تعدُّ اضطرابات القلق من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً، وتنقسم إلى عدة فئات: اضطراب الهلع، واضطراب القلق الاجتماعي، واضطراب القلق العام، وأنواع محددة من الرهاب.
يرتبط اضطراب الهلع عادةً بالشعور بالقلق الذي يصيبك بشكل مفاجئ، والذي غالباً ما يُطلَق عليه اسم نوبات الهلع؛ لذا، ستتعرف في هذه المقالة إلى كيفية التعامل مع القلق المرتبط باضطراب ونوبات الهلع.
أعراض نوبات الهلع:
يتَّسم اضطراب الهلع بالتعرض لنوبات هلع مفاجئة وغير متوقعة، وكأنَّها قد ظهرت من العدم، ولكن ثمة أعراض شائعة تُنذِر بحدوثها، والتي يُعدُّ تحديدها الخطوة الأولى لتتعلم كيفية التعامل مع القلق.
إليك فيما يلي الأعراض الشائعة المصاحبة لنوبات الهلع:
- صعوبة في التنفس، أو ضيق في الصدر.
- خفقان القلب، أو تسارع في نبضاته.
- تعرُّق الأطراف، أو ارتعاشها، أو ارتجافها.
- الشعور بالدوار، أو الغثيان، أو الإغماء.
- الشعور بفقد السيطرة على الذات، أو الانفصال عن الجسد.
- الخوف من الموت.
ما هي أسباب القلق؟
يمكن أن يكون للقلق العديد من الأسباب الجذرية، والتي يمكن أن تساعدك معرفتها في التعامل مع القلق بصورة شاملة:
1. استجابة الكر أو الفر:
رغم أنَّ نوبة القلق قد تُشعِرك بالوهن الشديد، إلا أنَّها في الحقيقة استجابة الجسد الطبيعية للخطر؛ حيث تحفِّز اللوزة الدماغية (amygdala) - وهي الجزء المسؤول عن تحديد المحفزات التي يمكن أن تهدد الكائن الحي - استجابة الكر أو الفر بسرعة، وتحدث هذه الاستجابة بشكل مفاجئ، ودون سابق إنذار، لتساعدك على الاستجابة للخطر بسرعة، مع ذلك.
قد تشهد هذه الآلية نشاطاً مبالغاً فيه إذا كنت قد تعرَّضت للصدمات في الماضي، أو عانيت من التوتر المفرط، أو الخوف المفرط من المستقبل؛ حيث يصبح دماغك شديد الحساسية للتهديدات المحتملة، ويرى الخطر في كل مكان؛ بالتالي، قد تسبِّب الأشياء أو الأماكن التي تبدو غير مؤذية أو الأشخاص الذين يبدون غير مؤذيين حالةً من الهلع الشديد والمفاجئ.
2. الخوف الشرطي:
لقد خَلُصت الدراسات النفسية إلى أنَّ الخوف والقلق يمكن أن يكونا شَرطيَّين؛ على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي اقتران مُثيرٍ محايد بتجربة سلبية إلى ارتباط المثير المحايد بالخوف، وبعبارة أبسط، قد يشكِّل موقف، أو شخص أو شيء لا يمثِّل أي تهديد، تهديداً بعد أن يقترن بالقلق، فعلى سبيل المثال، إذا تعرَّضتَ لنوبة هلع في أثناء القيادة، سيقترن فعل القيادة بالهلع؛ وبالتالي، قد تتحول القيادة إلى تجربة سلبية، ومصدر عام لحدوث نوبات الهلع.
3. الحالات الطبية، أو العوامل الوراثية، أو الشعور بالتوتر، أو التعرض للصدمات:
يمكن أن ينتج القلق عن حالات طبية تشبه الهلع، كاضطراب النظم القلبي (heart arrhythmia)، أو فرط نشاط الغدة الدرقية (hyperthyroidism)، مما يؤكد أهمية استشارة الطبيب عند ظهور أعراض القلق، لاستبعاد الأسباب الطبية.
قد تلعب العوامل الوراثية دوراً في تطور القلق أيضاً؛ فإذا تم تشخيص حالة أحد أقاربك من الدرجة الأولى بأنَّه يعاني من القلق، يزداد احتمال إصابتك به بنسبة 40%، كما يمكن أن ينتج القلق عن خلل في التوازن الكيميائي للهرمونات، كهرمون السيروتونين (serotonin)، والكورتيزول (cortisol)، أو حمض غاما أمينوبيوتيريك (gamma-aminobutyric acid).
بالإضافة إلى ذلك، قد يلعب التوتر دوراً هاماً في تطور اضطرابات القلق؛ فقد تكون في خطر متزايد للإصابة باضطراب القلق إذا تعرضت لضغوط كارثية أو مستمرة.
وأخيراً، يُعدُّ القلق أكثر شيوعاً عند الأشخاص الذين تعرَّضوا لتجارب تُعرَف بـ "تجارب الطفولة غير السوية" (Adverse Childhood Experiences ACEs)، والتي تشمل الإساءة، والصعوبات العائلية، والإهمال.
ما الذي يثير القلق؟
قد يكون من المحبط ملاحظة أنَّ 53% من نوبات الهلع تحدث بشكل مفاجئ للغاية، في المواقف التي لا تشكِّل أي تهديد، وعلى الجانب الآخر، يُعدُّ العمل، والقيادة، والأماكن العامة المشتركة من أكثر أسباب نوبات القلق شيوعاً، حيث تكمن معضلة اضطراب الهلع في أنَّ نوبات الهلع نفسها تولِّد حالةً من الخوف الشديد من تكرار حدوث هذه النوبات، مما يقودك إلى محاولة تجنبها؛ فقد تصاب بالهلع لمجرد محاولتك تجنب الشعور به، ويمكن أن يدخلك ذلك في دوامة من الإحباط إذا كنت لا تعرف كيفية التعامل مع القلق، والابتعاد عن الهلع حينما تظهر الأعراض الأولى.
كيف تتعامل مع القلق باستخدام تقنيات المساعدة الذاتية؟
الآن بعد أن تعرَّفت على أعراض القلق وأسبابه، يمكنك أن تبدأ في تطوير تقنيات لمكافحته.
1. ممارسة التنفس العميق:
تُعدُّ صعوبة التنفس من أكثر أعراض القلق شيوعاً؛ حيث يمكن أن يحدَّ التنفس الضحل من تدفق الهواء، ويزيد من الشعور بالتوتر والقلق، بينما يصل التنفس العميق (والمعروف أيضاً باسم التنفس البطني العميق) إلى كامل سعة الرئتين، ويحافظ على الهدوء؛ ولتتمكن من ممارسة التنفس العميق، ما عليك سوى اتباع الخطوات التالية:
- وضعِ إحدى يديك على بطنك، والأخرى على صدرك، ثم محاولة إرسال أنفاسك إلى الجزء السفلي من الرئتين؛ حيث ستشعر بأنَّ بطنك يتمدد عند الشهيق، ويتقلص عند الزفير.
- محاولة القيام بذلك وأنت مستلقٍ على ظهرك في حال لاحظت أنَّ صدرك يرتفع أكثر من بطنك، وإذا كنت لا تزال تواجه صعوبات، فحاول التنفس في كيس ورقي، كما يمكنك أن تتنفس من أنفك ببطء، ثم تُخرج الهواء بالكامل من خلال فمك كحل بديل.
يتطلب التنفس العميق ممارسةً مستمرة؛ إذ لا بأس إن لم تنجح المحاولة الأولى، كما من الهام أيضاً أن تتدرب حينما تشعر بالهدوء.
2. ممارسة اليقظة الذهنية:
تتمحور اليقظة الذهنية ببساطة حول تركيز الاهتمام على لحظات الحاضر؛ حيث تبين أنَّ ممارستها كفيلة بتخفيف أعراض الاكتئاب والقلق؛ إلى جانب قدرتها على تعزيز جودة حياتك، كما يمكن أن يكون استخدام الحواس الخمس مفيداً إذا ما كنت مبتدئاً.
تُدعى تقنيةٌ من التقنيات التي تركِّز على الحواس الخمس بتقنية "الرجوع إلى الواقع"؛ فهي طريقة بسيطة وسريعة كي تعود إلى اللحظة الراهنة، وتستعيد إحساسك بالهدوء؛ لذا جرِّب نشاط "الرجوع إلى الواقع" من خلال الخطوات الآتية:
- ملاحظة خمسة أشياء يمكنك رؤيتها.
- ملاحظة أربعة أشياء يمكنك لمسها.
- ملاحظة ثلاثة أشياء يمكنك سماعها.
- ملاحظة شيئين يمكنك شمَّهما.
- ملاحظة شيء يمكنك تذوقه.
كرِّر ممارسة هذا النشاط بقدر ما تشاء في أثناء تعلُّمك كيفية التعامل مع القلق، لأنَّه سيمنحك هدوءاً عارماً.
3. تجنُّب المنبهات والتدخين:
وكما ذكرنا سابقاً، يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الهلع من حساسية مفرطة للأحاسيس الجسدية التي تحاكي حالة الهلع، وقد تؤدي المنبهات، التي تتضمن القهوة، وأدوية الزكام، والعقاقير التي يتم تناولها دون وصفة طبية، إلى تحفيز استجابة الكر والفر، كما أنَّ الأشخاص المصابين باضطراب الهلع شديدو الحساسية لاضطرابات التنفس؛ إذ يمكن أن يحدَّ التدخين من تدفق الأوكسجين إلى الدماغ، مما يزيد من معدل ضربات القلب، وقد يؤدي إلى التعرُّض للهلع.
4. معرفة المزيد حول القلق:
غالباً ما يُنصح بممارسة العلاج بالقراءة (Bibliotherapy)، إلى جانب تلقِّي الدعم العلاجي النفسي، والذي يعني ببساطة قراءة الكتب التي تقدِّم سبل التطوير الذاتي كجزء من العلاج النفسي.
كيف يُعالَج القلق بمساعدة خبير:
لا يمكن أن يشخِّص، ويُعالِج اضطراب الهلع سوى معالج نفسي، أو طبيب يحمل رخصةً تخوِّله لذلك؛ لذا قد يكون من المفيد أن تستشير خبيراً في حال لاحظت تغيرات كبيرة في سلوكك، أو أفكارك، أو مزاجك نتيجة القلق، وفيما يلي بعض الطرائق المُتَّبعة لعلاج القلق:
1. العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive-Behavioral Therapy):
لقد شاع الاستشهاد بالعلاج المعرفي السلوكي (CBT) بوصفه أكثر علاجات القلق فعاليةً؛ إذ لا يمكن أن يَستخدِم العلاج المعرفي السلوكي (CBT) إلا اختصاصي محترف، ويمكن أن يفيدك للغاية خلال تعلُّمك كيفية التعامل مع القلق.
يتألف العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من ثلاثة مكونات، وهي: الاسترخاء، وإعادة الهيكلة المعرفية، والعلاج بالتعرض.
- العلاج بالاسترخاء: قد يعمل المعالج النفسي على تطوير استراتيجيات الاسترخاء، والتي قد تشمل ممارسة التنفس لخلق إحساس بالاسترخاء، كما ستتعلم كيفية التعامل مع القلق من خلال مهارات التأقلم، والتي يمكنك الاستفادة منها خارج جلسات العلاج.
- إعادة الهيكلة المعرفية: عليك أن تتوقع استكشاف أسباب حدوث الهلع في أثناء العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، بما في ذلك الأفكار، أو الأحداث، أو الإشارات الجسدية؛ لذا، تساعد تقنيةٌ تُدعى إعادة الهيكلة المعرفية في استبدال الأفكار السلبية التي تسبِّب الهلع بأخرى أكثر واقعيةً، وإيجابية.
- العلاج بالتعرض: ثمة نوعان من العلاج بالتعرض، واللذان يشيع استخدامهما في أثناء تعلُّم كيفية التعامل مع القلق: ينطوي النوع الأول على التعرض البيئي للمواقف التي تثير الهلع، والذي يسمى العلاج بالتعرض الحي، وأما النوع الثاني فيتمحور حول التعرض لأعراض الهلع الجسدية، والذي يُعرف بالتعرض التفاعلي.
2. التخلص من القلق الذي يصحب زيارة طبيب نفسي:
من الشائع أن تشعر بالتوتر عند زيارة طبيب نفسي؛ وقد تزيد أعراض الهلع لدى بعض الأشخاص لمجرد ذكر عبارة المعالجة النفسية؛ لذا، من الهام ممارسة تقنيات المساعدة الذاتية قبل أن تحضر جلستك الأولى، حيث يقدِّم العديد من الأطباء النفسيين خدمات عبر الإنترنت بسبب جائحة فيروس كورونا؛ حيث أظهرت الدراسات أنَّ العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من خلال الإنترنت يضاهي فعالية العلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي يتم بشكل شخصي.
شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك
كما يمكن أن يكون العلاج عبر الإنترنت مفيداً للأشخاص الذين لا يخرجون من المنزل إلا قليلاً جداً، بسبب اضطرابات الهلع الناتجة عن رهاب الخلاء (الخوف من الحشود، أو من مغادرة المنزل، أو من الدخول في حالة يصعب الهروب منها).
الخلاصة:
من الهام أن تثقِّف نفسك حول أعراض، ومحفزات، وأسباب اضطراب الهلع أو نوبات الهلع، فمن المحبط التعايش مع القلق يوماً بعد يوم، ولكن من الممكن تعلم كيفية التعامل معه، وعيش حياة ملؤها الهدوء والتركيز، ولست مضطراً لأن تعاني من الأمر في صمت، أو أن تحيا حياةً محدودةً للغاية؛ فثمة حلول تضمن إنهاء معاناتك، سواء اخترت استخدام تقنيات المساعدة الذاتية، أم اللجوء إلى العلاج النفسي؛ لذا فإنَّ أهم ما في الأمر هو أن تأخذ أول خطوة في مشوارك نحو الشفاء.
أضف تعليقاً