لا يمكنك أن تصدق أنَّه قبل فترة قصيرة كنت شغوفاً ومبدعاً، والآن لا يمكنك الاقتراب حتى من تحقيق ما تريد؛ فكيف يمكن أن تظل قوي العزيمة؟
إنَّه لمن الشائع أن تشعر بالرضا عند بدء مشروع أو هدف جديد، ستشعر في البداية أنَّك تمتلك الطاقة والشغف للحصول على شيء ما أو تحقيق ما تريده، فقوة الإرادة هي ما يعتمد عليه معظم الناس للبدء، ولكنَّ قوة الإرادة وحدها ليست كافية؛ فهي قصيرة الأمد، ولا يمكنها دعم الجهود اللازمة للوصول إلى الغرض النهائي عندما تعترض العقبات الطريق؛ لذا، يتعيَّن عليك اتِّباع استراتيجية أفضل.
فيما يلي ثلاثة مفاتيح للبقاء متحفزاً وقوي العزيمة في ظل أي ظروف، ولكي تتمكَّن من استغلال وقتك بالصورة المناسبة: عيِّن أهدافاً ذكية (S.M.A.R.T goals)، وحدِّد سبب رغبتك في تحقيق هذه الأهداف، وضَع جدولك الزمني.
1. وضع الأهداف الذكية:
تُعرَّف الأهداف الذكية بأنَّها أهداف ذات معايير محدَّدة تهدف إلى دفعك نحو نجاحك العام، ولكي تكون ناجحاً، يجب عليك أولاً التأكد من إعداد هدفك إعداداً صحيحاً.
استغرِق الوقت الكافي لصياغة أهداف وكتابتها على الورق، فهذه هي الخطوة الأولى للتأكُّد من امتلاكك لأكبر فرصة للنجاح، يشبه الأمر تعيين العنوان الصحيح في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
تتألف كلمة "سمارت" (Smart)، التي تُوصَف بها هذه الأهداف في اللغة الإنجليزية، من اجتماع الأحرف الأُوَل من الكلمات الآتية:
- Specific: محدَّدة.
- Measurable: قابلة للقياس.
- Achievable: قابلة للتحقيق.
- Relevant: ذو صِلة بحياة الفرد.
- Time-Bound: مُحدَّد بمدَّة زمنية.
محدَّدة:
أنشئ هدفك بأكبر قدر ممكن من التفاصيل، وينبغي أن تكتبها بدقة ووضوح وتفصيل من خلال التركيز على الأسئلة الخمسة الآتية:
- من؟
- ماذا؟
- أين؟
- متى؟
- لماذا؟
قابلة للقياس:
ضَع معايير محدَّدة لقياس هدفك حتى تتمكن من تتبُّع تقدمك والحفاظ على حماسك.
- كيف سأقيس التقدُّم المُحرَز؟
- كيف سأعرف أنَّني حققت هدفي؟
- كم الكمية؟ (إذا ارتبط الهدف بكمية)
- كم العدد؟ (إذا ارتبط الهدف بأرقام، مثل هدف خسارة الوزن)
ستمنحك الإجابة على هذه الأسئلة تفاصيل حول كيفية قياس التقدُّم المحرَز وستجد أنَّك تمضي قدماً دائماً، على سبيل المثال: في الدخل، وفي الوزن المفقود، وفي الساعات الموفَّرة، وما إلى ذلك.
قابل للتحقيق:
احرص على أن يكون هدفك واقعياً وقابلاً للتحقيق، صحيحٌ أنَّه يجب أن يحفِّزك ويدفعك إلى أقصى حدودك، ولكن يجب أن يكون ممكناً أيضاً.
- ما هي الإجراءات المناسبة والملهمة التي يتعيَّن عليَّ اتِّخاذها لتحقيق هدفي؟
- كيف يمكنني تحقيق هذا الهدف؟
ذو صلة:
اختر هدفاً ترغب في تحقيقه، ويمكنك تخصيص الوقت والجهد المناسبين له، كما يجب أن يكون هذا الهدف شيئاً هامَّاً لك أو للمجتمع.
- هل يرتبط هدفي بخططي العامَّة سواء قصيرة أم طويلة الأجل؟
- هل سيُحدِث هذا الهدف فرقاً إيجابياً في حياتي أو حياة الآخرين؟
- هل يتوافق هذا مع أسبابي أو غايتي أو قيمي؟
مُحدَّد بمدَّة زمنية:
ضَع مهاماً وجداول زمنية قابلة للتتبُّع، سيلهمك هذا ويحفِّزك على العمل ويساعدك على الحفاظ على عزيمتك، كما يجب عليك تحديد إطار زمني محدَّد لتحقيق هدفك.
- متى يكتمل هذا الهدف؟
- هل أنا ملتزم باستغلال الوقت المطلوب؟
استخدم هذه الأسئلة للتأكُّد من أنَّ كل هدف تضعه هدفٌ ذكي.
2. السبب:
"كلما كان السبب أكبر، كانت الكيفية أسهل" - جيم رون (Jim Rohn)
عندما يذهب العملاء إلى مدرب أو مرشد؛ لأنَّهم يعجزون عن المواصلة أو يجدون صعوبةً في الحصول على الحياة التي يريدونها، وعندما يرغبون في تسريع تقدُّمهم أو تحقيق نتائج أكثر اتساقاً من التي يحصلون عليها، سواء كان ذلك في أعمالهم أم في حياتهم الشخصية، فغالباً ما يكون أول سؤال يُطرَح على العميل هو: "ما هو هدفك؟"
قد يكون هذا أي هدف من أهداف المرء عموماً، أو هدف عمل محدَّد، أو هدف في الحياة، والواقع أنَّ معظم الأشخاص يفهمون أهدافهم فهماً واضحاً، مثل: "إنشاء عملي التجاري"، أو "تحسين علاقتي مع زوجتي"، أو "التمتُّع بصحة جيدة ولياقة بدنية عالية".
ثم يأتي السؤال الكبير بعد ذلك، وهو سؤال بسيط: "لماذا تريد ذلك؟".
تكون الإجابة النموذجية الأولية إجابة سطحية عامة بدون أي ارتباط عاطفي عميق بدافع الفرد الأساسي والغرض منه، وتكون قد بُرمِجَت مسبقاً في عقل الشخص لفترة طويلة إلى درجة أنَّها لا تحتوي على تواصل عاطفي حالي أو ذي صلة، وهذه الفجوة بين إجابتهم الواضحة ودوافعهم الأساسية هي السبب الرئيسي وراء توقُّف الكثير من الناس أو معاناتهم أو افتقارهم إلى الاتِّساق والتحفيز.
يقول سيمون سينك (Simon Sinek)، أحد كبار المفكرين في هذا الموضوع، في كتابه "ابدأ بالسبب: كيف يلهم القادة العظماء الناس للعمل" (Start with Why: How Great Leaders Inspire Everyone to Take Action)،: "يعرف الجميع ماذا يفعلون طول الوقت، ويعرف بعض الناس كيف يقضون هذا الوقت، ولكن قلَّة قليلة من الأشخاص في المنظمات وفي العالم وحياتهم الشخصية من يعرفون سبب قيامهم بما يفعلونه".
ويعرِّف "السبب" بأنَّه: "الغرض أو الدافع الوحيد للعمل"، فمعرفة "سبب" قيامك بما تفعله هو أساس التواصل مع مراكز التحفيز العميقة في دماغك، والتي تُحفِّزك على العمل، كما تجعلك معرفة "السبب" تتواصل مع هدفك، ممَّا يجعل "سببك" محدَّداً، ويساعدك على الحفاظ على عزيمتك.
لماذا يُعدُّ "السبب" هام جداً؟
- يمنحك "السبب" مغزى لكل ما تفعل: قد تبدو ناجحاً من الخارج، ولكن إذا لم تكتشف داخليَّاً سبب رغبتك في النجاح، فلن تشعر بالرضا في الحياة أبداً.
- يوجِّهك "السبب" ويرشدك: لا يمنحك السبب المغزى فحسب، بل قد يمنحك أيضاً توجُّهاً ورؤية واضحة حول الوجهة التي ينبغي أن تذهب إليها في الحياة، وقد يساعدك في اتِّخاذ القرارات الكبيرة والصغيرة، واتِّخاذ الخطوات التالية.
- "السبب" يحفِّزك: ستكون هناك أوقات عصيبة في الحياة لتعيشها، فقد تتعرَّض للانتكاسات والرفض والإخفاق، وفي مثل هذه المواقف، قد يمنحك "السبب" الحافز الذي تحتاجه للاستمرار. كما يصبح دليلك في كل ما تفعله بوقتك وجدول أعمالك.
حدِّد السبب:
هناك عملية محدَّدة يمكنك استخدامها للكشف عن هدفك، تتضمَّن الإجابة عن الأسئلة التي بالأسفل، يجب أن تسأل نفسك السؤال الرئيسي من 4 إلى 5 مرات.
على سبيل المثال: لقد وضعنا إجابات أحد العملاء بوصفها طريقة لفهم كيف تكون العملية:
- "ما هو هدفك؟"
- الإجابة: "أن أكون أفضل باحث ومتحدث ومدرب".
- لماذا يُعدُّ هذا هام بالنسبة لك؟
- الإجابة: "لأشعر بالرضا تجاه مساعدة الناس على تحسين حياتهم"
- لماذا يُعدُّ هذا هام؟
- الإجابة: "حتى يشعروا أنَّ هناك شخصاً يساندهم ويدعمهم"
- لماذا يُعدُّ هذا هام؟
- الإجابة: "حتى يصدِّقون أنَّ بإمكانهم عَيش الحياة التي يريدونها".
- لماذا يُعدُّ هذا هام؟
- الإجابة: "لمساعدة الآخرين على اكتشاف هدفهم الحقيقي والعيش وفقاً له".
لقد نجحت هذه الإجابة الأخيرة أخيراً في الوصول إلى جوهر الحافز الحقيقي، قد يستغرق الأمر من 4 إلى 5 محاولات تسأل في كل واحدةٍ منها نفسك " لماذا يُعدُّ هذا هام؟" إلى أن تصل حقاً إلى السبب الأساسي أو الاعتقاد الذي يحفِّزك.
قد ينطبق تحديد "السبب" على أهداف محدَّدة في أي مجال من مجالات حياتك، كما يتعيَّن عليك معرفة سبب كل هدف تحدِّده أو أي شيء تريد تحقيقه لمواءمة جهودك ودوافعك لتحقيق أهدافك.
إليك مثال آخر:
كانت هناك عميلة تذهب إلى أحد المرشدين من أجل مشكلات في الصحة والعافية أثرت في أداء أعمالها، كانت مديرة تنفيذية في أواخر الأربعينات من عمرها، وكانت تعتقد أنَّ وزنها زائد 20 كيلو يجب أن تخسرهم، وتعلم أنَّها ليست في حالة بدنية جيدة.
قالت للمرشد: "أعاني من بعض العوائق التي تحول دون فقدان وزني":
- فسألها: "ما هو هدفك؟"
- أجابت: "أن أفقد 20 كيلو من وزني"
- "لماذا يُعدُّ هذا الأمر هام بالنسبة لك؟"
- أجابت: "لكي أشعر أنَّني بحالة جيدة".
- "لماذا يُعدُّ هذا الأمر هام بالنسبة لك؟"
- أجابت: "لأشعر أنَّني بصحة جيدة".
- "لماذا يُعدُّ هذا الأمر هام بالنسبة لك؟"
- أجابت: "أريد أن أكون أكثر نشاطاً للاهتمام بأطفالي".
- "لماذا يُعدُّ هذا الأمر هام بالنسبة لك؟"
- أجابت: "لأنَّ والدتي توفيت عندما كان عمري 20 عاماً، وأريد أن أكون بجانب أطفالي عندما يكبرون".
لقد تمكَّن المرشد حرفياً من رؤية التحول ينعكس في عينيها، فلم يكن هدفها مجرَّد خسارة الوزن حتى تكون أكثر نشاطاً وتشعر بتحسن، لقد كان "السبب" لهذا الهدف بالذات رغبتها في أن تكون بجانب أطفالها وأن وتتمتَّع بحياة طويلة وثريَّة معهم. وعندما أدركت ذلك، أصبحت أكثر حماساً وفقدت وزنها بسهولة بعد الإخفاق في المحاولات الماضية.
لو ترك المنتور هدفها يتمحور حول فقدان بعض الوزن بمرور الوقت، لكانت قد أخفقت في تحقيق هذه الغاية؛ لأنَّه حينها لن يكون هناك أي تواصل مع المراكز التحفيزية العميقة في دماغها، وهي المنطقة التي تحفِّزها على العمل واتِّخاذ الإجراءات.
يجعل "السبب" وقتك مناسباً لك:
يضمن لك معرفة "السبب" وراء أهدافك استخدامك لمواهبك بطريقة تربطك بهدفك الحقيقي، ممَّا يُحدِث فرقاً إيجابياً لك ولمجتمعك، وهذا أمر أساسي لتعلُّم العزيمة؛ لأنَّه يوجِّه وقتك ويزيده إلى أقصى حد بطريقة هادفة وذات مغزى تناسب كل ما تفعله.
شاهد بالفيديو: 5 أسئلة تحدد هدفك في الحياة
3. جدولة كل شيء:
الآن بعد أن حدَّدت أهدافك الذكية وحدَّدت "السبب"، حان الوقت لجدولة ما عليك القيام به لتحقيق أهدافك، يمكنك القيام بذلك بنجاح من خلال وضع مهامك في تقويمك.
التقويم هو المكان الذي تلتزم فيه بأهم ما تملك -وهو الوقت- وتنظيمه حسب أهم أولوياتك، إذا لم تكن مهامك مُدرجَة في تقويمك مع جدولة الوقت المناسب لها، تصبح هناك فرصة كبيرة لتشتيت انتباهك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
يجب كتابة جدولك اليومي بوصفه تذكيراً مرئياً بما حدَّدته لتقوم به في أي يوم معيَّن، والذي يوجِّه النوايا التي حددتها لكل يوم، كما يمثِّل كل ما هو هام في حياتك وعملك.
إذا لم تكن مهامك موجودة في تقويمك، فغالباً لن تقوم بها، لذا تبنَّ هذه العقلية واعلم أنَّ التقويم شيء في غاية الأهمية، وستكون الجدولة هي المفتاح لإطلاق العنان لدوافعك وإمكاناتك والحفاظ على عزيمتك.
الخلاصة:
لا تُعدُّ معرفة كيفية الحفاظ على عزيمتك مع المصاعب التي ستواجهها بالمهمة اليسيرة؛ لذا، في المرَّة القادمة التي تفتقر فيها إلى الدافع، جهِّز نفسك للنجاح باتباع هذه الخطوات الثلاث: تحديد أهدافك الذكية، وربطها بـ "السبب"، وجدولة كل شيء، سيضمن القيام بذلك البدء بقوة، وبناء الدافعية، والحفاظ على العزيمة لبلوغ أهم أهدافك.
أضف تعليقاً