لذا سنشرح في هذا المقال أهمية العلامة التجارية الشخصية، سواء كنت رائد أعمال أم موظف شركة؛ وهو ما سيرشدك إلى كيفية بدء علامتك التجارية الشخصية بخطى متأنية، وكيفية بنائها وتمكينها.
كيف تطور مفهوم العلامة التجارية الشخصية؟
العلامة التجارية الشخصية ليست مجرد شعار (لوغو) أو تصميم جرافيك أو صورة شخصية، فقد أدى تسارع وهيمنة منصات وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا إلى ظهور فئات جديدة من الأشخاص الذين ارتقوا إلى منزلة المشاهير فجأة دون سابق إنذار، والذين ندعوهم الآن بـ "المؤثرين"؛ كما فتحت العلامة التجارية الشخصية أبواب الشهرة على مصراعيها لبعض الموسيقيين والممثلين والمبدعين الآخرين، وأسهمت في توسع الشركات الصغيرة والناشئة، والوصول إلى مصافِ القوى التسويقية من خلال المتابعين وقواعد العملاء حول العالم.
لقد أضحت العلامة التجارية الشخصية الآن صناعة متكاملة في حد ذاتها بوجود كوتشز ومستشارين اختصاصيين مَهمَّتهم مساعدة الراغبين في بناء علامتهم التجارية الشخصية، إضافة إلى وجود كتب ودورات على الإنترنت ومقاطع فيديو وشركات كاملة مكرسة لمساعدتك في بناء علامتك التجارية الشخصية؛ لكنَّ السؤال الأهم الذي يجب أن تطرحه على نفسك هو: "من أين أبدأ؟".
ما هي العلامة التجارية الشخصية؟ وماذا تمثل بالنسبة إليك؟
لطالما ارتبط مصطلح "العلامة التجارية" ارتباطاً وثيقاً بالشركات الكبرى المعروفة للجميع، وكانت تلك الشركات تطرح كل شيء من معجون الأسنان إلى حبوب الإفطار إلى السيارات؛ لكنَّ المشهد الاجتماعي قد تغير الآن.
أصبحت العلامة التجارية الشخصية جزءاً لا يمكن فصله عن النجاح في أي مشروع تجاري، خاصة عندما ترتبط باسم صاحبها؛ فسواء كنت رائد أعمال أم موظفاً في شركة صغيرة أم كبيرة، يمكن أن تُحدِث الطريقة التي تعرض بها نفسك فارقاً شاسعاً في استراتيجيتك للنجاح على الأمد الطويل أو القصير.
عندما تخطر في بالك بعض أكبر الشركات - الماركات - في العالم، قد تربطها بالعلامة التجارية الشخصية لصاحبها؛ فعلى سبيل المثال: عندما تفكر في شركة أمازون (Amazon)، أليس جيف بيزوس (Jeff Bezos) هو أول من يخطر في ذهنك؟ وهل تستطيع فصل شركة مايكروسوفت عن مؤسسها بيل غيتس؟
طبعاً لا؛ وينطبق هذا أيضاً على شركة آبل (Apple) وصاحبها الراحل ستيف جوبز (Steve Jobs)، والإعلامية والمؤثرة أوبرا وينفري (Oprah Winfrey) وعلاماتها التجارية، وعلى إيلون ماسك (Elon Musk) وسيارة تيسلا (Tesla) والآن سبيس إكس (SpaceX)، وغيرها الكثير.
أهمية العلامة التجارية الشخصية على مستقبلك المهني:
تساعدك العلامة التجارية الشخصية على التألق في مجال عملك؛ وسواء كنت موظفاً يتطلع إلى الارتقاء في السلم الوظيفي للشركة أم مديراً تنفيذياً يطمح إلى الريادة في مشروعه الخاص، تمنحك العلامة التجارية الشخصية المصداقية والاهتمام؛ إذ يعد بناء علامتك التجارية الشخصية عنصراً أساسياً في الاستراتيجية التسويقية لشركتك، ويعزز التواصل الفعال الداخلي بينك وبين فريقك.
تؤثر العلامة التجارية الشخصية فيك حتى إذا كنت تبحث عن عمل، فقد وجدت الأبحاث أنَّ 70٪ من أرباب العمل يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي مثل فسيبوك (Facebook) وإنستغرام (Instagram) للتعرف على الموظفين المرشحين قبل تعيينهم، ويفحص (48٪) منهم موظفيهم الحاليين عن طريق متابعة حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المحتوى الموجود على الإنترنت.
نستنج ممَّا سبق أهمية العلامة التجارية في عالم أضحى قرية صغيرة ترقب فيه العيون وتلاحظ كل شيء؛ لذا عليك اكتشاف أفضل طريقة تقدم بها نفسك عبر الإنترنت، حتى لو اعتقدت أنَّ أحداً لن يهتم.
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في علامتك التجارية الشخصية؟
لقد استحوذت منصات التواصل الاجتماعي مثل فسيبوك (Facebook) وإنستغرام (Instagram) ويوتيوب (YouTube) وتويتر (Twitter) ولينكد إن (LinkedIn) في ظل تسارع العصر التكنولوجي الحديث على معظم نواحي حياتنا، وأصبح من الشائع أن نرى الأشخاص مسمَّرين أمام شاشات هواتفهم المحمولة يتصفحون منصات الوسائط الاجتماعية ويشاركون في غيرها من الأنشطة عبر الإنترنت.
ستجد جمهوراً يراقب علامتك التجارية عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويحدد مستوى تفاعله بالطريقة التي تقدم فيها نفسك على هذه المنصات؛ فقد أشار الباحثون إلى ظاهرة تُسمَّى "المشاركة المتفاوتة" (participation inequality)، وشرحوا فيها أهمية التفاعل عبر الإنترنت؛ إذ يوجد مقابل كل شخص يتفاعل مع المحتوى خاصتك 9 آخرين يتفاعلون بصورة متقطعة و90 آخرون يتابعون بصمت.
نستنج من ذلك أنَّ العالم يشاهد المحتوى خاصتك حتى لو لم تتلقَ كمَّاً كبيراً من الإعجابات.
العلامة التجارية الشخصية ليست حكراً على المؤثرين:
تستطيع تحقيق مكاسب عظيمة من العلامة التجارية الشخصية بغض النظر عمَّا إذا كان الهدف منها هو أن تصبح شخصاً "مؤثراً" على منصات التواصل الاجتماعي الحالية أم لا.
أشار "روري فيدين" (Rory Vaden) إلى أهمية العلامة التجارية بالنسبة إلى الجميع، قائلاً: "لا يلجأ الأشخاص إلى التعامل التجاري مع الشركات، بل مع أشخاص يرتاحون لهم؛ فتنشأ بذلك العلاقات المبنية على الثقة والصلات المشتركة؛ إذ لا شيء يضاهي الترابط مع الأفراد الذين يخلقون درجة من المودة والولاء لا ترتقي إليها أي شركة، ولا يجب الاستخفاف مطلقاً بالروابط الوثيقة بين الأفراد".
عنصر هام في علامتك التجارية الشخصية:
يقترح كل مرجع لبناء العلامة التجارية أن تجيب عن أسئلة الجمهور وتناقش قيَمك الجوهرية معهم؛ ذلك لأنَّ القيم هي الأساس التي تُبنَى عليه العلامة التجارية؛ وإليك بعض هذه الأسئلة كبداية:
- ما هي اهتماماتك؟
- ما الذي تقدِّره؟
- ما الذي تعتز به؟
- من هي الفئة المستهدفة التي تريد التأثير فيها؟
ستساعدك الإجابة عن هذه الأسئلة في إنشاء الاتصال الضروري بجمهورك وبناء علامتك التجارية الشخصية. إليك هذه النصائح العامة للبدء بإنشاء أو تطوير استراتيجية العلامة التجارية الشخصية خاصتك، وإبقائها على المسار الصحيح:
شاهد بالفديو: 5 قواعد ذهبية لبناء العلامة التجارية الشخصية
- حافظ على المصداقية.
- اعرف كيف تختار المحتوى الذي ستعرضه على الإنترنت.
- اعرف جمهورك.
- لا تستخف بالتواصل مع جمهورك.
- ركز جيداً.
- استخدم تصاميم جذابة.
- قدِّم العون للآخرين.
- كن مؤثراً.
- عمِّق الانتماء.
- انتقِ الكلمات التي تصفك تماماً.
- استخدم حساب لينكد إن ومنصات التواصل الاجتماعي لتشارك عليها آراءك، وانشر صورتك كي يتعرف الجمهور إليك.
- اختر شبكة متينة من العلاقات.
- حاور الآخرين.
- لا تتناسَ مساهمة الآخرين في نجاح علامتك.
- اختر شعاراً جذاباً.
- ركز على الجانب العاطفي.
- تدرب على فن الإلقاء.
- اكسب الأصدقاء والمؤثرين.
- أجرِ استبياناً لمعرفة رأي الجمهور.
- خاطب الجمهور بصيغة المتكلم.
- اتَّقد حماسةً.
7 نصائح هامة يمكنك من خلالها تطوير علامتك التجارية الشخصية فوراً:
1. ارسم هدفاً في ذهنك:
يعني هذا أنَّ عليك تحديد غرضك من العلامة التجارية الشخصية؛ فقبل أن تقرر ما هي علامتك التجارية الشخصية أو تطورها أو تبنيها، عليك أولاً أن ترسم في ذهنك ما الذي تريد تحقيقه في استراتيجية العلامة التجارية؛ فعلى سبيل المثال: هل تنوي أن تقدِّم نفسك بصورة أفضل أو أكثر وضوحاً للعالم؟ أم هل رسمت في ذهنك استراتيجية عمل محددة لبناء علامتك التجارية الشخصية؟
كما بإمكانك استخدام استراتيجية قائمة على "3 أسئلة جوهرية" قبل أن تقُدِم على أي خطوة للتواصل مع جمهورك؛ فقبل إنشاء مقطع فيديو، أو كتابة مقال في المدونة، أو كتابة رسالة إلكترونية، أو طرح أي رسالة بأي تنسيق أو على أي منصة، أجب عن "الأسئلة الجوهرية الثلاث" بوضوح وتفصيل ممل؛ حيث يؤدي اعتماد هذه الاستراتيجية في الرسائل التي تريد إيصالها إلى تدعيم وتقوية علامتك التجارية الشخصية.
الأسئلة الجوهرية الثلاث:
- من أنت؟ وما هي رسالتك وقصتك وقيَمك المهنية الجوهرية؟
- من تخاطب برسالتك؟ ومن هو جمهورك؟ وما هي اهتماماته والفوائد التي ستعود عليه؟
- ما الذي تطلبه من الجمهور لاحقاً؟ ولماذا؟
2. كن صادقاً:
اعرض محتواك دون تصنُّع؛ فأنت تسعى عبر التسويق لعلامتك التجارية الشخصية إلى بناء قاعدة جماهيرية من المتابعين، ومن المحتمل أن تتشارك معهم الاهتمامات والرغبات والأهداف نفسها؛ لذا افتح لهم قلبك، وأخبرهم قصتك.
إيَّاك أن تنجر وراء الاعتقاد القائل: "اكذب، واستمر في الكذب حتى يُصدِّقك الآخرون"؛ إذ قد تنجح هذه الحيلة إلى حين ما، لكنَّ الجمهور سيفطن لها في النهاية.
ضَع في اعتبارك أنَّ إيجاد مرجعية واحترام بين متابعيك هما جزء لا يتجزأ من علامتك التجارية الشخصية، ويمكنك القيام بذلك بأن تستبق في خطواتك تطلعاتهم وحاجاتهم وتلبي رغباتهم المرجوة؛ فعندما تلبي حاجات الجمهور بصورة طبيعية دون تصنُّع، ستنهال عليك المكاسب العظيمة.
3. حدِّد ما تريده بدقة:
يفقد الناس الاهتمام سريعاً هذه الأيام، ولن تستطيع تقديم كل شيء للجميع دون أن تعترض طريقك الكثير من العقبات؛ لذا اختر جمهورك استناداً إلى قيمك الجوهرية التي تبني حياتك عليها، ثم صِغ رسالتك الموجهة إليهم بوضوح.
ربَّما ترغب في الاستحواذ على انتباههم مباشرة بعرض المحتوى الذي تصنعه بالتزامن مع الحفاظ على مصداقية علامتك التجارية دائماً.
4. ركِّز على النوعية وليس الكمية:
إنَّه لمن الأفضل بكثير أن يكون لديك ألف متابع مخلص مِن أن يكونوا عشرة آلاف شخص ليسوا متأكدين من هويتك 100%، خصوصاً عندما تكون غايتك القصوى بناء قاعدة جماهيرية مخلصة.
توجد مقولة متداولة في مجال التسويق تقول: "سيشتري الزبون المزيد"، والتي تعني أنَّ الزبون الذي ينوي الشراء سيشتري منك أي شيء؛ أي بمعنى آخر، إن اشترى منك المتابعون مرة، فمن المرجح أنَّهم سينتظرون جميع عروضك ويستمرون في الشراء منك؛ فحتى وإن لم تكن غايتك تحقيق المكاسب من جمهورك، فسيضمن لك الجمهور الذي يتفق معك في القيم الجوهرية مشاركة وتفاعلاً منقطعي النظير.
5. حافظ على الاستمرارية:
نظراً إلى أنَّ علامتك التجارية الشخصية مبنية على قيمك الأساسية، فمن الضروري أن تحافظ على الاستمرارية في جدول مواعيدك وكيفية ظهورك لمتابعيك؛ أي الاستمرارية في رسالتك وعلامتك التجارية عموماً، وعرض محتواك على منصات التواصل.
فعلى فرض كان جمهورك ومتابعوك ينتظرون الفيديو المرتقب لك يوم الجمعة على اليوتيوب (YouTube)، فاحرص على التقيد بهذا الجدول الزمني، ولن تحتاج بعدها إلى أن تعلن لمتابعيك عن موعد ظهور المحتوى خاصتك في كل مرة.
6. خاطب متابعيك كأفراد وليس كجماعة:
يرغب الأفراد عموماً في أن يكونوا جزءاً من مجموعة ما، لكنَّهم في الحقيقة يتجاوبون بحماسة أكبر عندما تخاطبهم كأفراد.
هل سبق لك أن رأيت -كشخص يتابع قنوات اليوتيوب (YouTube)- صاحب القناة في الفيديو يخاطب جمهوره بمصطلحات مثل "يا شباب" أو "يا جمهوري" أو "يا متابعيني"؟
يعطي استخدام مصطلحات كتلك صفة التعميم للخطاب، ناهيك عن أنَّه يرسل إشارات للجمهور تكشف عن زيادة غرورك؛ ولنكن واقعيين، يرى كل شخص فينا أنَّه يستأهل الاهتمام؛ فعلى الرغم من رغبتنا في أن نكون جزءاً من مجموعة، إلَّا أنَّنا نحبذ أيضاً أن نحظى بالاحترام كأفراد، وتعدُّ مناداة الشخص باسمه من أفضل الطرائق التي تخلق اتصالاً فعالاً معه.
لذا في المرة القادمة التي تخاطب فيها جمهورك عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، استخدم معه الضمير المفرد المخاطب "أنت" بدلاً من الجمع، حتى لو كان مصطلحاً للتحبب مثل "يا شباب".
7. امتلك علامتك التجارية:
عليك امتلاك علامتك التجارية حرفياً ومجازياً، وترجمة أقوالك إلى أفعال في حياتك الواقعية أو فيما تقدمه على الإنترنت.
اعتبر العلامة التجارية بناءً على الهيكل، والذي لابدّ من تدعيمه بالتجهيزات الأساسية والملحقات المتمثلة ببرامج التواصل الاجتماعي والأعمال المهنية وغيرها من الملكيات الفكرية.
الخلاصة:
قد تتعثر في بداية إطلاق علامتك التجارية، لكنَّك ستجد العملية سهلة لاحقاً، وكل ما يتطلبه منك الأمر بعض التفكير والجهد، ولقد حدد هذا المقال أساسيات العلامة التجارية الشخصية وبعض الاستراتيجيات الأساسية التي يمكنك استخدامها لبنائها أو تحسينها.
تحمَّل القليل بعد، وواظب على ما تفعله، واجعل علامتك التجارية واضحة؛ وستؤتي ثمارها في عملك التجاري ومسيرتك المهنية إن كان على الأمد الطويل أم القصير.
أضف تعليقاً