ما الذي لفت الانتباه لحمية البحر الأبيض المتوسط؟
في عام 1960 بدأ اهتمام الباحثين بحمية البحر الأبيض المتوسّط الغذائيّة والذي كان يعتمد فيها سكّان دول البحر الأبيض المتوسّط على تناول الأطعمة التقليديّة، وقد لاحظ الباحثون تمتُّع سكّان هذه المناطق بصحّةٍ أفضل مقارنة مع سكّان الولايات المتّحدة الأمريكيّة. حيث انخفضت نسبة الوفيّات المتعلّقة بمرض القلب التاجي في دول البحر الأبيض المتوسّط كاليونان وإيطاليا، وجاءت الولايات المتّحدة وأوروبا الشماليّة في المرتبة التي تليها، كما انخفض لديهم خطر الإصابة بالعديد من الأمراض التي تنتج عن نمط الحياة.
وقد كشفت دراساتٌ لاحقةٌ ارتباط حمية البحر الأبيض المتوسّط بتقليل عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة. وبيّنت دراسات حديثة أنَّ النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسّط قد يُساعد على فقدان الوزن، بالإضافة لمنع الإصابة بالسكتات الدماغيّة والسكّري من النوع الثاني والموت المبكّر.
وتمَّ الاعتراف بحمية البحر الأبيض المتوسِّط من قِبَل "منظّمة الصحّة العالميّة" كنمط غذائي مستدام، كما اعترفت اليونسكو أيضاً بهذا النمط الغذائي بتاريخ 17 نوفمبر 2010م باعتباره تراث ثقافي غير مادّي لإيطاليا واليونان وإسبانيا والمغرب.
وتُوصي "الإرشادات الغذائيّة للأمريكيين" باتّباعها كنظام غذائي لتعزيز الصحّة والوقاية من الأمراض المُزمنة.
ما هي حمية البحر الأبيض المتوسط؟
في الحقيقة، إنَّ اتباع حمية يعني اتباع نظام غذائي من غذاءٍ وشراب، بغض النظر عن الهدف منه سواءً كان ذلك لتخفيف الوزن، أو للابتعاد عن تناول أطعمة معيّنة. واتّباع نظام غذائي متوسّطي يعني تناوُل الطعام بالطريقة التقليديّة التي يتناول فيها سكّان منطقة البحر الأبيض المتوسّط لطعامهم، والذي يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على جزءٍ كبيرٍ من المنتجات الطازجة والحبوب الكاملة والبقوليات، بالإضافة إلى بعض الدهون والأسماك الصحيّة والفواكه والخضروات.
ما هي الأسس التي تعتمد عليها حمية البحر الأبيض المتوسط؟
هناك مجموعةٌ من الأُسس أو الإرشادات العلميّة التي يجب اتّباعها في حال قرَّرت اتّباع حمية البحر الأبيض المتوسّط، وهي:
- التركيز على تناوُل الأغذية النباتيّة بشكلٍ أساسيٍّ، مثل الفواكه والخضار والحبوب الكاملة والبقول والمكسرات.
- استخدام الزيوت الصحيّة كزيت الزيتون عوضاً عن الزبدة.
- استبدال الملح بالأعشاب والبهارات لإضافة المذاق للأطعمة في الطبخ والطعام.
- تقليل استهلاك اللحوم الحمراء، والتي لا يجب أن يزيد تناولها عن عدّة مرّات في الشهر.
- تناوُل الدواجن والأسماك مرّتين في الأسبوع على الأقل.
- الابتعاد عن تناوُل الطعام وحيداً أو أثناء مشاهدة التلفاز، وبدلاً من ذلك تناوله مع العائلة والأصدقاء.
- الانتظام في ممارسة التمارين الرياضيّة.
نستنتج من الأسس السابقة أنَّ النظام الغذائي لحمية البحر الأبيض المتوسّط يجب أن يعتمد على:
- الخضار: البندورة، الخيار، البصل، السبانخ، الجزر، البروكلي، القرنبيط...
- الفواكه: العنب، التين، التفّاح، الموز، البرتقال، الفراولة، التمر، البطّيخ، الخوخ...
- المكسّرات والبذور: الكاجو، اللوز، الجوز، البندق، بذور عبّاد الشمس، بذور اليقطين...
- البقوليّات: العدس، الحمّص، الفول، البازلاء، الفول السوداني...
- الحبوب الكاملة: خبز القمح الكامل، الشوفان الكامل، الأرز البنّي، الشعير، الذرة...
- السمك والمأكولات البحريّة: سمك التونة والسردين والماكريل والجمبري والمحار...
- الدواجن: الدجاج، البط، الديك الرومي...
- البيض: بيض الدجاج، بيض السمان، بيض البط.
- منتجات الألبان: الجبن، الزبادي...
- الأعشاب والتوابل: الثوم، الريحان، النعناع، إكليل الجبل، جوزة الطيب، القرفة، الفلفل...
- الدهون الصحيّة: الزيتون وزيت الزيتون، الأفوكادو وزيت الأفوكادو.
بعض النصائح في حال أردت الاعتماد على حمية البحر الأبيض المتوسط:
إنَّ حمية البحر الأبيض المتوسّط هي حمية صحيّة متوازنة وشاملة. إليك بعض النصائح عن المسموح والممنوع في حال أردت اتباعها كجزءٍ من نظامك اليومي:
- اختر الحبوب الكاملة مثل خبز القمح الكامل والأرز البنّي والفريكة والحنطة والمعكرونة.
- كمصدرٍ للبروتين اختر الحليب قليل الدسم واللبن الخالي من الدسم والقليل من الجبن.
- تناوَل اللحوم مرّتين في الأسبوع معتمداً على الدجاج والسمك الطازج ولا مانع من تناوُل السمك المشوي.
- تناوَل كلَّ يوم قليلاً من المكسّرات لا تتجاوز ملء اليد.
- تناوَل من خمس إلى سبع حصص متنوّعة من الفواكه والخضار كلّ يوم، مع العلم أنّ الحصّة تساوي ثمرة متوسّطة أو نصف كوب من الخضار أو الفواكه، أو كوباً مقطّعاً من الخضراوات الورقيّة.
- اختر الدهون الصحيّة من خلال استخدام زيت الزيتون عند الطهي.
- لتحصل على كمّيةٍ أكبر من الألياف الغذائيّة تناوَل البطاطا بقشرتها.
- اعتمد على الأساليب الصحيّة في الطهي واستخدم التوابل والأعشاب.
- حاول أن تشرب كمّيات كافية من المياه.
- التزم بممارسة التمارين الرياضيّة بشكلٍ منتظم.
في المُقابل:
- ابتعد عن المشروبات المحلّاة بالسكّر.
- ابتعد عن السكّر المضاف كالحلوى والآيس كريم والصودا وغيرها.
- ابتعد عن الدهون غير الصحيّة والتي تُوجَد في السمن النباتي أو الزبدة.
- ابتعد عن الزيوت المكرّرة.
- قلّل من استخدام الملح عند تحضير أو تناوُل طعامك.
- ابتعد عن المكسّرات المحمّصة بالملح أو بالعسل أو المضاف لها شوكولاتة.
- قلّل من تناوُل اللحوم الحمراء.
- ابتعد عن تناوُل الحبوب المكرّرة كالخبز الأبيض والمعكرونة المصنوعة من القمح المكرّر وغيرها.
وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بين أطعمة دول البحر الأبيض المتوسّط، إلّا أنَّ معظم الدراسات توصّلت إلى أنّ النظام الغذائي لحمية البحر الأبيض المتوسّط يعتمد بشكلٍ عام وأساسي على كمّيات مرتفعة من الأغذية النباتيّة وكمّيات منخفضة نسبيّاً من الأغذية الحيوانيّة.
ما هي فوائد حمية البحر الأبيض المتوسط؟
1. تقلّل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغيّة وبعض أنواع السرطانات:
حيث توصّلت دراسةٌ طبيّةٌ تمَّ عرضها في مؤتمر أمراض القلب في بورما، إلى أنَّ اتّباع "حمية البحر المتوسّط" تُسهم في وقاية القلب أكثر من تناوُل حبوب خفض الكولسترول. كما بيّنت الدراسة التي تناولت 1200 شخص سبق لهم أن عانوا نوبات ومشكلات في القلب على مدى سبعة أعوام، أنَّ الأشخاص الذين يقومون باتباع حمية متوسطيّة يتناولون فيها كمّيات كبيرة من الخضروات والمكسّرات والسمك والزيوت، يكونون أقلّ عرضة بثلاث مرّات لخطر الموت المبكّر، مقارنةً مع الأشخاص الذين يتناولون كمّيات أكبر من اللحوم الحمراء والزبدة. وأشارت نتائج الدراسة إلى أنَّ من يأكلون طعامهم وفق نمطٍ متوسّطي، أقلّ عرضةً بنسبة 37% لخطر الوفاة المبكّرة مقارنةً مع من يتناولون طعامهم بصورة عاديّة.
وقد أكّدت العديد من الأبحاث والدراسات انخفاض معدّلات الإصابة بأمراض القلب لدى سكّان حوض البحر الأبيض المتوسّط، بالإضافة لمساهمة الحمية المتوسّطية في تخفيض معدّلات الإصابة بالأمراض المزمنة. وقد توصّل الباحثون إلى أنَّ البكتيريا الحيّة التي يتمّ استخدامها لتحضير اللبن، قد تُساهم أيضاً في توفير صحّةٍ جيّدة لسكّان حوض البحر الأبيض المتوسّط. بالإضافة لعنصرٍ هام جدّاً يتم استخدامه من قِبَل السكّان وهو الثوم الذي يُساعد في منع الإصابة بجلطات الدم وانخفاض مستوى الكوليسترول كما أنّه يُسهم أيضاً في الحماية ضدَّ مرض السرطان.
وفي أبحاث أخرى تَبيَّنَ أنَّ اتباع نظام غذائي متوسّطي قد يُقلّل من خطر عودة الإصابة بسرطان الثدي. حيث تمَّ تقديم الدراسة في مؤتمر الجمعية الأميركيّة للأورام السريرية (ASCO) في شيكاغو، وشملت الدراسة أكثر من 300 امرأة مُصابة بسرطان الثدي في مرحلةٍ مبكّرة، 199 امرأة تناولن النظام الغذائي المعتاد و108 تناولن حمية البحر الأبيض المتوسّط. وأشارت النتائج إلى وجود دورٍ كبيرٍ ومهمٍّ جدّاً للنظام الغذائي في تخفيض خطر الإصابة بالسرطان. كما لفتت الدراسة إلى أهميّة اتّباع نمط حياة صحّي من خلال تناوُل غذاء متوازن، والمواظبة على ممارسة التمارين الرياضيّة والحفاظ على وزنٍ صحّيّ ممَّا يُساهم في التقليل من خطر معاودة الإصابة بالسرطان.
شاهد بالفيديو: 5 أطعمة خطيرة تعرضك للإصابة بمرض السرطان
2. تُفيد في علاج السمنة والسكّري:
حيث قام باحثون إسبانيّون بإجراء دراسةٍ علميّةٍ حديثةٍ توصّلت إلى أنَّ اتّباع الحمية المتوسّطية قد يُفيد في علاج السمنة والوقاية من مرض السكّري. وقد قام الباحثون بدراسة تأثير هذا النظام الغذائي على المصابين بمتلازمة الأيض، وهي مزيج من الاضطرابات الصحية والتي تنتج بصفة رئيسيّة عن زيادة الوزن والسمنة، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين وداء السكّري. حيث تابع الباحثون مجموعة من الرجال والنساء تتراوح أعمارهم بين 55 و80 عاماً كانوا أكثر عرضةً لخطر أمراض القلب والأوعية الدموية، وكان 64% منهم يُعانون من متلازمة الأيض.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أنَّ اعتماد حمية البحر المتوسّط ساعد في علاج متلازمة الأيض والوقاية منها، إذ أنَّ مستويات السكّر في الدم ومعدّل السمنة في منطقة البطن انخفض لدى المشاركين الذين اعتمدوا على الحمية المتوسطيّة.
وقد أعلنت منظمة الصحّة العالميّة أنَّ الأطفال الذين يتبعون هذه الحمية كانوا أقلّ عرضةً للإصابة بالسمنة بنسبة 15%.
3. تُحارب الاكتئاب:
حيث توصّلت دراسةٌ طبيّةٌ تمَّ نشرها في المجلة العلميّة "الطب النفسي الجزيئي"، إلى أنَّ اتّباع حمية البحر المتوسّط أو الحمية المتوسطيّة قد يُساعد في محاربة الاكتئاب. وكشف البحث، الذي استند إلى تحليل 41 دراسة حول هذا الموضوع، عن وجود علاقةٍ بين الحمية الغذائيّة التي يتبعها الناس، ومخاطر وقوعهم في الاكتئاب.
وتُشير نتائج الدراسة إلى انخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 33% لدى أولئك الذين يتّبعون حمية البحر المتوسّط، مقارنةً مع الأشخاص الذين يعتمدون على وجبات غذائيّة مُغايرة عالية الدهون والسكّريات، والأطعمة المصنّعة، حيث ظهر التأثير الإيجابي لحمية البحر المتوسّط بشكلٍ واضح على المزاج الجيّد.
إنَّ النظام الغذائي المتوسّطي نظامٌ شاملٌ ومتوازنٌ ويشتمل على أغذيةٍ لذيذةٍ وصحيّةٍ في نفس الوقت فإذا أردت اتّباعه كنظامٍ غذائيٍّ لك، لا تنسى النصائح التي قدّمناها لك سابقاً مع الالتزام بممارسة التمارين الرياضيّة والابتعاد عن كلّ ما يضرّ بصحّتك وبنظامك الغذائيّ الصحّي.
المصادر:
أضف تعليقاً