تولَّ مسؤوليتك عن الشُّعور بالامتنان:
في حين قد يبدو الأمر كما لو أنَّ الحياة تفرض عليك جداول مهامك، إلا أنَّ واقع الحال يقول بأنَّك المسؤول الأول والأخير عن الشَّكل الذي يكون عليه يومك. إذ إنَّ ما تتفاعل معه، والكيفية التي تتفاعل فيها، وطريقة توظيفك لطاقاتك؛ هم أمورٌ يعود البتُّ فيها إليك وحدك.
ونظراً لأنَّك المتحكم الأول والأخير في شؤونك، فقد ترغب في التفكير في أفضل طريقة لتحقيق التوازن بين عملك وحياتك الاجتماعية وعالمك الداخلي: أفكارك ومشاعرك وصحتك العاطفية. ومن هنا تبرز أهمية الشعور بالامتنان، فهي تعدٌّ طريقة مُثلى من أجل الوصول إلى ذلك التَّوازن المنشود، فهي طريقة آمنة ومجانية وتتطلب القليل من الوقت والجهد، ويمكنك القيام بها في أي مكان كان. كما لا تستدعي منك إجراء تغيير كبير على نمط عقليتك أو نمط حياتك؛ وهذا ما ستكتسبه بمرور الوقت ومع الممارسة.
فوائد الامتنان:
غالباً ما تكون فوائد الشُّعور بالامتنان عاطفية وعقلية وجسدية. فقد يحدث في كثير من الأحيان أن تكون أكثر قدرةً على إدارة الضغوطات حين تشعر بحالةٍ من الامتنان. فحين لا نتعامل مع الضغوطات بشكل سليم، غالباً ما تتعرض صحتنا وعافيتنا لتداعياتٍ عنيفة. الشعور بالامتنان هو وسيلة صحية لمكافحة تلك التداعيات الضارة المحتملة، أو منعها من الحدوث تماماً. انظر إلى الامتنان على أنَّه درع ترتديه وتستخدمه ليقيك من الآثار الضارة للتوتر.
كما يتيح إليك الامتنان النَّظر إلى العالم من حولك من خلال عدسةٍ أكثرَ إيجابية، فحين ترى كل شيء على أنَّه نعمة، يحدث التَّحول المنشود. إذ تستطيع رؤية النصف الممتلئ من الكأس بسهولة أكثر من خلال التَّركيز على الأمور الإيجابية بدلاً من السلبية، ويصبح موقفك أكثر تفاؤلاً وأملاً بشكلٍ عام.
1. يُقلّل الامتنان من الإجهاد الناجم عن ضغوطات الحياة:
وفقاً لما ورد مؤخراً في النشرة الإخبارية للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة، فإنَّ زيادة الامتنان لن تساعدك في إدارة الضغوطات الكبيرة في الحياة بشكل أفضل فحسب، بل والتَّحديات الصغيرة اليومية التي ترفع مستويات التوتر لديك.
في دراسة أجريت عام 2008، خلص باحثون إنجليز إلى أنَّ الامتنان يقلل مستويات الإجهاد والاكتئاب. وللتأكد من ارتباط هذه النتائج بالسمات الشخصية للمشاركين من عدمه، فقد أجروا دراسة ثانية عن هذه السمات. لتأتي النَّتائج مماثلة لنتائج الدراسة الأولى، ممّا يشير إلى وجود علاقة مباشرة بين الشُّعور بالامتنان والضغط النفسي (بالإضافة إلى الاكتئاب والدعم الاجتماعي).
2. يُحسّن الامتنان نوعية النوم:
وجدت دراسة نشرت عام 2009 في مجلة "Psychosomatic Research" العلمية، وجود علاقة إيجابية بين الامتنان والنوم.
إذ طلب الباحثون من (401) من المشاركين -أفاد %40 منهم بأنَّهم يعانون من اضطرابات إكلينيكية في النوم- تقييم شدة وعدد المرات التي مروا فيها بحالةٍ جعلتهم يشعرون بالامتنان، وكذلك عدد المرات التي راودتهم أفكار إيجابية أو سلبية قُبَيلَ خلودهم إلى النوم.
كما قيَّم الباحثون جودة وعدد ساعات النوم، والسِّمات الشخصية الخمس الكبرى (أي العصبية والانبساطية والقبول والانفتاح والضمير الحي) والرَّغبة الاجتماعية. بعد إزالة آثار السِّمات الشخصية والرغبة الاجتماعية، وجد الباحثون علاقة بين الامتنان وبين النوم من حيث الكمية والنوعية والمدة. كما وجدوا أنَّ الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان قد أبلغوا عن أفكار أقل سلبية وأكثر إيجابية خلال الفترة التي تسبق خلودهم إلى النوم.
وفقاً للباحثين، لا تضر الأفكار السَّلبية بجودة النوم خلال الليل فحسب، بل إنَّ الأفكار الإيجابية التي تراود الأشخاص الممتنين قد تؤدي بالفعل إلى تحسين نوعية نومهم.
3. يُحسّن الامتنان صحّة القلب:
وفقاً لدراسة أجريت عام 2014 ونشرتها إحدى الدوريات العلمية الشهيرة، فقد تؤدي ممارسة مظاهر التَّعبير عن الامتنان إلى تحسين صحة قلبك. حيث أراد الباحثون معرفة إن كانت العوامل النفسية والاجتماعية -مثل الامتنان والدعم الاجتماعي والروحانية- تؤثر على صحة الأفراد الذين يعانون من مراحل متقدمة من قصور القلب.
لذا طرحوا بعض الأسئلة على (111) مريضاً، واتخذوا التدابير اللازمة لتقييم العوامل النفسية والاجتماعية (المذكورة أعلاه)، بالإضافة إلى أعراض الاكتئاب لديهم ومدى رضاهم عن الحياة، ونوعية حياتهم قياساً على صحتهم. ومن ثم أعاد القائمين على الدراسة جمع بياناتٍ مشابهة بعد ثلاثة أشهر.
توصل الباحثون إلى أنَّ العوامل النفسية والاجتماعية -بما في ذلك الامتنان- يمكن أن تقلل من معاناة المرضى الذين يعانون من قصور القلب في مراحله المتقدمة، وتؤثر إيجاباً على صحتهم ونوعية حياتهم.
4. يزيد الامتنان من قوّة العلاقات:
لا تتوقف فوائد الامتنان على العلاقات الرومانسية فحسب، بل تتعداها لتشمل تعزيز أواصر الصداقة. أجرى الباحثون في جامعة ولاية فلوريدا في عام 2010 ثلاث دراسات لاختبار فيما لو كان التعبير عن الامتنان يمكن أن يزيد من قوة العلاقة بين الشركاء.
وجد الباحثون في الدراسة الأولى علاقة إيجابية بين المشاركين الذين أعربوا عن امتنانهم تجاه الشريك، وبين قوة العلاقة نفسها. كما وجدوا في الدراسة الثانية بأنَّ التعبير عن الامتنان من شأنه أن يكون مؤشراً يدل بمرور الوقت على قوة الروابط المجتمعية ضمن العلاقة.
أما في الدراسة الثالثة، وجد المشاركون الذين عبَّروا عن امتنانهم تجاه أحد أصدقائهم أنَّ العلاقة أقوى مما لو كانوا قد فكروا -من دون تعبير- في مدى امتنانهم تجاه هذا الصديق.
تدعم جميع هذه الدراسات الثلاثة فكرة أنَّه عندما تُعبّر عن مدى امتنانك تجاه أحبائك -بدلاً من أن تضمر ذلك لنفسك- ستقوي أواصر الصداقة التي تربطك بهم.
5. يُقلّل الامتنان من الشعور بالوحدة:
في عام 2015، أجرى أحد الباحثين من جامعة روما دراسة استقصائية عبر الإنترنت شملت 197 مشاركاً بغية تقييم الصلة بين الامتنان والوحدة. ليجد ترابطاً عكسياً بين الاثنين؛ وهذا يعني أنَّه كلما ازداد الامتنان تناقص الشعور بالوحدة، والعكس بالعكس. كما وجد ترابطاً بين الامتنان والسَّعادة والرضا عن الحياة، والرغبة الاجتماعية.
إحدى التفسيرات المحتملة للعلاقة المتبادلة بين الشعور بالوحدة والامتنان، هو أنَّ الأخير غالباً ما يؤثر على تكوين العلاقات الاجتماعية، وهي نقطة ناقشها هذا الباحث في دراسته تلك.
من الممكن أن يُعيق التفكير المشوه تطوّر العلاقات الشخصية، بينما تتصدى مشاعر الامتنان لهذا الإدراك المشوه ممّا يتيح للشخص الوصول إلى الاستفادة القصوى من علاقاته.
6. يزيد الامتنان من السعادة:
لعلَّك قد لا تستغرب حين تعلم أنَّ الامتنان يزيد من مشاعر السعادة، بحسب ما نشرته مجلة هارفارد للصحة في إحدى مقالاتها. إذ يستشهد هذا المقال بدراسات متعددة أجراها خبراء بارزون في مجال الامتنان والصحة.
إذ طُلب من المشاركين في إحدى الدراسات تدوين بضع جمل كل أسبوع، تتحدث عن مواضيع مختلفة. ومن ثم قسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات: كتبت المجموعة الأولى عن أمورٍ كانت ممتنة لها في هذا الأسبوع، بينما قامت المجموعة الثانية بتدوين الأحداث التي وجدوا أنَّها أحداثٌ غير سارة، في حين ركزت المجموعة الثالثة على الأحداث التي حدثت لهم دون ترك أي أثرٍ إيجابي أم سلبي. أبلغ الأشخاص في المجموعة الأولى بعد مرور 10 أسابيع، بأنَّهم يشعرون بتفاؤل وإيجابية أكثر حيال حياتهم. كما أبلغوا عن زيارات أقل إلى الطبيب مقارنة بالأشخاص في المجموعة الثانية.
يمكن أن تتّخذ ممارسة الامتنان أشكالاً عدة، فيما يلي بعض الطرق لتطوير موقف وسلوك أكثر امتناناً:
10 طرق من أجل غرس الشعور بالامتنان:
- سجل الأمور التي تشعر بالامتنان تجاهها.
- مارس الوعي التام.
- عامل الآخرين بلطفٍ كتعبيرٍ عن امتنانك تجاههم.
- أرسل رسالة شكر إلى أحدهم.
- استخدم لغة إيجابية.
- امدح الآخرين.
- أحط نفسك بأناسٍ إيجابيين.
- تذكر تجارب إيجابية من الماضي.
- درب نفسك على إيجاد الأمور الإيجابية ضمن محيطك.
- دوّن الأمور التي تشعر بالامتنان تجاهها في ملاحظات لاصقة، وعلقها في جميع أرجاء منزلك.
أيَّاً تكن الأداة التي تستخدمها بغية تعزيز الشعور بالامتنان، فستجني حتماً فوائد هذا. إذ لن ترَ العالم أكثر إشراقاً فحسب، بل وستعزز أيضاً صحتك العاطفية والنفسية والبدنية.
أضف تعليقاً