تعريف الاسترخاء ومفهومه في علم النفس
"الاسترخاء هو حالة ذهنية وعضلية ينخفض فيها التوتر الجسدي وتتباطأ استجابات القلق، ويُستخدم في علم النفس كأداة مساعدة لعلاج التوتر والقلق".
التعريف اللغوي والعلمي لكلمة "الاسترخاء"
- لغويًا: الاسترخاء في اللغة العربية يعني الانبساط بعد انقباض، ويُستخدم للدلالة على الراحة بعد الجهد أو التوتر.
- علميًا: يُعرف الاسترخاء بأنه حالة من انخفاض النشاط الفسيولوجي والنفسي، حيث تنخفض معدلات التنفس وضغط الدم وتقل التقلصات العضلية.
الفرق بين الاسترخاء الجسدي والعقلي
- الاسترخاء الجسدي يشير إلى تخفيف التوتر العضلي واستعادة مرونة الجسم، ويُستخدم غالبًا في العلاج الطبيعي أو جلسات التدليك.
- الاسترخاء العقلي، فهو يركّز على تهدئة الأفكار وتقليل النشاط الذهني المفرط، ويُمارس من خلال التأمل أو تمارين اليقظة الذهنية.
إن الاسترخاء الجسدي يُحفّز الجهاز العصبي الودي المسؤول عن الراحة، بينما يشير مفهوم الاسترخاء العقلي إلى القدرة على تنظيم المشاعر وتحسين التركيز.
كيف ينظر علم النفس إلى الاسترخاء؟
في علم النفس الحديث، يُنظر إلى الاسترخاء على أنه أكثر من مجرد حالة هدوء مؤقت؛ بل هو استجابة فسيولوجية ونفسية منظمة تُعرف باسم Relaxation Response، وهي آلية طبيعية مضادة لتأثيرات التوتر المزمن.
هذا المفهوم صاغه الدكتور هربرت بنسون في سبعينيات القرن الماضي، بعد أبحاث موسعة في جامعة هارفارد، حيث أثبت أن الإنسان قادر على تحفيز هذه الاستجابة من خلال تقنيات بسيطة مثل التنفس العميق أو التأمل.
وقد تم تعريف الاسترخاء في علم النفس، وفق الجمعية الأمريكية (APA) بأنه:
"حالة من انخفاض التوتر العضلي، وتباطؤ في معدل ضربات القلب والتنفس، غالبًا ما يتم الوصول إليها من خلال تقنيات مثل التنفس العميق، التأمل، أو التخيل الموجه"
فوائد الاسترخاء الجسدية والنفسية
لا يقتصر الاسترخاء على الشعور المؤقت بالراحة، بل يمتد تأثيره ليشمل صحتك العامة على المدى الطويل. هنا نكشف لك كيف تؤثر تقنيات الاسترخاء على الجسم والعقل، من خفض ضغط الدم إلى تحسين جودة النوم والتقليل من القلق اليومي:
1. تقليل ضغط الدم والكورتيزول
لا يقتصر تأثير الاسترخاء على تهدئة الأعصاب فحسب، بل يمتد ليشمل تنظيم الوظائف الحيوية المرتبطة بالتوتر. عند ممارسة تقنيات مثل التنفس العميق أو التأمل، ينخفض نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن استجابة "الكر أو الفر"، ويبدأ الجسم بإفراز هرمون الأستيل كولين الذي يُبطئ معدل ضربات القلب ويُخفض ضغط الدم.
أظهرت دراسة منشورة في JAMA Internal Medicine أن التأمل المنتظم يُساهم في تقليل مستويات الكورتيزول، وهو الهرمون المرتبط بالإجهاد المزمن، مما يُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري.
2. تعزيز جودة النوم والتركيز
الاسترخاء يُحفّز ما يُعرف بـ "استجابة الاسترخاء" (Relaxation Response)، وهي حالة فسيولوجية تُهيّئ الجسم للنوم العميق عبر تقليل النشاط الذهني وتسريع الدخول في مراحل النوم غير الحركي (NREM).
وفقًا لـ Mayo Clinic، فإن تقنيات مثل التأمل الذهني والتخيل الموجّه تُساعد على تهدئة الأفكار المتسارعة وتحسين جودة النوم، كما تُعزز التركيز والانتباه خلال النهار، هذا التأثير التراكمي يُعيد ضبط الساعة البيولوجية ويُقلل من أعراض الأرق والقلق الليلي.
شاهد بالفيديو: 5 نصائح بسيطة تساعدك على الاسترخاء
3. تحسين المزاج والصحة العامة
الاسترخاء لا يُهدئ الجسد فقط، بل يُعيد التوازن الكيميائي للدماغ. عند الدخول في حالة استرخاء عميق، يبدأ الدماغ بإفراز الإندورفين والسيروتونين، وهما مركبان يُساهمان في تحسين المزاج وتقليل مشاعر القلق والاكتئاب.
تُشير WebMD إلى أن الاسترخاء يُقلل من الالتهابات ويُعزز المناعة، مما يُساهم في تقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم واضطرابات الهضم
"تشمل فوائد الاسترخاء: تقليل ضغط الدم، تهدئة الجهاز العصبي، وتحسين نوعية النوم والتركيز الذهني".
أفضل تقنيات الاسترخاء المجربة علميًا
إذا كنت تتساءل عن الطرق العملية التي يمكنك بها الوصول إلى حالة من الهدوء الذهني والجسدي، فهذا القسم هو دليلك. نستعرض هنا أبرز أساليب الاسترخاء المدعومة علميًا، سهلة التطبيق ويمكن دمجها في روتينك اليومي دون أدوات معقدة:
1. التنفس بعمق
تساهم عملية التنفس العميق في التقليل بشكل كبير من الإجهاد والتوتر، وذلك من خلال خفض ضغط الدم وإبطاء معدل ضربات القلب.
كما أن 70% من سموم الجسم تخرج عن طريق التنفس، فإذا لم تحدث عملية التنفس بشكل صحيح، فستتراكم هذه السموم في الجسم، وستؤثر بشكل سلبي في صحته.
وعند التنفس بعمق، يدخل الأوكسجين إلى الدماغ بشكلٍ كبير، مما يخفف من مستويات هرمون القلق والتوتر.
وتتطلب هذه الطريقة استراحة لمدة خمس دقائق والتركيز على عملية التنفس فقط، حيث يجب على من يتبع هذه الطريقة أن يستنشق بعمق من خلال الأنف، وأن يزفر ما استنشقه عن طريق الفم.
2. ممارسة الرياضة
تساعد ممارسة بعض التمرينات الرياضية مثل اليوغا والمشي بشكل كبير في الوصول إلى حالة الاسترخاء؛ لأنها تساعد الدماغ على إفراز مواد كيميائية محددة تسهم في منح الجسم فرصة لتجاوز الإجهاد النفسي والجسدي، فتخف بذلك حالات القلق والاكتئاب.
هناك عدة وضعيات لليوغا تعد مفيدة جداً للحصول على الاسترخاء، نذكر منها:
2.1. وضعية الشجرة (Tree Pose)
وهي الوضعية الأسرع التي يمكنها منحك الإحساس بالاسترخاء والارتياح. إليك كيفية القيام بها:
- يجب أن تقف على قدمك اليسرى أو اليمنى (كما تفضل).
- ثم تأتي بكعب قدمك الأخرى وتجعله ملامساً لأعلى ركبتك.
- ثم تجمع يديك فوق رأسك.
- وتقِف بهذه الوضعية لمدة ثلاثين إلى أربعين ثانية.
- ثم بعد ذلك تعكس بين الرجلين، وتكرر العملية نفسها عدة مرات.
2.2. وضعية البراناياما Pranayama
وهي وضعية بسيطة جداً، وتعتمد على التنفس للحصول على الاسترخاء والراحة، وهذه الوضعية كما يلي:
- اجلس مكتوف الرجلين.
- ثم ضع يديك على ركبتيك.
- أغلق عينيك.
- خذ نفساً عميقاً، حتى يتسع صدرك في الشهيق.
- ثم أخرج النفس إلى الخارج في عملية الزفير حتى يعود صدرك إلى وضعه الطبيعي.
- ثم كرر هذه العملية لمدة 10 دقائق.
يساعد هذا التمرين على تنشيط الدورة الدموية، ويجعل الطريق واسعاً أمام الاوكسجين للوصول إلى الدماغ بسهولة، مما يساهم بشكل كبير في الإحساس بالراحة.
3. الضحك بصوت مرتفع
إن الضحك بصوت عال من أهم الأسباب التي تساعد في خفض نسبة هرمون الكورتيزول، وهو الهرمون المعروف باسم هرمون الإجهاد.
كما يسهم الضحك في الوقت ذاته في تعزيز إفراز بعض المواد الكيميائية من الدماغ، والتي تدعى بالأندروفينات، والتي يتمثل عملها في تحسين المزاج لدى الشخص، والشعور بالسرور والسعادة، بالإضافة إلى مساهمتها بشكلٍ قوي في تخفيف الشعور بالألم، وخفض الإجهاد، وتعزيز الجهاز المناعي.
ويعد "بيتا أندورفين" أكثر هذه الأندروفينات قوة وفعالية، وهو مكون من سلسلة طويلة من الأحماض الأمينية (ثلاثون حمضاً أمينياً).
لذلك، إن لمشاهدة فيلم كوميدي أو مسرحية هزلية دور كبير في جعلك تشعر بالسعادة، وتحصل على الاسترخاء.
4. التدليك (مساج الاسترخاء)
يعد التدليك أو ما يسمى بمساج الاسترخاء طريقة فعالة للقضاء على الإجهاد والاكتئاب، وللتخلص من أشكال الضغط والتوتر النفسي كافة، حيث يعمل مساج الاسترخاء على الناحيتين الجسدية والنفسية.
فهو يخلص الشخص من آلام المفاصل الناتجة عن التعب اليومي، بالإضافة إلى أنه يساعد في التخلص من الإجهاد العضلي، حيث تسترخي العضلات وتستعيد مرونتها.
كما وله دور هام في القضاء على السموم التي تؤدي إلى العصبية والاكتئاب، وزيادة أكسجة الدماغ؛ كما يساعد في علاج مشكلة الصداع المزمن، وعلى الاسترخاء والنوم بعمق، والتخلص من مشاكل الأرق والقلق في أثناء النوم.

متى تحتاج إلى الاسترخاء؟
لا يقتصر تطبيق تقنيات الاسترخاء على لحظات الترفيه أو نهاية يوم طويل، بل يُعد ضرورة صحية عندما تبدأ بعض المؤشرات الجسدية والنفسية بالظهور. فالجسم والعقل يُرسلان إشارات واضحة تدعونا للتوقف، وإعادة التوازن الداخلي قبل أن تتفاقم الأعراض.
1. مؤشرات جسدية تستدعي الاسترخاء
عندما يبدأ الجسم في التعبير عن التوتر، تظهر علامات لا يجب تجاهلها، منها:
- أرق ليلي متكرر أو صعوبة في الدخول في النوم
- شد عضلي دائم، خاصة في الرقبة والكتفين
- تسارع ضربات القلب أو الشعور بالخفقان دون مجهود
- ضيق في التنفس أو تنفس سطحي
- آلام رأس متكررة أو صداع توتري
- اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل الانتفاخ أو الغثيان
هذه الأعراض تُشير إلى أن الجسم في حالة "استجابة للضغط"، ويحتاج إلى تفعيل ما يُعرف بـ استجابة الاسترخاء، وهي حالة فسيولوجية تُعيد التوازن للجهاز العصبي وتُخفف من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.
2. مؤشرات نفسية وعاطفية
الجانب النفسي لا يقل أهمية، فالتوتر يُعبّر عن نفسه أيضًا عبر:
- التهيج الزائد أو الانفعال لأسباب بسيطة
- القلق المستمر أو التفكير المفرط في الأمور اليومية
- صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات
- الشعور بالإرهاق الذهني حتى بعد الراحة
- رغبة في الانعزال أو فقدان الحماس للتفاعل الاجتماعي
وفقًا لـ WebMD فإن هذه المؤشرات تُعد من أبرز علامات الحاجة إلى الاسترخاء، خاصة إذا استمرت لفترة طويلة أو أثّرت على جودة الحياة اليومية.
هل تحتاج إلى الاسترخاء؟
استنادًا إلى توصيات Mayo Clinic وWebMD، إليك قائمة تحقق سريعة تساعدك على تقييم حالتك:
- هل تعاني من أرق أو نوم متقطع؟
- هل تشعر بشد عضلي أو توتر جسدي؟
- هل تلاحظ تسارعًا في ضربات القلب أو تنفسًا غير منتظم؟
- هل تشعر بالقلق أو الانفعال الزائد؟
- هل تجد صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات؟
- هل تشعر بالإرهاق رغم عدم بذل مجهود كبير؟
إذا أجبت بـ نعم على أكثر من 3 نقاط، فقد يكون الوقت مناسبًا لتطبيق تقنيات الاسترخاء بانتظام.
"من علامات حاجتك للاسترخاء: توتر عضلي دائم، أرق ليلي، أو شعور بالضغط النفسي المستمر".
اليوم العالمي للاسترخاء
قرر الطبيب "شون مولر" اعتبار يوم 15 أغسطس من كل عام اليوم العالمي للاسترخاء، وقد دعا جميع الناس في العالم إلى ألا يقوموا بأي جهد أو عمل، ويخصصوا هذا اليوم لراحتهم النفسية والجسدية والاعتناء بأنفسهم، خاصة بعد التوتر والاضطرابات الناتجة عن مواجهة تحديات ومصاعب الحياة المستمرة.
شاهد بالفيديو: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء
الأسئلة الشائعة حول تقنيات الاسترخاء
1. ما هو أفضل وقت لممارسة الاسترخاء؟
أفضل وقت هو صباحًا لتحسين التركيز، أو مساءً لتحسين النوم. اختر الوقت الذي يتماشى مع إيقاعك البيولوجي، ويفضل أن يكون وقتًا ثابتًا يوميًا لتعزيز الفعالية.
2. هل هناك فرق بين التأمل والاسترخاء؟
نعم، التأمل يُركز على تنظيم التفكير، بينما الاسترخاء يهدف إلى تهدئة الجسد والعقل. كلاهما مفيد لكن لهما أهداف مختلفة.
3. هل الموسيقى ضرورية للاسترخاء؟
ليست ضرورية، لكنها فعالة جدًا. الاستماع إلى موسيقى هادئة مثل الكلاسيكية أو أصوات الطبيعة يُحفّز موجات ألفا في الدماغ المرتبطة بالهدوء والصفاء. يُفضل اختيار موسيقى بطيئة الإيقاع (حوالي 60 نبضة في الدقيقة).
4. ما هي الآثار الجانبية لتقنيات الاسترخاء؟
قد تظهر أعراض نادرة مثل القلق المؤقت أو أفكار متطفلة، خاصة لدى من يعانون من حالات نفسية مزمنة. يُنصح بالبدء التدريجي أو تحت إشراف مختص.
5. هل يمكن ممارسة الاسترخاء أثناء العمل؟
نعم، يُمكنك ممارسة التنفس العميق أو التأمل القصير داخل بيئة العمل لتحسين الإنتاجية وتقليل التوتر. إنّ دمج تقنيات الاسترخاء في الروتين اليومي للعمل يُحسّن التركيز ويُقلل من معدلات التوتر والغياب الوظيفي
الخاتمة
في زحمة الحياة اليومية، قد نغفل عن أبسط ما نحتاجه: لحظة استرخاء صافية تعيد إلينا توازننا الجسدي والنفسي. الآن بعد أن تعرفت على تعريف الاسترخاء وفوائده وتقنياته، لم يعد الأمر معقدًا أو غامضًا. ابدأ بخطوة بسيطة – تنفس بعمق، خذ استراحة قصيرة، وكن حاضرًا بذهنك.
هل جربت أحد الأساليب التي تحدثنا عنها؟ شاركنا في التعليقات، وادعم من حولك بمشاركة هذا المقال لمن يحتاج إلى وقفة هدوء في يومه.
أضف تعليقاً