وفقاً لموسوعة أفق (Ufukcorp)، التفويض الوظيفي هو عملية إسناد المهام والمسؤوليات من قبل المدير أو صاحب العمل إلى موظف آخر، مع منحه الصلاحية لاتخاذ القرارات اللازمة لإنجاز تلك المهام بنجاح.
في عالم الأعمال، يُعد التفويض طريقة فعالة لإنجاز الأمور بكفاءة، إلا أنَّه لا يساهم بالضرورة في تنمية أو تطوير مهارات الشخص المُكلف بالمهمة، بل بخلاف ذلك، قد يحد من إبداع الموظفين وقدرتهم على الابتكار.
في المقابل، وفقاً لمجلة هارفارد للأعمال (Harvard Business Review)، تُجسِّد فلسفة تمكين الموظفين مفهوماً إدارياً متقدماً يرتكز على إشراك الموظفين بشكل فعَّال في مسيرة المؤسسة، من خلال تزويدهم برؤية واضحة وصقل مهاراتهم ومنحهم الموارد اللازمة، مع تمكينهم من اتخاذ القرارات ضمن نطاق مهامهم وواجباتهم.
بالعودة لنطاق التفويض والتمكين فهو يوضح مستويات مختلفة من سلطة اتخاذ القرارات الممنوحة للموظفين، إذ كلما مالت المؤسسات تجاه ممارسات التمكين، زادت مساحة الموظفين للمبادرة والابتكار، وخلاف ذلك صحيح بالنسبة إلى التفويض.
مستويات نطاق التفويض والتمكين الرئيسية
توجد ثلاثة مستويات رئيسة لنطاق التفويض والتمكين:
المستوى الأول: تفويض منخفض، وتمكين منخفض
- إخبار الموظف بكيفية إنجاز المهمة مع إعطائه قائمة الخطوات والإجراءات تفصيلاً.
- عدم ترك مجال للمبادرة أو التغيير.
مثال: إعطاء موظف جديد تعليمات دقيقة عن كيفية إدخال البيانات في نظام معين.
المستوى الثاني: تفويض عالٍ، تمكين منخفض
- إخبار الموظف بالمهمة ومتطلباتها.
- ترك مجال ضيق للمبادرة أو الإبداع.
مثال: توجيه موظف صاحب خبرة بشأن كيفية إنهاء معاملات المراجعين.
المستوى الثالث: تفويض متوسط، تمكين متوسط
- تحديد أهداف واضحة للمهمة.
- منح الموظف حرية اختيار الطريقة المناسبة لإتمام المهمة.
مثال: تكليف فريق تسويق بزيادة الوعي بالعلامة التجارية، مع السماح لهم باقتراح وتنفيذ استراتيجيات مختلفة.
المستوى الرابع: تفويض منخفض، تمكين عالٍ
- تكليف الموظف بمشروع أو هدف شامل.
- منح الموظف استقلالية كاملة لاتخاذ القرارات والمبادرة.
مثال: تكليف مدير مشروع بتطوير منتج جديد، مع منحه الصلاحية الكاملة لتشكيل الفريق وتحديد الجدول الزمني والموارد اللازمة لنجاح المشروع.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لتفويض المهام وفق نصائح مديري غوغل
العوامل الرئيسية التي تحدد موقع مؤسستك في نطاق التفويض والتمكين
في البداية، ثمة ثلاثة عوامل رئيسة تحدد موقع مؤسستك في نطاق التفويض والتمكين، ومنها:
1. مهارات وخبرة الفرد
للموظفين ذوي الخبرة والمهارات العالية القدرة على العمل بشكل مستقل، بينما يحتاج الموظفون الجدد إلى توجيهات أكثر في البداية مع تفويض أعلى وتمكين أقل.
2. تعقيد المهمة
تتطلب المهام المعقدة تخطيطاً ومراقبة أكثر، وهذا يتطلب تفويضاً متوسطاً وتمكيناً متوسطاً، بينما يمكن تفويض المهام البسيطة بشكل أكبر مع منح الموظف حرية أكبر في إنجازها.
3. مستوى المخاطر
في حال وجود مخاطر عالية، قد يميل القادة إلى الإدارة التفصيلية (Micromanagement) لتجنب الأخطاء، بينما في الحالات الطبيعية، يمكن منح الموظف مساحة أكبر للابتكار والعمل بشكل مستقل.
في الواقع، يُدرك القادة الفاعلون مفهوم نطاق التفويض والتمكين، فيمكِّنهم من التكيُّف بنهجهم بناءً على الموقف، إذ يبدأ القادة بتفويض المهام بشكل تدريجي، وهذا يُتيح للموظفين فرصة التعلم واكتساب الخبرات ويُرافق ذلك توفير التوجيهات والإرشادات اللازمة لضمان إنجاز المهام بفاعلية.
مع نمو مهارات الموظفين وثقتهم بأنفسهم، يُقلِّل القادة تدريجياً من مستوى التفويض، ويُتيح هذا النهج الهجين للموظفين مساحة أكبر للإبداع والمبادرة، مع منحهم صلاحيات اتخاذ القرارات ضمن نطاق مسؤولياتهم.
في المرحلة النهائية، يُطبق القادة نهجاً قائماً على التمكين الكامل، فيُشركون الموظفين بشكل فعَّال في تحديد الأهداف ووضع الخطط، ويُساهم ذلك في تعزيز شعور الموظفين بالمسؤولية والملكية، وهذا يُؤدي إلى تحفيزهم وزيادة إنتاجيتهم.
السياق التاريخي والنظريات الأساسية لممارسات التمكين والتفويض
أولاً، لنلق نظرة على السياق التاريخي والنظريات الأساسية لممارسات التمكين والتفويض
تقدم نظريات الإدارة لمحة شيقة عن كيفية تكيف المؤسسات مع أساليب التفويض والتمكين بمرور الوقت، وسنبدأ رحلتنا الشيقة بدءاً من الهياكل الصارمة للإدارة الصناعية المبكرة وصولاً إلى النماذج الديناميكية التي تتمحور حول الموظف في القرن الواحد والعشرين، فتعكس هذه النظريات إدراكاً متزايداً لأهمية موازنة السلطة مع الاستقلالية.
يوفر فهم هذا التطور التاريخي للممارسات الإدارية الحديثة صورة شاملة عن كيفية تشكلها من خلال الرؤى والابتكارات السابقة، ويسلط الضوء على السعي المستمر لتحقيق التوازن بين كفاءة المنظمة ورضى الموظفين.
في كل مرحلة من هذه الرحلة، سنُسلِّط الضوء على نظرية إدارية رئيسة، ونشرح مبادئها الأساسية، ونُناقش كيف ساهمت في فهمنا لممارسات التمكين والتفويض.
استعدوا للغوص في عالم من الأفكار الثورية والتغييرات الجذرية، واكتشفوا كيف تغيرت مفاهيم السلطة والمسؤولية داخل المنظمات عبر العصور.
أوائل القرن العشرين: الإدارة العلمية والبيروقراطية
الإدارة العلمية (Scientific Management)
ارتبطت الإدارة العلمية باسم المهندس الأمريكي فريدريك تايلور (Frederick Winslow Taylor)، الذي سعى إلى تحسين كفاءة الإنتاج من خلال تحليل المهام وتقسيمها إلى خطوات أصغر وأكثر دقة.
ركز تايلور على التفويض الدقيق للمهام، مع تحديد الأدوات والتقنيات المحددة التي يجب على العمال استخدامها، وحينها، اعتقد تايلور أنَّ هذا النهج العلمي سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل.
البيروقراطية
طوَّر عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (Max Webar) نظرية البيروقراطية، التي ركزت على إنشاء هياكل تنظيمية هرمية فعالة، وحدد فيبر مبادئ مثل التسلسل الهرمي الواضح وقواعد وقوانين محددة والتوظيف القائم على الجدارة والتخصيص الوظيفي والتواصل الرسمي، فمن وجهة نظر فيبر، إنَّ هذه المبادئ غالباً ما ستؤدي إلى اتخاذ قرارات عقلانية وفعالة.
التأثير في التفويض والتمكين
ساهمت كل من الإدارة العلمية والبيروقراطية في فهمنا للتفويض والتمكين، على الرغم من اختلافاتهما:
- الإدارة العلمية: شددت على أهمية التفويض الواضح للمهام، مع توفير التوجيهات والإشراف اللازمَين.
- البيروقراطية: أكدت على الهياكل التنظيمية الرسمية وقنوات التواصل المحددة لضمان التفويض الفعال.
مع ذلك، واجهت كلتا النظريتين انتقادات بسبب تركيزهما المفرط على السيطرة والكفاءة على حساب إبداع واستقلالية الموظفين.
منتصف القرن العشرين: حركة العلاقات الإنسانية (Human Relations Movement)
شهد منتصف القرن العشرين تحولاً كبيراً في مجال الإدارة مع ظهور حركة العلاقات الإنسانية، فابتعد هذا النهج عن التركيز الصارم على الكفاءة الذي ميَّز الإدارة العلمية والبيروقراطية، وبدأ يسلط الضوء على الأبعاد الاجتماعية والنفسية للعمل.
برزت حركة العلاقات الإنسانية من خلال الدراسات التي أجراها إلتون مايو (Elton Mayo) في الفترة ما بين 1924 و1932، وأجريت هذه الدراسات في مصنع تابع لشركة وسترن إلكتريك، ففحص الباحثون تأثير الإضاءة وغيرها من العوامل البيئية في إنتاجية العمال، وبشكل مفاجئ، اكتشفوا أنَّ التغييرات الاجتماعية، مثل زيادة الاهتمام بالعمال، كان لها تأثير أكبر في الإنتاجية من التغييرات المادية.
نتيجة لذلك، أدت نتائج دراسات هوثورن إلى استنتاجات رئيسة عن إدارة الموارد البشرية:
1. أهمية العوامل الاجتماعية:
أهمية العوامل الاجتماعية في تحفيز الموظفين وإنتاجيتهم لا يقتصر عمل الموظفين على مجرد إنجاز المهام، بل هو تجربة اجتماعية تُشكِّل جزءاً هاماً من حياتهم.
الموظفون كائنات اجتماعية بطبيعتها، وتُؤثر علاقاتهم مع زملائهم وقادتهم بشكلٍ كبيرٍ في دافعهم ورضاهم الوظيفي، وهذا ينعكس بدوره على إنتاجيتهم وأداء عملهم.
2. أثر الاعتراف بإنجازات الموظفين وتقديرهم:
يُعد الاعتراف بإنجازات الموظفين وتقديرهم من أهم العوامل التي تؤثر بشكل إيجابي في تحفيزهم وإنتاجيتهم.
عندما يشعر الموظفون بأنَّ عملهم يُلاحظ ويُقدَّر، ينعكس ذلك إيجاباً على ثقتهم بأنفسهم وعلى شعورهم بالرضى عن وظائفهم.
شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتحفيز الموظفين من دون اللجوء إلى المال
التأثير في التفويض والتمكين
- التحول من التركيز على الفرد إلى التركيز على المجموعة: أدركت حركة العلاقات الإنسانية أنَّ الموظفين كائنات اجتماعية، وأنَّ العمل الجماعي يُؤدي إلى نتائج أفضل من العمل الفردي؛ لذلك، شدَّدت هذه الحركة على أهمية التفويض للمجموعات بدلاً من التركيز على الأفراد فقط.
- تشجيع التواصل المفتوح: أكَّدت حركة العلاقات الإنسانية على أهمية التواصل المفتوح والشفاف بين الموظفين والقادة، ونتيجة لذلك، ساهمت هذه الممارسات في تعزيز شعور الموظفين بالملكية والمساهمة في اتخاذ القرارات، وهذا أدَّى إلى تحسين دافعهم وإنتاجيتهم.
- بداية التفكير بالتمكين: مهدت حركة العلاقات الإنسانية الطريق لنظريات لاحقة تركز على إعطاء الموظفين مزيداً من الحرية والسيطرة على مهامهم، وأدَّى ذلك إلى ظهور مفاهيم مثل التمكين والتفويض والمشاركة في صنع القرار.
على الرغم من مساهماتها في مجال الإدارة، واجهت حركة العلاقات الإنسانية انتقادات لتركيزها المفرط على إرضاء الموظفين على حساب الأهداف التنظيمية للمؤسسة.
أواخر القرن العشرين: الإدارة بالمشاركة والتمكين (Participative Management and Empowerment)
شهدت أواخر القرن العشرين تطوراً ملحوظاً في مجال الإدارة تمثَّل في ظهور مفهومين مترابطين، وهما الإدارة بالمشاركة والتمكين، وابتعد هذان النهجان عن النظريات السابقة التي كانت تركز إما على الكفاءة البحتة (الإدارة العلمية والبيروقراطية) أو على رضى الموظفين (حركة العلاقات الإنسانية)، وبدلاً من ذلك، ركزت الإدارة بالمشاركة والتمكين على إشراك العاملين في عملية صنع القرار ومنحهم سلطة أكبر على عملهم.
الإدارة بالمشاركة
تعني الإدارة بالمشاركة إشراك الموظفين في عملية صنع القرار التي تؤثر في عملهم، إذ يمكن تحقيق ذلك من خلال عدة طرائق، ومن ذلك:
- مجالس العمال: هي هيئات منتخبة من الموظفين تناقش وتقدم توصيات بشأن القضايا المتعلقة بالعمل.
- فرق العمل: تجمع فرق العمل موظفين من مختلف الأقسام للعمل معاً على مشاريع محددة، وهذا يسمح لهم بتبادل الأفكار والخبرات.
- برامج اقتراحات الموظفين: تشجع هذه البرامج الموظفين على تقديم أفكار لتحسين العمليات أو المنتجات.
التمكين
يتجاوز مفهوم التمكين مجرد إشراك الموظفين في صنع القرار، فهو يركز على تزويدهم بالمهارات والموارد اللازمة للقيام بعملهم بشكل مستقل وفعال ويتضمن ذلك:
- التدريب والتطوير: توفير التدريب اللازم للموظفين لتعلم مهارات جديدة واكتساب المعرفة اللازمة لإنجاز مهامهم بنجاح.
- تفويض السلطة: منح الموظفين سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بعملهم دون الحاجة إلى موافقة مستمرة من القادة.
- الموارد اللازمة: توفير الموارد اللازمة للموظفين لإتمام مهامهم بنجاح، ومن ذلك الأدوات والمعدات والمعلومات.
تأثيرات مباشرة وغير مباشرة لحركة التفويض والتمكين في بيئة العمل
- نقل السلطة إلى الموظفين: ساهمت كل من الإدارة بالمشاركة والتمكين في نقل السلطة – ولو جزئياً - إلى الموظفين، وهذا منحهم مزيداً من الحرية والسيطرة على عملهم.
- تحسين الإبداع والابتكار: أدى إشراك الموظفين في صنع القرار إلى تعزيز الإبداع والابتكار، فبدأ الموظفون بالشعور بمسؤولية أكبر تجاه نجاح المؤسسة.
- زيادة الدافع والالتزام: منح الموظفين مزيداً من الاستقلالية والمسؤولية أدى إلى زيادة دافعهم والتزامهم بتحقيق أهداف المؤسسة.
التحديات التي واجهت الإدارة بالمشاركة والتمكين
على الرغم من فوائدها العديدة، واجهت الإدارة بالمشاركة والتمكين بعض التحديات، مثل:
- صعوبة التنفيذ: تتطلب هذه النظريات تغييرات كبيرة في ثقافة المؤسسة، وهذا قد يشكل عبئاً مادياً على بعض المؤسسات، إضافة إلى المدة الزمنية اللازمة لتطبيق هذه الممارسات.
- الحاجة إلى مهارات قيادية جديدة: يحتاج المديرون والقادة في مواقع العمل في ظل هذه النظريات إلى تطوير مهارات قيادية جديدة لتمكين الموظفين بدلاً من إعطائهم التعليمات.
العصر الحديث: القيادة الموقفية ونطاق التفويض والتمكين (Situational Leadership and The Spectrum)
في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، ظهرت نظريات إدارية جديدة أخذت بالحسبان النقد الموجه للنظريات السابقة، وركزت هذه النظريات على القيادة الملاءمة ومرونة أساليب الإدارة لتتناسب مع ظروف واحتياجات الموظفين.
القيادة الموقفية
تُعد نظرية القيادة الموقفية من أشهر نظريات الإدارة الحديثة، ولقد طورها بول هيرسي وكينيث بلانشارد (Paul Hersey and Ken Blanchard)، وتنص هذه النظرية على عدم وجود أسلوب قيادة واحد مثالي يناسب جميع المواقف، بل يجب على القائد أن يكيف أسلوبه ليتناسب مع مستوى نضج الموظفين ونوع المهمة.
الأنماط رئيسة للقيادة بناءً على درجة توجيه الدعم ونوع المهمة
حدد هيرسي وبلانشارد أربعة أنماط رئيسة للقيادة بناءً على درجة توجيه الدعم ونوع المهمة:
- الأسلوب المُوجه (S1): يُركز هذا الأسلوب على توجيه الموظفين بشكل كبير وتقديم تعليمات واضحة، مع إعطاء الموظفين القليل من المسؤولية، ويتناسب هذا الأسلوب مع الموظفين الذين يفتقرون إلى الخبرة أو يحتاجون إلى إشراف مفصَّل، مثال: موظف جديد انضم للمؤسسة حديثاً فهو بحاجة إلى التوجيه بشكل مستمر.
- الأسلوب التوجيهي (S2): يُقدم هذا الأسلوب مزيجاً من التوجيه والدعم، مع إعطاء الموظفين بعض المسؤولية، ويتناسب هذا الأسلوب مع الموظفين ذوي الخبرة المتوسطة الذين يحتاجون إلى التوجيه الدائم، مثال: موظف قضى عدة سنوات في المؤسسة ويحتاج إلى توجيه غير مباشر مع تحفيز وتشجيع.
- الأسلوب الداعم (S3): يُركز هذا الأسلوب على تقديم الدعم والتشجيع للموظفين، مع إعطائهم حرية التصرف، ويتناسب هذا الأسلوب مع الموظفين الذين يمتلكون خبرة كافية ويحتاجون إلى القليل من التوجيه، مثال: خبير متخصص في مجاله ولديه المهارات الكافية، ولكن محبط نتيجة لظروف معينة أو يعاني من عدم التقدير، فهو يحتاج بالدرجة الأولى إلى الدعم المعنوي.
- أسلوب التفويض (S4): يُتيح هذا الأسلوب للموظفين كثيراً من الاستقلالية واتخاذ القرارات بأنفسهم، ويتناسب هذا الأسلوب مع الخبراء الذين يُمكن الاعتماد عليهم، مثال: فريق عمل متخصص لديه كافة المهارات والإمكانات لإنجاز عمله، فهو يحتاج إلى فقط إلى الدعم والتقدير والمساندة المعنوية.
نطاق التفويض والتمكين
تُقدم نظرية نطاق التفويض والتمكين نموذجاً أكثر مرونة للقيادة، يرى أنَّ القائد يتنقل على طول طيف من الأساليب القيادية المختلفة حسب الموقف.
يتضمن طيف القيادة خمسة أنماط رئيسة:
- الأمر: يُركز هذا الأسلوب على إعطاء الأوامر وتحديد المهام بصرامة.
- التوجيه: يُقدم هذا الأسلوب التوجيه والدعم للموظفين.
- التعاون: يُشجع هذا الأسلوب على التعاون بين القائد والموظفين.
- التفويض: يُتيح هذا الأسلوب للموظفين كثيراً من الاستقلالية.
- الإلهام: يُلهم هذا الأسلوب الموظفين ليتمكنوا من تحقيق أقصى إمكاناتهم.
التأثير في التفويض والتمكين
- أهمية المرونة: أكدت كل من القيادة الموقفية ونطاق التفويض والتمكين على أهمية المرونة في أسلوب القيادة.
- التركيز على الموظفين: ركزت هاتان النظريتان على احتياجات الموظفين ومستوى نضجهم عند اختيار أسلوب القيادة.
النظريات الأساسية: لمحة عامة عن النظريات التي تدعم التفويض والتمكين
إنَّ ممارسة كل من التفويض والتمكين بفاعلية لا تقتصر فقط على أساليب القيادة، بل ترتبط أيضاً بنظريات أساسية عن الدافع والسلوك البشري، وتؤدي هذه النظريات دوراً هاماً في فهم احتياجات الموظفين وقدراتهم، وهذا يساعد القادة على تحديد النهج الأفضل للتفويض والتمكين.
نظرية دوافع العمل لفريدريك هيرزبرج (Herzberg’s motivation theory)
حدد عالم النفس فريدريك هيرزبرج (Frederick Herzberg) عوامل مختلفة تؤثر في الرضى الوظيفي والرضى عن العمل، ووفقاً لنظريته، تزيد بعض العوامل من الرضى الوظيفي (العوامل المحفزة) وتقلل بعض العوامل رضى الموظفين عن أدائهم بشكل عام (عوامل الصحة النفسية).
- العوامل المحفزة: تتعلق بالعمل نفسه، مثل الإنجاز والاعتراف والعمل ذو المعنى.
- عوامل الصحة النفسية: تتعلق ببيئة العمل، مثل ظروف العمل والأجر والأمن الوظيفي.
هذه مجرد أمثلة قليلة عن النظريات الأساسية التي تؤثر في التفويض والتمكين، فإنَّ فهم هذه النظريات والقدرة على تطبيقها يساعد القادة على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن كيفية تفويض المهام وتمكين الموظفين لتحقيق أقصى قدر من الإنتاجية والرضى الوظيفي.
ما هي العلاقة بين التمكين والتفويض؟
التمكين والتفويض هما مفهومان مرتبطان بشكل وثيق في مجال الإدارة والتنظيم، ويشتركان في هدف محدد، ألا وهو تعزيز فاعلية الموظفين وزيادة إنتاجيتهم، ومع ذلك، توجد فروق جوهرية بينهما في التطبيق والتأثير، إذ يستند كل منهما إلى بناء الثقة بين الإدارة والموظفين وتطوير قدراتهم لتحقيق أهداف المؤسسة بشكل أكثر فاعلية.
في عام 1999 درس بحثُ العالمان يوكي وفو كيفية تأثير استراتيجيات التفويض المختلفة في تطوير مهارات الموظفين واكتسابهم للقدرات الجديدة، وأظهرت النتائج أنَّ التفويض المناسب يعزز تطوير المهارات والثقة بالنفس.
العلاقة بين التمكين والتفويض
1. بناء الثقة والمسؤولية
- التفويض: يتطلب من القادة الوثوق بقدرات الموظفين على تنفيذ المهام الموكلة إليهم بنجاح، ويتضمن هذا تحديد المسؤوليات بوضوح وتوفير التوجيهات اللازمة.
- التمكين: يتجاوز التفويض ليشمل بناء بيئة عمل تمنح الموظفين الحرية لاتخاذ قراراتهم الخاصة وتطوير حلول جديدة، ولا تقتصر الحرية هنا على تنفيذ المهام بل في القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
2. تطوير المهارات
- التفويض: يسهم في تطوير مهارات الموظفين من خلال منحهم فرصاً لتولي مهام جديدة ومعقدة تحت إشراف الإدارة.
- التمكين: يركز على تطوير قدرات الموظفين بشكل شامل، ومن ذلك المهارات القيادية والتحليلية، وهذا يعزز قدرتهم على التفكير المستقل والابتكار.
3. المشاركة في صنع القرار
- التفويض: يتيح للموظفين المشاركة في تنفيذ القرارات التي اتخذتها الإدارة، وهذا يعزز شعورهم بالمسؤولية والمشاركة.
- التمكين: يمنح الموظفين دوراً أكبر في صنع القرارات بأنفسهم، وهذا يعزز مشاركتهم ويجعلهم جزءاً لا يتجزأ من عملية اتخاذ القرارات في المؤسسة.
التفويض يُعد الخطوة الأولى نحو تحقيق التمكين الحقيقي للموظفين، فمن خلال التفويض، يبدأ القادة بمنح الموظفين مهاماً ومسؤوليات محددة، وهذا يعزز ثقتهم بأنفسهم ويساعدهم على تطوير مهاراتهم.
كيفية تطبيق العلاقة التكاملية بين التفويض والتمكين في بيئة العمل
الآن، لنلق نظرة على كيفية تطبيق هذه العلاقة التكاملية على أرض الواقع
لتطبيق العلاقة التكاملية بين التفويض والتمكين في بيئة العمل، يجب على القادة اتخاذ خطوات منهجية لضمان تحقيق التوازن بين تفويض المهام وتقديم الدعم المستمر، إذ يتضمن ذلك:
1. تقييم قدرات الموظفين
البدء بتقييم مهارات الموظفين الحالية من خلال مراجعة السجلات الوظيفية والمقابلات الفردية، إضافة إلى ذلك، يمكن للقادة تحديد المجالات القابلة للتطوير، فمن خلال تحليل نتائج التقييم، يمكن تحديد نقاط قوة وضعف الموظفين والمهارات التي يحتاجون إلى اكتسابها أو تحسينها.
2. تحديد المهام المناسبة
تفويض المهام مع مراعاة خبرة كل موظف، إذ يجب أن تكون المهام مُحدَّدة بوضوح وقابلة للتحقيق وذات صلة بأهداف المؤسسة، إضافة إلى ذلك، يبرع القائد المحنك في تقديم تحديات تتيح لموظفيه فرصة لتطوير مهاراتهم والخروج من منطقة الراحة خاصتهم.
3. توفير التدريب المستمر
تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية مستمرة تغطي مهارات حل المشكلات ومهارات التواصل والقيادة إلى جانب ضمان حصول الموظفين على الفرص لتطبيق ما تعلموه على أرض الواقع، من خلال إشراكهم بالمشاريع وفرص التطوير المهني.
4. تقديم الدعم الفعال
إنشاء نظام دعم يتضمن توجيه الموظفين وتقديم المشورة اللازمة لهم عند الحاجة، من خلال تعيين مرشدين للموظفين الجدد وتوفير برامج التوجيه، كما يمكن اتباع نهج يركز على تقديم ملاحظات منتظمة وبناءة تساعد على تحديد نقاط القوة والضعف ومجالات التحسن وتعزز الشعور بالتقدير.
خلاصة القول، العلاقة بين التمكين والتفويض هي علاقة تكاملية، فيعد التفويض نقطة البداية لعملية التمكين، ولتحقيق التمكين الحقيقي، يجب أن تترافق ممارسات التفويض مع توفير التدريب والدعم والموارد اللازمة.
يضمن تبنِّي القادة لهذا النهج الشامل أنَّ الموظفين لا يكتفون فقط بأداء مهامهم بفاعلية، بل يصبحون أيضاً قادرين على اتخاذ قرارات مستقلة والمساهمة بشكل أكبر في تحقيق أهداف المؤسسة.
استراتيجيات تساهم في تعزيز ممارسات التفويض
كما ذكرنا آنفاً، يُعدُّ التفويض أداةً قويةً لتحسين الإنتاجية وتطوير المهارات وتعزيز الثقة داخل الفرق، ولكنَّه يتطلب اتِّباع نهجٍ مدروسٍ لضمان نجاحه.
إليك بعض الاستراتيجيات التي تُساهم في تعزيز ممارسات التفويض وفقاً لمجلة هارفارد للأعمال (Harvard Business Reviews):
1. تحديد المهام القابلة للتفويض: نهج ذكي لتعزيز الإنتاجية
هل تشعر بالإرهاق من كثرة المهام؟ هل تبحث عن طريقة لتخفيف عبء العمل وتحقيق المزيد؟
يُعد تفويض المهام حلاً فعالاً لهذه التحديات، فمن خلال تحديد المهام القابلة للتَّفويض، يمكنك استثمار وقتك للتركيز على المهام الأكثر أهميةً وتعزيز مهارات موظفيك وتحقيق أهداف المنظمة بشكلٍ أسرع.
كيف تحدد المهام القابلة للتفويض؟
إليك بعض الخطوات الأساسية:
- المهام المُستقلة: حدد المهام التي يمكن إنجازها دون الحاجة إلى تدخل أو توجيه مستمر منك. مثل: كتابة التقارير، تحليل البيانات، جدولة المواعيد، التواصل مع العملاء.
- المهام المُتكررة: حدد المهام الروتينية التي تتكرر بشكلٍ منتظم. مثل: إدخال البيانات، تحديث قواعد البيانات، إنشاء عروض تقديمية، إدارة حسابات التواصل الاجتماعي.
- المهام المُتعلقة بتطوير المهارات: حدد المهام التي تُتيح للموظفين اكتساب مهاراتٍ جديدة وتطوير قدراتهم. مثل: المشاركة في مشاريع جديدة، حضور ورش عمل تدريبية، تقديم عروض تقديمية للزملاء.
2. اختيار الشخص المناسب: مفتاح التفويض الفعال
يُعد اختيار الشخص المناسب عنصراً حاسماً لضمان الإنجاز بنجاح وتحقيق أهداف المؤسسة.
إليك بعض العوامل الأساسية التي يجب مراعاتها عند اختيار الشخص المناسب:
المهارات:
- تأكَّد من أنَّ المُفوَّض إليه يمتلك المهارات والخبرات اللازمة لإنجاز المهمة بنجاح.
- قيِّم معرفته وخبرته في المجال ذي الصلة.
- حدِّد ما إذا كان يمتلك المهارات التقنية المطلوبة.
- قيِّم قدرته على حلِّ المشكلات واتخاذ القرارات.
الاهتمام:
- حدِّد الموظفين الذين يُظهرون اهتماماً بالمهمة ويتحمسون لإنجازها.
- ابحث عن مُبادرة الموظف ورغبته في تولِّي مسؤوليات جديدة.
- تواصَل مع الموظفين لفهم اهتماماتهم ومدى حماستهم للمهمة.
القدرة على التحمل:
- قيِّم قدرة الموظف على إدارة عبء العمل الإضافي.
- تأكد من أنَّ لديه الوقت والموارد الكافية لإنجاز المهمة بفاعلية.
- تجنَّب إرهاق الموظفين بتكليفهم بمهام تفوق قدراتهم.
3. توفير التوجيهات والتدريب الواضحين: العنصر الرئيس لضمان نجاح العملية
يعد توفير التوجيهات والتدريب الواضحين جزءاً أساسياً من عملية التفويض الناجحة.
لضمان فهم الموظفين للمهام المسندة إليهم وإمكانية تنفيذها بكفاءة، يجب على المديرين اتباع الخطوات الآتية:
1.3. شرح المهام
يجب تقديم شرح تفصيلي للمهمة، يتضمن الأهداف المتوقعة والمعايير التي سيتم استخدامها لتقييم الأداء، فهذا يضمن أنَّ الموظف يفهم ما هو مطلوب منه بوضوح، وهذا بدوره يقلل من الأخطاء ويحسن جودة العمل.
يمكن أن يتضمن الشرح خطوات العمل، والنتائج النهائية المطلوبة، وأي ملاحظات أو تفاصيل خاصة بالمهمة.
2.3. تحديد الموارد
يجب على القادة تحديد وتوفير الموارد اللازمة للموظف لإنجاز المهمة بنجاح، فيساعد توفير الأدوات والبرامج والمعلومات الموظف على العمل بفاعلية وكفاءة ضمن الجدول الزمني المحدد.
يمكن أن تشمل الموارد المعدات، والبرمجيات، والوثائق، والدعم الفني، وأي معلومات إضافية قد يحتاجها الموظف.
مُلاحظة: إنَّ تعزيز ثقافة التمكين هو عمليةٌ مستمرةٌ تتطلَّب التزاماً من جميع مستويات المنظمة، وباتِّباع هذه الخطوات العملية، يمكنك البدء في إنشاء بيئة عملٍ تمكينيةٍ تُساهم في تحقيق النجاح للجميع.
دراسة حالة: رحلة شركة آكمي (Acme) للتصاميم من قيود الإدارة التقليدية إلى رحاب الإبداع
لطالما اتَّبعت شركة آكمي للتصاميم نهجاً تقليدياً في الإدارة، فكانت القرارات تتركز في أيدي قلة قليلة من القادة، ولقد حقَّق هذا النهج بعض النجاحات، إلا أنَّه أدَّى أيضاً إلى فرض قيود على الإبداع والابتكار.
مع مرور الوقت، أدركت شركة آكمي أهمية إجراء تغييرات جذرية في نهجها الإداري، فبدأت بتبني ممارسات نطاق التفويض والتَّمكين، وهو مفهوم يصف مختلف درجات السيطرة التي يمكن للقادة ممارستها على موظفيهم.
اعتماد ممارسات نطاق التفويض والتَّمكين في شركة آكمي
قررت شركة آكمي اعتماد نطاق التفويض والتمكين في جميع ممارسات الشركة، وبدأت بتدريب القادة على المستويات المختلفة من التفويض والتمكين، وكيفية استخدامها بشكل فعَّال، كما شرعت الشركة في منح الموظفين مزيد من المسؤولية والصلاحية لاتخاذ القرارات.
في نهاية المطاف، أدت هذه الممارسات إلى نتائج مذهلة، ومنها:
1. زيادة الابتكار:
شعر الموظفون المُفوضون بالقدرة على المجازفة واستكشاف أفكار تصميم جديدة، وهذا أدى إلى طفرة فريدة في منتجات المؤسسة.
2. تحسن في معنويات الموظفين:
شعر الموظفون بأنَّهم أكثر قيمة وزادت ثقتهم بأنفسهم، وأدى ذلك إلى تعزيز معنوياتهم وقلَّل من نسبة دوران وتعاقب الموظفين.
3. تعزيز الكفاءة:
أدى تفويض المهام الروتينية إلى تحويل تركيز المصممين الكبار على المبادرات الاستراتيجية، وهذا أدى إلى زيادة الكفاءة العامة.
4. تجاوز توقعات العملاء:
بفضل فريقها المتناغم، تجاوزت شركة آكمي للتصاميم باستمرار توقعات العملاء بحلول التصميم الخاصة بهم.
تُعد قصة نجاح شركة آكمي للتصاميم دليلاً قوياً على فاعلية تبنِّي ممارسات التفويض والتمكين، فمن خلال ملاءمة هذا النهج لقدرات الموظفين الفردية وتعزيز ثقافة الثقة والملكية، يُمكن للشركات أن تطلق العنان لإمكانات موظفيها وتدفع عجلة الابتكار وتحقق نتائج استثنائية.
خلاصة القول
يعد التمكين والتفويض أدوات إدارية حيوية لتعزيز فاعلية الموظفين وإنتاجيتهم، فالتفويض يبدأ بمنح المهام والمسؤوليات، في حين يتطلب التمكين توفير التدريب والدعم والموارد اللازمة، ومن خلال تطبيق استراتيجيات فعالة تعزز التفويض وتنمية ثقافة التمكين، تستطيع المؤسسات تحسين أداء الموظفين وزيادة رضاهم، وهذا يسهم في تحقيق النمو المستدام والابتكار.
أضف تعليقاً