أراد الدكتور كاري ستيفانسون (Dr. Kari Stefansson) الإجابة عن هذا السؤال؛ حيث كان يدير قسم الأعصاب بجامعة هارفارد (Harvard) قبل أن يعود إلى "آيسلندا" لدراسة الخصائص الوراثية لشعبه، والمثير للاهتمام في "آيسلندا" هو أنَّ الهجرة إليها شبه معدومة، فكل شخص هناك ينحدر من المجموعة نفسها من الأشخاص الذين وصلوا إلى الجزيرة منذ 1100 عام، وما يجعل الأمر غريباً، هو أنَّ جينات الآيسلنديين اليوم لا تشبه جينات أسلافهم على الإطلاق، يقول "ستيفانسون": "وجدنا أنَّ الحمض النووي لمستوطني "آيسلندا" القدامى أقرب إلى الحمض النووي للنرويجيين والقِلْط اليوم مما هو عليه للحمض النووي للآيسلنديين اليوم"، فما الذي غيَّر ذلك الشعب تماماً إذاً؟ يعتقد "ستيفانسون" أنَّ لديه الجواب.
يُعَدُّ العيش في "آيسلندا" صعباً؛ إذ كان الطعام نادراً خلال معظم تلك السنوات الألف التي عاشها هؤلاء الأشخاص في "آيسلندا"، ويستمر الشتاء تسعة أشهر، وأحياناً لا يرون ضوء الشمس إلا لأربع ساعات فقط، ويهطل المطر أو الثلج 213 يوماً في السنة، فكانت الحياة في تلك الجزيرة صعبةً للغاية لدرجة أنَّه لم يكن هناك نمو سكاني لقرون عدَّة.
وهذا هو سرهم الذي جعل الرجال الآيسلنديين هم الأطول عمراً على هذا الكوكب، فالانزعاج هو السر الذي غيَّر حمضهم النووي بشكل لا يمكن تمييزه، يقول "ستيفانسون": "هذه الصخور الرطبة في شمال المحيط الأطلسي كانت تعاقبنا بلا هوادة على مدى 1100 عام مضى".
كل هذا العيش الشاق هو ما جعلهم أقوى؛ مما أدى إلى تغيير حمضهم النووي بشكل لا يمكن تمييزه، لذلك فنحن جميعاً بحاجة إلى مزيد من الانزعاج في حياتنا، وإلى السعي إلى جعل حياتنا أكثر صعوبةً.
بعد عام من الجائحة والحجر، لا يريد أيٌّ منا المزيد من التحديات، فقد نلنا كفايتنا، ولكن هناك جزء صغير منك يعرف أنَّ هناك بعض الحقيقة هنا، وأنَّنا ننمو ونتحسن عندما نخرج من مناطق الراحة، فلحظات الحياة التي جعلَتنا أفضل، والتي جعلَتنا نزهو فخراً عندما نفكر فيها، من الإنجازات المهنية إلى التعليم إلى تربية الأطفال، لم تكن سهلةً.
لذا سوف نتحدث عن أنَّ القليل من الانزعاج - المدروس - يمكن أن يكون شيئاً نحتاج إليه لعيش حياة أفضل، وسوف نحصل على بعض المساعدة من شخص خاض التحديات المزعجة وتعلَّم بعض الدروس القيِّمة وهو الكاتب مايكل إيستر (Michael Easter) مؤلف الكتاب الرائع الجديد "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis).
هل أنت على مُستعدٌّ للتحدي؟ فيما يلي 4 خطواتٍ تساعدك على النجاح حينما تزداد قسوة الحياة:
1. التخلص من المشكلات السخيفة:
كانت الأيام الماضية فيها الكثير من الأشياء السيئة؛ إذ لم يكن لدى ملوك وملكات العصور القديمة 10% من الراحة المتوفرة الآن؛ حيث لم نَعُد نعاني سوء أحوال الطقس إلا في الطريق من المنزل المُكيَّف إلى السيارة المُكيَّفة إلى المكتب المُكيَّف، وأصبح الطعام اللذيذ وفيراً ولا يتعين عليك اصطياده بالقوس والنشاب، وليس لديك أدنى فكرة عن مستويات الانزعاج التي عانى منها أسلافنا.
سوف يرد بعضهم: "ولكن أليس هذا شيئاً جيداً؟ من الطبيعي أن نرغب في التخلص من كل ما يزعجنا، هذا هو هدف الحياة"، فهذه إجابة خاطئة، ليس لأنَّني أؤمن بأهمية قوة البدن وامتلاك عضلات مفتولة؛ بل المشكلة هي أنَّ أدمغتنا لا تعمل بهذه الطريقة، فإذا كنتَ تعتقد أنَّنا سنصل إلى مرحلة يكفي فيها نيل قسطٍ وافٍ من الراحة، فربما تعتقد أنَّ "الاختباء" سيحميك من هجوم نووي.
لنتحدث عن الدماغ، فقد عرض ديفيد ليفاري (David Levari)، عالم النفس بجامعة هارفارد (Harvard)، مئات الصور التي تُظهر وجوهاً على الناس، وكان عليهم تصنيف الوجوه إما أنَّها تشكل تهديداً أو لا تشكل تهديداً، ولكن هناك حيلة هنا؛ وذلك لأنَّ هذه دراسة في علم النفس، وفي دراسات علم النفس هناك دائماً حيلة ما، فعندما رأى الناس المزيد والمزيد من الوجوه، غيَّر "ليفاري" نسبة الوجوه المخيفة، وقلل تدريجياً الوجوه الخطيرة، وخمِّنوا ماذا حدث؟
غيَّرَت أدمغة الناس القواعد، وبينما رأوا عدداً أقل من الوجوه الخطيرة، فقد انخفض سقف المعايير التي يحددون على أساسها شكل الوجه الخطير، وأصبحَت نظرة الحياد تُعَدُّ "مهدَّدةً"، وتكرَّر هذا التأثير في دراسات لاحقة.
إنَّه دليل علمي على أنَّ المشكلات التي تُعَدُّ جوهريةً بالنسبة إلينا قد تكون تافهةً بالنسبة إلى غيرنا، وكما يقول الكاتب مايكل إيستر (Michael Easter): "إنَّ انخفاض عدد المشكلات لا يؤدي إلى المزيد من الرضا؛ بل إلى خفض عتبة ما يُعَدُّ مشكلةً، ولهذا السبب عندما ذكرنا أنَّ حياتك أفضل من حياة ملوك وملكات العصور القديمة، لم تُصدِّقنا".
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتحدث عن الأمر: "عندما نجرِّب أمراً جدياً يمنحنا راحةً جديدةً، فإنَّنا نتكيف معه وتصبح وسائل الراحة القديمة لدينا غير مقبولة، فالمريح اليوم مزعجٌ غداً؛ حيث يؤدي هذا إلى نشوء مستوىً جديدٍ لما يُعَدُّ مريحاً".
السعي إلى تجنب الانزعاج والعيش في نعيمٍ دائم لن ينتهي أبداً؛ وذلك لأنَّ عقلك لن يسمح بذلك، إنَّه ماراثون لا نهاية له حيث يكون خط النهاية دائماً على بُعْدد ميل واحد، وكما قال الشاعر الأمريكي راندال جاريل (Randall Jarrell) ذات مرة: "الناس الذين يعيشون في العصر الذهبي يشتكون من أنَّ كل شيء أصفر اللون".
نعم، هذا محبط للغاية ولكن لدينا حل، وهو تلك الكلمة القبيحة "الانزعاج"، فبدلاً من تجنُّب الانزعاج كله، نحتاج إلى السعي إلى تحدي أنفسنا وتوسيع نطاق أنفسنا لتذكير أدمغتنا بأنَّ الصعوبات الحالية ليست كلها بهذا السوء.
الحياة ليست دائماً سهلة، فثمَّة التزاماتٌ يجب علينا الوفاء بها، ولا وجود لشخصياتٍ خيالية تقدِّم لنا الحلوى والهدايا، فنحن بحاجة إلى دفع أنفسنا قدماً بطريقةٍ أو بأخرى.
شاهد بالفديو: 7 نصائح من الخبراء لحياة مثالية خالية من المشاكل
2. الشعور بالملل:
نحن نمضي 2.5 ساعة في المتوسط في اليوم على هواتفنا، ولنفترض أنَّك ستعيش 40 عاماً أخرى؛ أي إنَّك ستمضي 4.2 عاماً على هاتفك، نعم، ستقضي أكثر من 10% من بقية حياتك على هاتفك، وسيسبب لك هذا ندماً كبيراً على فراش الموت.
لماذا نقوم بهذا إذاً؟ لأنَّنا لا نريد أن نشعر بالملل أبداً، وتبدو كآبة الحياة الموجودة على التطبيقات أفضل بكثير من مجرد لحظة ملل.
ولكن ما هو الملل؟ يقول جيمس دانكرت (James Danckert)، عالم الأعصاب بجامعة واترلو (University of Waterloo): إنَّ الملل حالة تحفيزية وكأنَّ عقلك يصرخ: "افعل شيئاً، وحقِّق تلك الأهداف"؛ حيث تُظهِر الدراسات التي تعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي أنَّ الملل يجعلك في الواقع أكثر إبداعاً، فيتلهف عقلك لحل المشكلات وإنجاز الأهداف.
يؤدي الملل إلى الإبداع الذي يؤدي بدوره إلى النجاح في الحياة، حتى أنَّه يتفوق على معدل الذكاء في هذا.
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتحدث عن الملل: "الأطفال الذين توصَّلوا إلى أفكار أكثر وأفضل في الاختبار الأولي هم الذين أصبحوا أكثر البالغين إنجازاً، وأصبحوا مخترعين، ومعماريين ناجحين، ورؤساء تنفيذيين، ورؤساء جامعات، ومؤلفين، ودبلوماسيين، وما إلى ذلك، وفي الواقع، يتفوق اختبار تورانس (Torrance) - وهو اختبارٌ يقيس درجة الإبداع - على اختبار الذكاء؛ حيث وجدَت دراسةٌ حديثة أُجرِيَت على الأطفال في دراسة "تورانس" أنَّ الإبداع كان مؤشراً أفضل بثلاثة أضعاف على الكثير من إنجازات الطلاب مقارنةً بنتائج معدل الذكاء لديهم".
إنَّ أدمغتنا مُتعطشة للإبداع وإنجاز الأشياء، لكنَّنا نخنقها لمدة 2.5 ساعة في اليوم باستخدام الملهيات المخصصة للبالغين المعروفة باسم الهواتف الذكية.
هل تريد أن تكون أكثر إنتاجيةً وإبداعاً ونجاحاً؟ دع نفسك تشعر بالملل قليلاً، ودع الملل يكبر حتى يحفزك لإنجاز شيءٍ ما.
وبعد ذلك، بدلاً من إهدار وقتك على هاتفك، استثمِره في شيء هام، وإذا لم يكن هذا المقال مملاً بالنسبة إليك، فنحن سعيدين بهذا، ولكن إذا كان مملاً، فقد يُحوِّلك إلى آلة إبداعية محفزة، وفي كلتا الحالتين فقد حقَّقنا نجاحاً، وكلانا يعرف أنَّ هذا هو الهدف الهام هنا.
لذلك عليك أن تدع نفسك تشعر بالملل قليلاً، فلا يمكن أن تصبح الأمور أسوأ من هذا، أليس كذلك؟ بالطبع، يمكن أن يحدث هذا إن قلنا لك حاول تجربة الانزعاج المطلق.
3. التفكير في الموت:
الموت نهاية حتمية لكل كائن حي، فلا مفرَّ لأحد من هذه الحقيقة، مهما بدت الفكرة غريبةً عنا، وحاولنا تجنب التفكير فيها.
من المنطقي تجاهل الموت بالتأكيد، فلا أحد يريد الذهاب في إجازة يفكر فيها باستمرار بحقيقة أنَّها ستنتهي قريباً، ولكن تعلَّمنا من علم النفس أنَّ أدمغتنا لا تعمل دائماً بالطريقة التي نعتقد أنَّها تعمل بها.
دفع الباحثون في "جامعة كنتاكي" (University of Kentucky) الناس إلى التفكير في الموت وكانت النتيجة أنَّهم أصبحوا أكثر سعادةً.
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتحدث عن هذا الأمر:
"خَلُص العلماء إلى أنَّ الموت حقيقة تهدد الصحة النفسية، ولكن عندما يفكر الناس فيه، يبدو أنَّ النظام اللاإرادي في أدمغتنا يبدأ بالبحث عن الأفكار السعيدة".
قد لا يبدو هذا الكلام منطقياً، ولكن إذا كان انتهاء إجازتك يقلقك، فلن تحظى بوقت طيب، لكنَّ التفكير في المغادرة في غضون أسبوع يمكن أن يجعلك تقدِّر رحلتك أكثر؛ وذلك لأنَّك لن تخدع نفسك في التفكير أنَّه سيظلُّ مستمراً إلى الأبد؛ بل سوف تستمتع بكل لحظة تقضيها، وتتخذ خيارات أفضل بشأن ما يجب أن تفعله في أسبوعك؛ وذلك لأنَّك لا تريد أن تضيعه، فركِّز على ما هو هام واعترِف بأنَّ الوقت محدود، كي تتمكن من تحقيق أقصى استفادة منه، وبالمثل، التفكير في النهاية يجعلنا نقدِّر الأشخاص من حولنا أكثر.
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتناول هذه الفكرة:
"اكتشفَت دراسةٌ في مجلة "علم النفس" (Psychological Science) أنَّ الأشخاص الذين فكروا في موتهم زاد احتمال إبدائهم الاهتمام بالأشخاص من حولهم؛ حيث فعلوا أموراً مثل التبرع بمالهم ووقتهم ودمائهم لبنوك الدم"، وقد فعلوا كل هذا بسبب الامتنان.
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتحدث:
"كتب العلماء أنَّه عندما يفكر الناس في الموت، يدركون ما لن يحصلوا عليه ويصبحون أكثر امتناناً للحياة التي يعيشونها الآن".
في عام 2020، اندلعَت جائحة كوفيد-19 كصفعة أيقظَتنا على حقيقة الموت، فلم يكن ذلك ممتعاً، ولكن من ناحية أخرى، أصبحنا نقدِّر كل ما يتعلق بالحياة أكثر بعد أن خضنا تجربة الإغلاق العام، ونقدِّر قيمة تلك الأمور التي كنا نَعُدُّها أمراً مفروغاً منه، كرؤية الأصدقاء، ومغادرة المنزل وعدم الاضطرار إلى المباعدة الاجتماعية أو الهروب عندما نرى الغرباء يقتربون منا.
ففي نهاية المطاف، لا أحد منا يرغب بأن ينقضي عمره دون أن يُدرك أين مضت سنواته، ولِمَ لم يفعل كل تلك الأمور التي أراد القيام بها؛ حيث نقضي الكثير من الوقت في انتظار الحياة بدلاً من العيش، ويمكن أن يدفعنا الانزعاج الذي يصاحب التفكير في الموت إلى أن نعيش عيشاً أفضل، وذلك لتحقيق أقصى استفادة من الحياة.
حان الوقت لتجنب الشعور بعدم الراحة وسؤال أنفسنا: "ما الذي يمكننا القيام به مسبقاً حيال ذلك؟ وما هي الطريقة السحرية للتخلص من المشكلات البسيطة التي تشغل فكرنا؟".
تكمن الإجابة في الشعور بمزيدٍ من عدم الراحة في حياتنا، ولكنَّ الفرق هو أنَّك تستطيع اختيار نوع الشعور هذا، وإضفاء بعض المتعة إليه.
4. الاندفاع إلى القيام بأمور صعبة:
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتحدث عن هذه الفكرة:
"إنَّ الاندفاع إلى القيام بأمور صعبة هو تحدٍ عاطفي وروحي ونفسي يتنكر في شكل تحدٍ جسدي".
يفعل بعض الناس أشياء تبدو جنونيةً مثل الجري في سباقات الماراثون، إلا أنَّ الاندفاع إلى القيام بأمور صعبة يتحدى ذاتك لاختبار قوَّتك وتوسيع مدارك ما كنتَ تعتقد أنَّك قادر على القيام به.
في عالمنا اليوم، نعتقد أنَّنا لا يجب أن نشعر أبداً بأيَّة حالة من انعدام الراحة، إلا أنَّ الحياة أصبحَت كلعبة نهرب فيها من الانزعاج طوال الوقت، ولكنَّ عقلك لن يسمح لك بالفوز بهذه اللعبة، وأفضل مثال على هذا هو الأبوة المفرطة (Helicopter parenting)، فعلى الرغم من أنَّ الأطفال أصبحوا الآن أكثر أماناً مما كانوا عليه في أي وقت مضى، ولكنَّ هذا أدى إلى قلق الآباء بشأن أمور بسيطة أكثر من ذي قبل، وبالنتيجة ازداد عدد الأطفال الذين يعانون من القلق والاكتئاب أكثر من أي وقت مضى.
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتحدث عن هذه الفكرة:
"يُعتقَد إلى حد كبير أنَّ منع الأطفال من استكشاف محيطهم هو سبب الارتفاع غير الطبيعي في معدلات القلق والاكتئاب لدى الشباب؛ إذ وجدَت إحدى الدراسات أنَّ معدلات القلق والاكتئاب لدى طلاب الجامعات ارتفعت بنسبة 80% تقريباً بعد ممارسة التربية المفرطة للأبناء.
نحن لا نكون في أفضل حالاتنا دون توتر، وفي المقابل تزدهر حياتنا عندما نتوتر باعتدال؛ حيث وجد "مارك سيري" (Mark Seery) عالِم النفس في جامعة بوفالو (Buffalo)، أنَّ القليل من التوتر يجعلنا أفضل.
فيما يلي نصٌّ مُقتبَسٌ من كتاب "أزمة الراحة" (The Comfort Crisis) يتحدث عن هذا الأمر:
"يقول "سيري": "أفاد الأشخاص الذين واجهوا بعض المحن بتحسُّن حالتهم النفسية على مدى سنواتٍ عدَّة من الدراسة مقارنةً بالأشخاص الذين كانوا بأمان طوال حياتهم، كما كان لديهم مستوى أعلى من الرضا عن الحياة، وأعراض نفسية وجسدية أقل، وكانوا أقل عُرضةً لتناول المسكنات، واستخدموا خدمات الرعاية الصحية استخداماً أقل، كما كانوا أقل احتمالاً للإبلاغ عن احتياجهم لمعدات خاصة في العمل؛ حيث طوَّر هؤلاء الأشخاص قدرةً داخلية جعلَتهم أكثر قوةً ومرونة من خلال مواجهة بعض التحديات، لا تحديات هائلة".
يريد الناس أن تزيد ثقتهم بأنفسهم عبر ترديد عبارات إيجابية، ظنَّاً منهم أنَّه سيكون لها مفعول السحر في تعزيز دوافعهم، إلا أنَّ عقلك لا يقتنع بتلك الكلمات الفارغة، ومن ناحية أخرى، عندما تنجز أشياء صعبة، فإنَّ المادة الرمادية في دماغك لا تتمكن من تجاهل قدرتك على مواجهة التحديات المقبلة.
الثقة ليست شيئاً سحرياً تشعر به، فأنت لا تدرك أنَّك واثق بنفسك معظم الوقت، فمن المؤكد أنَّك لا تُدرك ثقتك حينما تنهض كل صباح من سريرك وتبدأ يومك؛ لأنَّ ذلك أمر بسيط وبديهي بالنسبة إليك، ولكن هذه هي الثقة بعينها، ويمكنك توسيع هذه الثقة لتشمل أموراً أصعب عن طريق القيام بها.
كيف سنصل إلى هذه الدرجة من الثقة إذاً؟ هناك قاعدتان أساسيتان لتحقيق ذلك:
- يجب أن يكون ما تريد فعله صعباً حقاً.
- يجب ألا يكون أمراً محكوماً بالفشل.
يجب أن تختار تحدياً تكون نسبة النجاح فيه 50%، ويجب أن تحقق توازناً بين توسيع آفاقك وعدم الشعور بالإحباط والوقوع في فشل ذريع في النهاية.
واجعل هذا التحدي غير مألوف؛ إذ يجب أن يكون ذا طابع خاص وشخصي، فهو أمر خاص بك تتحدى من خلاله نفسك، فلا يجب أن يكون أمراً يدعو إلى التباهي، أو تقارن فيه أداءك بأداء الآخرين، فهو اختبار تجريه لنفسك ومن أجلك.
لا مفرَّ من مواجهة التحديات في الحياة، ولكن يمكنك اختيار التحديات التي تثير حماستك، فمثلما يقوي رفع الأثقال عضلاتك لتتمكن من رفع حمولات أكبر، يجعل إرهاق نفسك بتحديات متعمَّدة مواجهة التحديات العاطفية غير المتوقعة في الحياة اليومية أسهل.
الخلاصة:
يسبب البقاء في منطقة راحتك بعض المشكلات؛ حيث نخلط بين الراحة والسعادة وهذا يحرمنا من المتعة التي تتولد عن تحقيق الإنجازات، فمن دونها نفقد الركائز التي تدعم ثقتنا بنفسنا.
عندما نتجنب شعور عدم الراحة، يعمل دماغنا ضدنا ويتوسع الخوف فينا، ولا يمكننا رؤية الفرص التي تقدِّمها الحياة أو إمكاناتنا، فهذه ليست الطريقة التي تُوجِّهك نحو النجاح؛ بل تقودك ببطء نحو الفشل.
كما كتب الفيلسوف الرواقي "سينيكا" (Seneca): "أشفِق على حالك؛ وذلك لأنَّك لم تخُض في أيَّة مصيبة، فقد عشتَ حياتك دون أن تواجه خصماً، ولا أحد سيعلم أبداً ما أنت قادر عليه، ولا حتى أنت".
أضف تعليقاً