تعدُّ القدرة على التركيز على شيء ما وتوجيه جهدك الذهني إليه أمراً بالغ الأهمية كي تتعلم أشياء جديدة، وتحقق أهدافك، وتقدم أداءً جيداً في مختلف المواقف؛ وسواء أكنت تحاول إنهاء تقرير العمل أم تنافس في سباق، فقد تعني قدرتك على التركيز الفارق بين النجاح والفشل.
لحسن الحظ، يشبه التركيز إلى حد كبير عمل العضلات؛ فكلَّما عملت على بنائه أكثر، أصبح أقوى.
إنَّ تحسين تركيزك الذهني أمر قابل للتحقيق، ولكن لا يعني هذا أنَّه سريع وسهل في كل الأحوال؛ فلو كان كذلك، لكنَّا ننعم جميعاً بتركيز عالٍ دوماً.
يتطلب الأمر جهداً حقيقياً، وقد تضطر إلى إجراء تغييرات على عاداتك اليومية؛ وفيما يأتي بعض النصائح والحيل من علم النفس التي يمكن أن تساعدك على تحسين تركيزك الذهني تحسيناً كبيراً:
1. قيِّم تركيزك الذهني:
قبل أن تبدأ العمل على تطوير تركيزك الذهني، قد ترغب في تقييم قوة تركيزك الحالي؛ إذ يكون تركيزك جيداً إذا كنت:
- تجد أنَّه من السهل البقاء في حالة انتباه.
- تحدد الأهداف وتقسِّم المهام إلى أجزاء أصغر.
- تأخذ فترات راحة قصيرة، ثمَّ تعود إلى العمل.
ويحتاج تركيزك إلى التحسين إذا:
- كانت لديك أحلام يقظة متكررة.
- لا يمكنك التخلص من المشتتات.
- تفقد مسار تقدمك.
إذا كانت المجموعة الأولى من العبارات تصفك، فمن المحتمل أن يكون لديك بالفعل مهارات تركيز جيدة إلى حدٍ ما، إلَّا أنَّها قد تصبح أقوى مع التدريب؛ أمَّا إذا كانت عبارات المجموعة الثانية أكثر ملائمة لحالتك، فربَّما تحتاج إلى العمل على تركيزك الذهني قليلاً؛ إذ قد يستغرق منك الأمر بعض الوقت، ولكنَّ ممارسة بعض العادات الجيدة وإدراك مدى قابلية تشتت انتباهك قد يساعداك في ذلك.
2. تخلص من المشتتات:
رغم أنَّ الأمر قد يبدو واضحاً، إلَّا أنَّ الناس يستخفون بعدد الإلهاءات وعوامل التشتيت التي تمنعهم من التركيز على مهامهم؛ فقد تكون هذه الإلهاءات ضجيجاً حولك، أو دخول زميل العمل إلى مكتبك بشكل متكرر ليدردش معك.
إنَّ تقليل مصادر الإلهاء هذه ليس بالأمر السهل؛ فرغم أنَّ الأمر يبدو بسيطاً، إلَّا أنَّك بالتأكيد ستجد صعوبة أكبر في التعامل مع الأشخاص كزميل العمل أو الطفل أو شريك السكن بهذه الطريقة.
من بين طرائق التعامل مع هذا الأمر: تخصيص وقت ومكان محددين، والطلب من الآخرين تركك في هذا المكان بمفردك خلال تلك الفترة الزمنية؛ أو البحث عن مكان هادئ تعلم أنَّك تستطيع العمل فيه دون إزعاجات، وقد يكون كلٌّ من المقهى الهادئ أو المكتبة أو غرفتك الخاصة أماكن جيدة للتجربة.
لا تأتي كل عوامل التشتيت من المحيط الخارجي، فمن الممكن أيضاً أن تكون مشتتاً بسبب الإرهاق والقلق والاضطرابات الداخلية الأخرى التي يصعب تجنبها؛ ومن الاستراتيجيات التي تساعدك في الحد من التشتيت والقضاء عليه هي التأكد من كونك مرتاحاً قبل المَهمَّة، واستخدام مخيلتك وأفكارك الإيجابية لتجاوز القلق؛ وإذا شعرت أنَّ عقلك يتجه إلى التفكير بأفكار مشتتة للانتباه، أعِد تركيزك إلى المَهمَّة التي تعمل عليها عن عمد.
3. وجِّه تركيزك:
في حين يبدو تعدد المهام طريقة رائعة لإنجاز الكثير بسرعة، اتضح أنَّ الناس لا يجيدونه فعلياً؛ وذلك لأنَّ أداء عدة مهام في وقت واحد يقلل الإنتاجية بشكل كبير، ويجعل التركيز على التفاصيل الهامة صعباً؛ ولكون موارد الانتباه محدودة، يتوجب عليك استخدام هذه التقنية بحكمة.
انظر إلى التركيز كما تنظر إلى الضوء؛ فإذا سلَّطت الضوء على منطقة معينة، يمكنك رؤية الأشياء بوضوح شديد؛ أمَّا إذا نشرت هذا الضوء عبر غرفة مظلمة، فلن تتمكن إلَّا من رؤية بعض الخطوط الداكنة.
ينطوي جزء من تحسين تركيزك الذهني على الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة لديك؛ لذا توقف عن تعدد المهام، وركز انتباهك الكامل على شيء واحد في كل مرة بدلاً من ذلك.
4. عِش اللحظة:
إنَّه لمن الصعب الحفاظ على التركيز بينما تفكر في الماضي أو تقلق بشأن المستقبل، أو تحاول التأقلم مع الحاضر لسبب أو لآخر.
ربَّما سمعت الناس يتحدثون عن أهمية الارتباط بالواقع، إذ يتعلق الأمر برمته بإبعاد المشتتات -سواءً أكانت مادية مثل الهاتف المحمول، أم نفسية كمخاوفك- والانخراط الذهني الكامل في اللحظة الحالية.
فكرة الارتباط بالحاضر هذه ضرورية أيضاً لاستعادة تركيزك، إذ يحافظ الارتباط بالمكان وعيش اللحظة على حدة انتباهك، ويزودان مواردك العقلية بالتفاصيل الهامة في وقت معين.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن عليك تعلم كيفية عيش اللحظة بالتأكيد؛ فنحن لا يمكننا تغيير الماضي، ولم يحدث المستقبل بعد، لذا يمكن لما تفعله اليوم أن يساعدك على تجنب تكرار أخطاء الماضي ويمهد الطريق لمستقبل أكثر نجاحاً.
5. تدرب على اليقظة الذهنية:
تشكل اليقظة الذهنية موضوعاً مثيراً في الوقت الحالي، وذلك لسبب وجيه؛ فرغم أنَّ الناس مارسوا التأمل اليقظ لآلاف السنين، إلَّا أنَّ فوائده الصحية لم تُفهَم إلَّا مؤخراً.
لقد جعل الباحثون في إحدى الدراسات متخصصين في الموارد البشرية يشاركون في عمليات محاكاة للمهام المتعددة المعقدة التي يشاركون فيها كل يوم في العمل، وكان لا بد من إكمال هذه المهام في 20 دقيقة، وقد تضمنت: الرد على الهواتف، وجدولة الاجتماعات، وكتابة المذكرات مع مصادر المعلومات المتدفقة من مصادر متعددة، بما في ذلك: المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية، وغيرها.
تلقت مجموعة من المشاركين 8 أسابيع من التدريب على استخدام التأمل اليقظ، ووجدت النتائج أنَّ من تلقوا هذا التدريب هم فقط الذين أظهروا تحسناً في التركيز، وتمكن الأعضاء من مواصلة المَهمَّة لفترة أطول، والتبديل بين المهام بوتيرة أقل، وأدُّوا العمل بكفاءة أكبر من أداء المجموعات الأخرى من المشاركين.
قد تتضمن ممارسة اليقظة تعلم كيفية التأمل، وقد يكون الأمر بسيطاً مثل تجربة ممارسة التنفس العميق بسرعة وسهولة.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لتصفية ذهنك
نصيحة سريعة لاستعادة التركيز:
ابدأ أخذ أنفاس عميقة مع التركيز على كل نفس؛ وعندما تشعر أنَّ عقلك سيشرد تلقائياً، أعد توجيه تركيزك على التنفس العميق.
رغم أنَّ هذه المَهمَّة تبدو بسيطة، إلَّا أنَّها أكثر صعوبة ممَّا تبدو عليه؛ ولحسن الحظ، يمكن ممارسة نشاط التنفس في أي زمان ومكان، وستجد في النهاية أنَّه من الأسهل التخلص من الأفكار الدخيلة وإعادة توجيه تركيزك إلى حيث تريد.
6. خذ استراحة قصيرة:
هل حاولت سابقاً التركيز على شيء واحد لفترات طويلة من الزمن؟
سينهار تركيزك بعد فترة، ويصبح من الصعب تكريس قدراتك الذهنية لهذه المَهمَّة؛ وليس هذا فحسب، بل سيتضرر أداؤك أيضاً نتيجة لذلك.
لقد أشارت التفسيرات التقليدية في علم النفس إلى أنَّ هذا يرجع إلى نفاد مصادر الانتباه، ولكنَّ بعض الباحثين يعتقدون أنَّ الأمر يتعلق بشكل أكبر بميل الدماغ إلى تجاهل مصادر التحفيز المستمر؛ كما وقد وجد الباحثون أنَّ أخذ فترات راحة قصيرة، وتحويل انتباهك إلى شيءٍ آخر يمكن أن يحسن التركيز الذهني بشكلٍ كبير.
لذلك، في المرة القادمة التي تعمل فيها على إنجاز مَهمَّة طويلة -كتجهيز الضرائب أو الدراسة للامتحان- امنح نفسك استراحة ذهنية ولو قصيرة من وقت إلى آخر.
حوِّل انتباهك إلى شيء لا علاقة له بالمَهمَّة التي بين يديك، حتى لو كان ذلك لبضع لحظات فقط؛ إذ قد تؤدي هذه اللحظات البسيطة من الراحة إلى الحفاظ على تركيزك الذهني حاداً وأدائك عالياً عندما تحتاج إليهما فعلاً.
7. استمر في التدرب:
إنَّ بناء تركيزك الذهني ليس أمراً يحدث بين عشية وضحاها، إذ يحتاج الرياضيون المحترفون حتى إلى الكثير من الوقت والممارسة من أجل تعزيز مهاراتهم في التركيز؛ ومن الخطوات الأولى لذلك: إدراك التأثير الذي يخلفه التشتت في حياتك؛ فإذا كنت تناضل لتحقيق أهدافك وتجد نفسك غارقاً بالتفاصيل غير الهامة، ضع قيمة أكبر لوقتك، وتخلص من هذه التفاصيل؛ ذلك لأنَّه من خلال بناء تركيزك الذهني، ستجد أنَّك قادر على إنجاز المزيد والتركيز على الأمور التي تجلب لك النجاح والسعادة والرضا في حياتك.
أضف تعليقاً