يبدو الأمر بسيطاً، أليس كذلك؟ لكن الواقع يُظهر خلاف ذلك، فتشير إحدى الدراسات إلى أنَّ 70% من الموظفين الذين يتعرضون للإدارة المفرطة (Micromanagement) يعانون من انخفاض في مستوى الإنتاجية والثقة بالنفس.
بعد استكشافنا لمفهوم تمكين الموظفين وفوائده المتعددة وتناوله من منظور إيجابي وسلبي في المقالات السابقة، حان الوقت الآن لترجمة هذه الاستراتيجية الفعالة إلى واقع ملموس يُثري بيئة العمل ويُعزز الإنتاجية؛ لذا سنغوص في هذا المقال في مزايا تطبيق فلسفة تمكين الموظفين بطريقة صحيحة، ونقدم خطوات عملية لتحويله إلى ثقافة راسخة تُساهم في تحقيق النجاح المستدام.
ما هي مزايا تطبيق استراتيجية التمكين الوظيفي في المؤسسة؟
- تحسين الأداء والإنتاجية.
- تعزيز الرضى والالتزام.
- تحفيز الإبداع والابتكار.
- خفض معدل دوران الموظفين.
- بناء علاقات مهنية مبنية على الود.
- ممارسة التسامح والصفح.
- تعزيز روح الفريق والتعاون.
دور التمكين الوظيفي في تحسين الأداء والإنتاجية:
تُعد فلسفة التمكين الوظيفي أداة فعالة لتعزيز أداء المؤسسة وإنتاجيتها، فالموظفون الذين يتمتعون ببيئة توفر مهارات التمكين لا يكتفون بتنفيذ المهام المُكلَّفة إليهم، بل يُصبحون شركاء فاعلين في تحقيق أهداف المؤسسة، مُساهمين بِإبداعهم وطاقاتهم في دفع عجلة التقدم والنجاح.
أجرت جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) دراسة عن تبني المؤسسات لممارسات التمكين الوظيفي، وكشفت عن ارتباط كبير بين الثقافة التي تتبعها المؤسسة ونجاحها.
وجدت الدراسة أنَّ المؤسسات التي تعزز ممارسات التمكين الوظيفي أفادت بأنَّ لديها إنتاجية أكبر بنسبة 17% وأرباح أعلى بنسبة 21% مقارنة بنظيراتها.
كيف يُساهم تمكين الموظفين في تعزيز الأداء والإنتاجية في المؤسسات؟
- زيادة الربحية: أظهرت دراسة أجراها معهد جالوب (Gallup) أنَّ الشركات التي تتمتع بقوة عاملة مُنخرطة بشكل كبير تشهد زيادة في الربحية بنسبة 21%.
- تعزيز الإنتاجية: تشير أبحاث مجلة هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review) إلى أنَّ الموظفين الذين يشعرون بالرضى الوظيفي هم أكثر إنتاجية بنسبة 31%.
قصة نجاح شركة زابوس (Zappos):
تُعد شركة زابوس - المتجر الرائد لبيع الأحذية عبر الإنترنت - مثالاً يُحتذى به في كيفية دعم تمكين الموظفين لتحقيق النجاح، إذ يعتمد نهجهم الفريد على منح الموظفين مستوى عالٍ من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بخدمة العملاء، وهذا التمكين يُمكِّن الموظفين من حل المشكلات بطرائق مبتكرة وتقديم تجارب استثنائية للعملاء.
العوامل الرئيسة التي تُساهم في نجاح نهج زابوس في تمكين الموظفين:
- الثقة والاحترام: تُؤمن زابوس بقدرات موظفيها وتُقدِّر مساهماتهم، وهذا يُعزز شعور الموظفين بالثقة والاحترام.
- الاستقلالية والمسؤولية: تمنح زابوس موظفيها حرية العمل واتخاذ القرارات، وهذا يُعزز شعورهم بالمسؤولية ويُحفزهم على بذل قصارى جهدهم.
- التركيز على العملاء: تُؤمن زابوس بأهمية تقديم تجربة استثنائية للعملاء، وهذا يُحفز الموظفين على التركيز على احتياجات العملاء وتقديم حلول مبتكرة لمشكلاتهم.
- بيئة عمل إيجابية: تُشجع زابوس على إنشاء بيئة عمل إيجابية تُحفز الموظفين على التعاون والتواصل الفعال.
نتائج تطبيق فلسفة تمكين الموظفين في شركة زابوس:
- رضى العملاء العالي: تُعرف زابوس بتقديم خدمة عملاء استثنائية، وهذا يُساهم في زيادة رضى العملاء وتحفيزهم على الشراء مرة أخرى.
- ولاء الموظفين: يُصبح الموظفون أكثر ولاءً للمؤسسة عندما يشعرون بالتقدير والاحترام، وهذا يُقلل من معدلات دوران الموظفين، ويُوفر على المؤسسة تكاليف التوظيف والتدريب.
- الابتكار: يُساهم تمكين الموظفين في إنشاء بيئة عمل تُحفز على الابتكار، وهذا يُساعد المؤسسة على التميز في السوق وتطوير منتجات وخدمات جديدة.
- الربحية: تُساهم جميع العوامل المذكورة آنفاً في تحقيق ربحية أعلى للمؤسسة على الأمد الطويل.
نتيجةً لذلك، تتمتع شركة زابوس بقاعدة عملاء مخلصة تشعر بتقدير كبير بفضل اهتمام الموظفين الصادق بهم، إضافة إلى ذلك، يشعر الموظفون أنَّهم قيمة هامة ويُساهمون بشكل مباشر في نجاح الشركة، وهذا يؤدي إلى بيئة عمل إيجابية تتميز بانخفاض معدل دوران الموظفين.
الأهم من ذلك، أنَّ نهجهم هذا لم يؤثر سلباً في أداء الشركة، بل على النقيض من ذلك، فقد حققت زابوس نجاحاً مالياً كبيراً وأصبحت شركة تُقدَّر قيمتها السوقية بمليارات الدولارات، وهذا يُثبت أنَّ تمكين الموظفين يمكن أن يقود إلى الرخاء والازدهار المالي.
دور التمكين الوظيفي في تعزيز الرضى والالتزام:
تمكين الموظفين ليس مجرد وسيلة لزيادة الإنتاجية، بل هو نهج استراتيجي لإنشاء بيئة عمل مُحفزة يجد فيها الموظفون تقديراً لجهودهم، ويشعرون بأنَّ صوتهم مسموع وأنَّهم شركاء فاعلون في نجاح المؤسسة.
هذا الشعور بالمسؤولية والملكية يُؤدي بدوره إلى تعزيز رضى الموظفين ورفع مستوى التزامهم وبناء بيئة عمل إيجابية تزدهر فيها الإنتاجية.
يشكل الموظفون غير المنخرطين عبئاً على المؤسسات، إذ يكشف تقرير صادر عن معهد جالوب (Gallup) عن فجوة مقلقة: فإنَّ 36% فقط من الموظفين حول العالم ملتزمون بنشاط في عملهم، بينما يشكل الموظفون غير المنخرطين نسبة مذهلة تصل إلى 51%.
يؤدي هذا الانخفاض في مستوى الانخراط إلى انخفاض ملحوظ في رضى الموظفين بالعمل وافتقارهم للالتزام، وفي النهاية، ارتفاع معدل دوران الموظفين.
كيف يساهم تطبيق فلسفة التمكين الوظيفي في تعزيز رضى الموظفين والتزامهم؟
يُظهر بحث أجرته شركة روارد جيت واي (Reward Gateway) أنَّ الموظفين الذين يتمتعون بمهارات التمكين الوظيفي يشعرون برضى وظيفي بنسبة تصل إلى 63% أكثر من أقرانهم الآخرين.
عندما يشعر الموظفون بالملكية والحرية في اتخاذ القرارات، تزداد قوة ارتباطهم بالمؤسسة، وأشارت دراسة أجراها معهد كينيكسا للأداء العالي (Kenexa High Performance Institute) إلى أنَّ الموظفين الذين يمتلكون مهارات التمكين الوظيفي أكثر عرضة بنسبة 57% للبقاء في مؤسستهم.
قصة نجاح منصة نيتفليكس (Netflix):
تتميز شركة نيتفليكس، عملاق البث الرقمي، بمنهجية فريدة لتمكين الموظفين، فتضع الشركة حرية الموظفين وشعورهم بالملكية في أولوية أعمالها، وتمنحهم إجازات عديدة، وتتجنب بشكل ملحوظ أي شكل من أشكال الإدارة المفرطة (Micromanagement).
يُشجِّع هذا النهج على ترسيخ مفهوم الملكية، فيشعر الموظفون بالمسؤولية تجاه عملهم، ويتمتعون بدرجة عالية من الاستقلالية في اتخاذ القرارات.
إضافة إلى ذلك، يُحفز منح الموظفين الحرية في اتخاذ القرارات الدافع الداخلي لديهم للتفوق والنجاح، ويساهم في خفض معدل دوران الموظفين، فتتمتع شركة نيتفليكس بنسبة منخفضة جداً في هذا المجال، وهذا يُعد شهادة على المستوى العالي من الرضى والالتزام الذي يُعززه نهج التمكين الخاص بهم.
الجوانب الأساسية لثقافة منصة نيتفليكس التي تُظهر التزامها بتمكين الموظفين:
- اتخاذ القرار: تشجع الشركة الموظفين على اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى المديرين أو انتظار الموافقات، وهذا يعزز الشعور بالملكية والمسؤولية.
- الشفافية والتواصل: التواصل المفتوح هو حجر الأساس في ثقافة الشركة، فالمعلومات متاحة بسهولة لجميع الموظفين، إضافة إلى تبني ثقافة تشجع النقد البنَّاء.
- التركيز على المواهب: تُولي الشركة اهتماماً كبيراً لجذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، إيماناً منها بقدراتهم على الإبداع والتفوق في أدوارهم، وهذا يساهم بشكل كبير في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
- تجنب البيروقراطية: تتجنب الشركة الهياكل الإدارية الجامدة والبيروقراطية، وهذا يمنح الموظفين الحرية في مواجهة التحديات وإيجاد الحلول.
النتائج الإيجابية لاستراتيجية تمكين الموظفين التي تتبناها نتفليكس:
- زيادة الابتكار والإبداع: عندما يشعر الموظفون بالقدرة على اتخاذ القرارات والمضي قدماً في أفكارهم، يزداد احتمال ابتكار حلول جديدة وتحسين العمليات.
- تحسين رضى الموظفين وفاعليتهم: يميل الموظفون الذين يتمتعون بالاستقلالية والمسؤولية إلى الشعور بمزيد من الرضى عن عملهم ويكونون أكثر فاعلية في أدوارهم.
- تعزيز سرعة اتخاذ القرار: لا يحتاج الموظفون ذوو التفويض إلى موافقة الإدارة على كل قرار، وهذا يؤدي إلى اتخاذ قرارات أسرع وتحسين القدرة على الاستجابة للتغيرات في السوق.
دور تمكين الموظفين في تحفيز الإبداع والابتكار:
لا يقتصر تمكين الموظفين على مجرد تحقيق معدلات إنتاجية أعلى، بل يتجاوز ذلك ليُصبح مفتاحاً لإطلاق العنان لِكنزٍ ثمينٍ من الإبداع والابتكار يكمنُ بداخل قوتك العاملة، فعندما تمنحُ موظفيكَ الاستقلالية والملكية وتُوفِّر لهم منصةً لإيصال أصواتهم، تُنشئُ بيئةً خصبةً تُزهرُ فيها الأفكارُ الجديدة والحلولُ المبتكرة.
تكبح الإدارة المفرطة الإبداع، بينما يعمل التمكين على تعزيزه، حيث وجدت دراسة أجرتها شركة أدوبي (Adobe) أنَّ 80% من الموظفين يعتقدون أنَّ بيئة العمل التي تمنحهم مزيداً من الصلاحية ستؤدي إلى زيادة كبيرة في الإبداع، إضافة إلى ذلك، عندما يشعر الموظفون بالراحة في مشاركة أفكارهم، تُطرَح مجموعة أوسع من وجهات النظر على الطاولة، وهذا يؤدي إلى حلول أكثر إبداعاً.
شاهد بالفيديو: تعزيز الإبداع والابتكار في فريق عملك
قصة نجاح شركة إم ثري (M3):
تُعدُّ شركة إم ثري المشهورة بابتكاراتها المتواصلة مثالاً نموذجياً عن كيفية دعم التمكين للإبداع، ويمنح قانون الـ 15% الشهير الخاص بالشركة الموظفين الحرية في تخصيص جزء من وقت عملهم للعمل على أفكارهم الخاصة، خارج المهام الموكلة إليهم.
يُعد هذا النهج السبب وراء تحقيق الشركة لإنجازات وابتكارات لا تُحصى، ومن ذلك اختراع أوراق الملاحظات اللاصقة (Post-it Notes) وشريط سكوتش (Scotch Tape)، فهذا يُثبت قوة استقلالية الاستكشاف (Autonomy for Exploration) فيتمتع الموظفون بالحرية في استكشاف أفكار جديدة وتجربة حلول مبتكرة.
لا يقتصر أثر تمكين الموظفين على تعزيز الإبداع فحسب، بل يُعد أيضاً أرضاً خصبةً للاختراع والابتكار، ففي بيئة عمل تُرسِّخ السلامة النفسية من خلال الثقة والتواصل المفتوح، يشعر الموظفون بالقدرة على المخاطرة ومشاركة أفكارهم دون الخوف من الفشل.
يسمح هذا الانفتاح بالنقاش والمُشاركة الفعالة، فيستطيع الموظفون البناء على أفكار بعضهم بعضاً، وصقلها من خلال التكرار والتطوير، وصولاً إلى تحويلها في النهاية إلى حلول مبتكرة تُحدث تغييراً جذرياً.
بالمقابل، تتناقض هذه الروح التعاونية بشكل صارخ مع البيئات التي يُخيم عليها الخوف من المُحاسبة، وهذا يُقوض الإبداع ويعوق الابتكار.
دور تمكين الموظفين في خفض معدل دوران الموظفين:
يشكل معدل دوران الموظفين المرتفع عبئاً اقتصادياً يُؤرق أي مؤسسة، فهو يُعطل سير العمل، ويستدعي عمليات توظيف وتدريب مستمرة، ويؤثر سلباً في معنويات الموظفين.
لكن، يقدم تمكين الموظفين حلاً فعَّالاً لمواجهة هذه العقبة، فمن خلال تعزيز الشعور بالملكية والاستقلالية والهدف لدى الموظفين، يزداد شعورهم بالتقدير والمسؤولية تجاه عملهم، وهذا يُؤدي إلى انخفاض ملحوظ في معدل دوران الموظفين.
تُقدِّر دراسة أجرتها جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) تكلفة استبدال الموظف الواحد ما بين 6 إلى 9 أضعاف راتبه السنوي، وهذا يعني أنَّ مؤسسة بها 100 موظفاً، وبمعدل دوران موظفين يبلغ 20% سنوياً، تخسر ما بين 120% إلى 180% من إجمالي رواتب الموظفين سنوياً بسبب معدل دوران الموظفين المرتفع.
قصة نجاح شركة هول فودز ماركت (Whole Foods Market):
تُعد شركة هول فودز ماركت، عملاق البقالة العضوية، مثالاً يُحتذى به لكيفية قدرة تمكين الموظفين على تقليل معدل دوران الموظفين، فيُنسب نجاحها جزئياً إلى هيكليتها اللامركزية وتركيزها على استقلالية الموظفين، فإليكم كيفية تعزيزها لثقافة التمكين:
1. عملية صناعة القرار اللامركزية:
تُمكِّن شركة هول فودز فروعها بشكلٍ كبير، إذ يمتلك كل فرع فريقاً خاصاً به يتولى مسؤولية أقسام محددة مثل المخبز أو قسم الخضار والفواكه، ويتمتعُ هؤلاء الموظفون بالصلاحية في اتخاذ قرارات بشأن اختيار المنتجات وتسعيرها وتوظيف الموظفين في الأقسام المختلفة للمتجر.
2. الانخراط والتدريب:
على خلاف عمليات التوظيف المركزية التقليدية، يمتلك كل فرع من فروع الشركة فريق موارد بشرية خاصاً به يُجري المقابلات ويقوم بالتوظيف بناءً على مدى ملاءمة الموظف للثقافة التنظيمية للشركة وشغفه بالطعام الصحي.
3. نظام المكافآت والحوافز:
تتبنى الشركة برنامجاً مبتكراً لمشاركة الموظفين في الأرباح، والذي يسمح لهم بالاستفادة بشكل مباشر من نجاح فرعهم ومن نجاح الشركة ككل، ويُشجِّع هذا البرنامج الموظفين على الشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه الشركة، ويدفعهم إلى المساهمة في تحقيق الأرباح.
تُعدُّ شركة هول فودز ماركت مثالاً نموذجياً يُجسد الفوائد الجمة التي يجنيها القادة من خلال تمكين موظفيهم، فمن خلال تعزيز ثقافة الملكية والاستقلالية والانخراط، نجحت الشركة في بناء مؤسسة ناجحة تتمتع بقوة عاملة مخلصة وعملاء سعداء.
دور تمكين الموظفين في بناء علاقات مهنية مبنية على الود:
لا يتعلق تمكين الموظفين فقط بالأداء الفردي؛ بل يتعلق أيضاً برعاية شبكة من العلاقات الإيجابية والمهنية التي تقوي مؤسستك بأكملها.
إذ يُعد بناء علاقات مهنية ودية أمراً ضرورياً لإنشاء بيئة عمل إيجابية، فعندما يشعر الموظفون بالراحة والأمان في التفاعل مع زملائهم، يصبحون أكثر ميلاً لمشاركة أفكارهم والتواصل بفاعلية وحل المشكلات معاً، كما أنَّ ذلك يؤدي إلى انخفاض التوتر وزيادة الشعور بالرضى الوظيفي.
تشكل العلاقات القوية في العمل ركيزة أساسية لتحقيق الرفاهية الفردية والمؤسسية على حدٍّ سواء، فأشارت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أنَّ الفِرق التي تتمتع بعلاقات شخصية قوية، تتفوق بنسبة 50% على الفِرق التي تمتلك روابط أضعف.
كما أنَّ الموظفين الذين يتمتعون بمهارات التمكين الوظيفي يشعرون بالراحة في التعبير عن أنفسهم، وهذا يؤدي إلى تواصل أكثر فاعلية وحل أفضل للمشكلات، إضافة إلى ذلك، عندما يشعر الموظفون بالتقدير والاحترام، يصبحون أكثر عرضة لدعم زملائهم والتعاون معهم، وهذا يعزز العمل الجماعي.
قصة نجاح شركة IDEO:
تُعدُّ شركة IDEO، الاستشارية الرائدة في التصميم والابتكار، مثالاً نموذجياً عن شركة لا يُعد فيها تمكين الموظفين مجرد سياسة، بل قيمة جوهرية.
كيفية تعزيز شركة IDEO لثقافة تُمكِّن موظفيها:
- مساحات الإبداع: (Maker Spaces) توفر شركة IDEO مساحات إبداع مجهزة تجهيزاً جيداً بمجموعة متنوعة من المواد والأدوات، ويشجِّع هذا الموظفين على الابتكار وبناء النماذج الأولية وتحويل أفكارهم الإبداعية إلى واقع ملموس.
- فلسفة "الفشل السريع" (Fail Fast Strategy): تتبنى شركة IDEO عقلية "الفشل السريع"، فيُشجَّع الموظفون على المخاطرة والابتكار والاستفادة من الإخفاقات، وهذا يُعزز ثقافة الابتكار والتعلم المستمر.
- صلاحيات صناعة القرار على جميع مستويات الشركة: تُمكِّن القادةُ العُليا الموظفين في الشركة من اتخاذ القرارات وامتلاك مشاريعهم، وهذا يُعزز الشعور بالمسؤولية ويشجع على المبادرة.
النتائج الإيجابية التي حصدتها شركة IDEO من خلال الارتقاء بأدائها وقيمتها السوقية:
- تحسين الإنتاجية والابتكار: عندما يشعر الموظفون بالتقدير، يكونون أكثر عرضة للإبداع والمبادرة، وهذا يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل.
- تعزيز الولاء والاحتفاظ بالموظفين: الموظفون الذين يشعرون بالتقدير والدعم من قبل أصحاب العمل هم أكثر عرضة للبقاء على رأس عملهم لفترة أطول.
- تحسين خدمة العملاء: الموظفون المشاركون بشكل فعال هم أكثر عرضة لتقديم خدمة عملاء متميزة.
- تعزيز سمعة الشركة: يُعرف تمكين الموظفين بأنَّه أحد أهم ممارسات الأعمال الأخلاقية، وهذا يُعزز صورة الشركة العامة ويجذب أفضل المواهب.
حققت شركة IDEO نجاحاً مذهلاً بفضل بيئة العمل التعاونية التي تعتمد عليها، إذ يُعدُّ هذا النجاح دليلاً واضحاً على أهمية فلسفة التمكين الوظيفي في تحقيق إنجازاتٍ استثنائية عندما تُطبق بطريقة صحيحة.
دور تمكين الموظفين في ممارسة التسامح والصفح:
في عصرنا الحالي، يُعدُّ تمكين الموظفين ركيزة أساسية في بيئة العمل، فهو يعزز الابتكار والشعور بالملكية ويسهم في تحقيق أهداف المؤسسة، ولكن يغفل الكثيرون عن عنصر رئيس في كثير من الأحيان، وهو ممارسة التسامح والصفح.
وجدت دراسة منشورة في مجلة علم النفس الاجتماعي أنَّ التمسك بالضغائن يستنفد الموارد الذهنية ويعوق الإنتاجية، فإنَّ ثقافة التسامح تحرر الموظفين من هذا العبء، وهذا بدوره يسمح لهم بالتركيز على عملهم.
لا يقتصر مفهوم التسامح في هذا السياق على التغاضي عن الأخطاء ببساطة، بل يتعداه إلى توفير بيئة عمل يشعر فيها الموظفون بالأمان عند اتخاذ مخاطر محسوبة ومدروسة.
إنَّ القادة الفاعلين يدركون أنَّ الغفران جزء لا يتجزأ من عملية التمكين، فهو يسمح للموظفين بالابتكار والمبادرة والمخاطرة دون الخوف من العقاب على الأخطاء غير المتعمدة.
يؤدي ذلك إلى تعزيز روح المسؤولية والمساءلة لدى الموظفين، وهذا يُثمر في النهاية عن بيئة عمل أكثر إيجابية وإنتاجية وفاعلية.
قصة نجاح شركة بكسار (Pixar): دراسة حالة عن التسامح وتمكين الموظفين
استحقت استوديوهات بكسار للرسوم المتحركة شهرتها الواسعة بفضل سلسلة أفلام الرسوم المتحركة التي حازت على إعجاب النقاد على نطاقٍ واسع، ويعود جزءٌ لا يستهان به من هذا النجاح إلى ثقافة الشركة الفريدة التي تتبنى مفهوم "التعثر والتقدم".
يُعد هذا النهج لتمكين الموظفين والذي يرتكز على التسامح واستخلاص العبر من الأخطاء حجرَ الزاوية لإنشاء بيئة عمل تشجع على الإبداع والابتكار.
فوائد مفهوم "التعثر والتقدم" في بكسار:
- أفلام عالية الجودة: يؤدي تحديد المشكلات في مراحلها المبكرة من خلال اجتماعات "المجموعة الاستشارية" إلى عملية صقل صارمة، وهذا يضمن وصول أفضل القصص فقط إلى الشاشة الكبيرة.
- مشاركة الموظفين: تعزز ثقافة المغفرة الشعور بالملكية لدى الموظفين وتزيد من مشاركتهم، فيشعر الرسامون بالقدرة على المخاطرة الإبداعية والمساهمة بمواهبهم الفريدة، وهذا يؤدي إلى تجربة سرد أكثر تنوعاً وتأثيراً.
أمثلة من الواقع عن تطبيق مفهوم "التعثر والتقدم":
- فيلم توي ستوري (Toy Story): خضع أول فيلم رسوم متحركة طويل من إنتاج بكسار لتعديلات كبيرة بعد أن كشفت العروض الأولية عن مشكلات في وتيرة التشجيع العاطفي تجاه شخصية وودي، وتقبل الفريق الحاجة إلى التغيير، وهذا أدى إلى تحفة سينمائية في نهاية المطاف.
- فيلم راتاتويل (Ratatouille): ركزت المسودات الأولى للفيلم على ريمي، الجرذ، وهو يحارب البشر، ومع ذلك، أدت الملاحظات الواردة خلال "اجتماعات العصف الذهني" إلى تحول في التركيز، فتم استكشاف صداقة غير محتملة بين ريمي وطاهٍ بشري، وأدى هذا التغيير إلى فيلم أكثر دفئاً ونجاحاً.
تعد ثقافة "التعثر والتقدم" التي تتبناها استوديوهات بكسار للرسوم المتحركة مثالاً رائعاً عن التأثير الإيجابي للمغفرة في تمكين الموظفين، فمن خلال توفير بيئة آمنة للتعلم والاستكشاف، نجحت بكسار في إنشاء أرض خصبة للإبداع والابتكار تحتفي فيهما.
دور تمكين الموظفين في تعزيز روح الفريق والتعاون:
يزدهر تمكين الموظفين في ظل العمل الجماعي الفعال، فعندما يشعر الأفراد بالدعم والتعاون، يرتفع لديهم شعور الملكية والالتزام بشكل ملحوظ، وهذا بدوره يؤدي إلى الابتكار وحل المشكلات، ويحقق في النهاية النجاح التنظيمي المرجو.
وجدت الدراسة أجرتها جامعة وارويك (Warwick) أنَّ الموظفين الذين يتمتعون بمهارات التمكين الوظيفي هم أكثر ميلاً للتعاون مع زملائهم، وأكثر مشاركةً في حلِّ المشكلات، وأكثر التزاماً بتحقيق أهداف الفريق.
شاهد بالفيديو: 12 طريقة فعالة لتعزيز العمل الجماعي
أمثلة عملية عن دور تمكين الموظفين في تعزيز العمل الجماعي:
1. شركة غور أند اسوسيتس ( L. Gore & Associates):
تُعد شركة (W. L. Gore & Associates) الرائدة في مجال علوم المواد المبتكرة مثالاً بارزاً عن تطبيق نموذج الفرق ذاتية الإدارة، إذ تمتلك هذه الفرق مستوى عالياً من الاستقلالية، ولكن نجاحها يعتمد بشكل أساسي على قوة التواصل والتعاون بين أعضاء الفريق الواحد لمواجهة التحديات المعقدة.
ويُبرِز نجاح الشركة أهمية تعزيز مهارات التواصل والتعاون ضمن الفرق، ففي بيئة العمل التي تتبنى مهارات التمكين الوظيفي، لا يكفي منح الموظفين الحرية والمسؤولية، بل يجب أيضاً تزويدهم بالمهارات اللازمة للعمل معاً بشكل فعال.
2. شركة هاير (Haier):
شركة هاير الصينية المصنعة للأجهزة المنزلية مثال آخر عن نجاح نهج تمكين الموظفين، فتُمكِّن هذه الشركة الموظفين على جميع المستويات من اتخاذ القرارات، وهذا يجعل العمل الجماعي أمراً ضرورياً، وتعمل الفرق ذاتية التنظيم على تحديد المشكلات وتطوير الحلول وتنفيذها بالتعاون المشترك بين أفراد الفريق.
تسلط هذه التجربة الضوء على أهمية تمكين الموظفين على جميع المستويات، فعندما يشعر الموظفون في كافة المستويات بالمسؤولية والمشاركة، يصبح العمل الجماعي أكثر فاعلية.
كما ترى، فإنَّ تعزيز العمل الجماعي في بيئة العمل لا يقتصر فقط على منح الموظفين الحرية والمسؤولية، بل يتطلب أيضاً التركيز على مهارات التواصل والتعاون وتمكين الموظفين على جميع المستويات.
في الختام:
إنَّ تمكين الموظفين يُعد استراتيجيةً رابحةً للجميع، فهو يعود بالنفع على كل من الموظفين والمؤسسة ككل، فعلى مستوى الموظفين، يُحفِّز التمكين الشعور بالإنجاز والمسؤولية، وهذا يُؤدي إلى زيادة الرضى الوظيفي والانتماء، كما يُعزِّز الثقة بالنفس والإبداع، ويُشجِّع على المشاركة في اتخاذ القرارات.
على مستوى المؤسسة، يُؤدي التمكين إلى تحسين الإنتاجية والجودة، ويُقلِّل من التغيُّب ودوران الموظفين، كما يُعزِّز الابتكار ويُحسِّن قدرة المؤسسة على التكيُّف مع التغيرات.
لذلك، فإنَّ الاستثمار في تمكين الموظفين هو استثمارٌ حكيمٌ يُؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية على الأمد الطويل.
أضف تعليقاً