ملاحظة: هذه المقالة مأخوذة عن المدوِّن ريك أورنيلاس (Rick Ornelas)، والذي يحدِّثنا فيها عن تجربته في التأمل الذاتي.
لقد كنت عائداً من حفلة عيد ميلاد للأطفال برفقة زوجتي وابنتيَّ الصغيرتين اللتين كانتا مربوطتين بحزام الأمان بإحكام في المقعد الخلفي ونائمتين بسلام؛ كما وأخبرَتني زوجتي قبل دقائق أن أكون حذراً حينما بدأَت تمطر بغزارة للمرة الأولى منذ شهور؛ فقد كنت أحاول الحفاظ على سلامة الجميع، وأعلم أنَّ موعد استبدال إطارات السيارة سيحين قريباً؛ إلا أنَّ مقدار حذري لم يكن هاماً أبداً، ذلك لأنَّنا بتنا تحت رحمة السيارة بعد أن خرجَت عن السيطرة تحت المطر الغزير.
لقد انتهى بنا الأمر وسيارتنا تنزلق متجاوزة أربعة مسارات باتجاه مفترق طرق، لتعود وتتجه نحو الاتجاه المعاكس، وتنحرف إلى اليمين وتخرج عن الطريق إلى أعلى مرتفع ترابي. لقد تمكنَّا بطريقة ما من تجنب الاصطدام بجميع السيارات الأخرى؛ إلا أنَّنا لم نتمكن من تجنب الاصطدام بجدار من الطوب يبلغ ارتفاعه ستة أقدام والذي يتموضع على جانبي الطريق السريع. لقد ارتطمنا بالجدار بسرعة وقوة رهيبة لدرجة أنَّ السيارة انقلبَت رأساً على عقب مراراً لتستقر في نهاية الأمر على عجلاتها.
أفاد الشهود أنَّ ذلك كان أغرب حادث رأوه وأنَّهم لم يعتقدوا أنَّنا سننجو؛ كما أنَّني اختبرتُ الشعور ذاته ولكن لأسباب مختلفة؛ فلم يؤثِّر الاصطدام بالجدار أو انقلاب السيارة فيني بقدر ما أثَّرت فترة التأمل الذاتي العميق حول الحياة حينما راودَتني جميع الأسئلة فيما بعد.
تُصوِّر الأفلام أنَّ مثل هذه التجارب تَحدث بصورة بطيئة لدرجة أنَّ لديك متسع من الوقت للتفكُّر في الحياة؛ إلا أنَّ المرحلة هذه تأتي بعد ذلك بكثير وليس حينما تكون حياتك في خضمِّ خطر محتم. إذاً، ما هي أسئلة التأمل الذاتي التي راودَتني بعد الحادث؟
لقد تمحورَت هذه الأسئلة بشكل أساسي حول العناصر الجوهرية في حياتي، وهي: الأسرة، والإيمان، والعلاقات، والمعتقدات، والأفعال. لقد ركزتُ على هذه المجالات، إلا أنَّني لم أكن متيقناً من موقفي تجاه نفسي وكل شخص كنت أتعامل معه يومياً؛ فكل ما يهم في نهاية الأمر هو أن أكون أفضل نسخة من نفسي، الأمر الذي ينبغي أن نسعى جميعاً لتحقيقه في الحياة.
إذاً، دعُونا نلقي نظرةً على الأسئلة الـ 24 الآتية للتأمل الذاتي لتعيد التفكير ملياً في الحياة:
1. هل تعيش اللحظة؟
يُعدُّ عيش اللحظة أمراً سهلاً في ظل عالم سريع الوتيرة يدفعك كي تحيا دون وعيٍ بما حولك؛ حيث لا مشكلة في الأمر عندما لا يشكِّل أهميةً للصورة الكبيرة للأمور، ولكن ليس حينما يؤثِّر في هذه الصورة بأكملها؛ إذ يمكنك أن تنظف أسنانك أو تستحم دون أي تفكير بالأمر، فدماغنا متكيِّف مع هذا الوضع؛ ولكن هل سبق لك أن ذهبتَ إلى العمل ولم تتذكر مشوارك على الإطلاق؟ لا بدَّ وأنَّك مررتَ بهذه التجربة، والتي تُعدُّ أمراً فظيعاً حينما تفكر فيها؛ حيث لا يتعلق الأمر بسلامتك فحسب؛ بل بالأشياء الجميلة التي ربما غفلتَ عنها خلال الطريق.
2. هل تقدِّر كل لحظة تقضيها مع أحبائك؟
قد يبدو هذا السؤال شبيهاً بالسؤال الأول، إلا أنَّه يختلف عنه تماماً في الواقع؛ حيث يُعدُّ الوقت من أهم الموارد التي نمتلكها في هذا العالم. وثمَّة مقولة تقول: إنَّ "الوقت أثمن هدية"؛ لذا اعتبِره بمثابة هدية ثمينة تلقيتَها من أحد أفراد أسرتك، وقدِّره بنفس درجة الشغف وامنحه أهميةً كبيرة.
3. هل تَعدُّ كل ما حولك نعمة؟
يوجد كثيرٌ من النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا في الحياة إلى جانب الوقت، ولعلَّ أول النِّعَم التي تخطر في بالنا هي التمتع بصحة جيدة أو امتلاك أسرة مُحبَّة؛ إذ تَسهُل علينا رؤية الأمور الإيجابية في حياتنا كنِعَم؛ ولكن ماذا عن تلك الأمور الرهيبة التي تحدث معنا والتي لا تكون الغاية منها واضحةً تماماً؟ إذ ينبغي أن نحمد الله دائماً ونشكره على نعمه، حتى تلك التجارب المؤلمة التي تهدد حياتنا كالتعرض لحادث سيارة؛ وكما قال ستيف جوبز (Steve Jobs) جملته الشهيرة: "لا يمكنك ربط الأحداث وأنت تتطلع إلى القادم فقط؛ بل بإمكانك ربطها فقط من خلال التفكير في الماضي؛ لذا عليك الوثوق بأنَّ مغزى هذه الأحداث وارتباطها ببعضها بعضاً سينكشف في المستقبل".
شاهد بالفيديو: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم
4. هل تُعامل الجميع باحترامٍ ولطف؟
يُعدُّ هذا السؤال من أكثر أسئلة التأمل الذاتي التي يتجاهلها الناس، إلا أنَّه يُعدُّ من أكثرها أهميةً أيضاً؛ فكثيراً ما تشير إلى شخص يقطع الطريق أمامك في زحمة السير بعبارات نابية، أو تسخر من ملابس شخص غريب مع زميلك في العمل، أو تنسى أن تقول: "من فضلك" و"شكراً" لأمين الصندوق في متجر البقالة. ضع نفسك الآن مكان ذلك الشخص الذي تنجرح مشاعره، وسترى أنَّ تلك القسوة لم تكن ضروريةً أبداً.
5. هل تجرح كلماتك أو تصرفاتك الآخرين؟
كما ذكرتُ في النقطة الرابعة، يمارس كثيرٌ منَّا عادات سيئة تؤذي الآخرين، دون أن ندرك ذلك حتى؛ حيث أظهر بحث أجراه الدكتور "ألبرت مهرابيان" (Albert Mehrabian) في مجال التواصل أنَّ 7% فقط من التواصل يكون بالكلمات و38% بنبرة الصوت و55% بلغة الجسد.
إنَّ التفكير في هذا الأمر قبل أن تتكلم أو تتصرف يجعل هذا السؤال منطقياً للغاية؛ فقد يسبب أي تصرف أو كلمة الألم للآخرين إذا أوصلتَه بنبرة حادة أو لغة جسد مهينة؛ لذا تحقَّق من كلماتك وأفعالك كي تحرص على ألا تؤذي غيرك بها.
6. هل أنت شخص ساذج؟
حينما سُئل المصارع الأمريكي "مستر تي" (Mr. T) عن قتاله المرتَقب مع "روكي بالبوا" (Rocky Balboa) في فيلم "روكي 3" (Rocky III)، قال: "إنَّني أُشفق على ذاك الساذج!" وأوضَح أنَّه يشفق عليه لكونه شخصاً ساذجاً ويسهل توقُّع تصرفاته. لذا، ما هي جوانب حياتك التي لا تستطيع فيها اتخاذ القرارات الصائبة وتفتقر إلى الحكمة؟
7. هل أنت مبذِّر للغاية؟
نحن نعيش في ظل مجتمع مبذِّر يتخلص من الأمور بسرعة فور امتلاكها، وليس بالضرورة أن تكون هذه الأمور ماديةً دائماً؛ حيث يمكن أن نهدر وقتنا وطاقتنا. لذا، قبل أن تتخلص من أي أمر، مادياً كان أم غير ذلك، فكِّر في طريقة لإصلاحه؛ وسيذهلك مقدار سهولة إصلاح الأمور حينما تُوليها اهتمامك.
8. هل أنت دائماً في عجلة من أمرك؟
غالباً ما نركِّز على هدف معيَّن في حياتنا ونسارع إلى تحقيقه دون التريُّث قليلاً والاستمتاع بمشوارنا؛ فقد نغفل عن تفاصيل هامة، أو فرص للتعلم، أو تجارب نتشاركها مع الآخرين. لقد قال لي منتور ذات مرة: "لا تستعجِل أي شيء"؛ إذ ينبغي أن نتخذ من هذه الحكمة أسلوب حياة دائم للاستمتاع بكل لحظة نعيشها.
9. هل تتصرف على سجيتك في جميع المواقف مهما كانت؟
قد يواجه كثيرٌ منا صعوبةً في التصرف على طبيعته؛ لأنَّ لكل منا شخصيتان: تتجلى إحداهما في العمل والأخرى مع العائلة. أؤمن بأنَّنا جميعنا رائعون بلا استثناء، ونمتلك جوانب إيجابية وسلبية في شخصيتنا؛ لذا لا تحرِم نفسك أو أي شخص آخر في حياتك من ألوان شخصيتك.
10. هل تتمتع بقلب منفتِح؟
حينما تحيا بقلب منفتِح، فإنَّك تدعو بذلك كل الخير في العالم ليكون جزءاً من حياتك حينما تتواصل مع الآخرين؛ لذا لا تخشَ الانفتاح على آفاق جديدة في أي جانب من جوانب حياتك، وستحصد ثمرة ذلك بالتأكيد.
11. هل تعد أي أمر من المسلَّمات؟
لسوء الحظ، لا ندرك في كثير من الأحيان أنَّ هذا الأمر يحدث حتى يخبرنا الشخص الذي يعاني من سوء معاملتنا بذلك، والذي عادةً ما يكون أحد أفراد أسرتنا؛ لذا لا تستهِن بأي أمر في حياتك وتعدُّه من الأمور المسلَّم بها؛ بل أعِره كامل اهتمامك كي لا تعاني من شعور الندم في حياتك أبداً.
12. هل تبذل مجهوداً كافياً لتعزيز علاقاتك؟
يُعدُّ هذا سؤالاً آخر في التأمل الذاتي، والذي كثيراً ما يجيب عنه الآخرون من خلال إخبارنا بوجهات نظرهم حولنا؛ كما وينبغي أن يسهم كل شخص في العلاقة إسهاماً تاماً.
13. هل تسمح لأمور خارج إرادتك بأن تجلب لك التوتر؟
يقول المؤلِّف والمعلِّم "تشارلز آر سويندول" (Charles R. Swindoll): "تحدد الظروف التي نمر بها 10% من شكل حياتنا، وتحدد ردود أفعالنا تجاه تلك الظروف 90% منها". يؤكد هذا الاقتباس على الدور الذي تلعبه مواقفنا من الأمور في الحياة، وما إذا كنا نتأثر سلباً بأمور خارجة عن سيطرتنا؛ فكلما تقبَّلتَ ما يحدث معك وتعاملتَ معه بإيجابية، ستشعر بسعادة أكبر تغمر حياتك.
14. هل تعتني بصحتك الجسدية؟
يمكن للمرء بسهولة أن يربط بين التأمل الذاتي والصحة النفسية والروحية لأنُّه يُعدُّ أمراً ينبع من داخلنا؛ فمن الهام أن نتذكر أنَّه لن نكون في أفضل حالاتنا إلا حينما يعمل عقلنا وروحنا وجسدنا بصورة مثالية. وهذا سبب كافٍ بحد ذاته دون وضع جميع الفوائد الصحية التي تعود على المرء نتيجة الاعتناء بأنفسنا بالحسبان.
15. هل تعمل على تحقيق الأهداف التي وضعتَها لنفسك؟
قال رجل حكيم ذات مرة: "إنَّ الحياة التي تحياها دون تحقيق أهدافك لا تستحق العيش". لا بدَّ أنَّه كان بالتأكيد شخصاً أنجز كثيراً في حياته؛ فلا تُعدُّ الأهداف مجرد أمور تدوِّنها في بداية كل عام؛ بل هي ما يمنح مغزىً لحياتك وصفاءً لذهنك.
16. كيف يبدو اليوم المثالي بالنسبة لك؟
يكمن جمال سؤال التأمل الذاتي هذا في أنَّك تستطيع الإجابة عنه بمئات الطرائق المختلفة خلال حياتك؛ الأمر الذي يزيد من خصوصيته؛ لذا حينما تشعر بالإحباط، اقضِ بعض الوقت لتجيب عن هذا السؤال، ثم أضِف الأمور التي توصلتَ إليها إلى حياتك اليومية لجعلها مثالية قدر الإمكان.
17. هل أنت متمسك بأمر ينبغي أن تتخلى عنه؟
حينما تجيب عن هذا السؤال بصدق، ستدرك أنَّك بحاجة ماسَّة إلى مسامحة نفسك أو غيرك؛ لذا سارِع في تحقيق ذلك؛ لأنَّ التسامح هو أحد أهم الأمور التي يمكننا القيام بها في الحياة.
18. متى كانت آخر مرة خرجتَ بها من منطقة راحتك؟
قد يبدو العيش بشكل مريح أمراً لطيفاً عند أول وهلة، إلا أنَّه يعني أنَّك تعاني من حالةٍ من الركود في حياتك؛ لذا عليك أن تنمو باستمرار لتحقِّق أقصى استفادة من حياتك، وذلك من خلال مواجهة مخاوفك والخروج من منطقة راحتك كلما وجدتَ فرصة لذلك.
شاهد بالفيديو: 20 طريقة بسيطة للخروج من منطقة راحتك
19. ما الذي ينبغي أن تغيِّره في نفسك؟
تكمن دقة هذا السؤال في أنَّه يشير إلى ما "ينبغي" وليس ما "ترغب" في تغييره في نفسك؛ حيث ينشغل كثيرٌ منا بالرغبة في القيام بأمور جديدة، إلا أنَّنا لا نتخذ الخطوات اللازمة لتحقيقها أبداً.
حينما يكون أمر ما هاماً للغاية، يصبح تحقيقه واجباً عليك؛ فالضرورات تحفِّز العمل، والذي يُحدِث بدوره التغيير في حياتنا.
20. هل تقدِّم الخدمات للآخرين؟
وفقاً للكاتب زيغ زيغلار (Zig Ziglar)، يمكنك أن تحظى بكل ما تريده في الحياة؛ فليس عليك إلا أن تساعد ما يكفي من الناس لتحصل على ما ترغب به. يمثِّل هذا الأمر أحد أسرار عيش حياة رغيدة؛ لذا ساعِد الآخرين وسيجني كلاكما ثمار حسن نيَّتكما.
21. من كان له الأثر الأكبر في حياتك؟
لن يكتمل التفكُّر في حياتك دون أن تدرك تأثير الآخرين فيها؛ ففي حياة كلٍّ منا شخص ساعَد في توجيهنا نحو الاتجاه الصحيح حينما كنا في أمسِّ الحاجة لذلك، سواء كنا ندرك الأمر أم لا؛ لذا اعترِف بفضلهم في قرارة نفسك وعبِّر عن امتنانك لوجودهم في حياتك كلما أمكنك ذلك.
22. هل حياتك ذات مغزى؟
اسأل أي شخص ناجح في هذا العالم عن أهم أمر بالنسبة له، وسوف يُجيبك بأنَّ الثروة والشهرة والنفوذ ليست ما يهم؛ بل أن يكون لحياتك مغزى يعني لك الكثير؛ حيث سيحقق لك ذلك الرضا في حياتك ويمنح معنىً لوجودك.
23. ما هو الأمر الوحيد الذي تودُّ أن يتذكره الآخرون عنك في نهاية حياتك؟
لا يتفكَّر المرء في هذا السؤال حتى آخر مراحل خريف عمره؛ ذلك لأنَّه يرتبط عادةً بامتلاك مغزىً في الحياة؛ لذا كن مبادراً واسأل نفسك سؤال التأمل الذاتي هذا في وقت مبكر من حياتك كي تتخذ من "الأمر الوحيد" هذا مَهمَّةً تسعى إلى تحقيقها.
24. هل أنت أفضل نسخة من نفسك؟
قد يَصعُب على المرء الإجابة عن هذا السؤال للوهلة الأولى، ولكنَّه في الحقيقة ليس كذلك؛ فما عليك سوى أن تسأل نفسك كل سؤال أوردتُه في هذه المقالة، ومن المؤكد أنَّك ستحصل على إجابة عن هذا السؤال.
نسعى جميعاً كي نكون أفضل نسخة من أنفسنا؛ ولكنَّنا لن نحقق ذلك ما لم ندرك ما نريده حقاً، وما الذي يمنح حياتنا المغزى الذي يلامسنا على المستوى الشخصي، وما لم نبذل كل ما في وسعنا لتقدير الأمور والأشخاص الذين يعنون لنا الكثير.
الخلاصة:
بإعادة النظر إلى هذه الأسئلة الآن، أدرِك أنَّ إجاباتي قد تغيرَت إلى الأفضل منذ الحادث الذي تعرضتُ له؛ كما أنَّني ممتنٌّ لأنَّ التجربة التي غيرَت حياتي حدثَت منذ ما يقرب من عشرين عاماً لأنَّها وجهَتني نحو مسار التطور والنمو.
لذا دعني أسألك الآن: ما هو مسار حياتك؟ أتمنى ألا تتعرض لأي تجربة مؤلمة للإجابة عن هذا السؤال؛ فكل ما تحتاجه هو طرح الـ 24 سؤالاً أعلاه.
أضف تعليقاً