9 ممارسات نفسية لتقود نفسك خلال الأزمات

أصبحت قاعدة عامل نفسك كما تعامل الآخرين، نسخة معدَّلة قليلاً من القاعدة الذهبية الشهيرة التي تنص على أن تعامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك، والآن ظهرت فائدتها أكثر من أيِّ وقت مضى.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن عالمة النفس ميك نيوهاوس (Maike Neuhaus)، والذي تحدثنا فيه عن كيفية التعامل مع الصعوبات في حياتنا.

تُظهر الأبحاث أنَّ الطريقة التي نخاطب بها أنفسنا عادة، أكثر انتقادية وقساوة من أسلوب حديثنا مع الآخرين؛ فنحن نقول لأنفسنا أنَّنا لسنا جيدين بما فيه الكفاية أو أنَّنا نفرط في تناول الطعام أو أنَّنا لا نُحسن تربية أطفالنا أو أنَّنا لا نبذل جهداً كافياً. لقد تزايد ذلك بصورة ملموسة وترافق مع زيادة الضغوطات اليومية على الكثيرين منا بصورة لم نعهدها من قبل.

نتيجة جائحة كورونا (COVID-19)، والتي حرمتنا من مغادرة المنزل أو زيارة أحبائنا أو الاعتناء بهم، أصبحنا نفتقر إلى التواصل والتنزه في الهواء الطلق وممارسة النشاطات وغيرها من العناصر الضرورية للصحة الذهنية والسلامة. في الوقت نفسه، وجد الكثيرون أنفسهم فجأة ملزمين برعاية أطفالهم وتعليمهم وتسليتهم، بينما تتراكم عليهم ضغوطات العمل نفسها. اختفت الحدود بين العمل والحياة أكثر من أيِّ وقت مضى، وفقد آخرون وظائفهم، فكان عليهم البحث عن عمل جديد في ظل اقتصاد متداعٍ.

العطف على الذات هو ممارسة يمكننا جميعاً ترسيخها لنتأقلم أكثر مع الآثار السلبية للجائحة. تُظهر الأبحاث أنَّه على عكس الاعتقاد السائد بأنَّ العطف على الذات يجعلك متهاوناً مع نفسك، فهو في الواقع يعزز الدوافع.

في الواقع، أظهرت الدراسات أنَّ العطف على الذات يبني أيضاً وسائل ومهارات نفسية أخرى، تتيح لنا الاستفادة من الأزمات، وتحويلها إلى نمو شخصي من خلال زيادة قدرتنا على التأقلم؛ فضلاً عن تعزيز اليقظة الذهنية والتعاطف والسعادة والترابط الاجتماعي والرضا الكامل عن الحياة.

علاوة على ذلك، يوجد دليل على أنَّه يقلل من الاكتئاب والقلق والتوتر والأكل العاطفي وإخفاء المشاعر التي هي عملية يشار إليها باسْم "عزل المشاعر"، كما أنَّه يحمي صحتنا الذهنية بتقليل مستويات هرمون الكورتيزول والحد من زيادة اضطراب معدل ضربات القلب، وتعزيز قدرتنا على رؤية النصف المُمتلئ من الكأس عند حدوث الشدائد بعملية تسمى "الدعم".

العطف على الذات هو واحد من تسعة عوامل وممارسات في علم النفس الإيجابي، التي ثبت أنَّها تسهِّل عمليات البناء وعزل المشاعر والدعم:

عزل المشاعر والدعم والبناء:

عزل المشاعر هو عملية يتم فيها تقليل الآثار النفسية السلبية للتوتر باستخدام الوسائل النفسية الاجتماعية، مثل الحفاظ على الإيجابية أو الامتنان أو الدعم الاجتماعي؛ أما دعم المشاعر فهو الأثر الناتج عن الحفاظ على الصحة الذهنية عند خوض الصعوبات نتيجة العوامل النفسية الاجتماعية. ويشير البناء إلى استقاء العِبر من الأزمات وتحقيق النمو الشخصي عبر تعلُّم مهارات جديدة أو مدِّ أنفسنا بالدعم.

لُخِّص هذا البحث في مقال بحث علمي حديث نشرته الدكتورة في علم النفس ليا ووترز (Lea Waters) وزملاؤها في مجلة جورنال أوف بوزيتيف (Journal of Positive Psychology).

لذا دعونا نلقي نظرة على ما تنطوي عليه هذه العوامل التسعة، وأثرِها على الصحة الذهنية من خلال عزل المشاعر أو الدعم أو البناء أو الجمع بينها، وكيف يمكن تنميتها في حياتك دون إضافتها إلى "مواعظك".

1. العطف على الذات:

العطف على الذات هو أن تُعامل نفسك بنفس الرعاية والحب والاحترام كما تُعامل صديقاً مقرباً يعاني أزمة ما. تقول عالمة النفس التربوي كريستين نيف (Kristin Neff) أنَّ العطف على الذات يقوم على ثلاثة أركان هي: اليقظة الذهنية واللطف تجاه أنفسنا والإنسانية المشتركة.

اليقظة الذهنية ضرورية لإدراك عتبة ألَمِك أو معاناتك، وأن تكون قادراً على فعل ذلك دون إطلاق الأحكام، كأن تقول لنفسك مثلاً: "لا ينبغي أن أغضب لأنَّني أفضل حالاً من الكثيرين". ويعني اللطف تجاه أنفسنا أنَّ نبادر إلى رعاية أنفسنا بمجرد أن نقر بمعاناتنا؛ لأنَّه الوقت الأنسب لدعم أنفسنا.

الإنسانية المشتركة هي إدراك حقيقة نقصنا نحن البشر، وأنَّ الفشل جزء طبيعي من طبيعتنا، وأنَّنا نعاني جميعنا ونكابد ونرتكب الأخطاء. الإنسانية المشتركة هي أيضاً ما يميز العطف تجاه أنفسنا عن الشفقة عليها التي لا تشمل هذا الركن.

يمكنك تعزيز العطف تجاه نفسك بالانتباه إليها في كل مرة تكون سلبياً، فما عليك سوى الاعتراف في نمط التفكير هذا، وتحديد طريقة داعمة أكثر عند مناجاة نفسك كما لو كنت تخاطب صديقاً مقرباً.

ذكِّر نفسك بهدفك واعلم أنَّ دعم نفسك وتشجيعها سوف يوصلك إلى ما تطمح إليه بوتيرة أسرع بكثير من انتقادها وإهانتها. تحتاج وقتاً للتغلب على هذه العادة، لذا كن صبوراً. يُعدُّ عدم الانزعاج أو الغضب من نفسك الطريقة المثلى للعطف على نفسك.

2. إيجاد معنى لحياتك:

يعني إيجاد معنى لحياتك فهم هذه الحياة وإدراك أنَّها تستحق العيش، والسعي نحو هدف بعيد الأجل وذي قيمة كبيرة. يشار إلى هذه الجوانب الثلاثة أيضاً باسمِ: التماسك والأهمية والغاية؛ لكنَّها قد تتعرض إلى الخطر عند حدوث الأزمات مثل جائحة كورونا (COVID-19) الحالية.

إنَّ إيجاد معنى الحياة أمر أساسي لسلامة الإنسان وتطوره، وقد ثبت أنَّه يقلل من التوتر الناجم عن جائحة كورونا (COVID-19) والملل والاكتئاب والقلق وضغوطات الحياة الشائعة؛ ومع ذلك، فإنَّ إعادة تقييم الحياة وإيجاد المعنى لها يمكن أن يؤدي أيضاً إلى نمو ما بعد الصدمة على المستوى الشخصي.

يمكنك تعزيز معنى حياتك من خلال:

  • تقييم كيف تضررت معتقداتك حول الحياة وكيف يمكنك تعديل هذه المعتقدات وجعلها مدعاة للتفاؤل.
  • معرفة كيف يمكنك الاستمرار في التواصل مع الآخرين، ربما بدرجة أكبر مما اعتدته.
  • تحديد أهدافك ومهمتك اللَّتين تعثرتا، والبحث عمَّا يحفزك وتقديم خدمة عظيمة أنت شغوف بها إلى الآخرين.
إقرأ أيضاً: ما هو معنى الحياة وكيف تعيش حياةً هادفة؟

3. التأقلم:

التأقلم هو بذل جهد مدروس في التعامل مع قضية ما بصورة بناءة للحد من آثارها السلبية، وقد ثبت أنَّه مهارة تقلل من الاكتئاب والقلق، وتعزز العواطف الإيجابية والإدراك والتأثير والمعنى والإحساس بالهدف.

يمكنك تعزيز قدرات التأقلم من خلال ملاحظة الأحداث الإيجابية والاستمتاع والامتنان واليقظة الذهنية الواعية وإعادة التقييم الإيجابي وتحديد مَواطن قوتك الشخصية والاستفادة منها والقيام بأعمال حسنة والعطف على الذات.

4. الشجاعة:

الشجاعة هي اختيار فعل أمر تخشاه والإقدام على المجازفة الجديرة بالاهتمام. يتبدل عنصرا الشجاعة هذان بصورة كبيرة خلال الأزمات؛ فمثلاً ما لم يكن يبدو محفوفاً بالمخاطر قبل الأزمات مثل الاستقالة من الوظيفة لتأسيس مشروع خاص، أصبح لا بد منه في هكذا أزمات. ومن جهة أخرى، أصبحت بعض الأهداف الحالية أكثر قيمة من ذي قبل مثل العمل عبر الإنترنت.

يمكنك تعزيز شجاعتك من خلال النقاط التالية:

  • التأكد من أنَّ أهدافك جديرة بالاهتمام.
  • التركيز على الفائدة التي تحققها لك أهدافك.
  • اختيار أهداف ذات مخاطر أقل.
  • معرفة الوقت الذي واجهت فيه مخاوفك ونجحت في مسعاك.
  • مكافأة نفسك عندما تواجه مخاوفك.
  • الاعتماد على مَواطن قوتك.

5. الامتنان:

الامتنان هو الشكر أو العواطف الإيجابية التي تحسها بعد جني الفائدة. لقد تبيَّن أنَّه يقلل من التوتر ويعزز العواطف الإيجابية والرضا عن الحياة والمرونة، كما أنَّه يعزز توطيد العلاقات الاجتماعية ويحافظ عليها.

يمكنك تعزيز الامتنان من خلال:

  • تدوين الأمور التي أنت شاكر لها مثل: الأوقات والأشخاص وجوانب من حياتك. حاول أن تذكُر ما لا يقل عن عشرة أمور في قائمتك.
  • كتابة رسالة إلى شخص تشعر بالامتنان لوجوده أو شكره على أمر تقدِّره عليه.
  • إحصاء نِعمك في نهاية كل يوم.
  • التفكير فيما أنت شاكر له في نفسك.
  • التفكير في وقت كنت فيه في موقف صعب وتمكنت من تجاوزه، ثم تقدير تغلبك عليه.

شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان

6. قوة الشخصية:

تقول الممثلة الأمريكية ميريل ستريب (Meryl Streep): "تكمن قوتك فيما يجعلك مختلفاً أو غريب أطوار". يعرِّف خبير علم النفس الإيجابي أليكس لينلي (Alex Linley) القوة على أنَّها: "قدرة موجودة مسبقاً لتصرفات معيَّنة أو أفكار أو مشاعر تكون حقيقية تبعث الحيوية في صاحبها، وتجعل فاعليته في ذروتها وتمكِّنه من العمل والتطوير والأداء".

لقد تبيَّن أنَّ توظيف قوة الشخصية يخفف من شدة الاكتئاب والقلق وضغوط العمل واليأس والإدمان واضطراب الوسواس القهري، ويُزعَم أنَّه يعزز الصحة الذهنية من خلال تعزيز السلامة والطاقة والترابط، وقد أظهرت الدراسات أنَّه يمكِّن الشخص من نمو ما بعد الصدمة، ويزيد من المرونة والمناعة النفسية والقدرة على التعلم.

إن أردت توظيف مَواطن قوتك لبناء القدرات في أثناء الجائحة، فعليك تحديد مَواطن قوتك والتفكير في القوة التي مكَّنتك من تجاوز الأزمات في الماضي، ثم معرفة الفرص المتاحة لاستخدام أكبر مَواطن قوتك عند مواجهة التحديات الحالية.

7. العواطف الإيجابية:

ربما لا تحتاج العواطف الإيجابية إلى تعريف؛ فأول ما نسمع بهذا المصطلح، تتبادر إلى أذهاننا حالات عاطفية لطيفة مثل: الفرح والسعادة والنعيم والرضا وغيرها الكثير من الحالات البديهية الأخرى. إنَّ تجربة المشاعر الإيجابية أمر مهم للاستمتاع عند القيام بالمهام اليومية وهي مكون أساسي للسعادة الشاملة التي تتضمن المتعة والازدهار الإنساني والرفاهية التي تُعرف باسم "يودايمونيا" (eudaimonia).

اعتُقدت في الماضي أنَّها حالة عاطفية عابرة ولطيفة؛ لكن نعي الآن الدور المهم الذي تلعبه العواطف الإيجابية في الحياة والبقاء، فهي توسع آفاق وعينا وانتباهنا خالقة تفاعلاً متسلسلاً لسلوك إيجابي آخر يُطلَق عليه "سلوك الاقتراب". ينتج عن العواطف الإيجابية مخزون متزايد من الخيارات والقدرة على التفكير الخلاق وزيادة المعرفة وتحسين التفاعلات الاجتماعية. تعمل العواطف الإيجابية أيضاً بمثابة تغذية راجعة داخلية، تشير إلى أنَّ الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، كما ثبت أنَّها تقلل الاكتئاب.

يمكنك تنمية العواطف الإيجابية من خلال عيش أسلوب حياة صحي، وممارسة اليقظة الذهنية والتأمل، ومعاملة الناس بلطف، ومسامحة نفسك والآخرين، وتنمية وجهة نظر متوازنة، وإعطاء الأولوية للإيجابية، والترابط الاجتماعي.

8. العمليات الاجتماعية الإيجابية:

تشمل العمليات الشخصية الإيجابية مشاركة لحظات الفرح والحب واللطف والضحك والامتنان، مع الأشخاص الذين تجمعنا بهم علاقات مستمرة كأفراد عائلتنا أو أصدقائنا أو جيراننا أو زملائنا في العمل. وقد ثبت أنَّها تحسِّن الحالة المزاجية وتعزز الحميمية في العلاقات.

في حين أنَّ الكثيرين منا لا يستطيعون زيارة الآخرين ومشاركة لحظات الفرح هذه في أثناء الجائحة، يمكننا أن نبذل جهداً مدروساً لتحسين جودة لقاءاتنا. وذلك من خلال:

  • التخطيط إلى نشاط ممتع معاً كنزهة في الحديقة أو لعبة على الحاسوب.
  • التعبير عن الامتنان لأحد مزايا الشخص الآخر الذي تقدِّره بصدق.
  • التخطيط إلى تصرف لطيف تفاجئه به.
إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لبناء علاقات إيجابيّة مع الآخرين

9. التواصل الفعال:

التواصل الفعال هو أحد العناصر البسيطة في العلاقات الإنسانية، حيث يدرك كلا الشخصين مستويات عالية من الحيوية والمشاركة والاحترام الإيجابي. على عكس تعريف العمليات الشخصية الإيجابية، يشير هذا إلى اللقاءات التي يمكن أن تكون قصيرة وتشمل أيَّ شخص كان، أي دون اشتراط مسبق لعلاقة مستمرة. فكِّر في الأمر كإجراء مكالمة مع مسؤول خدمة العملاء.

يُعدُّ التواصل البسيط والفعال أمراً أساسياً لصحة الإنسان وسلامته، كما تُظهر الأبحاث أنَّه يقلل من أعراض الاكتئاب والمشكلات القلبية الوعائية، ويعزز مناعتنا، ويزيد من الأداء المعرفي والمرونة، ويطلق الأوكسيتوسين أو ما يُعرف بأحد هرمونات السعادة لدينا. باختصار، يساعدنا على التحمل والتكيف والازدهار خلال الظروف المضنية.

يمكنك السعي إلى تحقيق التواصل الفعال من خلال:

  • بذل جهد لتكون حاضراً بكامل جوارحك في تفاعلاتك مع الآخرين، كأن تطفئ الهاتف عندما تكون بصحبة أحدهم.
  • إظهار الاهتمام من خلال الإصغاء باهتمام وطرح الأسئلة.
  • التحلي بالاحترام ومراعاة مشاعر الشخص الآخر.
  • تقديم المساعدة والدعم.
  • الطيبة مع الآخرين.

هذه قائمة طويلة إلى حد ما من الممارسات؛ لكن ليس المقصود منها زيادة الضغط عليك لإنجاز أيِّ شيء آخر خلال هذه الأزمة بخلاف تجاوزها. آمن بحق باتخاذ خطوات صغيرة، وعُدَّ هذا المقال قائمة إيجابية في علم النفس، واختر منه استراتيجية واحدة وجربها، عسى أن يلهمك لتدعم نفسك وأحبائك ومجتمعك خلال هذه الجائحة، ويساعدك على استلام زمام السيطرة على حياتك.

وفي النهاية نختم بقول الأديب جبران خليل جبران: "لا يُحدَّد كنه حياتك بما تعطيه لك بقدر تفاعلك مع ما أعطته، فليس المهم هو ما يحدث في حياتك؛ وإنَّما كيف يترجمه ذهنك".

المصدر




مقالات مرتبطة