لكي نعلم سبب هذا الخوف في داخلنا علينا أن نتذكَّر أنَّ الفشل لم يكن يشعرنا بالخوف في أثناء طفولتنا؛ إذ كنَّا نُنجز ونحاول ونجرِّب ونفشل مراراً وتكراراً في سبيل أن نتعلَّم، فلو كان الخوف من الفشل يستحوذ علينا ويتملَّكنا في مرحلة الطفولة، لما استطعنا أن نتحدَّث كلمةً واحدةً أو نتعلَّم المشي أو نستكشف العالم من حولنا أبداً.
فالفشل أمر طبيعي تماماً، لكنَّنا نشوِّه صورته ونتعامل معه بوصفه شيئاً سيِّئاً وضارَّاً في ظلِّ ثقافتنا القائمة على الأداء والإنجازات، والتي نتعرَّض فيها للتصنيف الذي نُمنَح على أساسه درجةً معيَّنة، وللعقوبات حين نُخطِئ أو نفشل ونتلقَّى فيها الأحكام ممَّن حولنا، وسرعان ما نتعلَّم أنَّ الفشل أمرٌ مؤذٍ وخاطئ ويجب تجنُّبه بأي وسيلة ممكنة؛ لذا نتوقَّف عن الاستكشاف والبحث كنتيجة لذلك، كما نتوقف عن التعلم والوصول بإمكاناتنا إلى أقصى حد.
لذا؛ دَعُونا نكسر خوفَنا من الفشل ونُوقِف تأثيره فينا ونعود لتحقيق الإنجازات من جديد، تماماً كطفولتنا حين كنَّا صغاراً وأحراراً، وستتعلَّم كيفية ذلك من خلال ما يأتي:
التخلِّي عن الشعور بالخوف:
إنَّ فهم فكرة الفشل هو المفتاح لتجاوز خوفنا منه، فعندما نتساءل عن المعنى الحقيقي للفشل سنجد أنَّه لا يمكن فعلاً تعريفُه بموضوعية؛ إذ يعدُّه بعضهم عدمَ النجاح في أمرٍ ما، أو ألَّا يكون الأفضل في مجاله، أو عدم إنجاز أمر ما بإتقان، فنفهم الفشل بصورة فردية، ويعتمد تعريفه على توقعات وآمال وأهداف كلٍّ منَّا؛ لذا يمكننا تجنُّب الفشل من خلال تعلُّم تحديد الأهداف المناسبة لنا وامتلاك توقُّعات هادفة وذات مغزى تجاه أنفسنا.
فإن أخذنا خسارة أحد فِرق كرة القدم لمباراةٍ ما بوصفها مثالاً، سنجدُ أنَّه إن كان الهدف الوحيد لهذا الفريق هو الفوز بتلك المباراة، فإنَّهم قد أخفقوا بكل وضوح وفشلوا فشلاً ذريعاً، أمَّا إن كان الهدف الرئيس لهذا الفريق هو تنمية وتطوير مهاراتهم واكتساب خبرة في اللَّعِب، فهم لم يفشلوا عندها إطلاقاً وإنَّما خسروا مباراةً فقط.
يتعلَّق تجاوز الخوف من الفشل باكتساب العقلية المناسبة، والنظر للصورة الأكبر للأمور، وعد الانتصارات الصغيرة أرباحاً، فيجب أن يكون لديك أهداف تتمثَّل بالنجاح والقيام بعملك بإتقان، ولكنَّك إن ركَّزت فقط على أن تكون الأفضل وتفوز في كل مرةٍ، ستُصبح أكثر عرضةً للإصابة بالخوف من الفشل.
لذا من الأفضل بكثير التركيز بصورة أساسية على التعلُّم والتطوُّر واكتساب الخبرات، ويمكن لتحقيق النجاح وإتقان العمل أن تكون أهدافاً ثانوية، وعندها ستزداد فعلياً احتمالات نجاحك أكثر لأنَّك ستكون أقلَّ توتُّراً بشأن الفوز أو الخسارة، إضافة إلى أنَّ تركيزك سينصبُّ على شيءٍ خاضع لسيطرتك، فالتعلُّم أو عدمُه يعود إلى إرادتك وطريقة تفكيرك.
لذلك، دعونا نلقي نظرة على بعض الخطوات الملموسة التي يمكنك اتخاذها لتغيير طريقة تفكيرك عن الفشل:
شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل
1. تحديد ما تخاف منه بدقة:
كلَّما حدَّدت خوفُك أكثر، سَهُلَ التعامل معه والتخلُّص منه، وقد تكتشفُ حتَّى أنَّ ما تخشاه أساساً ليس بالأمر العظيم على كل حال.
2. الإجابة عن الأسئلة التي تبدأ بِـ "ماذا لو":
مثل سؤال: "ماذا لو تحقَّقت مخاوفي؟ ماذا سيحدث عندها؟"؛ إذ تَفُوق قدراتنا ظنوننا ونستطيع التعامل مع أمور أعظم بكثير ممَّا نعتقد، ومن ثمَّ فإنَّ طرح هذه الأسئلة والإجابة عنها قد يساعدنا على إدراك حجم إمكاناتنا.
3. تخيُّل نجاحك والعقبات التي تعترض طريقك:
تخيَّل نجاحك، لكن أيضاً كيف ستواجه العقبات التي تعترضك وتتغلَّب عليها، فربَّما قد تشعر عندها بأنَّ لديك استراتيجية أو خطة ما للتعامل مع تلك العقبات وتدبيرها، وهذا سيقلِّل من توتُّرك وقلقك بشأنها.
4. التركيز على سير العملية وليس على نتيجتها:
تذكَّر أنَّ كلَّ ما تصادفه في حياتك هو تجربة يمكنك تعلُّم الكثير منها، وقد يساعدك التركيز على ذلك على المثابرة والصُّمود وعدم المُبالغة في القلق بشأن النتيجة النهائية.
5. الإخفاق مسموح لكن من الممنوع أن تكون فاشلاً:
يستمرُّ الإخفاق لبضعة ثوانٍ فقط، ومن ثمَّ يمكنك المضيُّ قدُماً والمحاولة مرةً أخرى، فإنَّ فشلك في أمرٍ ما لا يحوِّلك إلى إنسان فاشل، وإنَّما التوقُّف عن المحاولة والتجريب هو ما يجعل منك شخصاً فاشلاً؛ لذا عليك الاستمرار في السعي والمُثابَرة وأن تكون لطيفاً تجاه نفسِك ولا تحمِّلها أعباءً كبيرة.
5 خطوات لمواجهة المخاوف:
1. إنشاء قائمة بمخاوفك:
عليك كتابة كل أمرٍ يُخيفك ابتداءً من الأشياء البسيطة وصولاً لمخاوفك الكبرى، القديمة منها والجديدة، فعلى سبيل المثال اكتب أنَّك تخاف من الكلاب.
2. التعرُّف إلى الخوف الكامن أو الدَّفين:
لا يمثِّلُ أيُّ أمرٍ نخاف منه في مُعظم الحالات خوفنا الحقيقي والصحيح، بل ربَّما يوجد خوف دفين في أعماقنا يُثير انفعالنا ومشاعرنا من الداخل؛ لذلك ربَّما تكون خائفاً من التعرُّض للأذى بدلاً من خوفك من الكلاب، بمعنى أنَّك خائفٌ من التعرض لعضةٍ من قبل أحد الكلاب، وبمُجرَّد تحديد ذلك والاعتراف به لنفسك، قد تكتسب وجهة نظرٍ جديدة عن تلك المسألة.
3. البدءُ البسيط والتدريجي:
اختر أحد مخاوفك وحاول إيجاد الوسائل التي تمكِّنك من التقدُّم ببطءٍ نحوه، فمثلاً في حالة خوفك من الكلاب، يمكنك أن تجرِّب مداعبة كلب لطيف وملامسته.
4. التقدُّم البطيء والتدريجي في أثناء محاربة المخاوف:
سيتعيَّن عليك التدرُّب ومواجهة خوفك مراراً وتكراراً بطرائق شاقَّة أكثر من أي وقتٍ مضى، كي تتمكَّن من التخلُّص منه وطرده بصدقٍ وكما ينبغي؛ إذ يمكنك اتخاذ خطوات صغيرة، فليس عليك مثلاً الانتقال من اللعب مع كلب لطيف إلى مداعبة كلب شرس مباشرة.
5. الاستعانة بشخصٍ آخر خلال رحلة تخلُّصك من مخاوفك:
قد يكون التمسُّك أو الالتزام بخطَّتك للتغلُّب على خوفك أمراً في غاية الصعوبة بسبب المشاعر القوية التي تُراودك خلالها؛ لذا قد يكون من الجيد أن تجد شخصاً آخر يُشاركك الخوف نفسه أو ينتابه خوفٌ من شيءٍ آخر وتتدرَّبا معاً كي تبقى ملتزماً بمُخطَّطك.
في الختام:
لا يوجد طريقٌ مُختصر للتغلُّب على مخاوفك؛ إذ سيتحتَّم عليك مواجهتها بطريقة أو بأخرى، والسرُّ لذلك هو البدء بطريقة بسيطة وتدريجية وتعزيز ثقتك بنفسك وتنمية شجاعتك، وبعدها يمكنك السعي إلى إجراء قفزتك الكبرى للانتقال نحو عالمٍ خالٍ من الخوف، وعليك أن تتذكَّر أنَّ بناء مقاومةٍ ومناعة لنفسك تجاه الخوف من الفشل هو عملية متكاملة، لكنَّك ستسير على الطريق الصحيح إن اتَّبعت الخطوات المذكورة أعلاه.
شاهد بالفيديو: خطوات للتغلب على الخوف من الفشل
أضف تعليقاً