حسناً، مهما بدا الحال جيداً أعلاه، هناك مفهوم خاطئ شائع لدى الكثيرين منَّا حول الرعاية الذاتية، وهو أنَّها تتعلق فقط بالرفاهية والاستمتاع.
على أي حال، تتعدى الرعاية الذاتية مفهوم الرفاهية، ويتعلق الأمر في الواقع باحترام عقلك وجسدك وفهم حدودهما، والقدرة على الاعتناء بكل جزء من جسدك بطريقةٍ شاملة؛ إذ لست مضطراً حقاً إلى اتخاذ تدابير قصوى أو القيام بأيّ شيءٍ محدد من أجل العناية بنفسك، بل عليك فقط التأكد أنَّ ما تفعله يصب في مصلحتك.
فيما يأتي بعض الطرائق المجربة التي ستساعدك على أن تصبح أفضل حالاً ممَّا أنت عليه:
1. أصغِ إلى نفسك:
يتعلق الجزء الأهم من الرعاية الذاتية بمعرفة نفسك، ويعني هذا معرفة مواطن القصور في جسدك، والتوافق مع مشاعرك وعواطفك وأفكارك؛ إذ من الهام أن تعرف نفسك وماذا تريد أن تفعل في الحياة لكي تقول أنَّك تعرف نفسك حقاً.
1. 1. ما هدفك في الحياة؟ وهل فكرت في هذا السؤال من قبل؟
لا يجب أن يبقى هدفك ثابتاً كما هو طوال حياتك؛ ذلك لأنَّ هدفك عندما يكون عمرك 19 عاماً سيتغير على الأرجح عندما يصبح عمرك 49 عاماً؛ لذا فكر في وضعك الحالي في الأدوار المختلفة التي لديك كعامل، أو زوج، أو شريك، أو والد، إلخ...
1. 2. هل تشعر أنَّك تحقق هدفك من خلال أيٍّ من هذه الأدوار؟
كل ما عليك فعله هو التأكد من أنَّ ما تسعى إليه يهمك حقاً؛ حيث سيؤدي ذلك إلى التركيز والتحفيز بينما تسعى جاهداً إلى تحقيق أهدافك؛ فإذا كان لديك هدف محدد، فهذا رائع؛ ذلك لأنَّك تعرف ما الذي يحفزك، ولماذا؛ ولكن، إذا كنت لا ترى أنَّ لديك هدفاً واضحاً، فمن الأفضل أن تبدأ البحث عن السبب.
على سبيل المثال: لماذا تعمل في وظيفتك أو في هذا المجال بالتحديد؟ إذا كان السبب غامضاً بالنسبة إليك، فقد تجد نفسك تائهاً وليس لديك طريق واضح تسلكه في حياتك.
شاهد بالفيديو: كيف تحدد أهدافك في الحياة؟
2. واظب على التعلم المستمر:
قد يبدو هذا الأمر غير ذي صلة عندما تفكر في الرعاية الذاتية، ولكنَّ التعلم المستمر مفيد للغاية، وعنصر هام للعناية بنفسك؛ وذلك للأسباب الآتية:
2. 1. إنَّه عملي للغاية:
التعلم المستمر أمر عملي في هذه الأيام، وهو لا يتطلب جهداً كما في السابق؛ فقد ولَّت تلك الأيام عندما لم يكن بإمكانك الحصول على معلومات عن شيءٍ ما إلَّا من خلال الذهاب إلى المكتبة، وأصبح كلُّ شيءٍ تتخيله متاحاً في عصر الإنترنت بنقرة زر، ولم تعد بحاجة إلى الذهاب فعلياً إلى مؤسسة تعليمية لتتعلم؛ إذ يمكنك مشاهدة مقاطع فيديو على يوتيوب (Youtube) لتعلم مهارات جديدة، والالتحاق بدورات عبر الإنترنت للحصول على شهادة، والاطلاع على عددٍ لا حصر له من المقالات والكتب والمجلات من خلال وكالات إخبارية ذات سمعة حسنة ومواقع غنية بالمعلومات.
عندما تدفع نفسك إلى التعلم باستمرار وتمارس أشياء جديدة، تتحسن صحتك العقلية أيضاً؛ حيث تُظهِر الأبحاث أنَّ العقل النشط والمتفاعل مسؤول عن تخفيض معدل فقدان الذاكرة المرتبط بتقدم العمر وتحسين القدرات المعرفية عموماً.
2. 2. يعزز ثقتك بنفسك:
سيحسِّن هذا أيضاً من قيمتك الذاتية لأنَّه يعلمك الخروج من منطقة الراحة التي تنعم بها، كما سيمكِّنك من التواصل بشكل أفضل مع الآخرين من خلال توسيع قاعدة معارفك.
يكسبك التعلم العديد من الأفكار ووجهات النظر الجديدة التي ربَّما لم تكن لتفكر فيها أبداً، ويزيد هذا أيضاً من قدرتك على التكيف؛ فسواء كان ذلك في العمل أم كنت ترغب فقط في التكيف مع المجتمع وأقرانك وأحبائك، يؤهلك التعلم المستمر للخوض في تحديات جديدة.
2. 3. ستكون مرغوباً أكثر في سوق العمل:
سببٌ واضحٌ آخر يدفعك إلى التعلم المستمر، وهو أنَّ فرصتك في الحصول على وظيفة ستزداد أيضاً.
لقد أصبحت الوظائف بالتزامن مع الاقتصاد المتغير باستمرار، والتأثيرات الهائلة الناجمة عن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والعلوم صعبة المنال؛ حيث تتغير المهام والأدوار بسرعة كبيرة استجابة لمتطلبات العمل المتغيرة، ويصبح الحفاظ على قاعدة معرفية مناسبة لهذا التغيير مَهمَّة شاقة.
كان الاستقرار في السنوات الماضية سمة من سمات عالم الأعمال، حيث جرى إنشاء الإجراءات والمعلومات والوظائف والمنظمات وتوفير الاستمرارية لهم، وكان الفرد يكمل تعليمه في سنٍّ مبكرة، ثمَّ يبدأ مسيرة مهنية طويلة يتخللها أحياناً تدريب وظيفي قصير الأمد.
لكن، تختفي الوظائف والشركات وتتغير التكنولوجيا، وتُطرَح أخرى بسرعة كبيرة؛ لذا كي تحافظ على استمراريتك وميزتك التنافسية في سوق العمالة البشرية، ستواجه تحدياً يتمثل في التعلم المستمر، وترى الناس يعودون إلى مقاعد الدراسة مهما بلغ عمرهم لإثراء مهاراتهم ومعرفتهم لتحسين مناصبهم الحالية، حتى أنَّ بعضهم يُعدِّون أنفسهم لوظائف جديدة أو تغييرات مهنية تدفعهم إلى الأمام نحو فرص وتكنولوجيا جديدة.
إنَّه لمن المؤكد أنَّنا سنواجه تحدياً لمواصلة تعلم المهام والمعلومات الجديدة طوال حياتنا، حيث تُنسَب المهن الناجحة إلى المتعلمين المرنين والفضوليين المستعدين للفرص؛ ذلك لأنَّهم يعرفون أنفسهم، وأين يقدمون أفضل مساهماتهم.
يزيد التعلم المستمر أيضاً من الوعي والمنظور الاجتماعي؛ فلِفَهم الآخرين، والتعاطف معهم بصدق، وزيادة الوعي الاجتماعي، وتعزيز العلاقات الشخصية القوية؛ عليك البحث عن وجهات نظر جديدة.
يمكن لتعزيز المهارات التي تؤثر بشكل إيجابي في الذكاء العاطفي أن يجلب مزيداً من السعادة والنجاح، سواءً على المستوى الشخصي أم المهني؛ وهذا كلُّه جزء لا يتجزأ من الرعاية الذاتية.
3. حَسِّن عاداتك سواء في العمل أم المنزل:
آخر نصيحة نقدمها لنظام الرعاية الذاتية خاصتك، هي تحسين عاداتك؛ حيث تحدد العادات هويتك، وتتراكم بمرور الوقت.
يعدُّ المثل القائل أنَّ "ما تأكله يعبِّر عنك" مثالاً رائعاً على ذلك؛ فإذا حرصت على تناول الأطعمة التي تغذي جسمك بدلاً من إيذائه، فستكون صحتك أفضل بالتأكيد.
3. 1. تسمح العادات الجيدة لك بالوصول إلى أهدافك:
بما أنَّ العادات تملي عليك كيف تقضي أيامك ولياليك، مثل الاستيقاظ كل صباح للوصول إلى العمل قبل وقت معين، أو تنظيف أسنانك قبل النوم كل ليلة؛ فإنَّها تلعب دوراً رئيساً في تحديد ما إذا كنَّا سنصل إلى أهدافنا أم لا؛ وعندما تكسب عادات تسمح لك بالتقدم نحو أهدافك، فإنَّك تعيش أيامك هادفةً مدى الحياة.
3. 2. تجعل العادات وقتك أولوية:
كيف تقضي وقت فراغك؟ هل تختار الاسترخاء على الأريكة لمشاهدة نيتفليكس (Netflix)، أم تشارك في أنشطة تدعم هدفك في الحياة؟
إنَّه لمن الطبيعي أن تضيع الكثير من الوقت خلال اليوم، ولكنَّ تنمية عادات جيدة سيساعدك على تحديد كيفية قضاء وقتك، ويعطيك الخيار لقضائه بشكلٍ مناسب؛ إذ من خلال تحسين عاداتك، تصبح أكثر إنتاجية؛ وعندما تبني عادات جيدة، تصبح أكثر فاعلية في وقتك، وتتجنَّب هدر هذا الكنز الثمين.
يخلق هذا تأثيراً إيجابياً شاملاً في حياتك، ممَّا يسمح لك بمعاملة عقلك وجسدك جيداً؛ وهذا هو السبب في أنَّ تحسين عاداتك هام جداً عندما يتعلق الأمر برعاية نفسك.
3. 3. سلامتك تأتي أولاً:
إذا سبق لك أن شاهدت فيديو الأمان على متن الطائرة، فستعرف أنَّهم يطلبون دائماً من أحد الوالدين أو الكبار ارتداء قناع الأمان أولاً، قبل الاعتناء بالطفل؛ وقد يبدو هذا أنانياً، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّك إذا كنت تريد حقاً ضمان سلامة الطفل، يجب أن تهتم بسلامتك أولاً حتى تتمكَّن من حماية الطفل والعناية به دون مشكلات من طرفك.
ينطبق الشيء نفسه على الرعاية الذاتية؛ إذ يجب أن تكون سلامتنا هي الأولوية، حتى نكون أفضل للناس من حولنا.
إنَّ الإصغاء إلى نفسك وممارسة التعلم المستمر وتحسين عاداتك خطوات يمكنك اتخاذها للتأكد من أنَّك دائماً في أفضل حالة ذهنية، إلى جانب بعض الدلال والراحة التي تكافئ نفسك بها.
أضف تعليقاً