كيف تتخلص من القلق؟

تُعَدُّ اضطرابات القلق من أكثر الحالات النفسية شيوعاً في الولايات المتحدة، وفي الواقع هناك حوالي 40 مليون حالة من القلق لدى البالغين كل عام في سن 18 وما فوق؛ أي ما يقارب 18.1% من عدد السكان، وقد زادت جائحة كوفيد-19 الوضع سوءاً فيما يتعلق بالسلامة الذهنية العامة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "ديانا ريتشي" (Deanna Ritchie)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في التغلب على الإحساس بالقلق.

ليس من الصعب معالجة حالات القلق تلك، وهناك بعض الخطوات التي يمكنها مساعدتنا على التغلب عليه، لكن بالنسبة إلى بعض المصابين به فتجب مراجعة المتخصصين.

وفي كلتا الحالتين، إن أراد أحدنا تخفيف القلق، فما عليه إلا أن يبدأ، فكما يقول أسطورة التنس "آرثر آش" (Arthur Ashe): "ابدأ من حيث أنت، واستخدِم ما لديك، وافعل ما بوسعك".

اعرف عدوَّك؛ القلق:

الحديث عن السلامة الذهنية ليس بالعمل المحبب بالنسبة إليَّ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى غيري من الناس، وشعوري هذا ليس لأنَّني أعاني من القلق؛ بل لأنَّ الحديث عنه يجعله أكثر سوءاً، ولأنَّني شخصياً أتحفظ على استخدام كلمة (ذهنيٍّ)؛ ذلك لأنَّ القلق برأيي مشكلة كأي مشكلة جسدية.

يشرح أحد العاملين في مستشفى "ماكلين" (McLean Hospital) القلق بقوله: "هو استجابة أجسامنا للتوتر، على سبيل المثال: عندما نواجه خطراً، فإنَّ أجسامنا تستجيب لهذا الخطر".

ويستجيب جسدنا بشكلٍ مماثل لعاطفة الخوف؛ حيث إنَّ أجسادنا تستجيب بالقلق للتهديد سواء كان وهمياً أم فعلياً، وينتج هذا عن توقُّع ما سيحصل في المستقبل.

من الطبيعي أن تتسبب بالقلق مواقف مثل انتظار نتائج تحاليل طبية، أو التحضير لمقابلة توظيف، أو التحدث أمام جمهور، لكنَّها تتطور لتصبح مشكلةً إن تجاوز الأمر الخوف أو التوتر العابر.

يكون الشخص المصاب باضطراب القلق قلقاً على الدوام أو يقلق بسهولة حول أمور عدَّة، فالخوف العابر أمرٌ طبيعي، لكن إن طالت مدة المشاعر المصاحبة للقلق، فيمكن أن تزداد سوءاً مع الوقت.

تشير الأبحاث إلى أنَّ اضطرابات القلق يمكن أن تسبِّبها عوامل بيئية ووراثية، كالتعرض لأحداث مسببة للقلق في مرحلة الطفولة، ومن الممكن أن تسبب العديد من الأعراض إذا ما تمَّ إهمالها:

إقرأ أيضاً: أعراض الإرهاق الذهني وطرق التَّغلب عليها

عموماً، يمكن للقلق أن يؤثر سلباً في نواحي الحياة كافةً، ولذلك يجب معالجته على الفور، وإليك إحدى عشرة استراتيجية للبدء بها:

1. التركيز على الوقت الحاضر:

يرتبط القلق بالخوف من المستقبل، ولكي تتغلب على تلك الهموم، يقول "تامار تشانسكي" (Tamar Chansky) الدكتور في علم النفس ومؤلف كتاب "حرِّر نفسك من القلق" (Freeing Yourself from Anxiety): "أعد نفسك إلى الحاضر"، ولتفعل ذلك، اسأل نفسك هذه الأسئلة:

  • ماذا يحدث الآن؟
  • هل أنا بأمان؟
  • هل هناك ما يجب أن أفعله الآن؟

السؤال الذي أراه مفيداً: "ما الذي تقوله لنفسك؟" عندما تعلَّمتُ هذه التقنية للمرة الأولى، كان عليَّ الإصغاء إلى صوتي الداخلي، واكتشفتُ أنَّني أعاني من "متلازمة المحتال" وأقول أشياء سيئة لنفسي، فكان ذلك الصوت الداخلي يقول لي" أنتِ بلا قيمة، تذكَّري هذا" و" أنتِ نكرة وسوف تظلِّين نكرةً" و"سوف تفشلين في عملك، وتخذلين الناس دائماً".

لن تقول هذه الأشياء لألد أعدائك، فلِمَ تقولها لنفسك؟ احذر مما تقول لنفسك.

ما تحتاج إلى فعله هو أن تُخصِّص وقتاً آخر لمخاوفك، ويُفضَّل أن تؤجلها لوقت متأخر خلال اليوم كي لا تشوشك كثيراً.

2. التنفس العميق:

التنفس المنتظم من البطن يريح الجسم بسرعة، بالإضافة إلى ذلك من السهل ممارسته، وهو غير مكلف، ويمكن فعله في أي مكان وزمان، وكي تبدأ، اتَّبِع هذه الخطوات:

  • اجلس في وضعية مريحة، وأغمِض عينيك، وتنفَّس.
  • ضع يدك على بطنك، وضع الأخرى على صدرك، وخذ شهيقاً في أربع ثوانٍ، ثمَّ احبس نفسك لمدة ثلاث ثوانٍ، وبعد ذلك أخرِج الهواء في أربع ثوانٍ، واشعر بيدك تتحرك نحوك في أثناء الزفير وبعيداً عنك في أثناء الشهيق.
  • ركِّز فقط على الإحساس بتنفُّسك.
  • إذا تشتَّتَ تفكيرك، فأعِد التركيز على التنفس.
  • كرِّر الأمر حسب الضرورة.

السبب في كونه أمراً فعالاً، هو أنَّه يجعلك تركز على الحاضر ويبطئ من ضربات قلبك، فكِّر في تمرينات التنفس وربما تفكر في تمرينات التأمل فيما بعد.

إقرأ أيضاً: فوائد تمرينات التنفس للعقل والروح والجسد

3. تقنية 5-4-3-2-1:

إنَّ تقنية العد تنازلياً هي طريقة أخرى سهلة وسريعة لتساعدك على تهدئة القلق عندما يسيطر عليك.

  • خمسة: اذكر خمسة أشياء تراها، يمكن أن تكون أي شيء، طائر خارج نافذتك أو لوحة على جدار الغرفة على سبيل المثال.
  • أربعة: والآن اذكر أربعة أشياء يمكنك لمسها، أي شيء كاللعبة التي على مكتبك، أو شعرك، أو حتى الأرضية التي تقف عليها.
  • ثلاثة: اذكر ثلاثة أشياء يمكنك سماعها، مثلاً طائر يزقزق، أو صوت تكييف الهواء، أو صوت تنفُّسك.
  • اثنان: اذكر شيئين تستطيع شم رائحتهما، القهوة أو عطرك.
  • واحد: والآن اذكر طعم شيء ما، كنكهة علكة تقوم بمضغها.

تعمل هذه التقنية بشكل رائع عندما تمارسها مع التنفس البطيء والعميق.

4. اللغة الإيجابية:

تظهر الأبحاث الذهنية - الجسدية أنَّ الكلمات التي نقولها لها تأثير قوي في كيفية شعورنا، فمعظم الذين يعانون من القلق يقولون كلاماً سلبياً - يُعرَف أيضاً باسم "كلمات الضحية"، ومن شأنه أن يدمر الثقة بالذات ويزيد من شعور فقدان السيطرة.

تطيل كلمات الضحية أمد القلق والخوف وتخلق نبوءة سلبية ذاتية التحقق ينتج عنها أفكار مقلقة وأعراض جسدية، وللتغلب على كلمات الضحية، استبدِلها بكلمات "قوية" تحفز قيمة الذات.

على سبيل المثال: حوِّل جملة "لا أستطيع السيطرة على القلق" إلى "أستطيع السيطرة على القلق، أنا أتعلم مهارةً جديدة لأتغلب عليه"، فيمكنك أن تستبدل أيضاً "لا يجب أن أتأخر على العشاء" إلى "ربما أتأخر على العشاء، وهذا مؤسف، لكن لا بأس".

تخيَّل طاقتك الداخلية على أنَّها عضلة كباقي عضلات جسمك، كلما مرَّنتَها أكثر، قَوِيَت أكثر وشعرتَ بقدرتك على الإنجاز أكثر، ومع التمرين ستتمكن من تخفيف القلق.

شاهد بالفديو: 9 طرق لتزيد الإيجابية في حياتك

5. تقنية استرجاع الذكريات:

تقترح "جورجيا فوستر" (Georgia Foster) و"فيرجينيا ألكسندرا" (Virginia Alexandra) مؤلفتا كتاب "علاج القلق في 3 دقائق" (The 3 Minute Anxiety Fix) النظر إلى ألبوم الصور لديك عندما تشعر بالقلق والتوتر، فلا بُدَّ أنَّها مخزَّنة في هاتفك ويمكنك الوصول إليها متى أردتَ، وتنفع هذه التقنية؛ ذلك لأنَّها تعيد لك ذكرياتٍ رائعة.

يقال أيضاً إنَّ تشغيل أغنية مفضلة وقراءة اقتباسات حكيمة تساعد على صرف ذهنك عما يقلقه.

إقرأ أيضاً: كيف يحدث استرجاع الذاكرة طويلة الأمد؟

6. تطبيقات التأمل:

تُوفِّر تطبيقات التأمل الذهني مثل "هيد سبيس" (Headspace) و"كالم" (Calm) خطواتٍ من أجل التأمل للمساعدة على التخفيف من القلق وعلى التركيز والنوم، وأفضل ما في الأمر أنَّ هذه التأملات لا تستغرق وقتاً طويلاً.

صدِّق أو لا تصدق، لا يستغرق التأمل سوى دقيقتين ليخفف القلق، وأنا أواظب على استخدام تطبيق "كالم" (Calm)؛ وذلك لأنَّه يحوي مجموعةً واسعة من العروض على التطبيق للتغيرات المزاجية ومواقف مختلفة، على سبيل المثال يمكنك من خلاله الاستماع لقصة ما قبل النوم.

7. التصنيف والحفظ:

هل سبق لك أن بقيتَ مستيقظاً في فراشك قلقاً حول أمورٍ كثيرةٍ كان يجب أن تُنجَز؟ إن حصل هذا، فاستعمِل تقنية "الحفظ" لمتابعة هذه الأمور وتهدئة عقلك في الوقت نفسه.

اتَّبِع هذه النصائح:

  • أغمِض عينيك وتخيَّل مجلدات على الطاولة، مع خزانة لتلك المجلدات.
  • اختر كل ملف على حدة وعنوِنه، مثلاً إن كنتَ تريد إجراء مكالمة هاتفية، فضع ذلك في الملف الأيمن.
  • حدِّد أهمية الملف ولِمَ هو هام بعد تسميته، ثمَّ احفظه.
  • كرِّر تلك العملية كلما راودَتك فكرة ما.

تكمن الفكرة وراء هذا في معرفة ما يحفزك، والأهم من ذلك أنَّك تدرسه وتصنفه من حيث الأهمية، وبهذا فلن تتجاهل ما تشعر به؛ بل ستخطط لكيفية التعامل معه في وقت أفضل.

8. تناوُلُ طعامٍ صحي:

إن كنتَ تستهلك كثيراً من الكافيين، فعلى الأغلب ستعاني من خفقان القلب، بالإضافة إلى أنَّ الكافيين يمكن أن يحفز الهلع ونوبات القلق خاصةً إن كنتَ تعاني من اضطراب القلق، ويمكن أن يكون الخفقان أيضاً بسبب نقص السكر في الدم أو انخفاض نسبة السكر في الدم.

يمكن أن يسبب الكافيين أيضاً القلق أو نوبات الذعر؛ ذلك لأنَّ السكر محفز الغدة الكظرية، وبالنسبة إلى بعض الناس فإنَّ مراقبة الأطعمة التي تحتوي على منتجات الدقيق المكرر وحتى القمح هي التي قد تسبب الالتهاب أيضاً، وبغض النظر عن الكافيين والسكر، يمكن أن تساهم الحساسية الغذائية أيضاً في فرط النشاط في الجهاز العصبي، ببساطة، لا تفرط في القلق بشأن أي شيء.

يتلخص شعاري بتناول الطعام الصحي، والنوم المتزن وممارسة الرياضة، فهذه الأمور كفيلة بتحسين معظم الأشياء في حياتك وجعلك قادراً على التعامل مع الأمور بشكل أفضل.

إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 7 استراتيجيات لتناول الطعام الصحي

9. الضحك:

كتبَت "لورانس روبنسون" (Lawrence Robinson)، و"ميليندا سميث" (Melinda Smith) الحاصلة على ماجستير، و"جين سيغال" (Jeanne Segal)، الحاصلة على دكتوراه: "إنَّ الضحك دواء ناجع للغاية؛ حيث إنَّه يؤدي إلى تغييرات جسدية وعاطفية صحية في الجسم، والضحك يقوي جهاز المناعة، ويحسِّن الحالة المزاجية، ويقلل من الألم، ويحميك من أعراض التوتر".

وأضافوا أيضاً أنَّ "الضحك من أسرع وأكثر الممارسات موثوقية لإعادة التوازن بين عقلك وجسمك؛ حيث تخفف الفكاهة من أعبائك، وتشعل الأمل، وتقوي صلتك بالآخرين، وتبقيك متزناً ومركِّزاً ويقظاً، كما أنَّه يساعد على التنفيس عن الغضب والتسامح مباشرةً".

عندما تشعر بموجة من القلق، يوصي المؤلفون بأن تجد فرصاً للضحك، مثل:

  • مشاهدة فيلم مضحك أو مسلسل هزلي أو فيديو.
  • قراءة مجلات هزلية.
  • تذكُّر موقف جعلك تضحك.
  • قضاء الوقت مع الأشخاص المرحين.
  • اللعب مع الأطفال أو الحيوانات الأليفة.
  • الانخراط في أنشطة ممتعة مثل ممارسة الرياضة.
إقرأ أيضاً: أبرز 10 فوائد علمية للضحك يجب عليك أن تعرفها

10. تنشيط الجسم:

أظهرت دراسة من عام 2017 أنَّ 77% من المشاركين كانوا خمولين لمدة 12 ساعة في اليوم، بالإضافة إلى أنَّ الخمول غير صحي جسدياً، فإنَّه يؤثر أيضاً في صحتك العقلية، وقد ازداد الأمر سوءاً بعد جائحة كوفيد-19، فإذا بدأت تشعر بالقلق، قم وتحرك، ويفضَّل أن ترفع معدل ضربات قلبك لمدة خمس دقائق من خلال ممارسة التمرينات الشاقة.

لقد نهضت من السرير وقمت بالتجول حول منزلي بسرعة، فاختفى القلق تماماً، كما تمكَّنت من الخلص من متلازمة تململ الساقين من خلال التجول حول منزلي مرتين أو ثلاثة؛ لذا من الأفضل أن تتمرن جيداً بما يكفي خلال اليوم، ولكن "لا يمكننا دائماً الحصول على ما نريد، أليس كذلك؟

11. ممارسة أي نشاط كان:

افعل أي شيء كتنظيف أو تنظيم مكان العمل الخاص بك، أو اشرب كوباً من الماء، أو اخرج في نزهة قصيرة بالخارج، أو اعمل، فقط شارك في أي عمل، وبالنسبة إليَّ حتى العمل مرة أخرى في الليل كان مفيداً.

سيؤدي اتخاذ أي نوع من الإجراءات إلى قطع سلسلة تفكيرك، وهذا الفعل سوف يصرفك عن القلق، فتذكَّر أنَّ الرعاية الذاتية هي أهم شيء تفعله لنفسك؛ لذا اعتنِ بنفسك وستبدأ بتقليل القلق. فقط ابدأ.

المصدر




مقالات مرتبطة