عندما يحدث ذلك، أفكر وأشرح لنفسي سبب شعوري بالضعف والتعب الشديد، وأتساءل دائماً: لماذا أشعر بالإرهاق؟ هل بقيت مستيقظاً بعد موعد نومي المعتاد؟ هل أغلقت المنبه عدة مرات وتابعت نومي؟ لا يجب أن تؤدي ثماني ساعات من النوم كل ليلة إلى الشعور بالإرهاق المزمن، أليس كذلك؟
بغض النظر عن مقدار النوم الجيد الذي تحصل عليه، يظل الإحساس بالإرهاق الذهني أو الإنهاك أو الإجهاد أو التعب -أو أيَّاً كان اسمه- ممكناً، فقد تكون في معظم الأوقات مرهقاً جداً لدرجة أنَّك لا تملك حتى الوقت أو الإحساس لرؤية ذلك بوضوح؛ لكنَّ الجواب أمامك مباشرة، حيث إنَّ هذه المشاعر مزروعة في عقلك الباطن (اللاواعي) وتستهلك من معنوياتك، غير أنَّك لم تمنح نفسك الفرصة للتراجع وتحليل وضعك الحالي.
هذا الشعور بالإرهاق (التهالك) هو مزيج تراكمي من الظروف المجهدة المهمَلة، واجتماع الخوف من الماضي مع القلق من المستقبل؛ ونحن لا نتحدث عن الإرهاق الجسدي الاعتيادي الناتج عن العمل ليوم طويل، فهذا شيء بديهي تماماً؛ لكنَّك حُفِّزت بصورة مبالغ فيها، ويحبطك هذا الأمر ويثبط من معنوياتك؛ ولكن ما هو السبب الحقيقي وراء هذا التشوش الذهني؟ ولماذا تشعر بالإرهاق؟
أول ما يجب التفكير فيه هو التوتر، فهو استجابة الجسم الطبيعية لتحدٍ أو طلب جديد، وإنَّ معظم الألم أو الإرهاق أو التعب العاطفي هو نتيجة مباشرة له؛ حيث تمتلئ الحياة اليومية بضغوطات صغيرة، كالركض صباحاً للحاق الحافلة للذهاب إلى العمل، أو تمني العثور على مكان لركن السيارة، أو القلق بشأن بعض المشكلات في منزلك؛ وحين تتراكم هذه الضغوطات دون قدرتك على التحكم بها، تدرك أنَّك متشائم وغير قادر على تحمل أي أمر يفوق طاقتك طوال اليوم.
إنَّ الإرهاق العقلي ببساطة عبارة عن توتر طويل الأمد، ويعني أن يتكرر اليوم الذي ذكرناه في الأعلى لشهور متتالية حتى يصبح ثقيلاً عليك ويدفعك إلى الشعور بالتوتر، ويحول دون قدرتك على الاستمرار في العيش بهذه الطريقة.
إنَّه لمن المحتمل أنَّك قد مررت بهذا الوضع من خلال "أزمة منتصف العمر" أو حتى "أزمة ربع العمر"، حيث تتوقف فجأة وتدرك أنَّك لم تتابع الأشياء التي كنت تأمل تحقيقها وتحلم بها، ومرت الحياة بلمح البصر.
لماذا تشعر بالإرهاق؟
يقول "مورجان هاوسل" (Morgan Housel): "إنَّ الاكتئاب والقلق والرهاب أشياء كثيرة يمكن إخفاؤها بطريقة تضفي مظهراً طبيعياً على صراعات الشخص الداخلية"، إذ توجد العديد من الأسباب التي تُشعِرك بالإرهاق، فمثلاً: ربما قضيت ساعات كاملة من النوم ولكن تسأل نفسك بعد الاستيقاظ: "لماذا ما زلت أشعر بالإرهاق؟"؛ لذا نقدم لك فيما يأتي بعض الأسباب التي تُشعِرك بالإرهاق:
1. الوظيفة ذات الضغط العالي (رجال الطوارئ والمعلمون):
يسهم العمل في مكان مرهق للغاية مثل قسم الطوارئ أو قسم الشرطة بوضوح في الشعور بالتوتر، حيث يجب أن يَعقبَ ساعات العمل الطويلة واتخاذ القرارات رفيعة المستوى في حال الأزمات فترة من الراحة والاسترخاء واستخلاص المعلومات والاستجواب.
2. العمل لساعات طويلة:
يمكن أن يؤدي العمل باستمرار لمدة (12-14) ساعة يومياً ولأسابيع متتالية إلى وضعك في مزاج سيئ؛ ولكن عندما تقضي هذا الوقت الطويل على مدار الأسبوع ولا توجد نهاية واضحة للتوقف عن العمل، يمكن أن يصبح الإرهاق العقلي في هذه الحالة مزمناً.
3. الضغوطات المادية:
إنَّه لمن الواضح أنَّ مواجهة ظروف عصيبة من الناحية المادية، يمكن أن يسبب ضغوطاً طويلة الأمد ومخاوفاً مستمرة، ممَّا يؤدي إلى الشعور بالإرهاق؛ فكيف يمكنك الاستمتاع بالحياة إذا كنت لا تستطيع القيام بالأشياء التي تستمتع بها حقاً؟
بغض النظر عن مقدار نومك، ستظل تشعر بالإرهاق إذا كان هناك شيء يزعجك في قرارة نفسك مثل المشكلات المادية.
4. عدم الرضا الوظيفي:
عندما تسأل نفسك: "لماذا أشعر بالإرهاق؟"، جرب أيضاً طرح السؤال: "هل أنا راضٍ عن وظيفتي؟"؛ إذ يمضي كثير من الناس قدماً في حياتهم في وظيفة يكرهونها؛ وسواء كان مديرك الصعب أم الفريق الذي تعمل معه أم العملاء الذين سئمت من سماع شكواهم، يمكن أن يكون العمل في وظيفة غير مُرضِية سبب الشعور بالاستياء في حياتك العملية والشخصية.
5. الفوضى:
سواء كنت شخصاً فوضوياً بطبيعتك أم أصبحت حياتك خارجة عن سيطرتك لدرجة أنَّك لا تملك الوقت الكافي للتنظيف أو التنظيم، فيجب أن تعلم أنَّ الفوضى تلعب دوراً كبيراً في الإرهاق العقلي؛ إذ يُحدِث وجود مساحة عمل واضحة ومنظمة وبيئة هادئة للعمل فيها فرقاً في الصفاء الذهني، ويمكن أن يؤثر هذا أيضاً في إنتاجيتك وموقفك تجاه وظيفتك.
6. التهرب والمماطلة:
عندما تشعر بالإرهاق، قد يكون ذلك بسبب وجود أفكار في رأسك تزعجك، أو لأنَّك تمتلك بعض المسؤوليات التي يجب عليك القيام بها أو إنجازها لكنَّك لم تقم بها بعد؛ حيث سيؤدي تأجيل الأشياء لفترة طويلة إلى حدوث ضغط خفي يسبب عبئاً ومشكلة مستمرة.
شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من المماطلة والتأجيل؟
7. التعايش مع الآلام المزمنة أو الأمراض:
إنَّه لمن الصعب بما فيه الكفاية أن تعيش حياتك مع التوتر، أضف إلى ذلك شيئاً مثل آلام الظهر المزمنة أو الحالات الخَلقية؛ فالأمر أشبه برعاية شخصين منفصلين بنفسك، حيث يمكن أن يسبب هذا الأمر شعوراً بالاستياء والمرارة والانزعاج تجاه الأشخاص الذين تحبهم، وحتى أولئك الذين يدعمونك ويعتنون بك.
8. موت شخص عزيز:
إنَّ فقدان صديق مقرب أو أحد أفراد العائلة أمر جربه الجميع، ولم يكن سهلاً قط على أحد؛ ومع ذلك، يحاول الكثير من الناس أن يتظاهروا برباطة الجأش ويظهروا لأحبائهم أنَّهم بخير وقادرون على التعامل مع الأمر بطريقة جيدة، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ هذا يثقل كاهلهم؛ لذا صارح نفسك بشأن هذا الأمر، وتحدث مع شخص ما؛ فقد تكون تجربة الحزن لوحدك وعدم مشاركته مع أي شخص سبب شعورك بالإرهاق.
9. عدم وجود هدف في الحياة:
تحتاج الحياة إلى هدف؛ ذلك لأنَّه دون هدف نهائي، سيكون من السهل أن تدخل في حالة اكتئاب تؤدي بك إلى الشعور بالإرهاق العقلي.
ماذا يجب أن تفعل عندما تشعر بالإرهاق؟
يقول "نيكولاس سباركس" (Nicholas Sparks) : "عندما تكافح من أجل شيء ما في الحياة، راقب الأشخاص من حولك، وأدرك أنَّ كل شخص تراه يعاني من شيء ما، ويكون الأمر بالصعوبة نفسها بالنسبة إليهم"؛ لذا:
1. تحدَّث عن معاناتك:
قد يبدو الأمر واضحاً، لكنَّ التحدث عن المعاناة والصراعات التي تواجهها مع شخص ما شكل من أشكال العلاج بحد ذاته؛ إذ من المحتمل أنَّ شخصاً ما مر بالمواقف نفسها التي تمر بها الآن؛ لذلك لا تخفِ مشاعرك ومخاوفك، بل تحدث عنها، وتعلم كيف يتعامل الآخرون معها، واستفد من تجاربهم.
2. ابحث عن مخرج أو هواية:
تتمثل إحدى الطرائق للمساعدة في العثور على الفرح في حياة الإرهاق التي تعيشها في العودة إلى المنزل لممارسة هواية تحبها، والاسترخاء، وفعل شيء تحبه.
3. كن واقعياً:
لا يمكنك فعل كل شيء في الحياة؛ لذا انظر إلى جدولك، وكن صادقاً مع نفسك والأشخاص من حولك بشأن ما يمكن لشخص واحد أن يفعله في يوم واحد، واطلب المساعدة من الآخرين، ولا تكن متردداً للغاية في ذلك؛ فقد يكون وضع ثقل العالم على كتفيك وتحملك مسؤولية الأمور كلها هو سبب شعورك بالإرهاق.
4. صِل مبكراً:
لقد استغرق الأمر مني سنوات في الحياة لأدرك إلى أي مدى يمكن أن يقل التوتر عندما أنجز الأمور في وقت مبكر؛ فمثلاً: يمنحني الاستيقاظ قبل خمس دقائق وقتاً للاسترخاء والتفكير فيما إذا كنت قد نسيت أي شيء قبل أن أخرج من المنزل، أو أن أترك خمس دقائق قبل أن أصل إلى مكان ما ممَّا يمنحني وقتاً للوصول والحصول على مقعد جيد، أو الخروج من مكان ما، أو التحدث إلى شخص ما ومعرفة شيء ما عن المكان؛ حيث يسمح لك وصولك باكراً بالاسترخاء والراحة التامة بدلاً من أن تكون على عجلة من أمرك.
5. تمرَّن أكثر، وجرِّب اتباع العادات الصحية:
ربما يكون التمرين هو آخر شيء تريد القيام به، ولكن هل سبق لك وأن ندمت على التمرُّن؟
دائماً ما يُشعِرك التمرن بتحسن ويمنحك الزخم لقضاء يوم رائع؛ لذا جرب اتباع بعض العادات الصحية، واخرج للتنزه بعد استيقاظك مباشرة، أو جرب تناول الخضروات الطازجة مرة في الأسبوع، أو اشرب مزيداً من الماء، أو استبدل الحلوى بالفاكهة؛ وإذا كنت تشرب 10 فناجين من القهوة يومياً، فحاول قضاء يوم واحد في الشهر دون قهوة؛ حيث تؤدي العادات الصحية في النهاية إلى عيش حياة أكثر سعادة بطرائق عدة وأكثر ممَّا تعتقد.
6. سجِّل أفكارك ومشاعرك:
كما الحديث عن مشكلاتك، يعدُّ التدوين وسيلة ممتازة لإخراج الأفكار من رأسك، وتوضيح مشاعرك؛ حيث تدرك في أثناء الكتابة أنَّك في الواقع لم تكن تفهم ما كنت تفكر فيه.
7. اعتنِ بشيء ما:
اعتنِ بحيوان أليف، وإذا لم تكن مستعداً لوجوده في المنزل، فاشترِ بعض النباتات للاعتناء بها؛ حيث يزيح هذا الاهتمامَ بعيداً عنك ويوجهه نحو مخلوق تعتمد حياته عليك، ويساعدك ذلك على وضع كل شيء في مكانه المناسب وتخفيف التوتر والإرهاق.
8. تأمل:
التأمل دواء يستخدمه كل الناس لعلاج جميع المشكلات، ولكنَّه يساعد حقاً في وضوح التفكير وتنمية الشعور بالهدوء في حياتك؛ ولا يُشترَط أن تجلس في وضعية معينة، حيث يمكن أن يتخذ التأمل أي شكل يناسبك؛ فقد يكون كل ما تحتاج إليه نفس عميق قبل الخروج من سيارتك، أو إغلاق عينيك والتفكير في أحبائك عندما تمر بوقت عصيب.
أفكار أخيرة:
تقول الدكتورة "أليس بويز" (Alice Boyes) مؤلفة كتاب "حقيبة أدوات العقل الصحي" (The Healthy Mind Toolkit): "كلما زاد سعيك إلى اتباع طرائق لتقليل التوتر واتخاذ كثير من القرارات، زادت الطاقة العقلية التي ستحصل عليها"؛ وهذا صحيح في العديد من المجالات؛ لذا اعمل على العادات والأمور الروتينية التي تستبعد عدداً من القرارات التي تتخذها؛ فكلَّما كنت أكثر انضباطاً في هذه المجالات، زادت حريتك في القيام بالأشياء التي تريدها وتحتاجها حقاً؛ لكن افهم كيف تحصل على طريقتك الخاصة، وألقِ نظرة على الإجراءات والأعمال الروتينية التي تنظم حياتك اعتماداً عليها؛ هل توجد تعديلات صغيرة يمكنك إجراؤها للتوقف عن استخدام طريقتك الخاصة؟ كيف سيبدو هذا لو كان الأمر سهلاً؟
قد يؤدي طرح مثل هذه الأسئلة على نفسك في بعض الأحيان إلى التوصل إلى حلول بسيطة بشكل مدهش، والإجابة عن سؤال "لماذا أشعر بالإرهاق؟".
كما أخبرتك مسبقاً، يكافح الجميع بطريقتهم الخاصة، وقد تختلف الطريقة التي تدير بها توترك تماماً عن شخص آخر؛ فعندما تكون ضعيفاً وتفهم أنَّ لديك القدرة على التغلب على هذا الإرهاق، يمكنك البدء بتحديد سببه؛ لذا مارس العادات الإيجابية الملائمة، ولا تنسَ أن تحصل على نوم جيد.
أضف تعليقاً