرات والتَّبدلات موجودةٌ منذ آلاف السنين، وستبقى إلى قيام السَّاعة. معظم الناس لا يستطيعون تحمُّل فكرة الموت هذه، ويحاولون دفنها. وهو ما يُعتَبَرُ أمراً مفهوماً، إذ لا أحد منا يريد أن يموت، وحقيقة الطَّابع المؤقت لزمن وجودنا، يمكن أن تكون أمراً مدمِّراً بشكل يُحيِّر العقول.
ولكن دفع كُلِّ أفكار الموت بعيداً عنَّا لن يساعدنا في العيش لفترةٍ أطول. بل على العكس من هذا، يمكننا استخدام فكرة الموت لصالحنا. إذ إنَّ قبولنا لفكرة أنَّنا سنموت، هو أحد أقوى الأدوات التي يمكننا استخدامها في هذه الحياة. فبدايةً من الأباطرة الرومان، ووصولاً إلى رواد الأعمال المُلهِمِين، استخدمَ العديد من النَّاس العظماء فكرة الموت من أجل إرشاد أنفسهم والقيام بالأعاجيب، ويمكنك أنت فعل ذات الشيء.
أربع طرق لاستغلال فكرة الموت لصالحك:
أولاً: لاتِّخاذُ قراراتٍ كبيرة
إنَّ القرارات الكبيرة في الحياة، تحمل وِزرَاً عاطفيَّاً كبيراً. فأمورٌ مثل الخوف من الفشل وتوقُّعات الآخرين ومجموعة من العوامل الأخرى، سوف تُلقي بظلالها عند النَّظر في مثل هذه المسارات المتباينة. فقبل اتخاذك لقراراتٍ كبيرة، تأمَّل في الموت، وتمعَّن في الطَّابع المؤقَّت لوجودنا. فحتى لو قُمتَ بذلك لبضع دقائق فقط، سيبدو قلقك وتوقعاتك لا أهمية لهم. ففي تلك اللحظات، يصبح ما هو مهم حقاً واضحاً لك بشكل لافت للنظر.
ثانياً: من أجل التَّغلُّب على الخوف
إنَّ الكثير من المخاوف التي نختبرها هي مخاوف سخيفة وغير مبررة. إذ تميل عقولنا إلى التَّخبُّط بالتَّفكير في كُل فشل محتمل قد يتسبب به خروجنا من مناطق راحتنا، أو تجربة شيء جديد. فبِغَضِّ النَّظر عمَّا ستقوم به، تمسَّك بفكرة أنَّه بعد 100 عام من الآن، لن يكون هناك شخص واحد يشهد على ما ستقوم به، وعندها لن تهتمَّ لشيء. ربما يبدو ذلك سوداويَّاً بعض الشَّيء، لكنَّه فعالٌ للغاية في تلك اللحظات الهامَّة، خصوصاً عندما تبدأ أعصاب الشخص في تجاوز حدود المنطق.
ثالثاً: لتجاهل فوضى عقلك
في أوقات اللامبالاة، أو عندما تشعر بالضِّيق والغضب، أو عندما تجد نفسك غارقاً بالمشاكل، تأمَّل بالموت. وفكِّر بعبثيَّة وجودنا المؤقت في هذه الحياة لدقيقة أو دقيقتين، ثمَّ عد للمهمَّة التي بين يديك. لتجدَ أنَّ جميع أفكارك وأولوياتك قد انتظمت داخل عقلك. والقلق والغضب والهيجان أصبحوا لا أهميَّة لهم. إنَّ فوضى العقل تَسقُط عند التَّفكير في الموت، لنعود إلى حاضرنا مع فكرة أنَّنا ما نزال أحياء وموجودين على هذه الأرض.
"يمكنك تجاهل معظم الأمور غير المرغوبة والتي تُثقِلُ عليك -تلك الأمور التي لا توجد إلا في عقلك- وتفسح المجال لنفسك… وذلك عبر التَّفكير في مدى السُّرعة التي تتغير بها الأمور: كل جزء من كلِّ شيء؛ المساحة الضيقة بين ميلادنا وموتنا؛ الوقت اللامحدود الذي انقضى قبلنا؛ والوقت اللامحدود الذي يليه" -ماركوس أوريليوس- (الإمبراطور الروماني 161-180 م)
رابعاً: من أجل العثور على الحافز
نحن كَبشرٍ مُسَوِّفُون بعض الشيء، ولا شيء يحفزنا مثل موعدٍ نهائي. لذا أَقنِع عقلك بفكرة أنَّ الحياة يمكن أن تنتهي غداً. وفكِّر كم ستصبح أنفاسك عزيزةٌ عليك إن عَرَفتَ أنَّها أنفاسك الأخيرة. وهل كنت ستفعل عندئذٍ ما كنت تفعله، لو عرفت ذلك؟
يمكن أن يكون التفكير في الموت منبعَ حوافزٍ لا ينضب، ومَعِينَاً ينهَلُ منه الجميع. فإنَّه لمن الوارد مثلاً؛ أن يلفُظَ المرءُ أنفاسَه الأخيرة بسبب لدغة بعوضةٍ تتسبب بعدوى فيروسية نادرة. لذا اعلم في أعماقك أن لا شيء مضمون، وسترى كيف أنَّك قادرٌ على أن تجد الدَّافع والقيمة في أي لحظة مع عقليَّة التَّفكير تلك.
لم يسبق لأحد أن نجا من الموت. لذا لا تعش حياةً ملؤها اللَّامبالاة وعدم التَّقدير، والذي يأتي دائماً من طريقة تفكيرك. بل اقبل بفكرة الموت وتمعَّن فيها، وتمسَّك بها كهديَّة لمساعدتك في الوصول إلى أقصى استفادةٍ من الحياة.
أضف تعليقاً