قد نجد أن مقدار الثقة بالنفس يختلف من شخصٍ لآخر؛ والسبب في ذلك أنَّها تعتمد على عوامل مختلفة منها مزاج الشخص، والمجتمع المحيط به، ومستويَيه الثقافي والتعليمي، ووضعه المادي، وموقفه من النجاح أو الفشل.
بالإضافة إلى ذلك، قد تختلف مستويات الثقة بالنفس باختلاف تجارب المرء؛ إذ قد تضعف ثقة الفرد بنفسه بعد التعرض لإخفاقاتٍ متتالية. ولكن نظراً لأن الثقة بالنفس مسألة ذهنية تعتمد على عقلية المرء، يمكن تماماً استعادتها أو تعزيزها.
سنتعرف في هذا المقال على الثقة بالنفس، ونشرح أهميتها ونعدد فوائدها، ونعرف كيفية اكتسابها؛ فتابع معنا قراءة السطور الآتية.
ما هي الثقة بالنفس؟
الثقة بالنفس هي إيمان المرء في قدراته بصورة لا إفراط فيها ولا تفريط؛ إذ تؤدي المبالغة في ثقة المرء بنفسه إلى الغرور والمبالغة في تقدير النفس؛ مما يسبب له كثيراً من المشكلات. كذلك يؤدي تفريط المرء في ثقته بنفسه أو الاستهانة بها إلى الحط من شأنه وحرمانه من الامتيازات التي يستحقها؛ لذا، كما قال أسلافنا: "خير الأمور أوسطها".
عندما تثق بنفسك ثقة معتدلة وتؤمن بقدراتك، ستتمكن من إحراز أي هدف أو إنجاز أي مهمة مهما بدت عسيرة. وفي حال وُضِعت بين يديك مهمةٌ لا تدري كيف تنفذها، ستدفعك ثقتك بنفسك إلى تعلم ما تجهل، وإذا احترت في اتخاذ قرار صعب أو مصيري، ستساعدك ثقتك في ذكاءك وقدراتك على اختيار الطريق الأفضل.
شاهد بالفيديو: 5 أمور تُشير إلى أنك تعاني من قلّة الثقة بالنفس
لماذا تُعد الثقة بالنفس أمراً هاماً؟
يُعَد كل أمرٍ هامٍّ هاماً لما فيه من منافع وفوائد، كذلك الثقة بالنفس، تُعَد هامةً لأن لها فوائد عديدة، منها:
- تمنحك إيماناً بقدارتك ومهاراتك في اتخاذ القرار؛ ممَّا يصرف عنك التردد والحيرة اللذَين يهدران وقتك وجُهدك.
- تشجعك على البحث عن إجاباتٍ ومعلومات، والاستمرار في التعلم والتغلب على الجهل.
- تجعلك مميزاً بين الآخرين؛ لذا نلاحظ أن الأشخاص الواثقين من أنفسهم يتولون القيادة في شركاتهم ومجتمعاتهم وحتى في عائلاتهم؛ إذ ينجذب الناس لهم ويصغون إليهم ويحترمونهم.
ما هي صفات الشخص الواثق من نفسه؟
الثقة بالنفس شعورٌ داخلي، قد يكون فطرياً أو مكتسباً. وفي بعض الأحيان، يجد الفرد صعوبة في تعزيز ثقته بنفسه، إما بسبب التجارب الشخصية التي يمر بها أو لأنه يعاني تدني تقدير الذات. وقبل أن نتطرق إلى كيفية تعزيز الثقة بالنفس، سنعرض أولاً الصفات التي يتحلى بها الشخص الواثق من نفسه:
- يتقبل النقد كما يتقبل المديح.
- يفعل ما يرى أنَّه صواب، حتى لو كان غير مألوفٍ له.
- يطلب المساعدة إذا ما احتاج إليها.
- يتحمل المسؤولية.
- لا يخشى المجازفة.
- يعترف بأخطائه ويتعلم منها.
- يتحلى بالتفاؤل.
- يضع أهدافاً واضحة.
- لا يُنصب نفسه قاضياً يحاسب الآخرين.
ما هي فوائد الثقة بالنفس؟
تُظهِر لنا هذه الصفات الإيجابية فوائد الثقة بالنفس، وكم هي هامةٌ لنحيا الحياة مثلما ينبغي أن نحياها؛ لأنك عندما تفقد الثقة بالنفس، تُحرَم من كل هذه الصفات التي تتيح لك الاستمتاع بالحياة والنجاح فيها، وينتهي بك الأمر إلى الاعتماد على الآخرين في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات والحكم على الصواب والخطأ من وجهات نظرهم وليس من وجهة نظرك أنت أو بناءً على ظروفك الشخصية؛ مما يؤدي إلى تأثر شخصيتك وقراراتك بالآخرين.
هذا لا يقلل بالتأكيد من أهمية وجود أشخاص يوجهونك ويساعدونك في اختيار مسارك ويسيرون معك في رحلتك. ولكن لا بُد من أن تتخذ أنت وحدك القرار النهائي، حتى لو لم يتفق معك الآخرون.
كيف يمكن بناء الثقة بالنفس؟
مثلما ذكرنا، تعتمد الثقة بالنفس على عوامل عديدة؛ وبالتالي، قد يتفاوت مقدار الثقة بالنفس بتفاوت هذه العوامل؛ لذا نقدم لك مجموعة من النصائح التي تساعدك على استعادة الثقة بالنفس إذا فقدتها والحفاظ عليها إذا امتلكتها واكتسابها إذا افتقرت إليها:
- عزز مهاراتك: لا شيء يعزز ثقتك بنفسك أكثر من ماضٍ حافلٍ بالنجاحات، والتيقن من أنك ستنجح في عملٍ ما لأنك أديته من قبل؛ لذا يجب أن تتمرس وتتدرب حتى تكتسب جميع المهارات المطلوبة في مجال عملك أو دراستك.
- تعامل مع نفسك تعاملاً إيجابياً: يعاني بعض الناس عقدة النقص لأسباب مختلفة؛ مما يجعلهم يعتقدون أن الآخرين أفضل منهم؛ لذا يجب أن تنظر إلى نفسك نظرةً إيجابية، وأن تركز على نقاط قوتك وتتعامل مع نقاط ضعفك بوصفها دروساً يمكنك التعلم منها؛ وإذا قارنت نفسك بأحد وشعرت أنه أفضل منك، فقارِن نقاط ضعفه بنقاط قوتك. يساعدك هذا في بناء عقلية تعزز ثقتك بنفسك وتؤثر فيك تأثيراً إيجابياً.
- بين وجهة نظرك: لقد أضحى من الطبيعي أن يتبادل الناس النقد وأن ترى أحدهم يخطئ وجهات نظر الآخرين. ولكن كلما سمحت لغيرك بتجاهل آرائك، فقدت ثقتك بنفسك؛ لذا وضح دائماً وجهة نظرك، وعبر عن رأيك، واشرح الأسباب التي دفعتك إلى الإقدام على عملٍ معيَّن؛ فعندما يقتنع الناس بآرائك وأفكارك، ستزداد ثقتك بنفسك.
أهمية التجربة والفشل في بناء الثقة بالنفس:
قد لا يصدق أحدٌ أن الفشل يعزز الثقة بالنفس، لكنَّ هذا صحيحٌ تماماً؛ إذ تزداد ثقتك بنفسك مع كل محاولةٍ فاشلة؛ لأن الشخص الواثق بنفسه ليس مثالياً بالضرورة. بل هو شخص يثق في قدراته ويحاول مراراً وتكراراً مهما فشل؛ لذا ستلاحظ أن الأشخاص الواثقين بأنفسهم لا تزعجهم الأخطاء الكثيرة التي ربما ارتكبوها؛ لأنهم يعرفون أن الأخطاء والتجارب قد أدتا إلى إتقان ما يفعلونه والنجاح فيه.
عواقب تجنب المجازفة على صعيد الثقة بالنفس:
يُقال دائماً إن المجازفات التي تخوضها بمفردك والأمور التي تتعلَّمها بمفردك والأماكن التي تذهب إليها بمفردك هي التي تحدد شكل شخصيتك. وتلك أمورٌ لا يَسع المرء أن يفعل أياً منها إذا ما افتقر إلى الثقة بالنفس؛ لأنها أشياء تتطلب الجرأة، والإحساس بالأمان لا يعزز ثقة أحد بنفسه.
عندما تحاول مرات عديدة، وتمتلك العزيمة ورباطة الجأش التي تساعدك على خوض المجازفات والتعلم منها، تصبح قوياً وواثقاً من نفسك، وتدرك أن بإمكانك بلوغ أهدافك وتحقيق النجاح المنشود؛ لأنَّ الأشخاص الواثقين من أنفسهم يؤمنون بأنهم يشقون طريقهم إلى النجاح، ولا يستسلمون مهما واجهتهم المخاطر.
فضلاً عن ذلك، عندما تكون مستقلاً، ولا تخشى وضع حدودٍ مناسبةٍ بينك وبين الآخرين؛ تتمكن من بناء علاقات عمادها أواصر المحبة والصداقة. ومع ذلك، لا يُعد الوصول إلى هذه المرحلة من الثقة أمراً هيناً؛ لذا تجد أنه ليس بمقدور الجميع الوصول إليها.
5 نصائح عامة لبناء الثقة بالنفس:
- لقد سمعنا كثيراً أمثالاً شعبيةً مثل "الرفيق قبل الطريق" و"الجار قبل الدار"، وثمة حديثٌ شريفٌ يقول: "المرء على دينِ خليله"، وأصبحنا نسمع مؤخراً "أنَّ الشخص هو مزيج الأشخاص الخمسة الذين يقضي جُل وقته معهم"؛ من المؤكد أن نوعية الأشخاص الذين تتعامل معهم ومدى تأثيرهم فيك يلعب دوراً هاماً في تحديد شخصيتك؛ لذا ابحث عن أشخاصٍ واثقين بأنفسهم وإيجابيين وصادقين معك، وتجنب الناس السلبيين الذين يستنزفون طاقتك. أي باختصار، اختَر أصحابك بعناية.
- لا تجلد ذاتك، ولا تحط من قدرِ نفسك حتى لو أخطأت؛ فنحن بشر نخطئ ونصيب، والشيء الجيد حقاً هو أن نتعلم من أخطائنا هذه لنبلغ النجاح الذي نريده؛ مما يعزز ثقتنا بأنفسنا أكثر.
- واجِه مخاوفك؛ فنحن غالباً ما نتغلب على الخوف عندما نواجهه؛ لأن التجربة تعلمنا أن ما خشيناه ليس كما تخيلناه، والإنسان عدو ما يجهل. افعل ما تريد ما دمت تراه صائباً. وعندما تخوض التجربة، ستعلم أنَّ التحدث إلى ذاك الشخص كان ممتعاً للغاية، وأن مقابلة التوظيف التي شغلت تفكيرك لم تكن تستحق كل ذاك الاضطراب سبقها.
- دون إنجازاتك في الحياة، ودون العقبات التي واجهتها والمخاوف التي تجاوزتها كي ترجع إليها عندما تشعر أنك لا تحرز أي تقدم؛ إذ سيحفزك ذلك ويمنحك الثقة بالنفس عندما تحتاج إليها.
- قدر إنجازاتك الصغيرة؛ وفي نهاية كل يوم، فكر في كل شيء جيد فعلته مهما كان بسيطاً وافتخر به؛ إذ ستشعر بالراحة عندما تفعل ذلك، وعندما تستيقظ في الصباح، ستجد نفسك سعيداً ومتهيئاً للنجاح وواثقاً من نفسك.
هل الثقة بالنفس مؤشر على النجاح؟
تُعد الثقة بالنفس مؤشراً قوياً على النجاح. ومع ذلك، لا تقتصر أهميتها على ذلك فحسب؛ إذ يُضاف إلى ذلك أيضاً تأثيرها في مشاعرك، ونظرتك إلى ذاتك، ومعاملتك لنفسك، وفي حياتك عموماً. بالإضافة إلى ذلك، تساعدك الثقة بالنفس على تحسين علاقاتك مع الآخرين، والأهم من ذلك، أنها تساعدك على تحسين علاقتك بنفسك.
لقد خُلقنا لنعيش هذه الحياة مرة واحدة، فلماذا لا نعيشها بثقة وقوَّة؟ ثق بنفسك، وحاول وافشل وحاول ثانيةً. وطور ذاتك وعزز ثقتك بنفسك إذا كنت بحاجة إلى ذلك، حتى ولو من خلال خطوات بسيطة؛ إذ سيؤدي تراكم هذه الخطوات مع مرور الوقت إلى تغييرات هائلة في نظرتك إلى نفسك وإلى العالم مستقبلاً. افعل ذلك؛ فالأمر يستحق العناء.
10 أسباب تشرح لمَ تقود الثقة بالنفس إلى تحقيق النجاح:
- الرغبة في المبادرة: لا يخجل الأشخاص الواثقون من أنفسهم من طرح أفكارٍ جديدة حتى لو كان من حولهم يفكرون فيها.
- القدرة على الدفاع عن النفس: تدفعك الثقة إلى الدفاع عن نفسك بطريقة عادلة ومناسبة، ومن دونها قد تجد أن صوتك لا يلقى آذاناً صاغية أو أن الآخرين يعاملونك معاملةً غير عادلة.
- القدرة على الرفض: يستطيع الأشخاص الواثقون من أنفسهم قول "لا" إذا اقتضى الأمر؛ لأنهم لا يحملون على عواتقهم أعمالاً أو التزاماتٍ غير ضرورية أو غير مناسبة.
- استثمار الفرص: يعرف الأشخاص الواثقون من أنفسهم متى يقتنصون الفرص ويستثمرونها، ولا يدفعهم الخجل أو الخوف إلى تضييع الخيارات الجديدة.
- التغلب على الخوف: قد يؤدي الافتقار إلى الثقة بالنفس إلى هلعٍ وخوف مُبالَغٍ فيهما، سواء الخوف من الفشل أم الخوف من آراء الآخرين أم الخوف من المجهول. لكن الثقة تساعدك على مواجهة مخاوفك والتغلب عليها.
- الإيمان بالنفس: يحدد مدى إيمانك بنفسك مسار حياتك. وكما قال "هنري فورد" (Henry Ford) "سواء كنت تعتقد أنك تستطيع أم لا؛ فأنت على حق".
- رفع مستوى التوقعات: يرفع الأفراد الواثقون من أنفسهم سقف توقعاتهم ويسعون إلى تحقيق أهدافٍ أسمى. بينما يؤدي الافتقار إلى الثقة إلى وضع أهدافٍ محدودة، ووضع معايير منخفضة للغاية؛ وبالتالي، الحصول على نتائج متواضعة.
- توسيع حدود الإمكانات: تتيح لك الثقة بالنفس معرفة حدود إمكاناتك وتوسيعها؛ مما يزيدك قوة.
- طرح الأسئلة بثقة: تسمح لك الثقة بالنفس بطرح الأسئلة دون خوف أو خجل.
- الإيمان بالفوز: يؤمن الأشخاص الواثقون من أنفسهم بمهاراتهم وقدرتهم على النجاح.
في الختام:
الطريق إلى الثقة بالنفس ليس معبداً أو مفروشاً بالورود، ولكنه ليس شاقاً أيضاً؛ إذ يكفي أن تبذل بعض الجُهد لتكتسب عمقاً في التفكير وقوةً ومرونةً في الشخصية؛ مما يؤدي إلى علاقات أقوى، وعملٍ أفضل، وإلى مزيدٍ من الصحة والسعادة والنجاح، والشعور بقيمة الذَّات.
أضف تعليقاً