ستحقِّق أيَّ هدف تطمح إليه إن تحلَّيتَ بالنزاهة، فلن تستمر في التخطيط طويلاً؛ وذلك لأنَّك ستزيله من قائمة المهام بمدة قصيرة، ستختلف حياتك كليَّاً؛ لأنَّك ستُظهِر أفضل ما لديك لتعيش أفضل أيامك، سواء بقيت في وظيفتك الحالية أم غيَّرتَ مجال عملك، فستدفعك النزاهة إلى الشعور بالرضا وجني المزيد من المال، ربما استطعتَ سداد ديونك أخيراً وادِّخار المزيد من المال وجني الأرباح الصافية بفضل النزاهة، أضِف إلى ذلك ازدهار العلاقات الأسرية والمهنية واجتياز التحديات وتنفيذ الوعود الشخصية "كتحدي ثلاثين يوماً دون تناول السكر".
في اللحظة التي تدرك فيها أنَّ حياتك بين يديك وأنَّ تغييرها ليس بالصعوبة المُتوقعة، ستتمكن حينها من إنجاز الكثير في وقتٍ قليل، والاستمتاع بالحياة التي تحلم بها؛ حيث يتعلق الأمر كله "بالنزاهة الشخصية"، فالجميع يعي تماماً المعنى العام للنزاهة وأهمية الصدق والالتزام بالوعود في مجالات الحياة جميعها، مع العائلة والأصدقاء، وكذلك في الحياة المهنية، لكن ماذا عن النزاهة مع النفس؟
تُعَدُّ ممارسة النزاهة على الصعيد الشخصي الأكثر أهمية والأكثر تجاهلاً في الوقت نفسه، مع أنَّها العامل الأساسي لحياةٍ صادقة ذات معنى، فممارسة النزاهة الشخصية تعني الوفاء بالوعود وعدم الاكتفاء بالتخطيط دون التنفيذ، فعند التفكير في أمر ما مهما كان كبيراً أو صغيراً فستُلزِمك النزاهة بالعمل والوصول إلى الهدف، فهي المفتاح للوصول إلى الحياة المثالية.
ما هي النزاهة الشخصية؟
ووفقاً لموقع دكشنري (dictionary.com) فإنَّ النزاهة هي "حسن الخُلق والصدق".
وفقاً لمعجم ميريام ويبستر (Merriam Webster) "النزاهة تعني الاستقامة والكفاءة، لدرجة عدم قدرة الفرد على خيانة الثقة أو التهرُّب من المسؤولية أو نكث العهود"، وبعبارةٍ أخرى، النزاهة هي إحدى صفات الأبطال الخارقين من أمثال الرئيس الأمريكي السابق "أبراهام لينكولن" (Abraham Lincoln) والسيدة الأولى للحقوق المدنية للأفارقة في الولايات المتحدة "روزا باركس" (Rosa Parks) والمُناضل الهندي "مهاتما غاندي" (Mahatma Gandhi).
فالحياة بنزاهة تنطوي على متطلبات أساسية عدَّة؛ كالتحلي بالأخلاق الفاضلة والشعور بالهدف الذاتي، وهذا أكثر ما يجب أن نرتقي لنصل إليه؛ لذلك تعدُّ النزاهة نهج حياة ينتهجه الفرد في مُختلف المواقف الحياتية للالتزام بمجموعة من المبادئ الأخلاقية والقيم الشخصية الهامة، مما يجعله موظفاً وصديقاً وأباً وزوجاً أفضل؛ وذلك لأنَّه يُرضي ذاته أولاً، ويسعى إلى تأدية دوره في الحياة بشكلٍ مثالي.
لذا، من الواضح إلى حد ما أنَّ النزاهة تُهيِّئ المواطنين ليمارسوا دورهم ممارسة أفضل، وتجعل منهم قدوة أفضل إن تمسَّكوا بها، وكل هذا يعتمد على تأثير أفعالك في الآخرين.
ماذا عن تأثير أفعالك النزيهة في نفسك؟
من الصعب أن تكون مثل "مهاتما غاندي"، ولكن ماذا لو كنت صادقاً مع نفسك وجديراً بالثقة، كيف ستتغير حياتك عند تطبيق مبدأ النزاهة الشخصية؟ تُمثِّل النزاهة على المستوى الشخصي المكوِّن الأضعف والأكثر تجاهلاً بينَ كل أنواع النزاهة، وعلى الرغم من استخفاف الناس بها، إلا أنَّها قوة عظيمة لا يُستهان بها.
ولبيانٍ أكثر إيضاحاً سنحدد ملامح النزاهة الشخصية ليسهل تطبيقها عملياً:
1. النزاهة هي الصدق مع النفس:
"النزاهة هي قول الحقيقة لنفسك، أما الصدق فهو إخبار الآخرين بالحقيقة" سبنسر جونسون (Spencer Johnson) كاتب ومؤلف أمريكي صاحب الكتاب الشهير "من حرَّك قطعة الجبنة الخاصة بي"، فالصدق هو عدم قول الأكاذيب أو تزييف الحقائق، وربما شمل الصدق معانيَ إضافية؛ فالصدق مع النفس ليس بالأمر السهل خصوصاً عندما تحاول الغوص في أعماق النفس للكشف عن المشاعر الحقيقية أو السبب الحقيقي المُحرِّك للأفعال وردود الفعل.
يتطلب الصدق مع النفس قوة للاعترافِ بالسبب الحقيقي للفشل والامتناع عن اختلاق الأعذار - وهو اتِّخاذ موقف محايد دون تحيُّز - والإقرار بأنَّ السبب الأساسي "لعدم فقدان الوزن" على سبيل المثال هو الإفراط في تناول الطعام غير الصحي، وليس خللاً في جيناتك الوراثية؛ النزاهة الشخصية هي في كون المرء صادقاً مع نفسه؛ بحيث يمكنه التخلُّص نهائياً من الأعذار وقبول الواقع.
2. النزاهة هي قبول أوجه القصور:
بصفتنا مخلوقاتٍ بشرية نملك نقاط قوةٍ إلى جانب نقاط الضعف، يتطلَّب الأمر قوة في الشخصية ونزاهة لقبول هذا المبدأ والاعتراف بنقاط الضعف ومحاولة تحسينها، على سبيل المثال، يُعدُّ الاطِّلاع بدورٍ قيادي مع منظمات مجتمعية أمراً رائعاً لبعضنا، بينما يمثِّل أمراً مملاً وخارج إطار الاهتمامات لبعضنا الآخر، فإسناد مهمةٍ قيادية مثل توظيف المتطوعين وتنظيم اللجان إلى شخص لا يَضع الأعمال التطوعية من ضمن اهتماماته أو خبراته السابقة أمرٌ محبِط، في حال كان تغيير العمل أمراً غير وارد، والنتيجة الحتمية لذلك ستكون ركوداً في العمل وعدم التقدم.
وهنا تَرِدُ احتمالات عدَّة للتعامل مع الموقف، إما الاختباء وتأمُّل عدم اكتشاف الأمر، أو تقبل أنَّ النقص وعَدُّ المثالية طبيعة بشرية يمكن ترميمها بالممارسة والتدريب المناسبين، أو تفويض المهمة لشخص أكثر ملاءمة.
ينتهج أغلب الموظفين اليائسين من أعمالهم نهج تجاهل المشكلة والانتظار حتى نهاية الخدمة، ليقوم الشخص التالي بالتغييرات المطلوبة، ولكنَّ الشخص النزيه يقبل أوجه القصور الشخصية ويطرح الأفكار لمحاولة التغلُّب عليها.
3. النزاهة هي الالتزام بالوعد:
إنَّ أفضل هدية يمكن أن تقدمها لنفسك هي الالتزام بجدية كلامك؛ لذا إذا قطعت وعداً على نفسك، فأوفِ به، ولو أنَّ كل شخص وفى بوعوده لنفسه، لحققنا جميعاً معظم أهدافنا ووصلنا إلى مستوى رائع من الرضا الذاتي عند عقد العزم على فعل شيء ما، فالقوة الداخلية بالالتزام والنزاهة مع النفس هي خير مُعين.
ما هي أهمية النَّزاهة الشخصية؟
بعد أن تبيَّن معنى النزاهة الشخصية كقيمة عملية على أرض الواقع، تشتد الحاجة إلى معرفة فوائد تطبيقها وممارستها، فيما يلي ثلاثة أسباب لن تستطيع بلوغها دون التحلِّي بالنزاهة الشخصية:
1. تساعد النزاهة على متابعة الأهداف:
إنَّ الصدق مع النفس يوضِّح لك الطريق أمام الخطوات اللازمة لتحقيق أهدافك واستخدام التفكير العميق الذاتي لضبط أفعالك والالتزام بكلمتك، مما سيُزيل الحواجز والموانع من بلوغ الهدف.
2. تساعد النزاهة على تطوير الوعي الذاتي والثقة لتحقيق أكبر الأهداف:
نعود مرة أخرى إلى الحديث عن الوفاء بالالتزامات والوعود الشخصية؛ إذ كلَّما مارستَ النزاهة والصدق في الوفاء بالوعود وإحراز التقدم، اكتسبتَ الخبرة والثقة للاستمرار.
سيؤدي نجاح صغير إلى نجاحٍ أكبر، وسيكون المرء جاهزاً في فترةٍ وجيزة لمواجهة أهداف أكبر، وعند حدوث خلل وعندما تسوء الأمور، سيساعد استخدام النزاهة الذاتية على الكشف عن مواطن الخلل بكل صدقٍ وشفافية وتقبُّل أوجه النقص، وإيجاد طريقة لإجراء تعديلات والمضي قدماً، وبمجرد تطوير هذه المهارة، لن يضطرَّ أحدٌ إلى الاستسلام.
3. تساعد النزاهة على عيش حياة ذات معنى:
أفضل أسباب ممارسة النزاهة الشخصية وأكثرها تشجيعاً، أنَّها تُعزِّز قوة الفرد وتزيد تصميمه على النجاح، قد تكون أهدافاً شخصية مثل: "سداد الديون أو فقدان الوزن"؛ إذ سيفتح لك تحقيق هذه الأهداف عالماً مليئاً بالفرصِ المُتاحة والأهداف المُنتَظرة لمعالجتها.
يمكن تحسين أي أمر مزعج وإجراء التعديلات المناسبة بما يجعل الحياة أكثر رضا، بالطبع فإنَّ التغيير صعب ومخيف، ولكنَّ تحقيق الأهداف والسعي إلى الوصول للمزيد، وعملية النمو الشخصي التي تصاحب ذلك ستُكوِّن المحفز، والمعنى الذي يبحث عنه الإنسان في أفعاله خلال حياته.
11 طريقة لتنمية النزاهة الشخصية:
1. الصدق مع النفس:
الخطوة الأولى هي التزام الصدق مع النفس في تقدير الجهد المطلوب لتحقيق الأهداف والجهد المبذول فعليَّاً، عند الشعور بعدم الإنجاز وبطء التقدُّم، فالخطوة الأولى هي الاعتراف بعدم بذل الجهد الكافي، ومحاسبة النفس بنزاهة عن مقدار الجهد المبذول حقاً، فاحتمال تحسين الوضع، هو ما يضعك على الطريق الصحيح، ثم التفكير بإيجابية في الأسباب الممكنة.
فقد تكون هذه الأسباب عدم بذل الجهد، أو عدم وجود المهارات المطلوبة، أو ربما تحديد هدف غير واقعي، أو الحاجة إلى الدعم الخارجي أو الدافع الداخلي، وبمجرد قبول وجود نقاط الضعف، ستبدأ المشكلات بالتضاؤل، وستُجرى تغييرات صغيرة من شأنها أن تدفع الشخص للتقدم.
2. الالتزام بالوعود الشخصية:
على سبيل المثال، قد يرغب العديد من الناس في النجاح في تحدي "التخلي عن تناول السكر لمدة أسبوع" أو "بدء المشي 10،000 خطوة كل يوم" أو ببساطة "تقليل الإنفاق المالي"، فالخطوات المُتَّبعة هي كالتالي: الاعتراف بالمشكلة، قطع الوعد بالالتزام بالحلول، تنفيذ الوعد بنزاهة. حتى لو لم يعلم أحد آخر عن الالتزام الذي قطعته لنفسك، أفضل هدية يمكن تقديمها للنفس هي الالتزام والمتابعة بالالتزامات، مما سيؤدي في المقابل إلى تطوير النزاهة الشخصية وتحقيق الأهداف التي وُضِعَت.
3. كتابة قائمة بالمهام:
تكمن أهمية هذه الخطوة عندما نفقد القدرة أو الرغبة في الاختيار ولا نبذل الجهد المطلوب ونعيش بلا هدف؛ لذلك من المفيد حينها كتابة بيان للمهام الشخصية، كالتفكير في المبادئ والقضايا المهمة في الحياة والتي ستحدِّد الأولويات.
قد يرغب بعضنا في المساهمة في قضية عالمية ما، أو ممارسة تعليم وتقديم المنتورينغ للآخرين، أو الرغبة في تمضية الوقت كشريك حياة متعاون وداعم في تربية الأطفال ليكونوا بالغين ناضجين وأقوياء.
مهما كانت المبادئ الرئيسة والهامة بالنسبة إلى الشخص، فهي تُوفِّر هدفاً وتحدِّد اتجاهات الفرد في الحياة؛ لذا فإنَّ كتابة البيان توضِّح القرارات التي ستُتَّخذ والأهداف التي سيتوصَّل إليها، لتحقيق قائمة المهام الشخصية، والأفضل من ذلك، هو استخدم هذا البيان جنباً إلى جنب مع الأهداف طويلة الأجل - لمدة 10 سنوات - لبناء الحياة المثالية.
4. السعي إلى التنمية الشخصية:
تُعَدُّ قراءة كتب التنمية الذاتية، أو التعامل مع الآخرين والاستفادة من تجاربهم أشهرَ طرائق زيادة الحصيلة المعرفية للفرد، بالتأكيد لكل شخص جانب يتميز بإتقانه؛ لذا فهناك الكثير لنتعلمه من الآخرين، فالشعور بالحماسة لاكتساب مهارات وتعلُّم أشياء جديدة هو بالفعل أمر رائع، ولكنَّ مشاركته مع الناس قد تكون أمراً محبطاً.
من الممكن أن تُقابَل هذه الحماسة ببرود، مما سيسحق الروح المعنوية أو أي بصيص أمل للوصول إلى الهدف؛ إذ يعتقد الناس أنَّ لا حاجة لهم لمعرفة المزيد عن جوانب النقص القابلة للتغيير والتحسين إلى الأفضل، وبالمقابل يستطيع الجميع تحسين أنفسهم والتغيُّر ليمارسوا دورهم في الحياة كآباء أو أبناء أو مواطنين أو عمال بشكلٍ أكثر كفاءة.
لا يعدُّ السعي جاهداً إلى تعلُّم مهارة جديدة اعترافاً بالفشل، فهو محاولة صقل مهارة جديدة، وإظهار أفضل أداء؛ سيستغرق الأمر جهداً ووقتاً بالتأكيد، لكنَّ درب الألف ميل يبدأ بخطوة؛ لذا ابدأ بخطوة صغيرة لمراجعة جوانب الحياة وتحديد أوجه القصور، ثم فكِّر في طرائق إجراء تحسين صغير كعادة يومية.
5. التفكير قبل الالتزام:
ربما يتبادر إلى ذهن القارئ أنَّ الالتزام بالتغيير بنزاهة أمرٌ بالغ الصعوبة للوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة والصدق، في الحقيقة، لا تتناسب جميع الخطوات مع جميع الناس؛ لذا سيحتاج القارئ إلى التفكير جيداً قبل العزم على القيام بأي خطوة.
على سبيل المثال عند قبول تحدي "عدم الإنفاق لمدة 30 يوماً"، سيلزم التأكُّد من عدم وجود أي نفقات غير متوقعة قادمة، أو عند الموافقة على "التخلي عن السكر لمدة شهر"، فسيلزم التأكُّد من عدم وجود حفلة عيد ميلاد قريبة والحصول على المزيد من السكريات فقط من باب تقدير العرفان.
قبل الالتزام بشيء ما، يجب الاستفسار عن واقعية وانسجام الالتزام مع جوانب الحياة، وعن وجود الوقت الكافي لقبول التزام جديد، كما يجب التأكُّد من وجود المهارات المطلوبة والمواد اللازمة لإكمال التحدي، والأهم من ذلك وجود سبب حقيقي ودافع عظيم ومُلحٍّ للقيام به، فإذا واجهت الكثير من المعارضة الداخلية لهذه المتطلبات، فأفضل حل هو تجزئة الهدف إلى مهام أصغر بوقت أقل يسهِّل إدارتها؛ بحيث يستطيع المرء المتابعة.
6. تعلُّم مهارة الرفض:
لا يمكن التفوق في المجالات جميعها؛ إنَّها حقيقة مُثبتة على مر التاريخ، كما أنَّ أحد أشكال الكمال هو الاعتراف بالنقص وتعلُّم الرفض عندما تفوق المهام مقدرة الشخص؛ لذا يجب تعلُّم حفظ الطاقة وعدم إهدارها؛ وذلك من خلال تحديد أولويات الأهداف والمهام يومياً، ومن أهم المهارات التي يجب على الجميع تعلُّمها، هي حماية الوقت والمجهود من الضياع.
بالإضافة إلى تحديد أولويات الالتزامات الشخصية ورفض المهام غير الضرورية، فعند مواجهة صعوبة في الرفض المطلق يمكن تأجيل المهام في الوقت الراهن على الأقل؛ حيث ستظهر منافع الرفض المثمر في تقليل الإرهاق وحفظ الطاقة، مما سيزيد الإنتاجية في مجالات الحياة جميعها بمجرد تعلُّم كيفية تحديد أولويات المهام، وحماية الوقت من الضياع على أتفه الأمور وقول "لا" لكل شيء يستنزف القدرات.
شاهد بالفديو: 6 طرق لتجنّب إحراج قول كلمة لا في العمل
7. الاقتداء بأصحاب الهمم:
"من أراد التحليق مع النسور، فلا يحطنَّ قدر نفسه بالبقاء مع البط".
بصرف النظر عن قائل هذا الاقتباس، فإنَّ المعنى المُراد إيصاله واضحٌ؛ وهو إحاطة المرء نفسه بمن يريد أن يصبح مثلهم، فمَن أراد أن يكون ناجحاً وغنياً، فعليه التواصل مع أرباب الأعمال الناجحين والتعلُّم منهم، ومَن سيواصل التسكُّع مع أصدقاء لا طائل من صحبتهم، لن يرتقي بنفسه أو يحصل على الطاقة والحماسة اللازمتين لتحقيق تقدُّم ملحوظ؛ بل سيتعلَّم السباحة مع البط ولن يُحلِّق مع النسور.
8. التفكير في النمو:
يُعَدُّ أخذُ لحظة للنظر إلى الماضي وملاحظة التغييرات التي طرأت وأدَّت إلى إحراز التقدُّم الذي تم الوصول إليه حتى الآن، خطوةً أصعب من غيرها؛ وذلك لأنَّ الاستعجال نحو الهدف يرتبط غالباً بالمضي قدماً دون تضييع الوقت.
على سبيل المثال، يمكن لأمٍ أرملة مسؤولة عن أطفال وعمل بدوام طويل أن تحلم بالوصول إلى الاستقلال المادي، مما يتحتم عليها الانشغال معظم الوقت، ولكنَّ إحراز الكثير من التقدُّم، ومواجهة العديد من المصاعب من إرهاق وفشل مرات عدَّة، سيتطلب وقفةً لإعادة شحذ الهمة، وتجديد العزم بأنَّ الطريق صعبٌ وشاق، ولكنَّها تحرز تقدماً رائعاً، ويجب عليها العمل جاهدةً لتذكير نفسها بالاقتراب من بلوغ الحلم.
الاعتراف بكل نجاح والفخر بالإنجازات هو أحد أبرز خصائص النزاهة الشخصية، كما يشكل التقدير الذاتي بنزاهة محفزاً قوياً ومصدراً لتوفير الطمأنينة التي ستتشكل بمجرد الوصول إلى نهاية المطاف حيث يجب أن تكون.
9. التفكير في الإخفاق:
"يعدُّ الاعتراف بالأخطاء الخطوة الأولى لتغييرها، وهو دليلٌ على الشجاعة والنزاهة الحقيقيتين" فيليب جونسون (Philip Johnson) المهندس المعماري الأمريكي، واشتهر بأعماله المعمارية الحديثة مثل المنزل الزجاجي.
يجب ربط جميع النقاط المذكورة آنفاً لتحقيق النزاهة على أكمل وجه، ومن ضمنها الصدق مع النفس، والانفتاح للتعلُّم والتأمُّل الذاتي، وقبول نقاط الضعف، فإنَّ إدراك الضعف أو حتى الفشل، هو فرصة للتعلُّم وإجراء التعديلات، والسعي إلى التغيير والتحوُّل نحو الأفضل، وهذا يضيف الكثير إلى عملية التنمية والنضج الشخصية، مما يجعل الفرد أقوى.
10. التماس المشورة عند الحاجة إليها:
لا يؤدي الاعتراف بالفشل إلى جعل المرءِ فاشلاً؛ بل ستقوِّي عملية تطوير النزاهة الشخصَ النزيه بشكلٍ عام عن طريق مواجهة عقبات نفسية عاطفية على طول الرحلة، وستسمح معالجة المخاوف الشخصية الكبيرة والتحديات العاطفية التي تمنع إحراز التقدُّم بالمزيد من التقدم؛ لذا لا يعدُّ طلب الدعم من الأصدقاء أو العائلة أو رجال الدين أو المشورة المهنية اعترافاً بارتكاب خطأ أو فشل؛ بل هو قبول المساعدة عند الحاجة إليها، مما يؤدي إلى جعلك شخصاً أفضل.
شاهد بالفديو: طرق تنمية الانضباط الذاتي
11. التطوع:
تُبين البحوث وجود علاقة واضحة بين العمل التطوعي ومستوى السعادة التي يصل إليها الفرد، وبصرف النظر عن الخلفية الاجتماعية والاقتصادية، يساعد ردُّ الجميل على توفير القيمة في الحياة التي تجعلك تشعر بالسعادة والانسجام مع الآخرين، وهذا بدورهِ يُعزِّز النزاهة الشخصية ويمكِّن الفرد من قبول ومواجهة التحديات، وتحقيق الأهداف الشخصية.
كيف تحافظ على النَّزاهة الشخصية؟
تطوير النزاهة الشخصية هو سعيٌ مستمرٌ طوال الحياة، ولا يحدث بين عشيةٍ وضحاها وليس صفة ثابتة أو موروثة، نحن بطبيعتنا نرتكب الأخطاء ونفشل من حين إلى آخر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتنمية الذاتية، فإنَّ تلك الأخطاء هي فرص نتعلم منها، والفشل يجعلنا أقوى.
ستوضَع الأهداف وتتحقَّق مع تطوير مهارة النزاهة الشخصية، وسوف يصبح من الأسهل الحفاظ على تلك الصفات المكتسبة، ومع ذلك، هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها للحفاظ على الزخم والتقدُّم وهي:
1. الثبات:
النزاهة الحقيقية هي فعل الشيء الصحيح بعيداً عن أعيُن الناس، فالثبات مطلوبٌ حتماً حتى لو لم يُقدِّر أحد الجهد الذي تبذله، قد تُفكِّر في الانسحاب والعودة إلى إنجاز المهام السهلة التي لا تُثير فيك الإحساس بالتحدي؛ ربما لأنَّك لم تجد من يُثني على مثابرتك وعملك الدؤوب؛ أو لأنَّك تحتاج إلى استراحة، أو الأسوأ من ذلك هو اغترارك بالنجاح وعدم الرغبة في الاستمرار بالسعي إلى تحقيق هدفٍ آخر.
تماماً مثلما يحصل عند ممارسة تمرينات رياضية صعبة في صالة الألعاب الرياضية؛ إذ نحرز تقدماً حقيقياً عند الشعور بالإنهاك والرغبة في إنهاء كل شيء، ولكنَّك تقاوم الإجهاد وتصبر وتستمر في التقدم في سبيل تحقيق أهدافك.
2. الاحتفاظ بسجل للإنجازات:
في الآونة الأخيرة انتشرت مقابلة "شون كوفي" (Sean Covey) مؤلِّف كتاب "العوامل الأربع للإنجاز" (The 4 Disciplines of Execution): يتحدث فيه عن تحقيق الأهداف الأكثر إلحاحاً حسب الأهمية، كان يحكي قصة عن كيفية معرفة ما إذا كان لاعبوا كرة السلة يتمرنون أم يلعبون مباراة فقط من خلال صوت أحذيتهم في الملعب؛ إذ عندما يحافظ اللاعبون على إحراز النقاط، يُسمع المزيد من الجري وأصوات القفزات والنشاط؛ وذلك لأنَّهم يلعبون بروحٍ رياضية عالية.
سيظهر جلياً في الأجواء وجود المزيد من المعنى والدافع والجهد وراء كل خطوة واحدة، وينطبق هذا على الجهود المبذولة في معترك الحياة؛ لذا من الواجب تتبع التقدم المحرز عندما توضع التزامات شخصية وأهداف؛ وذلك من أجل الحفاظ على الدافع، والأفضل من ذلك، تسجيل النقاط كما لو كنت تلعب مباراة حتى تزداد حماستك للفوز وتحقيق النجاح.
كيف يبدو سجل الإنجازات؟
يمكن أن يكون الأمر بسيطاً؛ وذلك بكتابة كلمة "تم" إلى جانب الأيام التي تكمل فيها مهامك اليومية على التقويم في كل مرة، وعندما يُوضَع هذا السجل على الثلاجة ويتمكن الجميع في المنزل من معرفة ما إذا تمت متابعة إنجاز المهام أم لا، ستزداد حماستك لإنجاز المزيد من المهام، أو قد يكون جدول بيانات يحتوي على مخطط يتتبع تقدُّمك؛ الغرض هو أن يكون سجل الإنجازات سهل الاستخدام وموجوداً في مكان يسهل رؤيته فيه؛ بحيث تعرف من نظرة واحدة إليه ما إذا كنت ستفوز أم تخسر.
الخلاصة:
"النزاهة هي العامل الذي سيمكِّن الجميع من المضي قدماً على الطريق السريع المؤدي إلى النجاح، فهي تعني أنَّك فرد ناضج يستطيع تخطي الأزمة دائماً، فردٌ يلتزم بالوعود والعهود الشخصية مهما كلَّف الأمر". "ماري كاي" (Mary Kay) صاحبة سادس أكبر شركة تسويق شبكي في العالم لعام 2018.
النزاهة الشخصية هي تلك المهارة السحرية التي ستمكِّنك من تحقيق الأهداف بدقة وعيش حياة أفضل، إنَّها القدرة على أن يكون المرء صادقاً مع نفسه، وقبول جوانب القصور والضعف والالتزام بالكلمة مهما كلَّف الأمر، فإذا امتلكتَ النزاهة الشخصية، ما الذي يمنعك من عيش حلمك؟
أضف تعليقاً