في خضم وتيرة التغيرات المتعاقبة، لم تعد المؤسسات تحتاج إلى قادة يُصدرون الأوامر فقط، بل إلى مُلهمين يُحفزون طاقات الموظفين ويُطلقون إبداعاتهم بعيداً عن الأسلوب التقليدي.
في ظلِّ ازدياد تعقيد بيئة الأعمال وسرعة التغيرات، بات من الضروري تبنِّي نهج إداريٍّ جديد يتخطى حدود القيادة التقليدية القائمة على الأوامر والتحكم، وهنا تبرز فلسفة التمكين الوظيفي بوصفها إطار عمل ثورياً يعيد تعريف مفهوم الإدارة، مستبدلاً نهج "القيادة الآمرة" بِنهج "القيادة التشاركية" يشارك فيه الموظفون بفاعلية بصفتهم شركاء أساسيين في مسيرة النجاح.
سنستكشف في هذا المقال مبادئ وفوائد فلسفة التمكين الوظيفي، كما سنركز أيضاً على أهمية بناء ثقافة تمكين الموظفين ودور القادة في تعزيز هذه الفلسفة وتحقيق النجاح المستدام للمؤسسات.
ما المقصود بفلسفة التمكين الوظيفي؟
تخيَّل مؤسسة لا تكبِّل الموظفين بقيود روتينية، بل تطلق العنان لإبداعهم وتُشعل شغفهم، وتخيَّل بيئة عمل تساوي بين جميع الأفراد وتقدِّر مساهماتهم وتحفزهم على بذل قصارى جهدهم لتحقيق أهداف عظيمة لخدمة للمنظمة.
هذا هو جوهر فلسفة تمكينِ الموظفين، فهو نهج يثري ثقافةَ العمل ويعزِّز الإنتاجية تعزيزاً واضحاً وجلياً، فتمكين الموظفين ليس مجرَّد استراتيجية عابرة، بل هو ثقافة راسخةٌ تُغرس في قيم المؤسسة ومبادئها، فمن خلال تمكين الموظفين ومنحهم الثقة والمسؤولية لاتخاذ القرارات، تصبح المؤسسة أشبه بكيان واحد يتحرَّك بانسجام نحو تحقيق أهداف مشتركة.
وفقاً لمجلة هارفارد للأعمال (Harvard Business Review)، يتضمن تمكين الموظفين تزويدهم برؤية واضحة ومهارات وموارد كافية، إضافة إلى منحهم الصلاحية لاتخاذ القرارات ضمن مجالات مسؤولياتهم.
أما بالنسبة إلى موقع اتشيفرز (Achievers)، يمثل تمكين الموظفين فلسفة إدارية تركز على إشراك الموظفين في صنع القرارات ومنحهم السلطة للعمل باستقلال ضمن نطاق مسؤولياتهم، ويتناقض هذا النهج مع السيطرة الإدارية التي تحد من استقلالية الموظفين في اتخاذ القرارات.
تُعَدُّ فلسفة التمكين الوظيفي نهجاً استراتيجياً وفلسفة عمل تهدف إلى تعزيز وتمكين الموظفين في بيئة العمل، فتتمحور هذه الفلسفة حول توفير الدعم اللازم وتوجيه الموارد لتحفيز الموظفين، وهذا يشجعهم على الابتكار وتطوير مهاراتهم، ومن ثم المساهمة بفاعلية في تحقيق رؤية وأهداف المؤسسة.
وفقاً لمعجم ميريام ويبستر (Merriam-Webster)، مصطلح “التمكين” يعني بالأساس “أن يتمكن المرء من أن يصبح قوياً”، وينطوي بناء التمكين الشخصي على التفكير في قيمنا ومهاراتنا وأهدافنا والاستعداد لضبط سلوكنا من أجل تحقيقها، كما يعني أيضاً إدراك أنَّ للآخرين قيمهم وأهدافهم الخاصة بهم، والتي قد تكون مختلفة عن قيمنا.
بدلاً من تقييد الموظفين بقيود التبعية والتوجيهات الصارمة، دعونا نفكر بتمكينهم بصفتهم قادة يمسكون بزمام مهامهم، فكل موظف هو كنز مبهم يخفي بداخله موهبة إبداعية يمكن استثمارها لإثراء العمل وتحقيق نتائج استثنائية.
المبادئ الأساسية التي تعتمد عليها فلسفة التمكين الوظيفي:
وفقاً لمدونة ليف أباوت دوت كوم (Liveabout dotcom)، تعتمد فلسفة التمكين الوظيفي على عدة مبادئ أساسية، منها:
1. الشفافية:
توفير معلومات واضحة وشفافة عن الأهداف والتوجهات الاستراتيجية للمؤسسة، وكذلك توضيح دور كل موظف في تحقيق هذه الأهداف.
2. التواصل الفعَّال وتقديم التغذية الراجعة:
تشجيع التواصل المفتوح والمستمر بين القادة والموظفين، وتوفير الفرص للتعبير عن الآراء والمقترحات، وتقديم التغذية الراجعة حتى يتمكن الموظفون من معرفة نقاط قوتهم والجوانب التي عليهم أن يعملوا على تطويرها.
3. تطوير المهارات:
توفير فرص التدريب والتطوير المستمر للموظفين، وتشجيعهم على تطوير مهاراتهم وتعلم مهارات جديدة.
4. توفير المعلومات الكافية لاتخاذ القرار:
استكمالاً وتعزيزاً لمفهوم الشفافية، ينبغي التأكد من أنَّ كل موظف يمتلك المعلومات الأساسية التي يمكن أن تدخل في عملية اتخاذ القرار، فبذلك هو يملك مقومات اتخاذ قرار مناسب بناء على توفُّر المعلومات.
5. تجنُّب إلقاء اللوم على الموظفين:
من المبادئ الهامة في فلسفة التمكين الوظيفي هي أنَّه عند الوقوع مشكلة، يتجه القائد نحو التركيز على الاستراتيجية ومراجعة نقاط الضعف المرتبطة بتنفيذ العمل بدلاً من لوم الموظفين وانتقادهم.
6. توطيد ثقافة الثقة والاحترام:
يعتمد نجاح فلسفة التمكين الوظيفي على توطيد ثقافة الثقة والاحترام بين القادة والموظفين، فيجب أن تكون العلاقات ضمن المؤسسة مبنية على الشفافية والتواصل الفعَّال والاحترام المتبادل.
7. تحسين الأداء والإنتاجية:
يؤدي منح الموظفين السلطة والمسؤولية وتطوير مهاراتهم وتشجيعهم على المشاركة إلى تحسين الأداء العام للمؤسسة وزيادة الإنتاجية.
مع هذه الأسس، يمكن لفلسفة التمكين الوظيفي أن تسهم في إنشاء بيئة عمل إيجابية ومحفزة، تشجع الإبداع والابتكار وتحقق الرضى الوظيفي وتعزز أداء المؤسسة بشكل عام.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لتحسين الأداء الوظيفي والإنتاجية
أهمية التمكين الشخصي وكيفية تحقيقه:
في عالم يتطلب فيه النجاح مهارات وابتكاراً متزايدَين، يظهر التمكين الشخصي بوصفه أساساً لتحقيق النجاح على كل من المستويين الفردي والوظيفي، فالتمكين الشخصي هو ببساطة معرفة من أنت، وما هي قدراتك وإمكاناتك، ومن ثمَّ بذل قصارى جهدك للوصول إلى أقصى إمكاناتك وإدراك أنَّك كائن فريدٌ لا مثيل له.
يشمل التمكين الشخصي زيادة ثقة الفرد بنفسه، وهذا يمكِّنه من وضع أهداف واضحة وواقعية والسعي نحو تحقيقها، فكل فرد يمتلك نقاط قوة وضعف ومجموعة من المهارات التي يستخدمها في حياته اليومية، ومع ذلك، يبقى معظم الأشخاص غافلين عن قدراتهم وإمكاناتهم الحقيقية.
يمتلك الفرد الذي يسعى للتمكين الشخصي القدرة على التحكم في حياته من خلال اتخاذه للخيارات والقرارات الإيجابية وتحديده للأهداف.
خلاصة القول: إنَّ تطوير الوعي الشخصي وفهم نقاط قوتك ونقاط ضعفك – معرفة حدودك وسقف إمكاناتك – هي مفتاح التمكين الذاتي.
العلاقة بين التمكين الشخصي والتمكين الوظيفي:
يترابط التمكين الشخصي والوظيفي بشكل وثيق، فالشخص الذي يملك مهارات التمكين الشخصي يتمتع بقدرة أكبر على تحقيق النجاح في مجال عمله، ويمتاز القادة الذين يمتلكون مهارة التمكين بالصفات الآتية:
- المبادرة: التمتع بالقدرة على اتخاذ القرارات بشكل فعَّال دون الحاجة لتوجيه مستمر.
- المسؤولية: تحمل مسؤولية أفعالهم ونتائجها.
- الإبداع: تقديم أفكار جديدة وحلول مبتكرة للمشكلات.
- التعاون: العمل بفاعلية مع الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة.
- القدرة على التكيُّف: التكيُّف بسهولة مع التغييرات في بيئة العمل.
تسلط إحدى الدراسات الضوء على الترابط الوثيق بين التمكين الشخصي والتمكين الوظيفي، فالموظف الذي يتمتع بمستوى عالٍ من التمكين الشخصي عادةً ما يكون قادراً على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات بشكل مستقل، وهذا يساعده على تحقيق الأداء المتميز في عمله، فيؤدي التمكين الشخصي إلى تحفيز الموظف وزيادة مشاركته ومساهمته في تحقيق أهداف المؤسسة.
إضافة إلى ذلك، يعمل التمكين الوظيفي مكمِّلاً للتمكين الشخصي، فيوفر بيئة عمل تشجع على تنمية المهارات الشخصية وتقديم الدعم والموارد اللازمة للموظفين لتطوير مهاراتهم وتحقيق أقصى إمكاناتهم، فيعمل الارتباط القوي بين التمكين الشخصي والتمكين الوظيفي على تعزيز الأداء الفردي والجماعي، وتحقيق النجاح المستدام في المؤسسات.
تبنِّي فلسفة التمكين: الخطوة الأساسية نحو القيادة الفعَّالة
تميل المؤسسات إلى الاعتماد بشكل كبير على نوع مختلف وأقل فاعلية من محفزات الموظفين، فبدلاً من التركيز على منابع الدوافع والإبداع الداخلية لدى الموظفين، تميل هذه المؤسسات إلى الاعتماد بشكل أساسي على المحفزات الخارجية كمكافآت الأداء والترقيات والمنح المالية، وتتجلى هذه الممارسات بوضوح من خلال تبنِّي سياسات الدفع مقابل الأداء وتقييمات الأداء التقليدية والتصنيفات الوظيفية.
لكن أثبتت الدراسات أنَّ هذه المحفزات الخارجية تُصبح أقل فاعلية مع الوقت، وقد تُؤدي إلى نتائج مناقضة مثل:
- انخفاض الدافع.
- زيادة التوتر.
- ضعف الولاء.
- انخفاض الإنتاجية.
تعد فلسفة التمكين من أهم المفاهيم التي أصبح لها تأثير كبير في عالم الأعمال والقيادة في العصر الحديث، ففي عام 1995 أشارت دراسة أجرتها الأستاذة (Gretchen M. Spreitzer) بعنوان "تمكين الموظفين: كيف يؤدي إلى تحسين الأداء" (Empowering Employees: How It Leads to Increased Performance) إلى أنَّ تبنِّي هذه الفلسفة يمثل الخطوة الأساسية نحو بناء بيئة عمل فعَّالة وتحقيق أداء متميز في المؤسسات، فعندما يشعر الموظفون بالمسؤولية، يزدهرون ويتفوقون في أداء مهامهم، وهذا يعزز بدوره النجاح الشامل للمؤسسة.
تبدأ عملية تبنِّي فلسفة التمكين من القمة، فيجب أن تكون القيادة مؤتمنة على تحقيق تغييرات ثقافية وهيكلية في المؤسسة، ويجب أن تكون القيادة الفعَّالة قدوة في تبنِّي هذه الفلسفة، من خلال توفير الرؤية والتوجيه وإظهار الدعم للموظفين في رحلتهم نحو التمكين.
فوائد تبنِّي القادة لنهج التمكين الوظيفي:
"بينما نمضي قدماً، سيكون القادة الحقيقيون أولئك الذين يدعمون الآخرين ويساهمون في تطوير مهاراتهم". – بيل غيتس (Bill Gates)
فيما يأتي، نقدم لكم بعض فوائد تبني القادة لنهج التمكين الوظيفي:
1. تعزيز الإنتاجية والكفاءة:
يعزز تمكين الموظفين الإنتاجية في المؤسسات، إذ يحقق الموظفون الذين يتمتعون بمهارات التمكين الوظيفي أداءً أفضل من نظرائهم الذين يفتقدون لتلك المهارات، فقد أظهرت إحدى الدراسات أنَّ الشركات التي تعزز التمكين الوظيفي لدى موظفيها تتمتع بنسبة ربح أكثر بـ21% من الشركات التي تتبع أساليب تقليدية.
2. إطلاق العنان لقوة الابتكار:
يساهم التمكين الوظيفي في تعزيز قدرات الموظفين في البحث عن أفكار جديدة وحلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المؤسسة، وهذا بحدِّ ذاته مطلوب في المؤسسات، فهو سر التميُّز.
3. تحسين رضى العملاء:
يعزز التمكين الوظيفي قدرة الموظفين على تقديم خدمة استثنائية للعملاء، فيكونون أكثر استعداداً للتعامل مع مخاوف العملاء وتجاوز توقعاتهم لتلبية احتياجاتهم، ويمكن فهم ذلك في سياق فهمنا للتمكين نفسه، فالموظف لديه حرية تقديم ما هو أكثر من المعتاد بحكم الفرصة المتاحة لديه نتيجةً للتمكين الوظيفي.
4. خفض معدل دوران الموظفين:
يصبح الموظفون الذين يتمتعون بمهارات التمكين الوظيفي أكثر رضى عن وظائفهم وأقل انجذاباً للبحث عن فرص في أماكن أخرى، ويسهم هذا التوجه في تقليل تكاليف دوران الموظفين وتحقيق قوة عاملة أكثر استقراراً وكفاءة.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة لتخفيض معدل دوران العمالة في شركتك
دور القادة في إبراز قدرات الموظفين:
يؤدي القادة دوراً رئيساً في تمكين الموظفين، فيقدمون الإرشاد والتوجيه وفرص النمو، إضافة إلى ذلك، يمكنهم مساعدة الموظفين على مواءمة أهدافهم الشخصية مع أهداف المؤسسة، وهذا يساهم في تحسين أداء الموظفين وتعزيز قدراتها.
إليك بعض النصائح التي تساعد القادة على إلهام الموظفين:
1. حدد الرؤية والأهداف:
يُبنى سرُّ بناء بيئة عمل إيجابية على أساس متين من الرؤية والأهداف الواضحة التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها، ويتضمن ذلك مشاركة هذه الرؤية بفاعلية مع الموظفين وشرح دور كل فرد في مسيرة تحقيقها، بل وضع مؤشرات أداء لكل مساهم في هذه المؤسسة.
2. ابنِ الثقة والاحترام:
يشكل كلٌّ من الثقة والاحترام حجر الأساس لأي علاقة عمل ناجحة، إذ يتطلب ذلك من القادة إيماناً راسخاً بقدرات موظفيهم وتقديراً لآرائهم ومشاعرهم.
"تُعد الثقة ركيزة أساسية للتمكين، فلن يأخذ الأفراد زمام المبادرة في أعمالهم وحياتهم إذا لم يؤمنوا بقدراتهم". – الكاتب ورجل الأعمال الأمريكي كينيث هـ. بلانشارد ((Ken Blanchard
3. فوِّض السلطة والمسؤولية:
يُعدُّ تفويض السلطة والمسؤولية للموظفين خطوة ضرورية لتمكينهم من اتخاذ القرارات وحلِّ المشكلات بشكل مستقل، وهذا يُؤدي إلى تحسين الإنتاجية والابتكار والثقة وتطوير مهارات الموظفين.
"الانجرار نحو الإدارة التفصيلية (Micromanagement) هو أسرع طريق لفقدان مواهب فريقك وإبداعهم وقدرتهم على الابتكار". – الكاتب الأمريكي كيفن كروز (Kevin Kruse).
4. وفِّر التدريب والدعم:
يتطلب تأقلم الموظفين مع بيئة عمل مُمكنة توفير فرص تدريب وتطويراً ودعماً مستمراً، وتقع على عاتق القادة مسؤولية توفير برامج تدريب وتطوير مهني مُصممة لهذا الغرض، من خلال الإدارة المسؤولة عن التدريب.
5. شجِّع التواصل المفتوح:
يُعد التواصل المفتوح حجر الأساس لبناء بيئة عمل إيجابية، إذ يتعيَّن على القادة تهيئة بيئة عمل آمنة يشعر فيها الموظفون بالراحة لمشاركة أفكارهم وملاحظاتهم دون خوفٍ من التقييم أو الانتقاد.
تُشير دراسة ميدانية شملت 200 موظف من مختلف القطاعات إلى أنَّ 85% من الموظفين الذين يتلقون ملاحظات بناءة بانتظام يُظهرون رغبة أكبر في أخذ المبادرة مقارنةً بالموظفين الذين لا يتلقون ملاحظات، كما أظهرت الدراسة أنَّ الملاحظات البناءة التي تركز على نقاط القوة والتحسينات تُؤدِّي إلى زيادة رغبة الموظفين في أخذ المبادرة بشكل أكبر من الملاحظات التي تركز على الأخطاء فقط.
6. المكافآت:
إنَّ الاعتراف بمساهمات الموظفين وتقديرها هو حجر الأساس لإنشاء بيئة عمل إيجابية ومُحفِّزة، لِما له من تأثير إيجابي في الإنتاجية والتحفيز والولاء.
يُمكن للقادة إظهار التقدير والثناء للموظفين على إنجازاتهم بشكلٍ فعَّال من خلال:
- تقديم مكافآت مالية أو غير مالية، مثل شهادات التقدير أو منح إجازات مدفوعة.
- كتابة رسائل شكر تُعبِّر عن التقدير لإنجازات الموظف.
- منح فرص للتطوير المهني، مثل حضور المؤتمرات أو المشاركة في برامج التدريب.
وفقاً لدراسة أجريت عام 2021، فإنَّ 73% من الموظفين على استعداد للتفكير في ترك وظائفهم في حال حصولهم على عرض عمل مغرٍ، حتى لو لم يكونوا يبحثون عن وظيفة جديدة حالياً.
7. طرح الأسئلة:
يمكن للقادة من خلال طرح أسئلة مدروسة مساعدة الموظفين على اكتساب مهارات التفكير النقدي والفهم العميق وتوليد الأفكار الإبداعية، وتطوير هذه المهارات يمكِّن القادة من أن يصبحوا قادة ملهمين يساهمون في تحقيق أهداف المؤسسة ونموها.
ما هي فوائد تطبيق فلسفة التمكين الوظيفي في المؤسسات؟
1. تحسين الأداء والإنتاجية:
يسهم تبنِّي فلسفة التمكين الوظيفي في تحسين الأداء والإنتاجية في المؤسسات، وذلك عن طريق تمكين الموظفين ومنحهم الصلاحيات اللازمة لاتخاذ قرارات مناسبة ولو كانت في تلك اللحظة (on spot decision).
أظهرت دراسة حديثة أنَّ تمكين الموظفين يُساهم بشكل كبير في تحسين جودة الخدمات المقدمة ورفع كفاءة سير العمل.
2. تعزيز الرضى والالتزام:
يعزز تطبيق فلسفة التمكين الوظيفي رضى الموظفين والالتزام بأهداف المؤسسة، حيث يشعرون بأنَّهم جزء هام وفاعل في عملية صنع القرارات وتحقيق الأهداف.
يؤدي القادة دوراً محورياً في إنشاء بيئة عمل إيجابية تُحفِّز الموظفين على التفاعل والمشاركة، وهذا يُؤدِّي إلى زيادة مستوى الرضى والالتزام.
يقلل تبني فلسفة تمكين الموظفين من ظاهرة التغيب عن العمل، ففي الواقع، أظهرت دراسة أجرتها شركة جالوب (Gallup) أنَّ نسبة التغيب في المؤسسات التي تتبنى فلسفة التمكين الوظيفي انخفضت بنسبة 41%.
3. تحفيز الإبداع والابتكار:
يشجع تطبيق فلسفة التمكين الوظيفي على الإبداع والابتكار بين الموظفين، إذ يمنحهم الحرية والصلاحيات لتقديم أفكار جديدة واستكشاف حلول إبداعية والتعامل مع التحديات بروح قوية، فيؤدي القادة دوراً محورياً في تشجيع الموظفين على التفكير خارج الصندوق وتبادل الأفكار والخبرات لضمان التحسين المستمر في العمليات والمنتجات.
وفقاً لاستطلاع أجرته شركة ماكنزي وشركاؤها (McKinsey & Company)، فإنَّ 70% من الموظفين الذين يتمتعون بمهارات التمكين الوظيفي أفادوا بأنَّهم أكثر عرضة لتقديم أفكار جديدة وحلول مبتكرة.
4. خفض معدل دوران الموظفين:
يعزز تقدير جهود الموظفين وتطوير مهاراتهم الشخصية والعملية رضاهم الوظيفي ويجعلهم أقل عرضة للبحث عن فرص عمل جديدة، فتقلل الشركات من خلال تبني هذا النهج تكاليف دوران الموظفين وتحافظ على كفاءة القوى العاملة.
وفقاً لبحث أجري على أكثر من 600 شركة أمريكية لديها ما بين 50 و500 موظفاً، فإنَّ 63.3% من الشركات ترى أنَّ الاحتفاظ بالموظفين الحاليين أصعب من توظيف موظفين جدد.
5. تعزيز ثقافة المساءلة:
يُعدُّ التمكين نهجاً إدارياً يعزز شعور الفرد بالمسؤولية تجاه عمله؛ وذلك من خلال منحه الصلاحية لاتخاذ القرارات وتنفيذ المهام باستقلال، ويؤدي ذلك إلى زيادة شعور الموظف بالمسؤولية تجاه عمله، وهذا يحفزه على بذل قصارى جهده لتحقيق أفضل النتائج الممكنة، إضافة إلى ذلك، فإنَّه يقلل من روح الاتكالية والاعتماد على القيادة في تولي المسؤوليات وتقديم المبادرات.
6. تحسين خدمة العملاء:
يؤدي منح أعضاء الفريق هامشاً من الحرية لاتخاذ القرارات وتنفيذ مهامهم بطريقتهم الخاصة إلى تحسين قدرتهم على خدمة العملاء، فبدلاً من اتباع نهج صارم ومحدد يمكن للقادة تشجيع أفراد فريقهم على الارتجال والمناورة حسب الموقف، وهذا يظهر جلياً في موظفي خدمة العملاء المتمكنون من قبل إدارتهم، فهم قادرون على اتخاذ قرارات سريعة ومُرضية للعملاء دون الرجوع لقياداتهم واتباع سلسلة طويلة من الإجراءات المملة في كثير من الأحيان.
شاهد بالفيديو: 5 طرق لجذب العملاء عبر الهاتف
7. بناء علاقات مهنية مبنية على الود:
غالباً ما يميل القادة إلى الفصل بين حياتهم الشخصية والمهنية، فعلى الرغم من أهمية هذا النهج في الحفاظ على علاقات مهنية سليمة، إلا أنَّه لا ضرر في الانخراط ببعض الأحاديث الجانبية مع الموظفين، فيعد الجلوس مع الموظفين والاندماج في محادثات ودية معهم، سواء داخل مكتبك أم في غرفة الاستراحة أم حتى خارج بيئة العمل، حجر الأساس لبناء علاقة مهنية مبنية على الود والاحترام.
الحقيقة هي أنَّنا – بصفتنا قادة - لا نستطيع أن نفصل الأفراد عن حياتهم الشخصية بتطبيق سياسة صارمة، ولكن نستطيع أن نظهر تعاطفنا ونبرز اهتمامنا بظروفهم وتحديات الحياة التي يوجهونها حتى إن لم نستطع أن نعالجها مباشرة.
8. ممارسة التسامح والصفح:
يدرك القائد البارع أنَّ كلاً من التسامح والصفح يكمنان في قلب فلسفة التمكين الوظيفي، فيصبح الموظفون أكثر استعداداً لاتخاذ خطوات جريئة ومدروسة وتجربة أفكار جديدة عندما يدركون وجود هامش بسيط لحدوث بعض الأخطاء.
إنَّ السماح للموظفين بارتكاب الأخطاء ليس تعبيراً عن الضعف، بل هو علامة على القوة والثقة، خاصةً إذا كان للأخطاء تأثير كبير في المشروع، إضافة إلى ذلك، تساعد ممارسة التسامح على حلِّ النزاعات بشكل سريع وفعَّال وتقلل من التوتر وتحافظ على الإنتاجية.
من الهام ملاحظة أنَّ الصفح أو التغافل لا يعني التغاضي عن الأخطاء أو التسامح مع السلوكات السلبية، بل يجب أن يكون مصحوباً بالتعلم والنمو، وهذا يُؤدِّي إلى تحسين الأداء بشكل عام.
يقول الشاعر:
تَغافَل في الأُمُورِ ولا تُنَاقِش
فيَقطَعُكَ القَرِيبُ وَذُوْ المَوَدهْ
مُنَاقَشَة الفتى تجني عَلَيهِ
وَتُبْدِلُهُ مِنَ الرَاحَاتِ شِدهْ
9. تعزيز روح الفريق والتعاون:
يشجِّع التمكين الوظيفي الموظفين على العمل ضمن فريق منظَّم يهدف لتحقيق أهداف المؤسسة، كما يساعد على كسر الحواجز بين القادة والموظفين، ويعزز التواصل والمشاركة وتبادل الأفكار.
استراتيجيات ملهمة لتعزيز التمكين الوظيفي في المؤسسات:
فيما يأتي بعض الاستراتيجيات الملهمة لتعزيز التمكين الوظيفي في المؤسسات:
1. إنشاء بيئة عمل داعمة:
- توفير بيئة عمل آمنة ومريحة تعزز شعور الموظفين بالثقة والراحة.
- تشجيع التواصل المفتوح والصادق بين القادة والموظفين.
- إنشاء ثقافة تُقدِّر وتُكافئ الإنجازات والإبداع.
- توفير فرص للتطوير المهني والتعلم المستمر.
- تشجيع العمل الجماعي والتعاون بين الموظفين.
2. منح الموظفين الصلاحيات والمسؤوليات:
- منح الموظفين سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بعملهم.
- تشجيع المبادرة والمشاركة الفعالة من قبل الموظفين.
- إعطاء الموظفين الفرصة لتحمل مسؤولية قراراتهم.
- توفير الموارد اللازمة للموظفين لأداء مهامهم بفاعلية.
- إتاحة الفرصة للموظفين للمشاركة في وضع الأهداف وخطط العمل.
3. توفير فرص التعلم والتطوير:
- توفير برامج تدريبية منتظمة للموظفين تساهم في تنمية مهاراتهم وقدراتهم.
- تشجيع الموظفين على حضور المؤتمرات وورش العمل المتعلقة بمجالات عملهم.
- دعم الموظفين في إكمال دراساتهم العليا أو الحصول على شهادات مهنية.
- توفير فرص للتوجيه والإرشاد من قبل خبراء معتمدين.
- تشجيع المشاركة في برامج التبادل الثقافي والتعلم الدولي.
4. تقدير الجهود:
- إظهار التقدير للموظفين على إنجازاتهم وتفانيهم.
- تقديم مكافآت ومحفزات للموظفين المُتميزين.
- الاحتفال بإنجازات الفريق بشكل دوري.
- إعطاء الموظفين فرصة للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم.
- شكر وتقدير للموظفين على جهودهم بانتظام.
5. إنشاء بيئة عمل مرنة:
- توفير ساعات عمل مرنة للموظفين.
- السماح للموظفين بالعمل من المنزل أو عن بُعد في بعض الأحيان.
- توفير إجازات مدفوعة كافية للموظفين.
- توفير خطط دعم رعاية الأطفال والمسنين للموظفين.
- الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية للموظفين.
6. الاستماع إلى الموظفين وفهم احتياجاتهم:
- إجراء استطلاعات الرأي بشكل دوري لمعرفة آراء الموظفين.
- عقد اجتماعات فردية مع الموظفين لفهم احتياجاتهم.
- إنشاء صناديق اقتراحات لتلقي أفكار الموظفين.
- تشجيع الموظفين على التواصل مع الإدارة بحرية.
- معالجة شكاوى الموظفين بشكل سريع وفعَّال.
آراء بعض الخبراء في التمكين الوظيفي:
1. الدكتور ستيفن آر. كوفي ( Stephen R. Covey) (كاتب ومحاضر شهير في مجال القيادة):
أكد الدكتور ستيفن آر. كوفي على أهمية الثقة بوصفها عنصراً أساسياً في تمكين الموظفين، فقد رأى أنَّ القادة الفاعلين هم من يمنحون موظفيهم الثقة الكافية بتحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات، وهذا يعزِّز شعور الموظفين بالمسؤولية والالتزام تجاه عملهم والمؤسسة التي ينتمون إليها.
2. سيمون سينك (Simon Sinek) (خبير في مجال القيادة):
كثيراً ما يتحدث خبير القيادة سيمون سينك عن أهمية توفير "دائرة أمان" داخل المؤسسات، فيرى أنَّ الموظفين يميلون لأن يصبحوا أكثر عرضة لاتخاذ قرارات مدروسة وجريئة تصب في مصلحة المؤسسة عندما يشعرون بالأمان والتمكين.
3. برينيه براون (Brene Brown) (كاتبة وأستاذة باحثة في جامعة هيوستن):
تؤكد الباحثة والكاتبة برينيه براون على دور إظهار الضعف في تمكين الموظفين، فهي تؤمن أنَّ على القادة إنشاء بيئة عمل تتيح للموظفين التعبير عن آرائهم ومشاعرهم ومشاركة أفكارهم من دون الخوف من الحكم عليهم.
4. دانيال بينك (Danial Pink) (خبير في علم السلوك):
يُسلط خبير علم السلوك دانييل بينك الضوء على أهمية الاستقلالية في تمكين الموظفين، ويرى بينك أنَّ منح الموظفين السيطرة على عملهم، ومن ذلك كيفية تأديته ووقت إنجازه، يعزز بشكل كبير من كفاءتهم ورضاهم الوظيفي.
5. أيمي إدموندسون (Amy Edmonsdon) (أستاذة في جامعة هارفرد):
ابتكرت الأستاذة أيمي مصطلح "السلامة النفسية" (Psychological Safety) لوصف المناخ داخل الفرق حيث يشعر الأفراد بالأمان حيال اتخاذ قرارات جريئة والتعبير عن أنفسهم، وتؤمن بأنَّ السلامة النفسية ضرورية لتمكين الموظفين من الابتكار والتعاون بشكل فعال.
يتفق هؤلاء الخبراء بالإجماع على أنَّ تمكين الموظفين يمثل ركيزة أساسية لإنشاء بيئة عمل تتميز بالثقة والتعاون والابتكار، فيمكن للمؤسسات تحقيق أهدافها المرجوة وإطلاق قدراتها الكلية من خلال منح الموظفين الاستقلالية والدعم والتشجيع المطلوب لتحقيق نتائج استثنائية.
نجاحات موظفيك هي نجاحاتك الخاصة:
يُدرك القادة العظماء أهمية تمكين موظفيهم ودعمهم ليحققوا إمكاناتهم الكاملة، فإنَّ نجاحات موظفيك هي نجاحاتك الخاصة، فهي تُثبت كفاءتك بصفتك قائداً وقدرتك على إنشاء بيئة عمل إيجابية ومحفزة.
لا يُهمل القادة العظماء إمكانات موظفيهم أو طموحاتهم، بل يحرصون على تنميتها، ويتطلب ذلك بذل الجهد للتعرف إلى موظفيهم وتمكينهم، لكن مع العقلية والأدوات الصحيحة، يمكن لهؤلاء الموظفين تحقيق أقصى إمكاناتهم والشعور بالثقة في رحلتهم للتعلم والتحول إلى أعضاء أكثر إنتاجية وإبداعاً في فريق المؤسسة، فعندما ينجح الموظفون في أداء مهامهم وتحقيق أهدافهم، ينعكس ذلك إيجاباً على أداء المؤسسة ككل ويُساهم في تحقيق مزيد من الأرباح والنمو.
على سبيل المثال، لنلق نظرة على تجربة شركة اتش سي إل تكنولوجيز Hcl Technologies لإنشاء القيمة من خلال تمكين الموظفين.
أجرى البروفيسور شارل هنري بيسيير دي هورت (Charles-Henri Besseyre des Horts)، أستاذ في المدرسة العليا للتجارة، (Hec Paris) دراسة حالة عن شركة HCL Technologies الهندية لتكنولوجيا المعلومات، والتي ابتكر رئيسها التنفيذي السابق، فينيت نايار (Vineet Nayar)، فلسفة "الموظفون أولاً، العملاء ثانياً".
تسلط (EFCS) دراسة الحالة هذه الضوء على مسيرة تحول الشركة من نهج (EFCS) إلى "ريادة الأفكار" (Thought Leadership)، وتؤكد على أهمية دور الموظفين المحوري في تحقيق نجاحات استثنائية للشركة.
واجهت شركة HCL Technologies بيئة تنافسية شديدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات خلال الأزمة الاقتصادية العالمية (2008-2009)، وكانت بحاجة إلى إيجاد طريقة لتتميَّز وتتفوَّق على منافسيها.
طبقت الشركة نظام قيم يركز على "الموظفين أولاً"، وهذا رسَّخ ثقافة تمكين الموظفين، ومنح هذا النهج الموظفين الشعور بالمسؤولية وحرية اتخاذ القرارات، كما تبنَّت الشركة مفهوم "ريادة الأفكار" وشجعت الموظفين على تبني مهارات مبتكرة تساهم في حل المشكلات.
نتائج اتباع نهج الموظفين أولاً:
1. تعزيز الابتكار:
شعر الموظفون بالقدرة على طرح أفكار جديدة والمضي قدماً بها، وهذا أدى إلى تعزيز روح الابتكار وجعل الشركة أكثر قدرة على المنافسة.
2. تحقيق أداء أفضل:
تمكنت شركة HCL من تحقيق أداء أفضل وتفوق على منافسيها خلال الركود الاقتصادي.
3. تحسين خدمة العملاء:
أدى تمكين الموظفين في الخطوط الأمامية إلى تحسين خدمة العملاء من خلال تفويضهم لاتخاذ قرارات تلبي احتياجات الزبائن بشكل أفضل.
4. رفع معنويات الموظفين:
ساهم تمكين الموظفين أيضاً في تحسين معنويات الموظفين وزيادة ولائهم للشركة، وهذا أدى إلى استقرار أكبر في القوى العاملة.
تمكين الموظفين من خلال تطبيق مفهوم التحسين المستمر كايزن (Kaizen):
يُعبِّر مصطلح "كايزن" (Kaizen) ذو الأصول اليابانية عن مفهوم "التغيير نحو الأفضل"، وتُشير فلسفة "كايزن" إلى منهجية التحسين المستمر والتدريجي في إنجاز المهام، وتهدف هذه الفلسفة إلى تحقيق تحسينات مستمرة لعمليات الإنتاج في مجال الأعمال التجارية.
أما من وجهة نظر موقع انفستوبيديا (Investopedia)، يشير مفهوم "كايزن" إلى التغيير التنظيمي، أي انتقال المنظمة من حالة إلى أخرى، ويمثل هذا التغيير عنصراً أساسياً للبقاء في الطليعة واستثمار الفرص.
قد يتخذ التغيير أشكالاً متنوعة، من التخطيط والعمل المكثفَين على مدار شهور إلى التقدم التدريجي المستمر، ففي كثير من الأحيان، يُعد التقدم المستمر، مهما كان بطيئاً، جزءاً رئيساً من التغيير الناجح.
فوائد توظيف مفهوم "كايزن" في المؤسسات:
1. تحسين الكفاءة والإنتاجية:
تدعم معظم الدراسات التأثير الإيجابي لمفهوم كايزن في الكفاءة والإنتاجية، على سبيل المثال، أظهرت دراسة نُشرت في مجلة تقييم الممارسة السريرية (Journal of Evaluation for Clinical Practice) من قِبل واتسون وآخرون (2014) تحسناً ملحوظاً بعد تطبيق مفهوم كايزن، فتم خفض نسبة الهدر بنسبة 20% وتقليص زمن التنفيذ بنسبة 15% في إحدى المؤسسات الصحية.
2. تعزيز الابتكار:
يغرس مفهوم كايزن ثقافة يسعى فيها الموظفون باستمرار إلى إيجاد طرائق للابتكار وتحسين العمل، وقد أظهرت دراسة أجراها سهال وجابيس (2003)، ونُشرت في المجلة الدولية لإدارة العمليات والإنتاج (International Journal of Operations & Production Management)، وجود علاقة إيجابية بين تطبيق مفهوم كايزن وارتفاع معدلات الابتكار في المؤسسات.
3. تحفيز الموظفين:
يُرسِّخ مفهوم كايزن انتماء الموظفين من خلال إشراكهم في مبادرات التحسين، وهذا يُعزز شعورهم بالمسؤولية والإيجابية تجاه العمل، فأشارت دراسة أجراها وورلي ونيشوف (2010) ونُشرت في مجلة تنمية الإدارة (the Journal of Management Development) إلى أنَّ تطبيق مفهوم كايزن أدى إلى تحسن ملحوظ في معنويات الموظفين ورضاهم الوظيفي.
أما في عام 2012، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal) مقالاً تحدثت فيه عن جهود شركة بوينج (Boeing) لتحسين عملياتها التشغيلية من خلال تبني مفهوم كايزن.
واجهت شركة بوينج، وهي شركة رائدة في مجال صناعة الطائرات، تحديات كبيرة بسبب انعدام الكفاءة وارتفاع تكاليف الإنتاج، وكانت بحاجة إلى رفع مستوى أداء عملياتها التشغيلية إلى أكثر من 70%.
لمعالجة هذه المشكلة، سعت الشركة إلى تحفيز الموظفين لإيجاد طرائق تساهم في رفع الكفاءة مع مراعاة الميزانية منخفضة آن ذاك.
صمم السيد دورمان، وهو موظف في الشركة، أغطية قماشية تساهم في تقليل تآكل الإطارات نتيجة الاحتكاك، فيوفر هذا الابتكار للشركة حوالي 250,000 دولاراً أمريكياً سنوياً من تكاليف استبدال الإطارات والأيدي العاملة، ويؤكد على النتائج الإيجابية لتمكين الموظفين في تحقيق التطور الدائم، كما سلَّط المقال الضوء على العلاقة بين تطبيق مفهوم كايزن في شركة بوينج وزيادة إنتاجيتها وانخفاض تكاليفها التشغيلية كل عام بشكل ملحوظ.
الجدير بالذكر أنَّ تبني الشركة لمفهوم كايزن يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، فيعكس تفوق الشركة في مجال صناعة الطائرات الأثر العميق لمفهوم كايزن في تمكين الموظفين وزيادة الإنتاجية.
قد يكون تطبيق مفهوم "كايزن" طريقة سهلة للتعامل مع المشكلات في مؤسستك، ولكنَّه يتطلب بالفعل التزاماً طويل الأمد بسلسلة من الجهود والتحسينات، ويمكن تنفيذ بعض من هذه الممارسات في غضون ساعات، بينما قد يستغرق بعضها الآخر سنوات، لذا تذكر دائماً، مهما كانت جهودك المبذولة صغيرة إلا أنَّها ستُثمر عن تغييرات إيجابية في نهاية المطاف.
الجدير بالذكر أنَّ وفقاً لدراسة معهد تحسين العمليات التشغيلية في عام 2023، شهدت المؤسسات التي طبقت مفهوم "كايزن" لمدة عام على الأقل متوسط زيادة في الإنتاجية بنسبة 18٪.
يؤدي تبنِّي القادة لمفهوم "كايزن" بذكاء إلى إنشاء بيئة عمل مُحفِّزة تُساهم في إطلاق العنان لإمكانات موظفيك وتحقيق نتائج استثنائية على الأمد الطويل.
قصص نجاح: كيف استفادت جوجل من استثمار 20% من وقت الموظفين في التطوير الشخصي؟
تُعد شركة جوجل إحدى أبرز الشركات التي تُظهر اهتماماً كبيراً بتطوير موظفيها وتحفيزهم على الابتكار والتفكير الإبداعي، ومن أبرز السياسات التي نفذتها جوجل لتحقيق هذا الهدف هي السماح لموظفيها بالعمل على مشاريع شخصية لمدة تصل إلى 20% من وقت العمل الرسمي، ولاحقاً، حصدت هذه السياسة المبتكرة كثيراً من الفوائد لكل من الشركة والموظفين على حدٍّ سواء.
لنلقِ نظرة عميقة على كيفية استفادة جوجل من هذا الاستثمار في التطوير الشخصي:
ما هو برنامج 20%؟
في عام 2004، أطلقت شركة جوجل برنامج 20%، وهو مبادرة تُتيح للموظفين قضاء 20% من وقتهم في العمل على مشاريع شخصية.
أهداف برنامج 20%:
1. تشجيع الإبداع والابتكار:
توفير فرصة للموظفين لاستكشاف أفكار جديدة وتجربة أشياء مختلفة.
2. تحفيز الموظفين:
منح الموظفين شعوراً أكبر بالاستقلالية والمسؤولية وتحفيزهم على العمل بشغف وإبداع.
3. اكتشاف مهارات جديدة:
مساعدة الموظفين على اكتشاف مواهب جديدة وتطوير مهاراتهم.
4. تحسين أداء الشركة:
ساهمت المشاريع الشخصية في تحسين أداء الشركة من خلال تقديم أفكار جديدة أو حلول مبتكرة لمشكلات موجودة.
كيف استفادت جوجل من برنامج 20%؟
حقق برنامج 20% نجاحاً كبيراً في شركة جوجل، وساهم في تحقيق العديد من الفوائد للشركة، منها:
1. ظهور العديد من المنتجات والخدمات الناجحة:
طُوِّرَت العديد من المنتجات والخدمات الناجحة في جوجل، مثل نظام التشغيل أندرويد ومتصفح كروم، من خلال برنامج 20%.
2. تحفيز الموظفين وتحسين الرضى عن العمل:
ساعد البرنامج على تحفيز الموظفين وتحسين شعورهم بالرضى عن العمل، وهذا قلل من معدلات دوران الموظفين.
3. تحسين بيئة العمل:
ساهم البرنامج في إنشاء بيئة عمل أكثر إبداعاً وتعاوناً، فشارك الموظفون أفكارهم وخبراتهم مع بعضهم بعضاً.
دور الذكاء الاصطناعي في تمكين الموظفين وتعزيز أدائهم:
يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تمكين الموظفين وتعزيز أدائهم، فأضحى الذكاء الاصطناعي أداة هامة في مجال الأعمال، وتمكين الموظفين من استثمارها والاستفادة منها هو بحد ذاته تمكين من نوع آخر وارتقاء في بيئة العمل.
يمكن للقادة توفير الأدوات الآتية لموظفيهم:
1. أتمتة المهام المتكررة:
يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من المهام المتكررة التي يقوم بها الموظفون، وهذا يُوفر لهم الوقت للتركيز على المهام الأكثر أهمية وإبداعاً.
مثال: ميمسورس (Memsource)
2. تحسين كفاءة العمليات:
يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة العمليات من خلال تحليل البيانات وتقديم توصيات لتحسين سير العمل.
مثال: كوفيشينت (Coefficient)
3. تقديم الدعم والمعلومات للموظفين:
يوفر الذكاء الاصطناعي الدعم والمعلومات للموظفين من خلال المساعدين الافتراضيين وروبوتات الدردشة، وهذا يُساعدهم على إنجاز مهامهم بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
مثال: مايكروسوفت كوبايلوت (Microsoft Copilot)
4. تخصيص تجربة التعلم:
يساعد الذكاء الاصطناعي على تخصيص تجربة التعلم للموظفين من خلال تحليل احتياجاتهم وتقديم محتوى تعليمي مُناسب لهم.
مثال: تشات جي بي تي (ChatGPT)
5. تعزيز التواصل والتعاون:
يعزز الذكاء الاصطناعي التواصل والتعاون بين الموظفين من خلال أدوات التواصل التعاوني ومنصات مشاركة الملفات.
مثال: جوجل درايف (Google Drive).
6. تحسين مهارات الموظفين:
يطور الذكاء الاصطناعي مهارات الموظفين من خلال توفير فرص التعلم والتدريب المُخصصة.
مثال: كورسيرا (Coursera)
7. تعزيز الإبداع والابتكار:
يعزز الذكاء الاصطناعي الإبداع والابتكار من خلال مساعدة الموظفين على استكشاف أفكار جديدة وحل المشكلات بطرائق مبتكرة.
مثال: كانفا (Canva)
يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تمكين الموظفين وتعزيز أدائهم ويساهم في تحسين فاعلية العمل وتحقيق النجاحات المستدامة في الأعمال التجارية.
في الختام:
في ختام رحلتنا عبر مفاهيم التمكين الوظيفي وفوائده، نؤكد على أهميته بوصفه عاملاً حاسماً في تحقيق النجاح والريادة للمؤسسات، فعندما يشعر الموظفون بالتمكين، يصبحون أكثر إبداعاً وإنتاجية ومسؤولية وانتماءً لمكان عملهم.
يساهم ذلك في تحسين جودة العمل وزيادة الإنتاجية وخفض التكاليف وتعزيز الابتكار وتحقيق أهداف المؤسسة بشكل عام، ولذلك، على القادة أن يتبنَّوا فلسفة التمكين بوصفها نهجاً أساسياً في قيادتهم، وأن يُوفِّروا للموظفين البيئة والأدوات والدعم اللازم لتحقيق إمكاناتهم الكاملة.
تذكَّر: نجاحات موظفيك هي نجاحاتك الخاصة.
فاستثمر في تمكينهم، وسوف تحصد ثمار ريادتك ونجاحك على الأمد الطويل.
أضف تعليقاً