يهتم معظم الناس بإيجاد أحدث الأدوات والطرائق لتحسين إنتاجيَّتهم ومردودهم في مكان العمل؛ حيث تواجه الشركات موقفاً صعباً جداً عندما لا تمتلك الخبرة اللازمة بشأن العمل من المنزل مع الحفاظ على مستوياتِ إنتاجية موظَّفيها مرتفعة.
ولسوء الحظ، لو أنَّ الشركات التجارية أعطَت الأولوية للعناصر الأساسية لخلق ثقافاتٍ جيدة للشركة، وترسيخ الثقة لدى موظَّفيها، وإظهار مستويات عالية من التعاطف قبل ظهور جائحة كورونا، لَما تعرَّضت معظمها لهذا الموقف.
يُعدُّ مصطلح "الأداء الوظيفي" مصطلحاً شخصياً جداً، حيث يتعلق بإيجاد طرائق لزيادة استخدام الموظَّف للوقت والطاقة والنتائج، فهذه الأمور يمكن قياسها واستخدامها على حدٍّ سواء كمؤشر للإنتاجية. وبينما الوقت ثابت ولا يتغير أبداً، فإنَّ مستوياتَ الطاقة غيرُ ثابتة بطبيعتها ويمكن أن تُستنفَدَ مع مرور الوقت ما لم يعرف الناس طريقةَ استخدامها، كما تُعدُّ النتائج هي المنتج النهائي للإنتاجية ويمكن قياسها، وغالباً ما تكون مستقلةً عن الوقت والطاقة اللازمَين لتحقيق الهدف النهائي.
ولكي ندركَ تماماً طريقة تحقيق الحدِّ الأقصى من الأداء ومخرَجات العمل، يجب علينا فهم العناصر التي تتحكَّم في هذه العوامل:
يتحكم الدماغ في كافة الأمور، وهذا هو السبب في عدم وجود علاج شامل لزيادة الإنتاجية في العمل؛ حيث لا يمكن تقسيم الدماغ، فالأمرُ معقَّدٌ ويتطلب كثيراً من العوامل للعمل وفق أعلى المستويات. ولهذا السبب، إذا كنتَ ترغب في تحسين أدائك في العمل بالفعل، فيجب عليك السعي بجدٍّ إلى تعزيز الاستفادة من النتائج التي يقدِّمها العقل وتقدِّمها القدرات الإدراكية.
نقدِّم لك فيما يلي 4 طرائق فعالة لتحسين أدائك في العمل بشكلٍ كبيرٍ:
1. تحريك الجسم لتنشيط الدماغ:
لو كان في الإمكان تجميع تأثيرات ممارسة الرياضة داخل حبَّةِ دواءٍ، لَكانت هذه الحبَّةُ دواءً شافياً طول الحياة، وذلك وفقاً لعشرات الدراسات التي تُبيِّن فاعلية التمارين في تعزيز وظيفة المعالجة الإدراكية التي يؤدِّيها الدماغ.
بينما تستخدم التمرينات الرياضية عادةً لتحسين بنيتنا الجسدية، وتساعدنا على فقدان الوزن، وتزيد من كفاءة القلب والأوعية الدموية، إلَّا أنَّ الأبحاثَ أظهرت آثارها المفيدة على المعالجة العقلية والنفسية أيضاً.
تُعدُّ ممارسة التمرينات الرياضية أحدَ أكثرِ الأنشطة تأثيراً، والتي تساعدك على تحسين أدائك الذهني، ممَّا يؤدي إلى تحسين أدائك في العمل. كما يمكن أن تغيِّر من التعبير الجيني وتنتج جزيئات من المشاعر تحسِّن مزاجك، وتوفِّر الوضوح الذهني، وتغيِّر الطريقة التي يعالج بها دماغك المعلومات.
تزيد الحركة إلى حدٍّ كبيرٍ من تدفق الدم إلى الفص الجبهي، وهي منطقةٌ في الدماغ مسؤولة عن المعالجة المعرفية والتفكير عالي المستوى والحفاظ على اليقظة الذهنية، كما أنَّها تزيد من تدفق الأوكسجين في الجسم، ممَّا يحسِّن قدرته على توليد الطاقة والحفاظ على التركيز الذهني لفتراتٍ طويلةٍ. وعلى الرغم من أنَّه يمكن أن تكونَ ممارسةُ التمرينات الرياضية إحدى أكثر الطرائق فاعلية لتنشيط الدماغ، إلَّا أنَّها تساعدك أيضاً على فقدان الوزن الذي قد يؤثِّر سلباً في إنتاجيَّتك.
تُظهر الأبحاث أنَّ الدهونَ المخزَّنة في جميع أنحاء الجسم يمكن أن تقلِّلَ قدرة الدماغ على التركيز بسبب الالتهابات الناتجة عن الدهون. ومن خلال فقدان الوزن وممارسة الرياضة، يمكنك تثبيط الالتهابات التي تسبِّب انسداد الأوعية الدموية مع تحسين الدورة الدموية وتدفق الأوكسجين إلى الخلايا التي تحتاجها جداً. كلُّ ما سبق لا يكلِّفك شيئاً سوى أخذ زمام المبادرة للخروج والحركة.
تُظهر الدراسات أنَّ تحريكَ الجسد لمدةٍ لا تتجاوز 10 دقائق يمكن أن تمنحَه كثيراً من الفوائد، ممَّا يزيد إلى حدٍّ كبيرٍ من قدرة عقلك على تحديث النظام الداخلي للجسم وذلك لتعزيز الذاكرة والقدرة على المعالجة الإدراكية.
2. أخذ قسط من الراحة للتغلب على أعباء العمل:
يفضِّل الناس التحدُّثَ عن عدد الساعات التي يقضونها في العمل، حيث تمتلئ المنتديات وموقع لينكد إن (LinkedIn) بالأشخاص الذين يتباهون بعدد الساعات التي يقضونها في العمل على المشاريع خلال الأسبوع. قد يبدو هذا الأمرُ رائعاً من الناحية النظرية، إلَّا أنَّنا نعلم أنَّه يوجد كثيرٌ من المغالطات والأكاذيب، فذلك يخالف كل ما يخبرنا به علم الأعصاب عن وظائف الدماغ.
تُظهر الدراسات أنَّ أقصى وقت للمعالجة يمتلكه الدماغ هو حوالي 90 دقيقة قبل أن نلاحظ انخفاض جودة المعالجة الإدراكية؛ فعندما نعمل لساعاتٍ طويلة دون أخذ استراحات، سنلاحظ زيادةً كبيرةً في أخطاء المعالجة البسيطة، ممَّا يعني ضياع الوقت في تكرار العمل وإصلاح هذه الأخطاء.
وهذا يعني أيضاً أنَّ الدماغ لم يَعُد قادراً على الأداء بالمستويات التي بدأ بها، ممَّا يجعل إنجاز المهام أكثرَ صعوبة وبالتالي زيادة مقدار الوقت الذي سيستغرقه لإنجاز أي مشروع. ويوجد سيناريوهات لا نهاية لها عن هذا الأمر، لكنَّها تصبح ذاتَ قيمة عندما يتعلق الأمر بحالات الطوارئ وإجراء العمليات الجراحية.
تُظهر الدراسات أنَّ الأطباءَ الذين يقومون بالعمليات الجراحية والتشخيص بين الساعة الخامسة والسابعة مساءً تكون قدراتُهم الذهنية مساويةً تماماً لشخصٍ يتعاطى الكحول.
لا يعني أخذ استراحة من عملك الجلوس وتصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، وإنَّما الابتعاد عن العمل والقيام بأمور تساعدك على استعادة نشاطك وتحفيز عقلك. يمكن أن يساعدَك المشي أو الضحك مع زميلٍ في العمل أو حتى إغلاق عينيك والتأمل لبضع دقائق على تحسين أدائك في العمل ويمنحك وقتاً للتعافي دون أن تفقدَ إنتاجيَّتك.
3. النوم:
يُعدُّ النوم قوةً خارقة؛ حيث تنام جميع الكائنات الحية تقريباً في المملكة الحيوانية، ممَّا يوفِّر بعضَ الأدلة القاطعة حول أهمية النوم ودوره في صحتنا العامة.
لا يُعدُّ النوم مجرَّد وقت لأخذ استراحة؛ حيث تَحدُث عديدٌ من العمليات الكيميائية والفيزيولوجية في أثناء النوم، ممَّا يساعدنا على تجديد الخلايا واستعادة نشاطنا. ونحن نعلم أنَّه في أثناء النوم يزداد تدفُّق السائل النخاعي داخل الدماغ وتزداد سرعته؛ بحيث يساعد الدماغ على التخلص من السموم التي تتراكم طوال اليوم، كما يُعدُّ النوم أمراً هاماً جداً لصحة الدماغ وحمايته من الشيخوخة.
كما يؤثِّر النوم في صحتنا العقلية، فهو يسمح للدماغ بمعالجة المعلومات طوال اليوم وطرح بعض الأفكار المستقبلية النظرية من خلال الأحلام والحالات الواضحة الشبيهة بالإدراك. وتُزَال الذكريات وتُرسَّخ وتُخزَّن في أثناء مراحل النوم المختلفة، ممَّا يؤثِّر كثيراً في أدائك في العمل وإنتاجيتك على الأمد الطويل. فإذا توجَّب على رئيسك في العمل أن يذكِّرك دائماً في المناقشات السابقة التي جرَت في غرفة الاجتماعات، فهل تعتقد أنَّه سيثق بك في إنجاز المهام والمشاريع الهامة ويمنحك ترقية؟
يمكن أن تفيدَك ذاكرتك كأفضلِ صديقٍ لك في مكان العمل، ولهذا السبب، فإنَّ إعطاءَ الأولوية للنوم وجعله عنصراً أساسياً في حياتك يمكن أن يجعله عاملاً هاماً في حياتك المهنية؛ ممَّا يحسِّن كثيراً من أدائك في العمل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكونَ خللُ النوم أحدَ العلامات المبكِّرة للشيخوخة، لا سيَّما في المراحل المبكِّرة من الاضطرابات التنكسية العصبية، مثل: مرض باركنسون ومرض التصلب العصبي المتعدد ومرض الزهايمر والخرف.
شاهد بالفديو: 12 حقيقة عن قلة النوم.. هكذا يقودك السهر إلى الهلاك!
4. تناول الطعام الصحي مع الصيام المتقطِّع:
سيظلُّ الطعام الوقودَ الأساسي لأجسامنا، ولكن لماذا يختار كثيرٌ من الناس خيارات الطعام السيئة؟
بالنسبة إلى معظم الناس، عادةً ما يكون إلقاء اللوم على الطعام أسهلَ من إلقاء اللوم على القرارات أو الأفعال عندما يتعلق الأمر باختيار ذلك الطعام؛ حيث تؤدي الخيارات الغذائية السيئة إلى ضعف وظائف الدماغ؛ ممَّا يؤدي إلى زيادة الالتهابات وارتفاع مستويات السكر في الدم؛ ممَّا يُضعِف مناعة الجسم ويعيق آليات الترميم الذاتي.
وحتى في حال عدم اتِّخاذ قرارٍ حاسمٍ فيما يتعلق بالنظام الغذائي أو الإرشادات الغذائية التي يجب اتباعها، من الآمن القول عموماً، إذا كان طعامُك طازجاً وصحياً، فمن المحتمل أنَّه آمنٌ للأكل. مع وضع هذا الأمر في الاعتبار، يوجد أمرٌ أهمُّ يجب عليك أخذه في الحسبان وهو الصوم المتقطِّع.
وعلى الرغم من أنَّ الصيامَ موجودٌ منذ آلاف السنين، إلَّا أنَّه عاد إلى الانتشار أكثر بين الناس؛ نظراً لقدرته الرائعة على إطالة العمر وحماية حمضنا النووي؛ إذ يمكن أن يؤثِّر الصيامُ عن الطعام - لا سيَّما الأطعمة التي تزيد من مستويات السكر في الدم - كثيراً في قدرة الجسم على الترميم والقيام بالعمليات الداخلية، وهي معركةٌ مستمرة لا تنتهي أبداً؛ حيث يسمح الصيام عن الطعام للجسم بتوجيه مسار الموارد المرغوبة إلى عمليات معيَّنة في كلٍّ من القناة الهضمية والدماغ والجسم، ممَّا يسهِّل نوعاً ما من طريقة التخلص من المفرزات من الجسم لتحسين الكفاءة الخلوية والإنتاج.
وفي أثناء الصيام، تنخفض مستويات الالتهاب ومستويات السكر في الدم، وتزداد حساسية الأنسولين، ويمكننا التخلص من الخلايا القديمة التي تؤثِّر في باقي العمليات الخلوية. حيث تُعدُّ الخلايا الهرمة خلايا قديمة تستهلك كثيراً من الطاقة بحيث يتعذر على الجسم هدمها والتخلص منها، وبالتالي تبقى مكانها وتبطئ سرعة العمليات الخلوية الأخرى.
يمكن للصيام أيضاً أن يمنحَ دماغَنا احتياطات طاقة إضافية من خلال إنتاج الكيتونات الناتجة عن التخلص من الدهون داخل الجسم. تفيد هذه العملية في التخلص من الوزن الزائد، وتزوِّد الدماغ بكثيرٍ من الطاقة؛ حيث لا يكلِّفك الصيام شيئاً، وإنَّما يقلِّل من فاتورة مشترياتك ويساعدك على إنقاص الوزن، وزيادة مستويات طاقتك، ويساعدك على النوم بشكلٍ أفضل، ويجعل عقلك يعمل بقدرةٍ أكبر.
الخلاصة:
يمكنك تحديد طريقة تنفيذ هذه الأدوات الأربع بنفسك؛ حيث لا يمكن لأي شخص آخر اتخاذ هذه الخيارات نيابةً عنك، وإذا كنتَ تتطلَّع إلى تحقيق أفضل ما لديك من أجل الترويج لعملك أو إنهاء مشروع عملٍ ما أو تحسين وضعك داخل شركتك، فاختَر إحدى هذه العادات وطبِّقها في الأيام القادمة.
الهدف من هذه الأدوات هو تحويلها إلى أسلوب حياة يناسبك، ولا ينبغي لأحد أن يحاولَ الحصول على أكثر ممَّا هو معقول؛ كلُّ ما عليك هو العمل الدؤوب والقليل من التفاني.
قد يبدو الالتزامُ بهذه العادات أمراً صعباً، لكن حاوِل أن تتذكَّرَ أنَّ تنظيفَ أسنانك والاستحمامَ وارتداءَ ملابسك اليومية كانت مهمةً شاقَّةً بالنسبة إليك عندما كنتَ صغيراً. لن تتطلب هذه العادات كثيراً من المجهود للقيام بها؛ لأنَّك تفعلها معظم الأحيان، ممَّا يسمح لعقلك باستخدام قليلٍ من الطاقة والأفكار لإنهاء مهمةٍ ما.
سيسمح لك تحويل هذه المهام إلى عادات يومية بتحقيق أقصى استفادةٍ من حياتك الشخصية والمهنية من الناحيتَين العصبية والإدراكية. لذا طبِّق هذه الخيارات الصعبة الآن لتتمكَّنَ من عيش حياةٍ سهلةٍ فيما بعد.
أضف تعليقاً