تعريف التفكير:
التفكير هو عملية معالجة للمعلومات، فهناك كم كبير من الصور والأصوات والإحساس من الخارج عن طريق الحواس ومن الداخل من الذاكرة، والتفكير هو عملية تصنيف ومقارنة وتقييم لهذه المعلومات على ضوء منظومة الإيمان والاعتقاد والقيم، وبالتالي صياغة استراتيجية ينتج عنها تعبير لغوي أو سلوكي كما ينتج عنها تأثيرات فسيولوجية في العضلات والتنفس والبشرة وتعبيرات الوجه ...الخ.
ويقول الانجليزي برناردشو: إنّ بعض الناس يفكّر في العام مرتين أو ثلاثاً فقط، وللفكر صفات محمودة وصفات مذمومة ولكي يحاول الإنسان أن يخلص تفكيره من الصفات المذمومة ويتحلى بالصفات الإيجابية النافعة أذكر لك أهم أنواع الفكر سواء كان سلبياً أم إيجابياً.
أنواع التفكير:
1- التفكير التوليدي:
وهو الفكر الذي يبدع ويضيف للحياة جديداً أي الذي يولد المشاريع الناجحة ويجد الحلول الجيدة ويتخذ القرارات الصائبة، والقادر على استخراج الذهب من التراب واللؤلؤ من أعماق البحار، ويُمكن أن نسميه الفكر الاجتهادي.
2- التفكير النقدي:
وهو القادر على رؤية النقص والأخطاء والعيوب في أي عمل قائم وإن لم يكن قادراً على إيجاد البدائل المناسبة لما ينقده.
3- التفكير الاستيعابي:
وهو الفكر القادر على استيعاب ما يبدعه الآخرون وإن لم يكن قادراً على الإبداع والتجديد والإضافة والعطاء، ويُمكن أن نسميه الفكر المقلد.
4- التفكير الغامض:
وهو التفكير المشوش العاجز عن إدراك العلاقات بين الأشياء وحجم كل شيء في الموضوع الذي يفكر فيه ويعجز أيضاً عن التعبير عمّا يدور في نفسه من أفكار بصورة واضحة.
5- التفكير المتشكك:
وهو تفكير المؤامرة الذي يتشكك في كل عمل وفي كل شخص ويعتقد أنّ وراء كل شيء مؤامرة، وأنّه المقصود من وراء كل مؤامرة، وأنّه لا جدوى من أي عمل ولا فائدة من أي محاولة.
6- التفكير المبالغ:
وهو التفكير الذي يعطي كل شيء أضعاف حجمه الحقيقي سواء كان ساراً أو ضاراً أي يصوّر لك أن الحبة قبه كما يقال، فعند سماعك له تذهل من ضخامة الأمر وهوله الذي سيكون له من الآثار الشيء الكثير وعند مباشرتك للأمر ورؤيتك له تجد الأمر عادياً وأقل من العادي.
7- التفكير السطحي:
وهو التفكير الذي يكتفي بظواهر الأشياء، ولا ينفذ إلى معرفة حقائقها وجوهرها كمن يحكم على الإنسان بملابسه أو بسيارته دون أن يعرف حقيقة تفكيره وأخلاقه وسلوكه وثقافته وتعامله وغير ذلك ممّا به يتفاوت قدر الناس.
8- التفكير الادعائي:
وهو التفكير الذي يدعي صاحبه أنّه فعل وفعل ممّا لم يفعله لكنّه مع كثرة التمادي في الدعاوي الفارغة والبطولات الخيالية يصدق نفسه في النهاية فما يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وما يزال يكذب ويكذب حتى يصدّق نفسه.
وأكثر من يقع في حبائل هذا التفكير الوبائي هم الفارغون الذين لا يعملون فيخدعون أنفسهم ويرضونها بالدعاوى العريضة الفارغة ويكتفون بذلك.
9- التفكير التحليلي السببي:
وهو التفكير المتمعن الذي يميل صاحبه إلى البحث عن أسباب كل حادث ومقدماته ونتائجه ومقاصد القائمين عليه وما هو الموقف المناسب حيال هذا الحادث وما هو دوره هو فيه.
10- التفكير التبريري القدري:
وهو التفكير الذي يبادر صاحبه إلى إخلاء نفسه من أي مسئولية حيال أي أمر يقع ويقلى بتبعة ذلك على الأقدار ويبرر كل تصرف منه مهما كانت نتائجه.
11- التفكير الجزئي:
وهو التفكير الذي ينظر صاحبه إلى الحدث مبتوراً من سياقه ومنفصلاً عن قاعدته الكلية العامة الذي هو في الحقيقة جزء منها.
12- التفكير الكلي التجميعي:
وهو التفكير الذي يهتم بالنظر في الأمور الكلية العامة غير ملتفت إلى التفاصيل والجزئيات في الأشياء والأحداث.
ماهو التفكير المثالي؟
بعد هذا الاستعراض السريع لبعض أنواع التفكير مع عدم التوسع في ذكرها، وفي ضرب الأمثلة لها أشير إلى ما يمكن أن نسميه التفكير المثالي مستنبطاً ذلك من الأنواع السابقة.
التفكير المثالي: هو التفكير التوليدي النقدي الاستيعابي السببي الكلي التمعن مع ملاحظة أن كل شيء بقدر، وأن هذا لا ينفي البحث عن الأسباب، فالله هو خالق الأسباب والمسببات.
خصائص التفكير المثالي:
المرء القادر على التفكير المثالي له خصائص يتميز بها عن غيره، وهذه الخصائص هي:
1- الرؤية النافذة لحقائق الأشياء وجوهرها وعدم الاكتفاء بالنظرة السطحية للأمور.
2- الصدق والجد والمثابرة في التفكير والاستغراق في ذلك بعمق حتى يصل الإنسان إلى الصورة المثالية التي ذكرها قبل قليل.
3- الاستقلال عن تقليد الآخرين لمجرد ذلك، فالبعض يكوِّن تفكيره آخر كلام سمعه أو آخر كتاب طالعه؛ ولذلك تجده ينتقل من الفكر إلى نقيضه فهو كالإسفنجة التي تتشرب أي سائل توضع فيه.
4- المزاوجة بين العالم الخارجي من حولك والذي سيكون موضوع تفكيرك من خلال ما تتلمّسه بأحاسيسك وبين مشاعرك الداخلية وخبراتك وتجاربك ومعلوماتك السابقة وليكن هذا المزج والتزواج بتوازن.
5- التميّز والوضوح في اللفظ الذي يعبر عن هذه الرؤية إذا أنّ الفكر الناضج ما لم يعبّر عنه بلغة بليغة فصيحة بينه ويبقى كالدرة المدفونة في التراب بل إنّ دقة ووضوح التعبير دليل على دقة ووضوح التفكير.
6- التقويم للمشاعر والانفعالات وعدم الانسياق وراءها دائماً، إذ قد تكون مضللة وخاطئة وغير صائبة، فمثلاً رجل رأى سائقاً يتوقف في الطريق وينزل من سيارته ويحمل طفلاً والدماء تنزف منه وحين تأمل الرجل في الطفل عرف أنّه ابنه فانهال على السائق ضرباً ظاناً أنّه آذى ابنه بالسيارة، بينما الحقيقة أن الذي آذاه سائق آخر فرَّ وتركه ينزف في الطريق فهرع هذا السائق لإنقاذه.
عوامل تحديد تصورنا للشيء:
هناك عدد من العوامل الفطرية أو المكتسبة، والذاتية أو الخارجية التي تؤثّر في تحديد ومقدار تصور الشيء الذي هو موضوع التفكير، وأهم هذه العوامل هي:
1- العقل وقدراته، الناس يتفاوتون تفاوتأً كبيراً في قدراتهم العقلية إمّا بسبب التفاوت في أصل الخلقة وإمّا بسبب التفاوت في إعداد العقل وصقله وتنمية قدراته، فمن الناس المتوقد الذهن الألمعي الفكر الثاقب النظر الذي يدرك الأمر على حقيقته لأدنى إشارة، ومنهم البليد الذي لا يفهم الحقائق الواضحة البينة وبينهما درجات متفاوته.
2- الحواس ومدى قدرتها وسلامتها، إذ إنّ الحواس هي الواسطة بين العقل والشيء موضوع التفكير فما لم تكن الحواس سليمة فسيكون نقلها غير صحيح، وبالتالي سيكون التصوّر للشيء تصوراً مغلوطاً أو ناقصاً والناس يتفاوتون في مدى صحة وسلامة وقدرة حواسهم ويتفاوت تبعاً لذلك صحة تصورهم للشيء.
3- الثروة اللغوية المختزنة والتي يعبر بها عن الشيء ويُمكن بها وصف وتحديد الشيء فكلّما اتسعت الثروة اللغوية المختزنة كلّما كانت قدرة المرء على تصوّر الشيء وتحديده أكبر.
4- المعتقدات والقيم الموجودة لدى المرء الذي يقوم بالتفكير والتصور، وهذه المعتقدات تشمل الإيمان بالغيب، والانتماء والهوية والإيمان بما حول المرء من أشياء وحقيقتها والإيمان بإمكانات الإنسان وقدراته وحقيقة دوره ووظيفته.
5- واقع الشيء ذاته الذي هو موضوع التفكير والذي يراد الوصول إلى تصوّره وتحديده، وهذا الواقع كلّما كان العلم به أعمق وأشمل وأدق كلّما كان التصور أكثر صحة.
معوقات التفكير:
1- العيش في الخيالات والأوهام والأحلام الفارغة والتعامي عن حقائق الواقع، والخيال مفيد إذا كان بقدر ما يسعى الإنسان إليه من تطوير للواقع وإبداع وتجديد في حدود الممكن أمّا إذا حلّق بصاحبه في أجواء المستحيلات وعاش في ظلاله فقط معرضاً عن العمل فهو الداء القائل للفكر والمرض الفاتك بالعقل.
2- الاستسلام للعجز وظن عدم القدرة على فعل شيء، فيعطل الإنسان حينئذٍ فكره وعقله طائعاً مختاراً ولن يظفر منك عدوك بمثل هذه الهدية التي تقدمها للشيطان مجاناً.
3- التردّد والاضطراب عند تعارض الأفكار وتعدد الخيارات وعدم القدرة على الحسم والاختيار حتى تفوت جميع الفرص وتتلاشى شتى الخيارات.
4- المحاكاة والتقليد للآخرين في كل عمل يأتيه الإنسان وتعويد النفس على الكسل والخمول والتخوّف والتهيّب من التجديد والاستقلال في الفكر.
5- المعاشرة والمصاحبة لأهل البطالة واللهو ممّن يتصفون بأي من الصفات السابقة، لأن الإنسان إذ صحب النابهين المبدعين قبس من أنوارهم كما أنّه إذا صحب الخاملين تأثّر بخمولهم.
6- إشغال العقل والفكر بما لم يخلق له وما ليس في مقدوره، فعدم التفكير يسبب الجمود للعقل.
7- الفراغ وعدم إشغال النفس بالعمل النافع المفيد، لأن الفكر جوَّال لا يُمكن أن يهدأ ويسكن فإن لم تشغله بالحق شغلك بالباطل.
8- عدم القناعة بالعمل الذي تمارسه وتشغل نفسك بالتفكير فيه بل تؤديه إمّا اضطراراً وإمّا تصنعاً للناس ورياءً فيكره الفكر على التفكير في الأمر مع عدم القناعة به فلا يتعمّق فيه ولكن يكتفي بما به، يتحقّق الحد الأدنى من العمل في صورته التقليدية البسيطة النمطية بعيداً عن أي إبداع أو تجديد أو ابتكار.
9- التواكل الطفيلي بمعنى أن يعوّد الإنسان نفسه على أن يفكّر الآخرون نيابة عنه حتى في أخص أموره فيصاب بالترهل الفكري والجمود العقلي ويصبح كالنبات الطفيلي الذي يعيش على أغصان شجرة أخرى، وبمجرد أن يذبل ذلك الغصن أو يقطع تنتهي حياة ذلك النبات الطفيلي، وهذا شيء والمشاورة والاستفادة الإيجابية من الآخرين شيء آخر.
10- بلادة الحواس، فإنّ بوابات الفكر ومنافذ العقل هي الحواس من سمع وبصر وذوق وحس وشمّ.
فإذا عوَّد الإنسان حواسه على دقة الملاحظة وسرعة الاستجابة نشطت للعمل وكانت نعم العون للتفكير، وإذا عوَّدها على الخمول والكسل تعطّلت عن أداء وظائفها وأصبح حال صاحبها كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
11- الابتلاء بالجدل المذموم والمراء، لأنّه يدفع صاحبه إلى المماحكة بالباطل ويثير البغضاء والشحناء ويشيع الاختلاف بدل الائتلاف، وكل هذا مشغله للنفس ومشوش على الفكر وصارف له عن الإبداع والعطاء.
المصدر:
كتاب حتى لا تكون كلاً - عوض بن محمد القرني
أضف تعليقاً