أثر التسامح في النفس:
التسامح هو صفة نبيلة تتسم بها النفس الإنسانية، إذ يعتبر التسامح مفتاحا للسلام الداخلي والتواصل الإيجابي مع الآخرين. يساعد التسامح على تقبل الاختلافات وتحمل المواقف الصعبة دون تأثر سلبي على النفس. بقدر ما يعزز التسامح الروحانية والخلق الحسن، يسهم أيضا في بناء علاقات إيجابية مستدامة مع الآخرين. يبرز أثر التسامح الإيجابي على النفس البشرية من خلال:
- يجعل التسامح الإنسان يبتعد عن كل ما يضعف القلب ويحزنه، ويجعل قلبه صافيا سليما من الحقد والحسد.
- يكسب التسامح الإنسان التصالح مع النفس، والأمان النفسي الداخلي، وتقدير الذات.
- إن عدم التسامح يجعل الإنسان متوتراً وغاضبا بشكل دائم، مما يجعله معرضا إلى الأمراض النفسية والجسدية مثل: ارتفاع ضغط الدم، ممَّا ينعكس سلباً على صحته؛ بينما يجعل التسامح النفس هادئة وبعيدة عن التوتر، وبالتالي تصبح صحته النفسية والجسدية أفضل بكثير.
- عندما يَعُّمُ التسامح بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد المُجتمع عامة؛ فإن ذلك يؤدي إلى انتشار المحبة والألفة والحياة السعيدة الهانئة.
- في التسامح أجرٌ كبيرٌ وخيرٌ عظيمٌ من الله سُبحانه وتعالى.
- التسامح من أهمِّ سمات المؤمن القوي.
- يجعلك التسامح شخصاً محبوباً من قبل جميع الناس؛ لأنَّه يعطيك القوة على تجاوز أخطاء وزلَّات جميع الأشخاص من حولك.
- يصبح الأشخاص المُتسامحون قدوةً لباقي أفراد المُجتمع.
أحاديث عن التسامح:
التسامح هو قيمة عظيمة تحث على قبول الآخرين وتقدير اختلافاتهم دون تحكيم أو حكم سلبي. في الإسلام، يشجع الدين على التسامح والعفو والرحمة، حيث وردت العديد من الأحاديث التي تحث على التسامح والصفح عن الآخرين حتى في أصعب الظروف. إن التسامح مع الآخرين يعكس قلبا رحيما ونفسا سليمة تبني جسورا من المحبة والتعاون بين الناس، الأحاديث الإسلامية التالية دليل على ذلك:
- عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "ارحموا تُرحَموا، واغفروا يُغفَر لكم، ويلٌ لِأَقْمَاعِ القَوْل، ويلٌ للمصرين الذين يُصِّرون على ما فعلوا وهم يعلمون". أقماع القول: هم الذين يستمعون ولا يَعُون.
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "إيَّاكم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّن أكذبُ الحديثِ، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً".
- عن الزُبير قال: أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسل- قال: "دبَّ إليكم داءُ الأممِ قبلكم الحسدُ والبغضاءُ، هي الحالقةُ. لا أقولُ تحلقُ الشَّعرَ، ولكن تحلِقُ الدِّينَ. والذي نفسي بيدهِ لا تدخلوا الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكم بما يثبِّتُ ذلك لكم، أفشوا السَّلام بينكم".
- عن ابن عباسٍ - رضي الله عنه، أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "اسمح يُسمَح لكَ".
- عن معقل بن يسار أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "أفضلُ الإيمانِ الصَّبرُ والسَّماحةُ".
- إنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم: "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ يُدخِله على مسلمٍ، أو يكشف عنه كُربةً، أو يقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً؛ ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كفَّ غضبهُ سَتر الله عورته، ومن كَظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتَّى تتهيَّأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. وإنَّ سوء الخُلُقِ يفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل".
- عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم: "من لا يَرحَم لا يُرحَم، ومن لا يَغفِر لا يُغفَر لهُ".
- عن ابن مسعودٍ أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "حُرِّم على النار كُلُّ هيِّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناس".
- عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم: "أفشوا السَّلام، وأطعِمُوا الطعام، وكونوا إخواناً كما أمركُم الله".
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "من كَفَّ غضبهُ كَفَّ الله عنه عذابهُ، ومن خزنَ لسانَهُ ستَر الله عَورتَهُ، ومن اعتذر إلى الله قَبِل الله عُذرَهُ".
أقوال المشاهير والفلاسفة عن التسامح:
- التسامح أرقى أنواع النسيان. (كريستوفر شولز).
- التسامح هو أكبر مراتب القوّة، وحبُّ الانتقام هو أوّل مظاهر الضعف. (نجيب محفوظ).
- إن الشجعان لا يخشون التسامح من أجل السلام. (نيلسون مانديلا).
- الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب، وتأخذ بالثأر، وتعاقب؛ بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء، وسماحة النفس، والصفاء، والتسامح مع الآخرين. (ابراهيم الفقي).
- أعقل الناس أعذرهم للناس. (علي بن أبي طالب).
- أفضل نتيجةٍ من التربية هو التسامح. (هيلين كيلر).
- التسامح جزء من العدالة. (جوزف جوبير).
- التسامح زينة الفضائل. (فكتوريان).
- الاحترام المُتبادل هو الذي يؤكد أن الأخطاء قابلة للتسامح مهما كانت، وبدون الاحترام لا يمكن التسامح. (أحمد الصباغ).
- النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح. (جواهر لال نهرو)
- الأصل في التسامح أن تستطيع الحياة مع قومٍ تعرف يقيناً أنَّهم خاطئون. (محمد كامل حسين).
- إن مسؤولية التسامح تقع على من لديهم أفقٌ واسع. ("ماري آن إيفانس" والمعروفة باسم جورج إليوت).
- إما أن تسامح تماماً، أو لا تسامح على الإطلاق. (إبراهيم الفقي).
- سامح صديقك إن زلت به القدم، فليس يسلم إنسان من الزلل. (مصطفى الغلاييني).
- إن الضعيف لا يمكن أن يُسامِح، فالتسامح من صفات الأقوياء. (المهاتما غاندي).
- التسامح هو أن تمنح الكراهية بداخلك غرفةً صغيرة جدا في قلبك. (تشول سو).
- كن شديد التسامح مع من خالفك الرأي، فإن لم يكن رأيه كلُّ الصواب، فلا تكن أنت كلَّ الخطأ بتشبثك برأيك. (فولتير).
- من لا يستطيع التسامح، يهدم الجسر الذي يعبره هو نفسه. (جورج هربرت).
- إن التسامح يعني أن تمنح لنفسك الفرصة لكي تبدأ من جديد. (ديزموند توتو).
- أعظم هدية يمكن أن تقدِّمها لنفسك أن تسامح، أن تسامح الجميع. (مايا أنجلو).
كيف نعلِّم أطفالنا التسامح؟
التسامح هو قيمة أساسية يجب تعليمها لأطفالنا منذ الصغر، حيث يساعدهم على فهم أهمية قبول الآخرين واحترام اختلافاتهم. يمكننا تعليم الأطفال التسامح من خلال تعزيز قيم المساواة والاحترام في التعامل مع الآخرين، وتشجيعهم على التعاون والتقدير لأفكار وآراء الآخرين رغم اختلافها. علينا أن نكون قدوة لهم من خلال ممارسة التسامح والتفهم في حياتنا اليومية
- إن الأطفال يتعلمون التسامح من أبائهم، فيجب أن تكونوا قدوة حسنة لأبنائكم، فإن أذنب طفلك فعلمه ثقافة الاعتذار، وسامحه ليتعلم منك التسامح، والعفو عن الآخرين.
- إذا تشاجر أبناؤك فيما بينهم، أو تشاجر ابنكِ مع أحدٍ من أصدقائه؛ فحاولي الإصلاح فيما بينهم، وشجعي أولادك على التسامح والغفران، واستعملي أسلوب الثواب لا العقاب، وعبري لأبنائك عن فخرك بهم وتقديركِ وإعجابكِ بسلوكهم.
- يجب على الآباء أن يحاولوا قدر الإمكان أن يجنبوا أطفالهم إحساس الحقد والضغينة؛ وذلك من خلال المساواة فيما بينهم وعدم التمييز. فإذا تشاجر أحد أطفالك وأتى ليحتمي بك، فمن الواجب عليكِ تجاهه ألا تنصريه إلا إذا كان مظلوما.
- إياكم أعزائي الآباء، ثم إياكم أن تزرعوا في نفوس أبنائكم الغيرة من باب تحفيزهم على مضاعفة الجهود، أو أن تتبعوا أسلوب المقارنة بينهم وبين الأطفال الآخرين؛ لأنَّ ذلك سوف يعزز في قلوبهم الحقد والحسد والضغينة، ومن الممكن أن يزرع الكراهية أيضاً، وعدم الثقة بالنفس. فيجب أن تكونوا حذرين في تعاملكم مع فلذات أكبادكم.
- يجب على الآباء أن يزرعوا في نفوس أبنائهم بأن الله سبحانه وتعالى يحِب الأشخاص المحسنين والمتسامحين والعافين عمن أخطأ بحقهم، وازرعوا في نفوسهم أيضاً أن الله أمرنا بالعفو عن المسيئين لنا، وذكروهم بقوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النور، الآية: 22].
- يجب أن تعلموا أبناءكم أنَّ طبيعة الأشخاص في المجتمع مختلفة، فمنهم السيء، ومنهم الجيد؛ ومنهم من يحفظ الود والصداقة، ومنهم من لا يفعل ذلك؛ ولكن من واجبهم أن يكونوا قادرين على التسامح والنسيان، وعلى رد الإساءة بحسن الخلق والعفو لا بإساءة مثلها. علموهم أن المعاملة بالإحسان أمام الإساءة درس جيد لغيرهم، ليتعلموا العفو والتسامح، قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. [سورة فُصّلت، الآية: 34].
في الختام:
بذلك عزيزي القارىء نكون قد قدمنا إليك أثر التسامح في النفس البشرية، وبعض الخطوات التي بإمكانك أن تتبعها لتعلم أبناءك التسامح، وتجعلهم قادرين على مواجهة مصاعب الحياة بالعفو والإحسان، ليكونوا أبناء صالحين متسامحين مع أنفسهم ومع الآخرين.
أضف تعليقاً