كيف تتعامل مع مشاعر الإحباط؟

وضَّح الكاتب والمحاضِر الأمريكي "ديل كارنيجي" (Dale Carnegie) سبب الإرهاق الذي يصيبنا بأفضل طريقة حين قال: "ينتج الإرهاق غالباً عن القلق والإحباط والاستياء، وليس فقط بسبب العمل".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن رائد الأعمال "جون رامبتون" (John Rampton)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في التعامل مع مشاعر الإحباط.

نتعرَّض جميعنا للشعور بالإحباط، فهو استجابة طبيعية للتوتر، فسواء انقطع الإنترنت خلال اجتماع افتراضي، أم تقف في طابور طويل بانتظار شيء ما، أم هناك مَن يعمل على مشروع بناء في الشارع الذي تقيم فيه في أثناء العمل من المنزل، تؤدي جميع هذه الأمور إلى التعب والإرهاق.

تُعَدُّ هذه بالتأكيد أمثلة محبطة، لكنَّها أيضاً مؤقتة؛ حيث سيعود الإنترنت، وسيتحرك الطابور، وفي وقت ما، سيتوقف العمل على البناء، ومع ذلك، هناك أيضاً عوامل طويلة الأمد تسبب التوتر، كعدم الرضا عن العمل، أو التعامل مع أحد أفراد الأسرة، أو الفشل في الوصول إلى هدف في الحياة مثل بدء مشروعك الخاص.

ونتيجةً لذلك، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاعر سلبية أخرى مثل الغضب والقلق والاكتئاب وسرعة الانفعال وفقدان الثقة والتوتر؛ حيث يمكن - في حال عدم معالجة هذه المشاعر - أن تؤثر في صحتك وسلامتك، ويمكن أن تكون أيضاً عبئاً على علاقاتك إذا كنت تفقد أعصابك باستمرار.

علاوة على ذلك، يمكن أن يتسبَّب ذلك في الاستسلام والوقوع فريسة لوم الذات، الأمر الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة وعدوانية، كما يقود الإحباط أيضاً إلى المعاناة من الكوابيس، ومع ذلك، يمكن أن يكون الإحباط مفيداً في بعض الحالات، فقد يُعلمك أنَّك على استعداد لتغيير مرحلة من حياتك الشخصية أو المهنية، كما يمكن أن يذكِّرك أيضاً بشغفك وكيفية حل المشكلات بطريقة أفضل وأكثر إنتاجية.

بصرف النظر عن كيفية استفادتك من مشاعر الإحباط، ما زلتَ بحاجة إلى إيجاد طرائق للتعامل معه وتوجيهه، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فيمكن أن يتداخل ويؤثر في جميع جوانب حياتك، ولحسن الحظ، إليك هذه الطرائق العشر التي يمكنك تجربتها:

1. التصالح مع حالة الإحباط:

تقول المعالجة النفسية "إيمي مورين" (Amy Morin): "يمكن أن نتعلم كيف نتحمل الإحباط؛ حيث يمكنك تقليل شدة إحباطك من خلال الممارسة والتفاني المستمر، وتعلُّم التعبير عن مشاعرك، كما تستطيع الاستعانة بالنصائح الآتية لجعل ذلك ممكناً أكثر:

  • تقبَّل المواقف الصعبة: عندما تجد نفسك تعاني من ظلم الحياة، فكِّر فيما إذا كانت تلك حالة يمكنك تغييرها أو تغيير طريقة استجابتك لها، فإذا كانت تلك الحالة الصعبة خارجة عن إرادتك، فركِّز فقط على تقبُّل الموقف.
  • دعِّم نفسك: ذكِّر نفسك دائماً أنَّه يمكنك التعامل مع مشاعر الحزن، وحاول أن تأخذ نفساً عميقاً وتَعُدَّ إلى الرقم 10 كلما شعرت بالضيق.
  • تعلَّم كيفية الشعور بالهدوء والاطمئنان: جرِّب تمرينات التنفس أو التأمل أو الاسترخاء التدريجي للعضلات لخفض معدَّل ضربات القلب وضغط الدم.
  • تدرَّب على تحمُّل الإحباط: افعل عمداً شيئاً محبطاً إلى حدٍّ ما، مثل العمل على حل أحجية صعبة أو الانتظار في طابور طويل، وعالج ذلك ذاتياً، واستخدم مهارات التأقلم الصحية للتعامل مع مشاعرك".

2. الانفراد بالذات:

إذا كانت كثرة الناس حولك تُسبِّب لك الغضب وتجعلك شخصاً عصبياً، فربما أنت تعاني من "الصداع البشري" (Human Hangover)، وأفضل علاج للتخلص من تلك السموم هو الانعزال والوحدة.

لا يُعَدُّ الانفراد والوحدة حلاً مناسباً للجميع، ولكن يتيح لك منح نفسك قليلاً من الوقت لتقضيه وحدك التفكير والاسترخاء، ويمكن أيضاً أن يطلق العنان لإبداعك، ويمنحك فرصة للتخطيط لحياتك، كما أنَّه مفيد أيضاً لصحتك العقلية.

ليس عليك الاختفاء والاختباء في مكانٍ منعزل لمدة أسبوع؛ حيث يكفيك في بعض الأحيان ممارسة المشي لمدة 30 دقيقة فقط، وفي أوقات أخرى قد تحتاج فقط إلى أمسية تقضيها مع نفسك.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تدفعك للحديث عن مشكلات الصحة العقلية التي تعاني منها

3. تشتيت الذهن:

كانت إحدى أفضل الطرائق لتخفيف حالة الغضب عند الطفل الناتجة عن عدم إتمامه لمهمة معينة هي تحويل انتباهه إلى شيء آخر مختلف تماماً عما يقوم به، وهذه أيضاً تقنية في إمكانك استخدامها.

لنفترض أنَّك تماطل في مهمة ما وبدأَت هذه المهمة بالفعل تُسبِّب لك الغضب، فقط توقف عن العمل، واختر مهمة أخرى من قائمة مهامك وباشر العمل عليها، وإذا كنت في حالة سيئة حقاً، فقد ترغب في القيام بشيء يبعث على الاسترخاء، مثل ممارسة الرياضة أو القراءة، وهذه طرائق صحية للتخلص من المشاعر السيئة والقوية والحفاظ على تركيز عقلك على شيء آخر.

4. تغيير طريقة التفكير:

يمكن لتقنيةٍ مثل التخيل الإيجابي أن تكون طريقة أخرى لإلهاء نفسك بأسلوبٍ صحي؛ وذلك لأنَّ هذا يشجعك أساساً على تحويل تركيزك إلى شيء أكثر متعة، ومع ذلك، فإنَّ الإيجابية لن تعالجك دائماً من إحباطك.

"ويمكن أن تساعدك هذه الطريقة أيضاً على توجيه تفكيرك إلى مسار جديد"، كما تقول منسقة إعادة التأهيل "رايتشيل شارب" (Rachel Sharpe) في مدونة الصحة الذهنية "تنظيم العقل" (Declutter The Mind)، وتسأل أيضاً:

"هل سبق لك أن اكتشفتَ أنَّك تستسلم لفكرةٍ سلبيةٍ وتتعمق بها أكثر؟ وبطريقةٍ ما تتضخم هذه الفكرة بحيث لا يمكنك التحكم بها؟ عندها، لو ردَّدت كل العبارات الإيجابية التي تريدها، فلن تكون قادراً على الخروج من هذه الدوامة المحبطة.

عندما تتملكك فكرة سيئة عن نفسك، فكر في بعض الأدلة المخالفة لهذه الفكرة، على سبيل المثال: إذا نسيت شراء البيض من متجر البقالة، فلا تُقنع نفسك أنَّك شخص كثير النسيان؛ وذلك لأنَّ هذا الأمر سيتحول إلى صفة دائمة عند ارتكاب مثل هذه الأخطاء البسيطة، وبدلاً من ذلك، فكِّر في سرك، وقل: "لقد نسيتُ شراء البيض لأنَّني لم أُدرجه في قائمة المشتريات؛ نظراً لأنَّني مشغول أكثر من المعتاد اليوم ويمكنني شراؤه غداً"، بهذه الطريقة، تفسر سبب عدم شراء البيض، كما تثبت أيضاً أنَّ المشكلة قابلة للحل".

شاهد بالفديو: 8 علامات تخبرك بضرورة تغيير طريقة تفكيرك

5. إهمال الإطار الزمني:

هناك أوقات يمكن أن تكون قادراً فيها على الالتزام بالمواعيد النهائية، على سبيل المثال: إذا اضطررتَ إلى المغادرة الساعة 11:30 صباحاً لمقابلة صديق لتناول طعام الغداء، فيمكنك استخدام ذلك الموعد لتحفيزك على إنجاز أهم أعمالك أولاً.

ومن جهة أخرى، يمكن أن تضعنا المواعيد النهائية غير الواضحة أيضاً تحت تأثير ضغطٍ كبير، ونلوم أنفسنا عندما نفشل في الالتزام بهذه المواعيد؛ لذا قد يكون من الأفضل في بعض الأحيان، التركيز على سير التقدُّم والتخفيف من الأُطر الزمنية الصارمة.

لنفترض أنَّك أردتَ أن تخسر 10 كغ في شهر، قد يكون في ذلك قليلاً من الجهد والعمل، ولكن إذا فقدتَ 5 كغ فقط خلال تلك الفترة، فتمنح نفسك دعائم لاستمرار فقدان الوزن حتى لو لم تصل إلى هدفك النهائي.

6. التحلي بالجاذبية:

لا يتعلق الأمر بالغرور، ولكن بدلاً من ذلك، سيجعلك أكثر سعادة ويساعدك على تعزيز علاقاتك؛ لذا يجب عليك أيضاً أن تذكِّر نفسك دائماً بعدم الإصرار على الأشياء التي لا يمكنك التحكم بها، وبدلاً من ذلك، ركِّز على ما يمكنك التحكم به وفعله.

عندما يكون الناس كرماء ومرحين وودودين ومخلصين ومحبين، ففي المقابل، يحب الآخرون الاستمرار في علاقاتهم معهم، فلا يوجد شيء أكثر جاذبية من ذلك، ولكن ما الذي يتطلبه الأمر حقاً لتصبح أكثر جاذبية؟ يتعلق ذلك بتقدير حياتك؛ حيث تعود معظم متاعب الناس، إلى عدم تلبية توقعاتهم، فتتوقع أن يتصرف الناس معك بطريقة معينة، لذلك أنصح دائماً بأن تبادل توقعاتك بالتقدير، وستتغير حياتك كلها على هذا النحو.

إذا كان في إمكانك فقط البدء في تقدير الأشخاص من حولك، والأشياء التي لم تكن تلاحظها، ستعيش في حالة جيدة، وسيجد الآخرون أنَّ استمرار علاقتهم بك أمرٌ جذاب وممتع، فالأمر بسيط للغاية".

7. استخدام الإحباط كعامل مساعد:

ربما تجاهلتَ يوماً بعض الآراء السلبية عنك بأنَّه لا يمكنك القيام بأمرٍ ما واكتفيت بتحريك كتفيك قائلاً: "لا يهم"، ولكن ربما دفعك ذلك إلى اتخاذ إجراء لتغيير شيء ما فيك.

يقول الدكتور "بيرتوس جيرونيموس" (Dr. Bertus Jeronimus) الأستاذ المساعد في كلية العلوم السلوكية والاجتماعية: "أحد الجوانب الرائعة للإحباط أنَّه نوع من الأدوات التي يمكن أن تساعدنا على تحديد احتياجاتنا أو أهدافنا التي تم تجاهلها، والتي ربما لم نكن على علم بها، ومن ثمَّ فالإحباط ليس بالضرورة أمراً سيئاً؛ وذلك لأنَّه يساعد على تحديد المشكلات، ويمكن أن يكون - مصحوباً بشعور عدم الراحة - حافزاً للتغيير نحو مساراتٍ مختلفة أو نتائج أكثر صدقاً، فعندما يشعر الناس بالإحباط، فإنَّهم يبذلون جهوداً أكبر ويسعون في اتجاهات أخرى، فكما قال "توماس إديسون" تماماً: "أنا لم أفشل؛ بل وجدتُ 10000 طريقة لا يمكن للمصباح العمل بها".

8. التفكير بشخص يكون قدوة لك:

أتذكر المرة الوحيدة التي حصلتُ فيها على حرمان مؤقت من الذهاب إلى المدرسة؛ حيث كانت أمي غاضبة جداً، ولكنَّ ما جرحني حقاً حينها وترك أثراً سيئاً في نفسي هو عندما قالت: "لم يكن جدك ليفعل ذلك"، لطالما كنتُ معجباً بجدي، وأردتُ دائماً أن أكون مثله تماماً؛ لذا فإنَّ هذه الكلمات لم تكن مؤلمة فحسب؛ بل إنَّها وضعَت الأمور في نصابها.

وحتى يومنا هذا، عندما أكون مشغولاً أو قلقاً حول أمرٍ ما أو في موقفٍ محفوفٍ بالمخاطر، أسأل نفسي دائماً "ماذا كان سيفعل جدي؟" أعلم أنَّه إذا شعر بالإحباط، فلن يصرخ أو يصب جام غضبه على الآخرين؛ بل كان يأخذ أنفاساً عميقة، ويغمض عينيه، ثم يستجيب للمشكلة بهدوءٍ كامل.

شاهد بالفديو: 6 خطوات بسيطة تساعدك لتختار قدوتك في الحياة

9. التجاهل:

إذا كنتَ قد شاهدتَ فيلم "سيد الخواتم" (Lord of the Rings)، أحد أفلام المخرج "بيتر جاكسون" (Peter Jackson)، فقد توافق على أحد أكثر المشاهد التي لا تنسى مع شخصية "غاندالف" (Gandalf) واقفاً فيه أمام شخصية "بالروغ" (Balrog)، ويقول: "لن تمر".

ولكن ما هي علاقة ذلك بالإحباط؟ يؤدي التمسك بهذا الكم من المشاعر السلبية إلى تفاقم القلق والتوتر ويزيد خطر الإصابة بأمراض القلب التاجي، وإلى جانب ذلك، إنَّ تعلُّم كيفية التخلي يمكن أن يرفع من مستواك ويجعل علاقاتك أقوى.

10. التفكير بعمق وتركيز:

يقترح الدكتور "آدم جرانت" (Adam Grant)، وأستاذ علم النفس في "كلية وارتون" (The Wharton School) في "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania)، أن نتبنى الأهداف أو الخطط الصعبة، فقد اتضح أنَّنا نكون أكثر حماسةً وتحفيزاً مع الأهداف الطموحة.

ونشر أيضاً في صحيفة "ذا نيويورك تايمز" (The New York Times): "تُظهر عقود من الأبحاث أنَّ الأهداف المحددة والصعبة للغاية تحفزنا على العمل بجدية وذكاءٍ أكبر؛ حيث يفضِّل معظمنا العمل على مهمة نسبة النجاح فيها 50% على العمل على مهمة سهلة الإنجاز".

وللتأكد من أنَّك لا تنحرف عن المسار الصحيح، ذكِّر نفسك بأنَّ الخطوات التي تخطوها تقربِّك من تحقيق أهدافك، والطريقة الواضحة للقيام بذلك هي تقسيم الأهداف الكبيرة إلى أهداف صغيرة يسهل التحكم بها.

المصدر




مقالات مرتبطة