إنَّها عملية دائمة من التطور النفسي والجسدي والاجتماعي والروحي، كما أنَّها مسار مستمر من التعلم وتطوير مهارات جديدة حتى بعد إتمام مراحل التعليم الرسمي.
تكمن روعة التنمية الذاتية في الإمكانات اللامتناهية التي تضعها أمامنا؛ إذ يمكنك أن تتعلم أي مجال يثير اهتمامك، وتسبر أغواره بقدر ما تريد؛ وكلما حققت النمو أكثر، وضعت قدمك على طريق حياة رغيدة واستثنائية.
لم يفت الأوان بعد على التنمية الذاتية؛ فمهما كان وضعك، الآن هو الوقت المثالي لتبدأ هذه الرحلة.
إنَّ اتخاذ الخطوة الأولى هو أصعب جزء من العملية، غير أنَّ المثابرة والمضي قدماً تفوقها صعوبة؛ ولكن لا تقلق، سنقدِّم لك كل ما تحتاجه في هذا المقال، وإليك 8 نصائح بسيطة كي تحافظ على الزخم اللازم لتحقيق التنمية الذاتية:
1. حقِّق التنمية بإيقاعك الخاص:
مع ظهور الهواتف الذكية، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية؛ فرغم أنَّ قصص النجاح التي نراها قد تثير الإلهام أحياناً، إلَّا أنَّها تدفع حتى أفضل الناس إلى الشعور بالنقص عندما تظهر بنسب أعلى وغير متكافئة مقارنة بقصص العناء الذي تكبده أولئك الناس للوصول إلى النجاح؛ إذ يمكنك أن تقارن نفسك بالآخرين عاجلاً أم آجلاً، وأن تشكك بمسار حياتك الحالية.
ولكنَّ المسألة الأهم هي اختلاف الرحلة من شخص إلى آخر؛ فبقدر ما قد يبدو هذا الكلام بديهياً، عليك أن تتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، وتقدر رحلتك الخاصة، وتسلك طريقاً يتوافق مع قيمك وحاجاتك الشخصية.
يمكنك أن تبدأ التفكير في اهتماماتك وشغفك، وتحاول استعادة ذكريات طفولتك؛ حيث يقول بيل غيتس (Bill Gates)، مؤسس شركة مايكروسوفت (Microsoft): "من المرجح أن تتفوق في أمر كان يشغل كل كيانك عندما كنت بعمر 12 إلى 18 عاماً".
في حال لم يكن هناك شيء مميز فيما مضى، فكِّر في أمر يغمر حياتك بالسعادة الآن، بحيث تقضي ساعات في الحديث عنه؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت مغرماً بمشاهدة الأفلام الأجنبية، فربَّما حان وقت تعلُّم لغتها؛ فتخيل كيف سيكون شعورك عندما تتمكن من مشاهدة فيلم دون الحاجة إلى أي ترجمة.
حالما تعثر على شغفك، ينبغي عليك أن تتحلى بالصبر، وتتذكر المثل القائل: "في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة"؛ إذ قد يبدو لك أنَّ الجميع يمضون قدماً في حياتهم بسرعة هائلة باستثنائك أنت، ولكنَّ ذلك مجرد وهم؛ وحتى لو كان صحيحاً، لا تدع ذلك يحد من دوافعك، وتحلَّ بالشجاعة لتنمو وتتطور بوتيرتك الخاصة.
2. استثمر فضولك لتطور المهارات الناعمة:
إنَّ المهارات الناعمة هامَّة بقدر المهارات الصلبة؛ وفي الحقيقة، عليك أن تطور المهارات الناعمة لتتألق في مكان العمل وتصبح إنساناً أفضل.
دعنا نتكلم عن التعاطف مثلاً، والذي يُعدُّ أحد أهم المهارات الناعمة في العمل والحياة على حد سواء، ويرتبط عادة بخوض بتجارب مماثلة في الماضي؛ ولكن كيف يمكنك التعاطف حتى وإن لم يكن هناك أي تجارب سابقة؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في التحلي بالفضول في كل شيء؛ ففي المرة القادمة التي يخبرك بها أحد أنَّه لم يعد يستطيع تحمل أمر ما، حرك فضولك وضَع نفسك مكانه قبل أن تهمَّ بالإجابة.
لنفترض أنَّك زوج يكدُّ لكسب لقمة عيشه، وتتساءل عن السبب الذي يدفع زوجتك (ربة المنزل) إلى أن تشكو كثيراً من تعبها في نهاية اليوم؛ ولكن عندما تتطوع لتأخذ دورها خلال عطلة نهاية الأسبوع، ستتفاجئ من مدى التغير الكبير الذي يطرأ على رأيك؛ إذ لا يزيد الفضول تعاطفك فحسب، بل يعزز مهارات اتخاذ القرارات لديك أيضاً، ويفسح المجال لتنمية ذاتك.
3. اتبع فلسفة كايزن (Kaizen) في التعلم، اسعَ إلى تحقيق 1% من التقدم وليس إلى المثالية:
قد يكون السعي إلى الكمال مناسباً إلى حد ما، ولكنَّ المبالغة في الأمر ستجعلك تسيء إلى نفسك وإلى الناس من حولك.
عندما تكون مهووساً بالسعي نحو الكمال، فمن الأفضل أن تعير انتباهك للتقدم الذي أحرزته بدل التطلع إلى ما لم تحرزه، وذلك كي تتجنَّب الشعور بالإحباط؛ ففي واقع الأمر، يعود السعي إلى الكمال بآثار سلبية على صحتك النفسية.
لنوضِّح الأمر أكثر، ولنفترض أنَّك مهتم بالفنون وقررت أن تجرب فن الخط؛ إذ بمجرد أن تمسك القلم، سرعان ما ستكتشف أنَّ الأمر أصعب ممَّا ظننت، وتبدو البراعة التي سبق وحلمت بالوصول إليها مَهمَّة عسيرة للغاية؛ ممَّا يدفعك إلى الاستسلام.
يجب عليك أن تكون واقعياً وتتقبَّل أنَّك لن تصبح خبيراً بفن الخط بين عشية وضحاها، ولكنَّ مهاراتك ستتحسن رويداً رويداً إذا التزمت بالتدريب يومياً؛ إذ عليك أن تغير طريقة تفكيرك، وتطمح إلى تحقيق نتيجة أفضل بنسبة 1% ممَّا كنت عليه بالأمس؛ وهذا ما يُعرَف بفلسفة "كايزن" (Kaizen Approach) أو "عملية التحسين المستمر".
توقَّف عن لوم نفسك عندما لا تحرز تقدماً سريعاً، وركز بدلاً من ذلك على إحراز نسبة 1% على الأقل من التقدم كل يوم؛ إذ ستوصلك التغيرات البسيطة والإيجابية المستمرة إلى أهدافك في نهاية المطاف.
4. ابدأ كتابة يومياتك، وتتبَّع عاداتك اليومية:
السؤال الآن هو: كيف ستعرف أنَّك تحرز تقدماً؟
إنَّ الإجابة عن هذا السؤال بسيطة للغاية، حيث عليك أن تدوِّن كل شيء باستخدام مفكرة ورقية أو إلكترونية؛ إذ يمكنك أن تنجز كل أمر تقيسه، ويساعدك تتبع وتدوين أعمالك اليومية الروتينية على تحديد الفجوات التي تمنعك من تحقيق أهدافك.
على سبيل المثال: يمكنك أن ترسم خطاً بيانياً خاصاً لتتبع وزنك واستهلاكك للسعرات الحرارية والتمرينات الرياضية التي تمارسها خلال اليوم، وذلك كي تكوِّن فكرة واضحة عمَّا يفيد أو لا يفيد هدفك في الوصول إلى اللياقة البدنية التي تبتغيها.
يمكنك أن تستخدم مفكرتك أيضاً في تطوير أو التخلي عن عادة ما؛ حيث أفادت دراسة جديدة أنَّ المرء يستغرق 66 يوماً متتالياً لاكتساب عادة جديدة يمارسها تلقائياً دون أي قوة إرادة.
يأتي أبسط تطبيق لتتبع العادات على شكل جدول يمكنك أن تُدرِج فيه جميع النشاطات التي ترغب في تتبعها في العمود اليساري منه، وأيام الأسبوع في الأعمدة التي تليها؛ لكن تذكَّر أن تكون محدداً في أثناء تدوين النشاطات، فكتابة "شرب لترين من الماء" أفضل من كتابة "شرب الماء".
إنَّ الأمر عائد إليك، سواء أردت استخدام مفكرة عادية أم فنية؛ وإذا كنت ممن يفضلون الفنية منها، فننصحك بتجربة المفكرة النقطية.
شاهد بالفيديو: 5 طرق تجعل من تدوين اليوميات عادة مكتسبة
5. عزِّز النواقل العصبية المسؤولة عن السعادة:
في أثناء مضيك في طريق التنمية الذاتية، لا تنسَ أن تحتفل بالانتصارات الصغيرة التي تحققها من خلال مكافأة نفسك بشيء لطيف.
ليس بالضرورة أن يكون شيئاً باذخاً؛ إذ يمكنك أن تستمتع بتناول المثلجات المفضلة لديك، أو أن تذهب في نزهة قرب البحيرة، أو أن تشتري شيئاً من قائمة رغباتك؛ لذا امضِ قدماً، وكافئ نفسك دون أي شعور بالذنب.
يمكن أن تحفز هذه الاحتفالات النواقل العصبية السيروتونين (serotonin) والدوبامين (Dopamine) المسؤولة عن الشعور بالسعادة؛ حيث يعمل السيروتونين (serotonin) على تحسين مزاجك، في حين يعمل الدوبامين (Dopamine) كمحفز يدفعك إلى تحقيق أهدافك لتتمكن من الاستمتاع بالمكافأة فيما بعد؛ لذا وجِّه هذين الناقلين لصالحك، وافتخر دائماً بمدى تقدمك؛ إذ لم يُخلَق العالم في يوم واحد، ولا وجود لنجاح يتحقق بين ليلة وضحاها.
6. احصل على الدعم الاجتماعي الذي تحتاجه:
لعلَّك سمعت بالفكرة القائلة: "أنت متوسط الأشخاص الخمسة الذين تقضي أغلب أوقاتك معهم"؛ ولكن ثمة بحث علمي دحض هذه النظرية؛ ذلك لأنَّك في الواقع حصيلة جميع الناس الذين تحيط نفسك بهم.
يلعب الناس من حولك دوراً كبيراً خلال رحلتك للتنمية الذاتية المستمرة؛ ذلك لأنَّهم يؤثرون في سلوكك وانفعالاتك تأثيراً مباشر ودون وعي؛ إذ يعود الناس الذين تغمرهم المشاعر الإيجابية عليك بمنافع عديدة لا تتوقف عند تقديم الدعم الاجتماعي الذي يدفعك إلى أن تكون أفضل فحسب، بل تتعداها لتنتقل تلك الإيجابية إليك أيضاً.
"إمَّا أن يلهمك الناس أو يحبطوك؛ فاختر صحبتك بحكمة"- هانس هاسين (Hans F. Hasen)
ولكن ما الذي عليك أن تفعله إذا كان الناس من حولك لا يشاركونك القيم التي تطمح إليها؟
يمكنك الانضمام إلى مجموعات على الإنترنت، أو البحث عن مجتمعات محلية؛ إذ يسهل العثور على كليهما عبر بحث سريع من خلال محرك جوجل للبحث (Google).
استخدم هذه المنصات لتبادل المعارف والآراء، أو لتعزيز دوافعك، أو لمجرد أن تنعم بإيجابية الناس؛ واحرص على التخلي عن أصدقائك السلبيين، ولا تحِط نفسك إلَّا بأولئك الذين يقدِّرون انتصاراتك الصغيرة؛ فعندما تدرك أنَّ هناك من يدعم نجاحك، سيكون ذلك سبباً كافياً لتمضي قدماً؛ إذ إنَّ الدعم الاجتماعي يعزز تنميتك الذاتية، ويجعل رحلتك أسهل.
7. ابحث عن السعادة في الأشياء الصغيرة:
لقد أثبت العلم أنَّ الامتنان أمر هام بقدر القيم الأخلاقية الأخرى؛ ولكن من الصعب أن تقدر الأمور الجيدة التي تحدث في حياتك عندما تمر بوقت عصيب، حيث يصبح المضي قدماً أقرب إلى المستحيل عندما تغرق في بحر من الأفكار السلبية.
يدرِّبك تخصيص سطر واحد يومياً لتدون عليه شعورك بالامتنان على إيجاد السعادة في الأشياء الصغيرة، حتى لو لم يحدث أي شيء جيد في حياتك الآن؛ سواء كان ذلك الامتنان للطقس الجيد، أم لحصولك على إطراء من مديرك، أم لاستمتاعك بتناول وجبة شهية، أم لشعورك بحنان قططك؛ حيث تستحق هذه الأحداث الصغيرة امتنانك وتقديرك.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك أن تبدأ أيضاً إظهار الامتنان وشكر الآخرين بصورة أكبر؛ ففي نهاية الأمر، جميعنا بنيان مترابط الأجزاء بطريقة أو بأخرى.
يساعدك التعبير عن الامتنان على أن تشعر بالرضا عن نفسك وحياتك، والذي سيدفعك بدوره إلى تنمية ذاتك بصورة أقرب إلى المثالية.
8. ركِّز على الرعاية الذاتية:
لعلَّك تعتقد أنَّ الرعاية الذاتية تعني أن تدلل نفسك، كأن تنفق مبلغاً كبيراً من المال لشراء حقيبة أو الذهاب إلى منتجع بعد أن تنجز عملاً جيداً؛ لكن إليك خبراً سيحبس أنفاسك: "لقد أسأت فهم الرعاية الذاتية".
تنطوي الرعاية الذاتية على تغذية وإثراء عقلك وجسدك بانتظام؛ حيث يتضمن ذلك أن تتناول طعاماً صحياً، وتحرص على أن تستهلك المقدار الكافي من المغذيات، وتحصل على قدر كافٍ من النوم.
إذا كان التمرين الوحيد الذي تقوم به في اليوم هو إخراج القمامة، فقد حان وقت أخذك الخطوة التالية؛ حيث يكمن السر قي اختيار تمرينات تجلب لك السعادة، كأن تمارس الجري في المتنزهات أو السباحة أو الانضمام إلى جلسات يوغا أو الملاكمة؛ إذ إنَّ ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام تسمح لدماغك بالعمل بفاعلية، وتساعدك على عيش حياة أطول؛ وتذكَّر دائماً أنَّ الجسد السليم والعقل النشيط سيساعدانك كثيراً على تنمية ذاتك.
الخلاصة:
صمِّم رحلة حياتك بالطريقة التي تناسبك، وبإمكانك أن تستمد إلهامك من الآخرين؛ ولكن تذكَّر دائماً أن تقدِّر رحلتك الخاصة.
أحسِن إلى ذاتك خلال رحلتك نحو التطور والتنمية الذاتية؛ ذلك لأنَّها في نهاية المطاف رحلة تمتد امتداد الحياة؛ فهل أنت مستعد؟
شاهد: طرق التنمية الذاتية
أضف تعليقاً