قبل أن نخوض في هذا الأمر، دعنا نفهم أولاً فكرة السعادة.
ما هي السعادة؟
درسَ علماء النفس السعادة فترةً طويلة وتوصلوا إلى فرع حديث نسبياً من علم النفس يسمى: علم النفس الإيجابي، والذي يهدف إلى النظر إلى السعادة نظرة أعمق وذلك من خلال النظر إلى الغاية والرضا في الحياة وليس فقط السعادة الظاهرية مثل الشعور العابر بالفرح عند الحصول على الملابس الجديدة التي طلبتها توَّاً والتي يمكن أن تُشعِرك بالسعادة لمدة قصيرة، وهذا ما يقودنا إلى محاولة تعريف السعادة:
تُفهَم السعادة عموماً على أنَّها العواطف الإيجابية التي لدينا فيما يتعلق بالأنشطة الممتعة التي نشارك فيها خلال حياتنا اليومية، ومن أمثلتها: المتعة والراحة والامتنان والأمل والإلهام والتي تزيد من سعادتنا وتقودنا نحو الازدهار.
ويشار إلى السعادة في الأدب العلمي باسم هيدونيا (Hedonia) والتي تعني حسب أُستاذَي علم النفس ريتشارد إم رايان ( Richard M. Ryan) وإدوارد إل ديسي (Edward L. Deci)، السعي الحثيث لتجربة المتعة والراحة، فضلاً عن وجود العواطف الإيجابية وغياب العواطف السلبية.
وتبيَّن أنَّ تأثير السعادة على صحتنا يتجلى في صور عدة مثل:
- تعزيزالجهازالمناعي الذي يقينا الزكام والأمراض.
- المساهمة في علاج الضغط، وذلك بتقليل مستويات الكورتيزول في الجسم.
- المساعدة في حماية القلب عن طريق خفض ضغط الدم.
- قد تُطيل عمرك؛ وذلك لأنَّ الناس السعداء يشاركون عموماً في أنشطة تعزيز الصحة.
- قد تساعد في الحد من الألم من خلال تعزيز استراتيجيات التكيف التي تقلل من الاحساس به.
كيف تشعر بالسعادة؟
بعد أن عرَّفنا السعادة وفوائدها على صحتنا لنُلقي نظرة على الطرائق العلمية التي تساعد على الشعور بها بدءاً من اليوم:
1. النشاط البدني:
لقد سمعت على الأرجح أنَّ التمرينات الرياضية والنشاط البدني يزيدان السعادة، ولكن كيف يحدث ذلك فعليَّاً؟
أولاً، النشاط البدني هو ببساطةٍ أن تقوم بتحريك جسدك، وليس ضروريَّاً أن تشارك في ماراثون أو تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية يومياً لتزيد من سعادتك عن طريق النشاط البدني؛ بل هناك طرائق عديدة أكثر سهولة ويسراً لتقوم بذلك؛ كأن تذهب إلى المتجر سيراً بدلاً من الذهاب في السيارة، أو أن تقوم بالأعمال المنزلية أو البستنة، وبالطبع تستطيع الذهاب إلى الصالة الرياضية أو الجري فهو أمر مفيد كذلك.
هناك العديد من الدراسات العلمية التي أظهرت أنَّ النشاط البدني يمكن أن يُحسِّن صحتك الذهنية، ذلك أنَّه يحسَّن نومك ويعدل مزاجك؛ لأنَّه يساعد في السيطرة على التوتر والقلق.
2. التأمل:
إنَّه عملية تهدئة أو توجيه عقلك للتركيز والاهتمام بلحظات الحاضر عن طريق الممارسات التأملية والوعي التام، وليس عليك أن تكون محنَّكاً لترى النتائج فهو من أبسط الأمور التي يمكنك ممارستها حتى لو كنت مبتدئاً.
وهناك العديد من الفوائد التي يحققها التأمل والتي تساعد بدورها على تعزيز السعادة؛ حيث يمكن أن يشهد الدماغ تغيراتٍ ملموسة، وقد أظهرت الدراسات أنَّ الأمر يستغرق ثمانية أسابيع فقط لتغيير شكل دماغك وزيادة حجم المادة الرمادية التي تؤدي دوراً هاماً في الإدراك الحسي والعاطفة وصنع القرار والتحكم بالنفس.
يفرز دماغك طبيعياً الناقلات العصبية أو المواد الكيميائية التي تساعد على تنظيم الهرمونات، والتي لها تأثير على الأجزاء الرئيسة من عقلك وجسدك وإعادة التوازن لها، وقد أظهرت الدراسات أنَّه من الممكن أن يؤثر التأمل والوعي التام تأثيراً مباشراً على الناقلات العصبية، بما في ذلك: السيروتونين الذي يُنظِّم المزاج، والكورتيزول الذي يقلل من الإجهاد، بالإضافة إلى الميلاتونين الذي يعزز النوم المريح والذي يساعد بدوره في تنظيم المزاج.
3. الأكل الصحي:
يساعد تناول أطعمة معينة على إفراز بعض المواد الكيمائية التي تعود بالنفع على الجسم مثل السيروتونين والدوبامين، كما هو الحال مع التأمل.
وتحتوي الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة على الكربوهيدرات المعقدة ذات الأهمية في استقرار الحالة المزاجية عن طريق إطلاق السكر ببطء في الجسم وعن طريق المساعدة غير المباشرة في إنتاج السيروتونين.
كما يحتوي البيض على الدهون الصحية والبروتين وفيتامينات B والتي تُعرَف بقدرتها على الحماية من الاكتئاب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأسماك التي تحتوي على الأوميغا 3 ذات الأهمية في عمل الدماغ وخاصة الاتصال بين السيروتونين والدوبامين؛ لذا فإنَّ الطعام الصحي يزيد من السعادة حقاً.
4. الامتنان:
هو أن تكون شاكراً لما لديك بالفعل وأن تكون مقدراً له، مما يعود عليك بالفائدة، فقد أشارت الأبحاث إلى أنَّ الامتنان يحسن الصحة البدنية ويقلل من الآلام التي يشعر بها بعضهم عامة، كما أنَّ له دور في تقليل المشاعر السلبية والاكتئاب؛ بل ويزيد الشعور بالسعادة.
شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان
5. الكرم:
تشير الأبحاث إلى أنَّ العطاء ينشِّيط أجزاء الدماغ التي تعزز الرضا والمكافأة وبالتالي زيادة السعادة والرفاه العاطفي.
والسخاء يعني أن نستنفد مواردنا الشخصية مثل الوقت والمال والطاقة، بيد أنَّ الرضا الذي نشعر به يفوق ذلك بأشواط، إذ تبيَّن أنَّ السعادة مرتبطة بجزء من الدماغ يسمى الشريان البطني، وهذا يؤدي دوراً في نظام مكافأة الدماغ الذي يعطينا الشعور بالارتياح عندما نخوض تجربةً سارَّة.
6. الاهتمام بالنفس:
يمكن أن يكون الإجهاد عاملاً ناتجاً عن الأوقات غير المسبوقة التي نعيشها حالياً، وقد تتجلى آثاره في: الأرق والإرهاق وحالات الشد العضلي فضلاً عن اضطرابات في المعدة والافتقار إلى الحافز على الأمد القصير، أما على الأمد الطويل فيمكن أن يؤثر في الوزن والقلب والأوعية الدموية ويمكن أن يزيد من احتمال حدوث اضطرابات صحية عقلية مثل الاكتئاب والقلق.
عندما نراعي الصحة النفسية فذلك يساعد في التخفيف من عواقب الإجهاد ويعزز السعادة فضلاً عن تجديد طاقتك عندما تشعر أنَّها تنفد منك، كما تريحك من التوتر والقلق وتمنحك وقتاً لذاتك وآخر لتقضيه مع الآخرين، وتستطيع القيام بذلك عن طريق الاعتناء بنفسك أو قراءة كتاب أو حتى الاستماع إلى الموسيقى؛ والقائمة تطول.
7. النوم:
تزيد عادات النوم الصحية من الطاقة وتقلل من التوتر وتغييرات المزاج وبذلك نستفيد قدر الإمكان من وقتنا وتتجلى السعادة في أيامنا، وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على أدمغة الأشخاص الذين يعانون الحرمان من النوم أنَّ قلته يمكن أن تفقدنا أحاسيسنا وأن تضعنا في دوَّامةٍ من قلة النوم والإجهاد.
ويمكن أن تؤدي قلة النوم إلى إرهاقٍ ذهنيٍّ يحرمنا من القدرة على التعامل مع أحداث اليوم بالإضافة إلى أنَّ التوتر يحول دون النوم جيِّداً في أثناء الليل.
ولضمان حصولك على ليلة هانئة عليك تقليل شرب المنبهات والحد من التعرض لأشعة الأجهزة التقنية قبل الذهاب للنوم ومحاولة الذهاب إلى النوم في نفس الوقت تقريباً كل مساء.
8. التقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي:
أظهرت الدراسات الحديثة التي أُجرِيَت حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أنَّه على الرغم من أنَّ استخدامها من متطلبات الحياة اليومية ولها بعض الفوائد إلا أنَّ لها تأثيراً سلبياً في سعادتنا وكيفية تفاعلنا مع الآخرين.
ويحظى التواصل المباشر بنفس الاهتمام الذي يحظى به التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الراهن، ورغم أنَّ بعض الناس يشعرون بالسعادة بالتواصل خلف الشاشات إلا أنَّهم يتمادون في ذلك لدرجة أنَّهم قد يفقدون تقديرهم لذاتهم.
ويمكن أن يعزى ذلك إلى مغريات المقارنة الاجتماعية مثل الأشياء المادية كالسيارات أو النقود أو المنازل، فضلاً عن مقارنات أخرى مثل: المظهر وشكل الجسم وتصوُّر الحياة الأسرية التي تظهر على وسائل التواصل، ولكنَّ الخبر السار أنَّه توجد سبل للحد من استخدامك المفرط لها وبالتالي تعزيز مشاعر السعادة.
9. اليوغا:
تزداد شهرة اليوغا بسبب فوائدها للعقل والجسم مما يزيد السعادة ويرفع من تقدير الذات ومستوى الطاقة، وترتبط ممارسة اليوغا مع عمل العصب المبهم؛ وهو أطول عصب في الجهاز العصبي والمسؤول عن الوظائف غير الإرادية للجسم مثل التنفس والدوران والهضم فضلاً عن الكفاءة الاجتماعية والتنظيم العاطفي.
كما أنَّ لها فوائد جسدية مثل تخفيف الألم فضلاً عن تأثيرها الإيجابي على الصحة العقلية لبعضهم، مثل أولئك الذين يعانون الاكتئاب والقلق وغيرهما، وفي إمكانك القيام باليوغا في المنزل وفي أي وقت وبسهولة مطلقة.
10. التخلص من الفوضى:
كثرت الشائعات في الآونة الأخيرة حول موضوع التنظيم والفوضى وأظهرت الدراسات أنَّ لذلك صلة وثيقة بالسعادة.
توفر المساحة المرتبة جواً يسهل فيه التركيز بدلاً من التفكير اللاواعي في المهام التي عليك إنجازها، كما يقلل من الضغط والوقت في محاولة تحديد مكان المواد المطلوبة، وببساطة يمكن أن تساعد غرفة النوم المرتبة على النوم بعمق وارتياح.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أنَّ الأمهات اللواتي يعشن في منازل تَعُمُّها الفوضى لديهن مستوى أعلى من هرمون الكورتيزول، أما التنظيم فيعزز المشاعر الإيجابية مثل الإنجاز والرضا، وقد يكون من السهل ألا تعيد ترتيب منزلك فحسب؛ بل ترتيب حياتك والتقليل من الإجهاد.
أفكار أخيرة:
تشمل السعادة غياب العواطف السلبية وتجربة العواطف الإيجابية مثل المتعة والراحة والامتنان والأمل والإلهام، لذا نأمل أن تكون هذه الطرائق العلمية قد أثبتت لك أنَّ شعورك بالسعادة قد يكون أسهل مما ظننت.
أضف تعليقاً