الاقتصاد:
دعونا نلقي نظرة على هذا التعريف مرة أخرى: التكلفة المقاسة من حيث قيمة الفرصة البديلة. ما يعنيه هذا في الأساس هو أنَّه إذا كان لديك خياران "آ" و"ب"، فإنَّ تكلفة فرصة اختيارك "آ"، هي القيمة التي ستحققها من عدم اختيارك "ب". يوجد مثال في غاية الوضوح من العالم الواقعي وهو: في ليلة جمعة مزدحمة، يستبدل رجل الأعمال 6 ساعات من الاحتفال مع الأصدقاء بـ 6 ساعات عمل في المكتب.
تكلفة الفرصة البديلة - بحكم تعريفها - هي القيمة المكتسبة من تلك النشاطات التي فاتته، وفي هذه الحالة يمكن قياس هذه القيمة في وحدات السعادة أو وحدات الاستمتاع. لكنَّ الأمر أكثر تعقيداً من ذلك؛ إذ يمكنك أيضاً أن تأخذ في الحسبان القيمة المُضافة من ساعات العمل الست هذه، واحتمال خسارة القيمة النقدية من الخروج لتناول العشاء أو طلب المزيد من المشروبات.
ومع أخذ هذه الأمور في الحسبان، نحتاج إلى النظر إلى تكلفة الفرصة البديلة من خلال التطبيق، بدلاً من مجرد النظرية.
العالم الواقعي:
عندما يتعلق الأمر بتطبيق مفهوم تكلفة الفرصة البديلة على العالم الحقيقي، لا يمكننا استعمال معايير شخصية محتملة مثل "وحدات السعادة"، فلا يمكننا حقاً إلَّا تحديد الوقت والمال بشكل موضوعي.
1. المال:
دعونا نبدأ بالأمر السهل: المال.
بالطبع المال هو الخطوة الأسهل؛ إذ يمكن احتساب معظم الأشياء بقيمة مالية؛ ولأنَّ المال يُعَدُّ مورداً متجدداً، فلديك بدائل لا حصر لها، على سبيل المثال، إذا لم تشترِ العنصر "أ" هذا الأسبوع، فيمكنك أن تنتظر حتى راتب الأسبوع المقبل وتشتريه بعد ذلك.
أفضل طريقة لحساب تكلفة الفرصة البديلة للمال هي من خلال تتبع دخلك ونفقاتك، وحساب أجر الساعة الحقيقي "الائتمان: أموالك أو حياتك".
يمكنك استعمال أيَّة أداة متابعة للميزانية سهلة على هاتفك الذكي، مثل "آي إكس بينسلت" (iXpenseIt) أو "موني" (Money) أو "موني ويل" (MoneyWell)، أو حتى مجرد استعمال القلم والورق، وفي نهاية كل شهر اجمَع نفقاتك ودخلك واعرف ماهيتها.
لمعرفة أجر الساعة الحقيقي؛ اكتب المبلغ الذي تجنيه في السنة، ثم احسب مقدار الوقت الذي تقضيه في العمل والنشاطات المتعلقة بالعمل؛ إذ تحتاج أولاً إلى خصم المصاريف المتعلقة بالعمل من قيمة راتبك/ دخلك، مثل الزي الرسمي أو الملابس أو مصاريف النقل، وتحتاج أيضاً إلى احتساب وقت السفر والعمل الإضافي والأحداث الأخرى المتعلقة بالعمل خارج ساعات العمل العادية.
يأتي الآن الجزء المثير للاهتمام؛ خذ كل بند من بنود النفقات واعرف عدد ساعات العمل التي استغرقتها لشرائه؛ وللقيام بذلك خذ قيمة العنصر وقسِّمه على أجر الساعة الحقيقي.
على سبيل المثال، لنفترض أنَّك حسبت أجر الساعة الحقيقي ليكون 12 دولاراً في الساعة، وتنفق كل ليلة جمعة 60 دولاراً على المشروبات مع زملائك في العمل؛ هذا يعني أنَّ قيمة تلك المشروبات تعادل 5 ساعات عمل.
بناءً على ذلك يجب أن تسأل نفسك ما إذا كانت ساعتان من اللهو مع الأصدقاء في مقهى ليلة الجمعة تعادل 5 ساعات من العمل، وما هي تكلفة الفرصة البديلة لتلك الساعات الخمس، فمن الناحية النقدية والقيمة الأخرى، على سبيل المثال 60 دولاراً يمكن أن تساوي 2-3 أيام من تناول الطعام بالخارج، كما يمكن أن تساوي الاشتراك لمدة عام في مجلة تحبها، ويمكن أن تساوي أيضاً 5 ساعات إضافية تقضيها مع عائلتك.
هذا ما نعنيه بتكلفة الفرصة البديلة، فليس من الواضح دائماً ما الذي نتخلى عنه بالضبط عندما نتخذ قرارات الشراء.
شاهد بالفديو: تعلم كيف تغتنم الفرص بـ 10 خطوات
2. الوقت:
على عكس المال، الوقت ليس شيئاً يمكنك استرداده؛ فبمجرد أن يمر الوقت يكون قد ذهب إلى الأبد، ويوجد عامل إضافي يضاعف من ذلك، وهو أنَّ هناك أشياء معينة لا يمكنك القيام بها إلَّا في وقت محدد، ولن تُتَاح لك الفرصة أبداً لمتابعة هذه الفرصة مرة أخرى. هذه هي الأشياء التي يتعيَّن عليك مراقبتها؛ الأشياء التي إذا فاتتك الآن، فلن تكون متاحة لك مرة أخرى.
على سبيل المثال:
- عروض وفرص عمل محدودة بزمن معيَّن.
- رؤية شخص أنت منجذب إليه يمشي أمامك على الرصيف، وتفكر فيما إذا كنت ستذهب إليه وتلقي عليه السلام.
- التمرينات الرياضية.
- البقاء في علاقة "مؤذية" أم لا.
بالإضافة إلى هذه الفرص التي تختفي إلى الأبد، يمكنك أيضاً وضع قيمة نقدية للوقت لحساب تكلفة الفرصة البديلة، وبأخذِ الرقم الحقيقي لأجرك في الساعة، يمكنك أن تقرر ما إذا كانت مشاهدة التلفاز لمدة ساعة تساوي 12 دولاراً، أو ما إذا كان ثمن القميص 60 دولاراً يساوي مشاهدة التلفاز لمدة 5 ساعات.
3. الصحة:
صحتك الجسدية هي أيضاً شيء يمكنك التفكير فيه بتكلفة الفرصة البديلة، وقد تبدو الوجبة الدسمة المكونة من البرجر والبطاطا المقلية والمشروبات الغازية هي الشيء الصحيح الذي يجب تناوله في الوقت الحالي، ولكن ضع في حسبانك التكلفة اللاحقة؛ أي قضاء المزيد من الوقت في صالة الألعاب الرياضية، وانخفاض الطاقة لاحقاً عندما ينهار معدل السكر العالي ووجبات أقل في المستقبل؛ وذلك بسبب انخفاض العمر الافتراضي.
لذلك التمرينات البدنية هي واحدة من أفضل الأشياء التي يمكن أن تقضي بها وقتك؛ إذ إنَّها ليست شيئاً يمكنك القيام به لاحقاً وهي بالتأكيد تفوق تكلفة فرصة النشاطات الأخرى البديلة. ممارسة الرياضة بشكل صحيح ستجعلك تعيش لفترة أطول وتعمل بشكل أكثر إنتاجية وتستمتع بالحياة أكثر وتوفر لك جميع أنواع الفوائد الاجتماعية.
4. التركيز والتحفيز:
يُعَدُّ كل من التركيز والتحفيز من الموارد المتجددة التي تُستَنفَد من خلال العمل والنشاطات الأخرى؛ وذلك لأنَّها أشياء "تنفقها" ويمكنك استعمالها لحساب تكلفة الفرصة أيضاً.
على سبيل المثال 40 ساعة من التركيز المكثف في مشروع عمل، من المرجَّح أن تُترجَم إلى 2-3 أيام راحة لإعادة التجديد، ويمكن أيضاً تطبيق 40 ساعة من التركيز في أشياء أخرى؛ كمساعدة أطفالك في واجباتهم المدرسية وبعض المشاريع الشخصية في المنزل والدراسة من أجل اختبار قبول الخريجين في الإدارة (GMAT) وما إلى ذلك، وقبل أن تتبنى المبدأ - الشائع للأسف - بأنَّه يجب أن تعمل طوال الوقت، ضع في حسبانك القيمة المفقودة في كل هذه النشاطات الأخرى.
يمكنك تجديد التركيز والتحفيز من خلال أخذ إجازة من العمل وتغيير أسلوب الحياة، ويشمل وقت التوقف عن العمل أشياء مثل الترفيه - مشاهدة التلفاز وألعاب الفيديو والخروج - والوقت الاجتماعي مع الأشخاص الذين تستمتع بصحبتهم والإجازات والاستراحات؛ إذ يتعلق أسلوب الحياة في المقام الأول بالصحة البدنية ومستويات الطاقة.
أمثلة سهلة:
لتوضيح كيفية تناسب كل هذا مع حياتك اليومية بشكل أفضل، دعنا نلقي نظرة على بعض الأمثلة الشائعة لمقايضة تكلفة الفرصة البديلة.
1. اختيار المشروع: ما هي المهنة "الصناعة" التي يجب أن أدخلها؟
يُعَدُّ البدء بالمهنة أسرع طريقة للحصول على دخل مستقر، ولكنَّ ريادة الأعمال قد تؤتي ثمارها مع مرور الوقت، لكن يتعيَّن على رائد الأعمال أن يعيش على المدخرات في أثناء بناء أعماله، التي كان من الممكن استثمار قيمتها النقدية في أشياء أخرى خلال مرحلة بدء التشغيل تلك.
2. البقاء في المنزل للعمل حتى وقت متأخر، أو الخروج مع الأصدقاء؟
يعني البقاء في المنزل أنَّك تنتج قيمة في عملك، ولكنَّك تخسر وقتاً اجتماعياً مع الأصدقاء من شأنه تجديد مستويات تركيزك وتحفيزك، كما أنَّك تخسر أي عامل من عوامل المتعة، ولكنَّ البقاء في المنزل يعني أنَّك لن تنفق المال على الطعام والشراب وأيَّة نشاطات أخرى ذات صلة، ولكنَّك تستنفد التركيز والدافع.
3. الاستمرار في وظيفة تكرهها بأجر جيد، أو تفعل شيئاً تستمتع به بأجر أقل؟
يمنحك الاستمرار في الوظيفة التي تكرهها قيمة مالية، ولكنَّك تستنفد التركيز والتحفيز بشكل أسرع وكذلك الشعور العام بالسعادة، والتغيير إلى الوظيفة التي تستمتع بها يعني نقوداً أقل؛ مما يعني أنَّه قد تضطر إلى البحث عن مصادر إضافية للدخل؛ وهذا يعني أيضاً أنَّه يجب عليك التخلي عن شراء غرض معيَّن كنت ستتمكن من شرائه بالمال من الوظيفة التي تكرهها.
4. المال أم الوقت؟
يوجد مفهوم مثير للاهتمام وهو أنَّ امتلاك نقود زائدة "يشتري" الوقت، إذا كنت مبدعاً في الاستعانة بمصادر خارجية؛ إذ يشتري المال التكنولوجيا ووقت الأشخاص الآخرين، ومن ثم يمكنك "توفير" الوقت عن طريق إنفاق مبالغ معينة من المال، والأمثلة السهلة هي الاستعانة بمصادر خارجية للتحضيرات الضريبية أو غسيل الملابس، أو الاشتراك في خدمة لأتمتة مدفوعات الفواتير أو دفع المال لأحد وكلاء السفر للتخطيط لعطلتك.
لاحظ أنَّنا لم نقدم إجابات قاطعة "أيهما أفضل" لكل من هذه الأمثلة؛ وذلك لأنَّ تكلفة الفرصة البديلة تختلف بالنسبة إلى كل فرد، نظراً لأنَّ كل شخص لديه كميات متفاوتة من الموارد الأساسية: الوقت والمال والصحة والتركيز والتحفيز.
استعمال الإجراءات التالية:
- حساب أجرك الحقيقي بالساعة؛ إذ سيكون هذا مفيداً جداً لحساب تكاليف الفرصة البديلة.
- البدء باتخاذ قرارات أكثر ذكاءً بشأن الوقت والمال.
أضف تعليقاً