ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة تريسي كينيدي (Tracy Kennedy)، والذي تحدثنا فيه عن تجربتها في السعي إلى الكمال وخطوات التعامل معه.
يمكن أن يؤدي الإفراط في أي شيء إلى الفوضى؛ فعلى سبيل المثال: عندما تسقي الأمطار الأرض، فهي تبث الحياة في كل شيء تمسه؛ في حين أنَّ الأمطار الغزيرة قد تسبب الفيضانات، وتخلِّف الكثير من الدمار.
يسري المبدأ نفسه على السعي إلى الكمال؛ فأنت تعرف بالفعل فوائد أن تكون دقيقاً ومهتماً بالتفاصيل وحريصاً وناجحاً، ولكن يبرز التحدي عندما لا يؤدي السعي وراء هذه الأمور إلى الشعور بالعافية والإنجاز.
ربَّما يحقق سعيك المستمر إلى القيام بكل شيء على أكمل وأفضل وجه مبتغاك، لكنَّه يُكلِّفك الكثير؛ فقد يؤثر تأثيراً سلبياً في علاقاتك الشخصية وصحتك وعافيتك عموماً.
لقد عملت مع العديد من الناس الذين يسارعون إلى التعريف عن أنفسهم على أنَّهم منشدو الكمال، وقد كانوا جميعهم ينشدون الحياة والعلاقة والجسد والبريد الإلكتروني والصورة المثالية، ويتمنون أن يكونوا ذلك الرياضي أو الطالب أو الشريك أو الموظف المثالي؛ فباختصار، هم ينشدون الكمال في كل جانب من جوانب حياتهم مهما صغر شأنه أو كبر.
إنَّهم أشخاص موهوبون، وقد ساعدهم دافعهم الدؤوب على تحقيق العديد من الإنجازات العظيمة؛ ولكن رغم أنَّ الآخرين قد يشعرون بالدهشة من إنجازاتهم، إلَّا أنَّهم يتحدثون عن الشعور بالتوتر أو أي شيء آخر إلَّا الشعور بالرضا.
بعد الاستماع إلى تجارب العملاء، رأيت بوضوح شديد أنَّ السعي إلى تحقيق الكمال مقدَّر له أن يجلب الألم والإرهاق والشعور بالفشل لكونه صعب المنال.
ما هو الكمال؟
يُعرِّف القاموس الكمال على أنَّه "رفض قبول أي معيار أقل من درجة الكمال"، وتصفه إحدى الدراسات بأنَّه "رغبة غير عقلانية في الإنجاز، إضافة إلى النقد المفرط لنفسك والآخرين"؛ فهو حاجة ملحة لتلبية آمالك أو ما يرجوه الآخرون منك.
ينطوي الكمال إذاً على "الرفض وعدم العقلانية والإلحاح"، حيث تمثل هذه الكلمات مشاعر صعبة لا يستطيع أي شخص أن يتعايش معها يومياً، حيث يشعر منشدو الكمال بهذه المشاعر نتيجة الخوف الكامن والاعتقاد بأنَّهم لن يكونوا جيدين بما فيه الكفاية.
شارك برين براون (Brené Brown) -كمتحدث ومؤلف- في البرنامج التلفزيوني مدرسة الحياة (Lifeclass) الذي تقدمه مقدمة البرامج أوبرا وينفري (Oprah Winfrey)، حيث قال:
"عندما يتولى الكمال القيادة، يجلس الخجل إلى جانبه مشهراً بندقيته، ويجلس الخوف المزعج في المقعد الخلفي؛ فالكمال هو طريقة في التفكير؛ فإن كنت أبدو مثالياً، وأعيش وأعمل وأفعل كل شيء بصورة مثالية، فيمكنني حينئذ تجنب أو تقليل الخجل أو النقد أو اللوم أو تقييم الآخرين أو السخرية؛ إلَّا أنَّ الكمال درع يزن 20 طناً نحمله معنا على أمل أن يجنِّبنا الأذى، لكنَّه في الحقيقة يمنعنا يبطئنا ويمنعنا من الظهور."
كيف تسخِّر إذاً قوة الكمال لصالحك؟ كيف تحترم رغباتك وطموحاتك ودوافعك دون التسبب بإجهاد وإحباط وألم لا مبرر لهم؟
9 خطوات للتوقف عن السعي إلى الكمال:
عندما تقرأ الخطوات التالية، تذكر أنَّ الأمر لا يعني التخلص من كل شيء، وفكر بدلاً من ذلك بصورة أعمق وأوسع حول كيفية الحفاظ على تلك المعايير العالية دون التعرض إلى عواقب سلبية.
إليك هذه الخطوات التسعة:
1. اعترف:
أخبرني أحد المنتورز ذات مرة أنَّ الوعي يمثل 90٪ من الحل؛ فعندما تكون واعياً، وتعترف بأمر ما في حياتك، يفقد سيطرته عليك؛ وعندما تنقله من نمط اللاوعي إلى الاختيار الواعي، ستتولى زمام الأمور من جديد.
2. افهم:
اسعَ إلى فهم ما يغذي ميولك نحو الكمال، واعرف دافعك الأساسي وراء ذلك؛ إذ يوجد سبب يجعلك تسعى جاهداً إلى تحقيقه، فمثلاً: ربَّما تعلمت أنَّك بحاجة إلى تحقيق ذلك في مرحلة ما خلال مسيرة حياتك، أو أنَّ شخصاً ما أثنى عليك في وقت ما؛ ممَّا قد جعلك تشعر بأنَّك جدير وموثوق وهام.
ينشد الكثيرون الكمال لسد حاجتهم إلى الحب، أو بسب افتقارهم إلى تقدير الذات؛ فقد تعلمت أنَّ الكثير من سلوكي المثالي ينبع من خوفي من الرفض، ولكن من المفارقات أنَّ هذا السلوك كان هو سبب الرفض الذي كنت أحاول تجنبه.
ما الذي يمكنك فعله؟
فكر ما الذي يحفز جنوحك نحو الكمال؛ فبغض النظر عن مدى الألم أو المشكلات الناجمة عن كونك منشداً له، لا بد أنَّ ذلك يخدمك بطريقة ما؛ لذا حاول فهم الأسباب الكامنة وراء ذلك.
3. حدد العواقب:
يمكن أن يؤدي الكمال إلى انخفاض الإنتاجية، واضطراب العلاقات، ونقص الثقة بالنفس، والقلق، والاكتئاب، والأفكار الانتحارية؛ إذ قد يدفعك هذا الدافع الذي تفتخر به إلى الشعور بالندم؛ لكن عندما تقر وتعترف بالعواقب الناجمة عنه، ستضطر إلى فعل شيء ما
كيف يؤثر الكمال في صحتك وسلامتك؟ هل فاتتك فرص إنجاز أمر جديد خوفاً من أنَّك لن تستطع إنجازه على أكمل وجه؟ هل يسبب سعيك إلى تحقيق الكمال شرخاً في علاقاتك مع شريكك أو أطفالك أو أصدقائك؟ كيف يتقبَّل زملاؤك في العمل هذه الصفة؟
بصفتي قائدة ومستشارة للفريق، فأنا على دراية تامة بكيفية تأثير هذه الميول نحو الكمال على المسار الوظيفي إن لم تُدرَك وتُدَر كما يجب.
ما الذي يمكنك فعله؟
حدد ثلاث عواقب سلبية للسعي نحو الكمال على حياتك أو وظيفتك أو صحتك أو علاقاتك.
4. اعلم أنَّك جيد بما فيه الكفاية:
يقسو كثير من الناس على أنفسهم لاعتقادهم بأنَّهم غير جيدين في أمر ما؛ فعلى سبيل المثال: يظنون أنَّهم ليسوا جميلين أو مناسبين أو أغنياء أو ناجحين، أو أنَّهم ليسو آباء جيدين، وما إلى ذلك؛ فهذا هو صوت الناقد الداخلي الذي لا ينفك يحدِّثك عن عيوبك، لكن اعلم أنَّ هذا الصوت مخطئ.
أنت جيد، وقد وُلِدت جيداً بما يكفي، وستكون جيداً دائماً؛ فأنت تستحق الحب والسعادة والنجاح، بغض النظر عن الأمور التي تقوم بها أو كم أنَّك مثالي؛ وقد لا يكون الأمر قابلاً للتصديق في الوقت الحالي، ولكنَّك تدرك في أعماقك أنَّ هذه هي الحقيقة.
أعلم أنَّ الأمر ليس سهلاً؛ فأنت تميل إلى رؤية ما هو خطأ قبل أن ترى ما هو صحيح، بما في ذلك: السؤال الخطأ الوحيد في الاختبار، أو الهفوة الوحيدة في عرضك التقديمي الذي حقق الفوز للفريق، أو الثلاثة كيلوغرامات من وزنك التي لم تستطع التخلص منها مع أنَّك تخلصت من سبعة كيلوغرامات الشهر الماضي.
لذا بدلاً من التركيز على الخطأ الذي حدث، لماذا لا تقر بكل الأشياء التي تقوم بها على نحو صحيح؟ افعل ذلك على الأقل قبل محاولة اكتشاف كيفية إجراء تحسينات في المستقبل؛ وليكن شعارك الجديد: "التقدم لا الكمال".
ما الذي يمكنك فعله؟
اعترف بنجاحاتك ومواهبك ونقاط قوتك كل يوم لمدة 30 يوماً، واكتب ثلاثة أمور تجيدها؛ وكذلك ما تحبه في نفسك من سمات شخصية (طيب، محب، مجتهد)، أو نقاط قوة (الكتابة، التحدث، وظيفتك)، أو الإنجازات التي حققتها اليوم أو إنجازات العمر.
5. ابذل قصارى جهدك كل يوم:
شاركني أبي على مر السنين عبارات لا حصر لها من الحكمة؛ ومع ذلك، فإنَّ عبارة "ابذلي قصارى جهدك كل يوم" هي النصيحة التي أعتمد عليها كثيراً.
لقد اتصلت بوالدي مرات عديدة بينما كنت قلقة بشأن أمر ما قد حدث، أو ألوم نفسي، أو أتحسر على قرار اتخذته؛ وإليك كيف كانت تجري محادثتنا في كل مرة:
- أبي: هل بذلتِ قصارى جهدك؟
- أنا: نعم.
- أبي: هذا كل ما يمكنكِ فعله، ولا يمكنكِ التحكم بما يحدث بعد ذلك.
هذا أمرٌ في غاية البساطة، أليس كذلك؟ ولكن إذا توقفت حقاً للتفكير في هذا، ستجد أنَّها طريقة فعالة للتوقف عن كونك منشداً للكمال.
عندما تبذل قصارى جهدك، ستشعر بالراحة وتعيش بلا ندم لأنَّك فعلت كل ما بوسعك. قد ترغب بالتأكيد في القيام بالأمور بصورة أفضل في المرة القادمة، وهناك نقاط ضعف تحتاج إلى تحسينها مستقبلاً؛ لكن بما أنَّك لا تستطع تغيير ما حدث بالفعل، فلن يحقق استخدام طاقتك في لوم وتعذيب نفسك شيئاً على الإطلاق.
ما الذي يمكنك فعله؟
في المرة القادمة التي تلوم فيها نفسك بسبب شيء قلته أو فعلته بطريقة خاطئة، اسأل نفسك: "هل بذلت قصارى جهدي بما كنت أملك، وبما توفر لدي من معلومات؟".
إذا كانت الإجابة "نعم"، فلا تشغل نفسك بهذا الأمر، وتقدَّم نحو الأمام، واستخدم وقتك وطاقتك للقيام بالأمور بصورة أفضل في المرة القادمة.
6. استبدل الكمال:
استبدل الكمال بشيءٍ أكثر أهمية وقابليةٍ للإنجاز، وإليك هذا المثال الحي عن محادثة أجريتها مع أحد أصدقائي عن ابنتي، وهي لاعبة جمباز ناجحة تحب التنافس وكانت قد حصلت على جائزة مؤخراً.
- الصديق: هل ستشارك ابنتكِ في الأولمبياد؟
- أنا: لا، لن تشارك.
- الصديق: إذاً، لماذا تقضي الكثير من الوقت في النادي؟
- أنا: لأنَّها تحبه.
- الصديق: نعم، لكن طالما أنَّها لن تشارك في الأولمبياد، فلماذا تبدد الوقت والمال؟
- أنا: حسناً، أنت تدير شركتك الخاصة، أليس كذلك؟
- الصديق: نعم.
- أنا: هل ستكون شركتك هي الأفضل والأكثر شهرة في مجال عملك؟
- الصديق: لا، بالطبع لا، فأنتِ تعلمين أنَّ شركتنا صغيرة.
- أنا: طالما أنَّك تعلم ذلك، فلماذا تواظب على العمل في الشركة أصلاً؟
حينئذٍ استوعب الفكرة، لكنَّني كنت لا أزال قلقة من طريقة تفكيره.
إذا لم يلعب أطفالنا كرة القدم في كأس العالم، أو لم يغنوا على خشبة أضخم مسرح في البلاد، أو اخترعوا اختراعاً يتفوق على مصباح أديسون، فلماذا يستمرون في ممارسة الرياضة أو الغناء أو التعلم؟ هل هذا ما يسمعه أطفالنا منَّا؟
إذا تحدثت مع ابنتي، فستجيب بسرعة أنَّها تمارس الرياضة لأنَّها تجد الفرح والرضا والمغزى من خلال الذهاب إلى النادي، ولأنَّها تحب التحدي، حيث ترغم الرياضة جسدها على العمل بأقصى طاقته؛ وحقيقة، تروقني فكرة أنَّها تحب الرياضة؛ ذلك لأنَّني أعلم أنَّها تتعلم دروساً في الحياة ستخدم نجاحها في المستقبل.
فلماذا إذاً لا تستبدل دافعك إلى الكمال بشيء أعمق وأكثر أهمية؟
ما الذي يمكنك فعله؟
استبدل الكمال، وحدد ما هو هام حقاً بالنسبة إليك؛ فربَّما يمكنك استبدال دافعك للكمال بالطيبة أو الفرح أو الشعور بالإنجاز أو المساهمة أو الحب؛ فما هو أكثر شيء لاقى استحسانك؟
7. تقبَّل الفشل:
ربَّما سمعت قصصاً لا حصر لها عن أشخاص ناجحين استخدموا إخفاقاتهم كنقطة انطلاق لتحقيق نجاح عظيم، فقد طُرِد والت ديزني (Walt Disney) من صحيفة كانساس سيتي ستار (Kansas City Star) لأنَّ محرر الصحيفة شعر بأنَّه "يفتقر إلى الخيال وليس لديه أفكار جيدة"، وقِيل لأوبرا وينفري (Oprah Winfrey) أنَّها غير مناسبة للعمل في التلفزيون؛ وقال لاعب كرة السلة مايكل جوردان (Michael Jordan): "لقد فشلت في التسديد أكثر من 9000 مرة خلال مسيرتي الرياضية، وخسرت نحو 300 مباراة، وضيَّعت تسديدة الفوز 26 مرة. لقد فشلت مراراً وتكراراً في حياتي، وهذا هو سبب نجاحي".
سيخبرك معظم القادة ورجال الأعمال ونخبة الرياضيين الناجحين أنَّ الفشل جعلهم ناجحين؛ ولكنَّ تقبُّل الفشل ليس أمراً سهلاً على الإطلاق.
في واحدة من أولى وظائفي خارج الكلية، عملت في مشروع لإدخال مزيد من الأشخاص في برنامج ساعدت في إعداده، وكنت مقتنعة أنَّه كان رائعاً، وأنَّنا نستطيع بسهولة ملء المقاعد؛ ولكنَّني بددت الوقت والمال والطاقة محاوِلة مني لإنجاح هذا المشروع دون تقدم يُذكَر.
لقد كنت محرجة ومهزومة، وشعرت بأنَّني فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة، وبأنَّني خذلت الشركة ونفسي؛ لكن ذات يوم، وأنا منغمسة بالشفقة على نفسي، اتصلت بمنتوري وأخبرته بما حدث، فقال لي: "تريسي، الفشل حدث وليس شخصاً"، وظلت هذه الجملة عالقة في ذهني طوال مسيرتي المهنية.
فإن كنت تنمو وتكافح، فستفشل كثيراً في حياتك، وترتكب الأخطاء، وتخذل الآخرين؛ ولكن عندما يحدث ذلك، تذكر أنَّك ارتكبت خطأ، لكنَّك لست الخطأ.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لتقبّل الفشل والنهوض لتحقيق النجاح
8. أثنِ على العيوب:
ماذا لو كانت أعظم نقاط ضعفك هي أعظم نقاط قوتك؟ ماذا لو كانت محنتك هي منفعتك؟
يتحدث نابليون هيل (Napoleon Hill) في كتاب التنمية الشخصية الشهير "فكر تصبح غنياً" (Think and Grow Rich) الذي ألَّفه عام 1937 عن ابنه بلير (Blair) الذي وُلِد بعيب خَلقي، وكان مقدَّراً له أن يكون أصماً وأبكماً طوال حياته.
كان نابليون يعتقد أنَّ "محنته لم تكن عبئاً، بل رصيداً ذا قيمة كبيرة"، ويعتقد أيضاً أنَّ "كل محنة تجلب معها بذرة فيها القدر نفسه من المنفعة".
في حين لم يكن لديه أدنى فكرة عن إمكانية تحول محنة ابنه إلى منفعة، إلَّا أنَّ نابليون كان يؤمن بذلك، وقد كان محقاً؛ حيث استمر بلير في عيش حياة رائعة وناجحة، واستعاد قدرته على السمع، وكرَّس حياته لخدمة الصم وضعاف السمع وبثِّ الأمل في نفوسهم؛ ممَّا أثر إيجابياً في الملايين.
فكر في كل الأشخاص الذين تغلبوا على عيوبهم، وفي أولئك الذين كانوا مصدر إلهام لك مرات عديدة؛ ففي كثير من الأحيان، لا تخلق نقاط ضعفنا وقدرتنا على التغلب على المصاعب والمخاوف الإلهام والأمل فحسب، بل التواصل مع الآخرين أيضاً.
وكما قالت المؤلفة والمتحدثة بيترا كولبر (Petra Kolber): "لا يمكننا التواصل من خلال هذه الواجهة التي تُدعَى الكمال، فنحن نتوق الآن إلى التواصل أكثر من أي وقت مضى؛ ولكن تتحدث قلوبنا مع بعضها بعضاً، ونتعلم الدروس والعبر في اللحظات غير المثالية".
9. تراجع:
ربَّما يعيقك الكمال عن التقدم أحياناً؛ فأنت كالقطار الجامح، لا تدرك أنَّك تبدد الوقت والمال والطاقة على شيء لا يحتاج إلى الكمال؛ وعندما يحدث هذا، إليك هذه الطرائق المؤكدة للحصول على وجهة نظر أخرى:
- لا تقم بعمل من المستوى +A لتنفيذ مَهمَّة من المستوى C: حدِّد ما هو مطلوب وما هو هام حقاً، ولا تهتم بالباقي؛ حيث يُسمَّى هذا في علم الاقتصاد بـ "قانون الانتاجية المتناقصة ، وهي الحالة التي يكون فيها مستوى الأرباح أو الفوائد المكتسبة أقل من مبلغ المال أو الطاقة المستثمرة.
- تعلم كيف ترضى بالحد الأدنى: يتحدث باري شوارتز (Barry Schwartz) في كتابه "مفارقة الاختيار: لماذا المزيد أقل" (The Paradox of Choice: Why More is Less) عن قوة الرضا بدلاً من التعظيم، حيث يريد منشدو الكمال اتخاذ أفضل قرار على الإطلاق، بينما يسعى الأشخاص الذين يرضون بالحد الأدنى إلى العثور على ما هو جيد بما فيه الكفاية؛ فهم يعلمون أنَّه لا يوجد خيار مثالي أبداً؛ لذلك يسعون إلى اتخاذ قرار يلبي معظم احتياجاتهم أو متطلباتهم؛ فعندما تتعلم الرضا بدلاً من التعظيم، يمكنك اتخاذ قرارات أفضل وأسرع مع ندم أقل.
- عندما يفشل كل شيء آخر، تأمَّل: لقد أصبح التأمل نوعاً من العلاجات لكل ما يؤلمك، وهناك سبب وجيه لذلك؛ فهو يساعدك على تهدئة أفكارك، وتحقيق قدر أكبر من الوضوح، وتقليل الخوف والقلق، وخلق صمت يُمكِّنك من الوصول إلى نفسك الحقيقية؛ أي ببساطة، سيقلل التأمل ميولك نحو الكمال، ويحدُّ من مخاوفك، ويعيد ذهنك إلى حالة توازن صحية.
في الختام: الحياة رحلة من التطور والنمو:
أنت إنسان، والبشر ليسوا مثاليين؛ فنحن لسنا "أشياء" تُنجَز وتنتهي، بل كائنات دائمة التطور، حيث هناك دائماً مجال للتحسين والأخطاء، وهناك شيء جديد للتعلم؛ فالسعي نحو الكمال مَهمَّة شاقة لا تنتهي أبداً، تماماً مثل العقوبة التي حلَّت بأحد الملوك الإغريق سيزيف (Sisyphus)، حيث فُرِض عليه أن يُدحرِج صخرة كبيرة إلى قمة التل لتسقط إلى السفح في كل مرة يقترب فيها من القمة، ليعيد الكرَّة إلى ما لا نهاية.
كيف تتوقف إذاً عن السعي إلى الكمال عندما تكون منشداً للكمال بالفعل؟
الأمر بسيط: بدلاً من التركيز على الكمال، ركز على التعلم والنمو والرحلة، واجتهد كل يوم كي تصبح أفضل ممَّا كنت عليه.
أضف تعليقاً