إليك خير مثال عن هذه الفكرة:
ثمة نوعان من المهن في هذا العالم؛ المهن التي تتقاضى أجرها بالساعة، وتلك التي تُقدِّم فيها منتجاً أو خدمة لمرة واحدة، وبعدها تربح المبلغ المتبقي لك.
يوجد حي فاحش الثراء في الولايات المتحدة الأمريكية يقطن فيه أغنى %1 من سكان الولايات، وأغنى %0.5 من سكان العالم. ينبع نجاح معظم هذه العائلات من العمل في مهن يتقاضون أتعابها بالساعة؛ فبينهم الأطباء والمحامون والمصرفيون. صحيح أنَّهم يجنون مبالغ هائلة خلال أوقات عملهم، لكنَّ دخلهم يتوقف حينما لا يتواجدون في العمل.
قد نرى أناساً يعملون بلا كلل ولا ملل طوال حياتهم ليكسبوا رزقهم؛ لكن علينا أن نتعلم من أولئك الذين يعملون وقتاً أقل بكثير ويحققون نفس أو أعلى مستويات النجاح المالي؛ ففي نهاية المطاف، ما الفائدة من امتلاك منزل فخم، وممر مليء بالسيارات الرياضية إذا كنت مشغولاً للغاية، ولا تمتلك أي وقت للاستمتاع بما تملك؟
إنَّ الفرق الأساسي بين أولئك الذين يشكِّلون أغنى %1 من أصحاب الدخل، وأولئك الذين يشكِّلون نسبة %0.01 هو أنَّهم يفكرون في مواردهم بشكل مختلف كلياً؛ حيث يفكِّر الشخص الذي يكسب قدراً كبيراً من المال في حماية دخله أكثر من تفكيره بالاستفادة منه في وقت لاحق، فإذا عَرضَ عليه أحدهم إنجاز بعض المهام التي يقوم بها لقاء أجر معين، لن يرى ذلك كفرصة بل كخسارة في الدخل؛ حيث سيتقاضى هذا الشخص جزءاً من دخله، مما يعني انخفاضه بالنسبة له.
أمَّا بالنسبة لأولئك الذين يشكِّلون نسبة %0.01 فإنَّ طريقة التفكير هذه تأتي بنتائج عكسية، فالوقت بالنسبة لهؤلاء الناس يُعَدُّ أعظم أصولهم وليس المال؛ لذلك إن عَرضَ عليه أحدهم إنجاز بعض المهام التي يقوم بها لقاء أجر معين، وكان ذلك الأجر أقل بكثير مما يتقاضونه هم، فإنَّهم يرون ذلك كفرصة مفيدة؛ حيث يمكن لهذا الشخص أن ينجز العمل، مما يمنحهم مزيداً من الوقت لإنجاز أمور أكثر وأفضل.
على سبيل المثال، ربما يتقاضى رائد الأعمال حوالي 500 دولار في الساعة لقاء أتعابه، ثم يأتي شخص ناشِئ ويعرض عليه إنجاز كل جدول أعماله ومعاملاته الورقية مقابل 20 دولار في الساعة فقط؛ الأمر الذي يراه رائد الأعمال فرصة عظيمة.
شاهد بالفديو: 8 طرق مثبتة علمياً لنيل السعادة
إذاً تكلفة الفرصة البديلة هي حينما يقرر المرء الاستمرار في العمل على مهمة معينة، بالرغم من أنَّه سوف يستفيد أكثر إذا قضى وقته في فعل شيء آخر بدلاً من ذلك؛ فقد يستمر المحامي في القيام بالأعمال الورقية الخاصة به، لأنَّه يتقاضى 300 دولار في الساعة مقابل ذلك.
وعلى الجانب الآخر، فإنَّ تكلفة الفرصة البديلة هي أنَّه لو أسند هذه المهمة إلى شخص آخر؛ سوف يوفِّر وقتاً إضافياً في الأسبوع، والذي من المحتمل أن يكسب خلاله أكثر من 300 دولار في الساعة.
لذلك ليس من الصعب للغاية أن تصبح "ثرياً"؛ إذ يمكنك أن تكسب ثروة من خلال تحقيق التوازن بين العمل الجاد واتِّباع العادات المنضبطة لإدارة أموالك؛ لكنَّ تحقيق الثراء دون فهم فكرة تكلفة الفرصة البديلة يُعَد أمراً شبه مستحيل؛ فنحن لا نمتلك سوى ساعات عمل محددة خلال اليوم، وتُحدِّد كل شركة تقريباً الحد الأقصى لما ترغب في دفعه مقابل العمل خلال تلك الساعات، والذي يُحدَّد حسب خبرتك.
والفكرة الأخيرة أنَّ تكلفة الفرصة البديلة تعني أيضاً أنَّه حين يَنصبُّ تركيزك على إنجاز مهمة واحدة فحسب، فأنت لن تفعل أي عمل أو نشاط آخر غيره؛ حيث لا تنطبق هذه الفكرة على الدخل فقط، بل على أمور أخرى أيضاً مثل تحقيق الرضا، وتعزيز العلاقات، وممارسة الهوايات والاهتمامات الأخرى؛ فإذا كنت تعمل، هذا يعني أنَّك لست في إجازة، وإذا كنت في إجازة، فهذا يعني أنَّك لا تقضي أي وقت في العمل. يتعلق الأمر بِرمَّته في مدى إدراكك للقرارات التي تتخذها وسبب اتخاذك لها.
على سبيل المثال، قد يفكر أحد الآباء في سرِّه: "أنا أعمل كثيراً، وأعيل عائلتي"؛ لكنَّ تكلفة الفرصة البديلة للعمل الشاق أنَّه لا يقضي أي وقت مع أطفاله أبداً. كما قد تقول أُمٌّ عاملة: "سأطلب ساعات عمل إضافية في هذه الوظيفة قدر ما أستطيع؛ لأنَّهم يدفعون راتباً جيداً"؛ لكنَّ تكلفة الفرصة البديلة أنَّها إذا عملت ساعات طويلة للغاية، لن يتبقى لديها وقت لممارسة هوايتها المفضلة، والتي تمنحها شعوراً بالرضا والسعادة، ويمكن أن تحوِّلها إلى مهنة مربحة في المستقبل.
لا يعني الأمر أنَّ ثمة طريقة صحيحة أو خاطئة للتعامل مع لعبة الحياة هذه، وما تكشفه فكرة تكلفة الفرصة البديلة هي أنَّ معظم الناس لا يدركون سبب اتخاذهم القرارات؛ فهم يرون جميع الأسباب التي تدفعهم لفعل أمر ما، دون أن يفكروا بالأسباب التي تخبرهم ما لا يجدر بهم فعله. إذاً الوعي هو القدرة على رؤية كافة جوانب الموقف، واتِّخاذ قرار واع يقودك إلى فرصة تلو الأخرى؛ حيث يتمتع أولئك الذين يتمكنون من تحقيق نمط الحياة الذي يرغبونه، بفهم راسخ لفكرة تكلفة الفرصة البديلة.
أضف تعليقاً