لكنَّ التركيز دائماً على تحصيل "المزيد" قد يكون خطأً؛ لأنَّه قد يؤدي إلى الإرهاق والإجهاد؛ فبعد مرحلة معيَّنة من العمل، لا تُترجم ساعات العمل الإضافية بالضرورة إلى إنتاجية إضافية.
يقول الافتراض الشائع أنَّه كلما زادت ساعات عمل الأشخاص، ستزداد إنتاجيتهم؛ وبالتالي ستزداد أرباح المنظمة، وللوهلة الأولى، يبدو لنا أنَّ استخدام ساعات العمل كبديل مكافئ للفاعلية والإنتاجية أمرٌ منطقي؛ فعندما يعمل الناس لساعاتٍ أكثر، من المفترض أن يحققوا فائدةً إضافية.
تكمن المشكلة في أنَّ كل ساعة عمل إضافية لا تعني بالضرورة زيادة في الإنتاجية، ويمكِن أن تؤدي بدلاً من ذلك إلى الإرهاق والإجهاد؛ ففي الواقع، يعيق العمل لساعات طويلة الإنتاجية، سواء بالنسبة إلى الأفراد الذين يعملون لساعات طويلة أم لفِرقهم، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في كفاءتهم، وقد يسبب الانشغال الزائد وساعات العمل الطويلة المزيد من الأخطاء، ويؤدي إلى تدهور صحة الموظفين، ويقود الناس إلى التركيز على إظهار ردود الأفعال بدلاً من المبادرة إلى إنجاز الأعمال.
إنَّ خسائر العمل لوقت طويل حقيقية، ولكنَّها غير ظاهرة فحسب؛ فالأشخاص الذين يعملون لساعات طويلة لا يحصلون على الوقت الكافي للتعافي من جهد العمل؛ وبدون ذلك، سيسبب الإرهاق الناتج إعاقة الإنتاجية، ويؤدي إلى الحوادث والأمراض والاضطرابات العاطفية وارتكاب الأخطاء.
يمكِن أن يعود السبب وراء انخفاض الإنتاجية إلى ما يسميه علماء الاجتماع بنموذج "التعافي من الجهد" (effort-recovery model)، حيث يُؤكِّد هذا النموذج على أنَّ التعافي ضروري لمنع الإرهاق بعد فترة من الجهد الطويل، ويمكِن أن تؤدي فترة التعافي غير الكافية إلى تراجع الأداء، كما تُوفِّر الراحة الطاقة اللازمة للعمل الشاق وتمنع الإرهاق.
تحتاج مهاراتنا القيادية إلى التعافي أيضاً:
تُعَدُّ الراحة في مجال اللياقة البدنية ضرورية للعضلات لتتعافى وتنمو وتقوى بعد كل تمرين، وتتشابه مهارات القيادة معها في ذلك؛ فهي تحتاج فرصاً للتعافي أيضاً.
يمكِن للشركات مساعدة الموظفين على التراجع خطوة إلى الوراء والتوقف عن العمل لفترة من الزمن منعاً للإرهاق، ومن خلال هذه العملية، يمكِنهم المساعدة في زيادة المرونة النفسية للقوى العاملة، وتعزيز الطاقة والشغف بالعمل، وتقليل الخسائر المرتبطة بالإجهاد والمرض ودوران الموظفين.
ستكون هناك دائماً أوقات تحتاج فيها إلى زيادة وتيرة العمل فتطلب من الجميع العمل بجدٍّ أكبر، ولكن لمنع الإرهاق؛ يجب موازنة أوقات النشاط الزائد هذه مع فترات التعافي، فالتوازن هو المفتاح الذي يستخدمه أي فرد أو منظمة ليكون عملهم مستداماً وتنافسياً على الأمد الطويل.
ولهذا السبب تستفيد الشركات أكثر من خلال منح قادتها فرصاً للتعافي من فترات العمل الشاق، حتى تتمكن عقولهم من الحصول على الصفاء ويصبحون قادرين على تحديد ما هو أكثر أهمية وفائدة للشركة.
الممارسات التي تساعد على التعافي؛ كيفية منع الإرهاق وتحسين الإنتاجية:
قد تَشعر أنَّ أمور الحياة محيرة وشديدة الصعوبة في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، وقد ترغب (أو تُجبَر) على الاستجابة لهذا الشعور بإرهاق نفسك بالعمل، ومع ذلك، قد تؤدي الحيرة إلى القلق، وقد يستنزفك العمل الإضافي المستمر ويتسبب لك بالإرهاق.
ولكن يمكِن أن يساعدك تطبيق سلوكات وممارسات للتعافي في التغلب على هذا، وفي بعض الأحيان، تكون هذه الممارسات مجرد قضاء يوم خارج المنزل في الطبيعة، أو تخصيص وقت لإعادة التواصل مع الأصدقاء، أو حتى الركض لمسافة طويلة للتخلص من ضغوط يومٍ عصيب، كما يُعدُّ قضاء بعض الوقت بعيداً عن العمل من أجل صحتك النفسية أمراً بالغ الأهمية، وخاصة في الوقت الراهن.
يمكِن أن تساعد ممارسات التعافي الخمس الرئيسة هذه في منع الإرهاق وتعزيز المرونة النفسية:
- النوم.
- التمرينات الرياضية.
- التعافي العقلي والذهني.
- توطيد العلاقات الاجتماعية.
- الشعور بالامتنان.
1. النوم:
النوم الكافي هو ضرورة بيولوجية لصحتنا الجسدية والنفسية، حيث يمكِن أن يزيد النوم أيضاً من إنتاجيتك كقائد، ومع ذلك، تجدُ استطلاعات الرأي باستمرار أنَّ ما يقرب من نصف البالغين يحصلون على أقل من القدر الموصى به من النوم.
2. التمرينات الرياضية:
معظم العاملين في الشركات لديهم وظائف مكتبية تتطلب الجلوس على المكاتب بدلاً من ممارسة الأنشطة البدنية، هذا بالإضافة إلى التنقلات التي يقضونها جالسين أيضاً، حيث يمكِن أن يعزز النشاط البدني الطاقة والمزاج والإدراك والأداء، وفي الواقع، ترتبط ممارسة الرياضة بفاعلية القيادة ارتباطاً وثيقاً.
3. التعافي العقلي والذهني:
تُعَدُّ القدرة على البقاء منتبهاً ومُركِّزاً أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الأداء العالي؛ لكنَّ هذا الأمر يزداد صعوبةً بسبب الإشعارات الدائمة التي تأتيك من الأجهزة الرقمية وأيام العمل التي يمكِن أن تمتد إلى ما هو أطول من يوم العمل التقليدي، كما يمكِن للممارسات التأملية أن تسمح لعقلك باستعادة التركيز والوضوح، فاليقظة الذهنية هي طريقة بسيطة لتحسين القيادة، ويمكِن لممارستها أن تُدرِّب عقلك على التركيز بشكل أقوى، مما يؤدي إلى التفكير بوضوح أكبر.
4. توطيد العلاقات الاجتماعية:
البشر اجتماعيون بطبعهم، ويمكِن أن يؤدي التواصل والاهتمام والمشاركة مع الآخرين إلى خفض مستويات التوتر وتحسين الحالة المزاجية، كما يجب على المنظمات إيجاد طرائق لتشجيع التفاعلات الاجتماعية الإيجابية في مكان العمل وخارجه.
5. الشعور بالامتنان:
يمكِن أن تزيد المشاعر الإيجابية من الطاقة والإبداع، فبيئة العمل رائعة في كشف الجوانب السلبية من الشخصية، ولكن يمكِنك أن تكون أكثر إصراراً على جعلها تُظهِر التجارب الإيجابية والمفيدة في العمل. إنَّ تقديم الشكر يمكِن أن يجعلك قائداً أفضل، وأن يحسِّن الحالة المزاجية والصحية أيضاً.
شاهد بالفيديو: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم
كيف يمكِن للمنظمات منع الإرهاق وتعزيز المرونة النفسية؟
يمكِن أن تساعد الشركات على إبقاء الموظفين سعداء وصحيين ومشاركين عند ممارسة هذه السلوكات بانتظام، ولكن من غير المرجح أن تمنع الإرهاق والإجهاد أو أن تعزز المرونة النفسية، أو أن تُغيِّر بشكل هادف سلوكات القوى العاملة لديك، من خلال تشجيع الناس في الحصول على مزيد من النوم أو ممارسة الرياضة فحسب.
نورد فيما يلي بعض الملاحظات التي يجب على قادة الموارد البشرية مراعاتها لتشجيع الموظفين -والمديرين- على تعزيز المرونة النفسية وتخصيص الوقت للتعافي:
1. تثقيف الناس حول المرونة النفسية:
ساعِد الناس على فهم أنَّه هناك ممارسات وعادات محددة يمكِن أن تساعدهم على الشعور بتحسن وأداء أفضل، فساعِدهم على ربط هذه السلوكات بصحتهم وأدائهم الوظيفي المتحسن، وضَعْ معايير لاستخدام البريد الإلكتروني، حتى يَعرف الناس أنَّه ليس من المتوقع منهم دائماً الرد على الفور، خاصة في منتصف الليل، وتأكَّد من أنَّ بيئة المنظمة داعمة للنوم.
2. توفير فرص بناء المرونة النفسية في العمل:
يمكِن أن يؤدي تقديم الحوافز المالية، أو وجود صالة للألعاب الرياضية في مكان العمل، أو منح التعويضات عن دروس اللياقة البدنية إلى زيادة احتمالية ممارسة الموظفين للرياضة. قد ترغب في تزويد موظفيك ببرنامج مرونة نفسية عبر الإنترنت لمساعدتهم في منع الإرهاق.
3. التفكير في أمر الممارسات التأملية:
يستخدم عدد كبير من المؤسسات الكبيرة، مثل شركة غوغل (Google) أو الجيش الأمريكي، برامج اليقظة الذهنية لمساعدة الموظفين على تَعلُّم كيفية أخذ استراحة لفترة قصيرة واستعادة التركيز بسرعة، حيث يمكِن تقديم برامج اليقظة الذهنية بأساليب متنوعة، من الدورات التدريبية الموجهة ذاتياً عبر الإنترنت إلى الفصول الدراسية في مكان العمل، كما يمكِن استخدام تقنيات اليقظة الذهنية والتنفس في المنزل وفي مكتبك وحتى في الاجتماعات؛ على سبيل المثال، قد ترغب في تثقيف فِرَقك وإخبارهم أنَّ النصيحة الشائعة التي تقول: "خذ نفساً عميقاً" لا تساعِد في الواقع في التخلص من التوتر؛ وبدلاً من ذلك، يجب على الناس التركيز على إطالة الزفير من أجل تهدئة أنظمتهم العصبية.
الخلاصة:
يؤدي قادة الموارد البشرية والمنظمات دوراً رئيساً في منع الإرهاق من خلال دعم موظفيهم عن طريق التقليل من العمل الإضافي والمساعدة في تثقيف الموظفين وتشجيعهم على تطبيق ممارسات التعافي.
أضف تعليقاً