قد يكون الشعور بالذنب عاطفة إيجابية في بعض الحالات، وقد يساعدك حتى على الاستفادة من أخطائك، لكن يمكنك أيضاً أن تشعر بالذنب بسبب مواقف تعتقد أنَّها كانت غير خاطئة أو حتى حوادث لم يكن لك فيها أي دور.
قد يستخدم الأشخاص أيضاً تكتيكات تحفيز الذنب للتلاعب بشخص ما لفعل أشياء لا يفضلونها، وسواء كان الذنب نتيجة خطأ منك أم ناتجاً عن غيرك، توجد وسائل فعالة للتعامل معه والتغلب عليه، حتى إذا كنت تحمله لفترة طويلة.
ما هي جذور الشعور بالذنب؟
تشير دراسة سابقة إلى أنَّ الذنب هو عاطفة اجتماعية مكتسَبة قد تؤدي دوراً في تحقيق تفاعل ناجح وتعاون داخل المجموعة، وعندما يكون الشعور بالذنب حاضراً، قد يكون إشارة تدل على ضرورة النظر بعناية إلى حالات أو سلوكات محددة.
كما قد يساعدك أيضاً على توجيهك لإصلاح أي أفعال تُعَدُّ خاطئة، وقد ينشأ الذنب أيضاً من تحمُّل المسؤولية المفترضة وليس الفعلية لحدث أو وضع معين.
ما هو الذنب السام؟
الذنب السام هو نوع من الذنب لا يحفزك على إجراء تغييرات إيجابية، وتشير دراسة سابقة إلى أنَّ الذنب قد يتسع ليتجاوز الحادث الذي يثيره ويسيطر على الذات بأكملها، وهذا يعني أنَّك قد تجد نفسك تشعر بالسوء تجاه نفسك عموماً بدلاً من الشعور بالندم على سلوكك فقط.
إضافة إلى ذلك، قد يكون الذنب السام ناتجاً عن عدم معرفتك بكيفية إدارة الشعور بالذنب بفاعلية ومن الذنب الذي قد يفرضه الآخرون عليك، فإذا وجدت نفسك غالباً تسمح للذنب بتوجيه اختياراتك أو سلوكاتك، فقد يكون شكلاً من أشكال الذنب السام.
هل يمكنني التوقف عن الشعور بالذنب؟
قد يكون الشعور بالذنب ثقيلاً وصعب التخلص منه، وقد يشكل تحديد مصدره تحدياً أيضاً، ومع ذلك، من الممكن التغلب على مشاعر الذنب بصرف النظر عن مدى استمرارها.
تبدأ إدارة الشعور بالذنب بتحديد مصدره، فيمكنك طرح بعض الأسئلة على نفسك لفهم جذور شعورك بالذنب، مثل:
- ما الذي حدث ليتسبب في هذا الشعور بالذنب؟
- أي جانب محدد في هذا الأمر يجعلني أشعر بالذنب؟
- هل فعلاً قمت بشيء خاطئ، أم أنَّه مجرد شعور؟
- هل يوجد شخص آخر يجعلني أشعر بالذنب؟
- هل يمكنني إصلاح الوضع؟
- هل يساعد إصلاح الوضع؟
قد تساعد إجابات هذه الأسئلة على فهم مصدر الذنب وكيفية إدارته بشكل أفضل، لكن يجب عليك أن تعلم أنَّ الذنب قد يكون مرتبطاً أيضاً بحالات الصحة العقلية مثل الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطراب الوسواس القهري (OCD)، فإذا كنت تجد صعوبة في التعامل مع الذنب، فقد يكون من المفيد التحدث مع محترف في مجال الصحة العقلية بشأن مخاوفك.
ما هي أنواع الذنب؟
قد يحدث الذنب على مستوى فردي أو جماعي؛ إذ يتنقل بعض الأشخاص بين هذه الأنواع خلال الحياة، بينما قد يشعر بعضهم بنوع واحد أو أكثر من الذنب في نفس الوقت:
1. الذنب الطبيعي:
الذنب الطبيعي هو ببساطة ما تشعر به بعد قيامك بشيء خاطئ، على سبيل المثال، إذا حنثت بوعدك لصديق، فقد تقنع نفسك بأنَّك صديق سيئ، وتعاقب نفسك وتفكر فيما وجب عليك فعله، فلقد حنثت وعداً، وبشكل طبيعي ستشعر بالذنب، وهذا ما يدفعك إلى الرغبة في الاعتذار، فالذنب الطبيعي غالباً مؤقت ويزول بعد حل المشكلة.
2. الذنب المزمن:
يحدث هذا النوع نتيجة لتعرُّض طويل للإجهاد؛ إذ يؤثر الذنب المزمن في قدرة الشخص على تنظيم عواطفه، على سبيل المثال، قد يشعر المعلم بالإرهاق الزائد والإرهاق العاطفي، وهذا يؤثر في علاقاته مع الطلاب.
يصبح الذنب الناتج عن هذا النوع أحد أعراض التوتر المستمر في العمل أو الإحساس بالإحباط؛ إذ يُجادل بعض الباحثين في إدراج الذنب في التقييمات السريرية للاحتراق المهني، وقد يحدث الذنب المزمن أيضاً مع حالات شديدة من الاكتئاب.
3. الذنب الجماعي:
يتضمن هذا النوع إحساساً بالمسؤولية الجماعية أو المشتركة، فقد يشعر سكان مدينة بالذنب الجماعي بسبب وجود أشخاص يعيشون بلا مأوى في حيهم، وفي هذا السيناريو، يشعر السكان بالمسؤولية الشخصية والذنب بسبب عدم اتخاذ إجراء للمساعدة، فالذنب الجماعي أصعب في الحل؛ وذلك لأنَّه مضمَّن في مشكلات نظامية.
4. الذنب الباقي:
قد تسبب الأحداث الصادمة، مثل مشاهدة حدث صادم، مشاعر الندم والحزن، وقد يظهر هذا عندما ينجو شخص ما من حادث ثم يشعر بالذنب تجاه الأشخاص الذين لم ينجوا، وعلى الجانب الآخر، قد يشعر الشخص أيضاً بالذنب لأنَّه سعيد بأنَّه على قيد الحياة، ويتميز الذنب الباقي بالحالات العاطفية المتناقضة.
شاهد بالفيديو: طرق علاج جلد الذات
كيف تتغلب على الشعور بالذنب؟
توجد طرائق عدة تتيح التغلب على الشعور بالذنب، ونذكر منها:
1. تحديد مصدر الذنب:
قد يعاني الناس من الشعور بالذنب لأسباب كثيرة، فقد يساعد الذنب على التعلم من الأخطاء وتغيير السلوكات السلبية، ولكنَّه قد يكون أيضاً ساماً أو غير منطقي، فجزء هام من التغلب على الذنب هو معرفة سبب تجربتك لهذا الإحساس في البداية.
عندما تلاحظ أنَّك تشعر بالذنب، خذ وقتاً للتفكير في مصدر مشاعرك، فهل تشعر بالذنب بسبب سلوكك؟ أم أنَّ شخصاً آخر يسهم في مشاعرك؟ قد يساعدك طرح الأسئلة على نفسك على فهم عواطفك لتتعامل معها بشكل منتج.
2. الانفتاح لمشاعرك:
لا تكبت عواطفك، حتى لو شعرت بالعار بسبب سلوكك؛ إذ يصبح العيش مع الذنب أسهل عندما تعترف وتناقش في الأشياء التي تشعر بها، وفكر في التحدث عن مشاعرك مع شخص تثق به.
3. البحث عن وسائل للتعويض:
قد يكون الذنب عاطفة مؤلمة، لكن قد يؤدي في النهاية إلى نتائج إيجابية؛ إذ تشير الأبحاث باستمرار إلى أنَّ الذنب يحفز الناس على تصحيح خطأ ما في الماضي، فإذا كنت تعاني من الشعور بالذنب بسبب سلوكات سابقة، فحاول تصحيحها مع الأشخاص الذين أذيتهم.
4. مساعدة الآخرين:
قد يكون العمل التطوعي مخرجاً صحياً لمشاعر الذنب، فقد تحسِّن مساعدة الآخرين مزاجك وتمنحك إحساساً بالهدف والإشباع، وإنَّه وسيلة رائعة لاستبدال الشعور السلبي بالعواطف الإيجابية.
5. البحث عن وسائل للتشتيت:
قد يكون الشعور بالذنب ساحقاً، فإذا كان الذنب الشديد يسبب لك التوتر، ويمنعك من الحصول على قسط كافٍ من النوم، أو يجعل تركيزك صعباً، فجرب توجيه انتباهك في اتجاه آخر، وحتى إذا لم تكن متأكداً من كيفية التعامل مع الذنب غير الصحي، يمكن لنشاط مريح أن يساعد على تهدئتك.
6. ممارسة الرفق بالنفس:
من الهام أن تكون لطيفاً مع نفسك، حتى عندما تشعر بأنَّك قد فعلت شيئاً خاطئاً، ففكر كيف ستستجيب لصديق يعاني من نفس المشاعر التي تمر بها، وبدلاً من توبيخ نفسك بسبب أخطائك، عامل نفسك بلطف وصبر.
7. التركيز على الأمور التي يمكنك السيطرة عليها:
بعد تحديد مصدر الذنب الخاص بك، ركِّز على شيء يمكنك القيام به لتحسين الوضع، ففي حين أنَّ اتخاذ إجراء قد يكون وسيلة فعالة للتعامل مع الذنب، قد يكون من المفيد الاعتراف بأنَّ بعض الحالات خارجة عن سيطرتك، وبدلاً من التفكير بالأمور التي لا يمكنك تغييرها، جرب تحويل طاقتك نحو الأمور التي تمتلك فيها بعض السيطرة.
8. التفكير بشكل مختلف في المرة القادمة:
لا توجد طريقة لتغيير الأحداث السابقة، ولكنَّ التفكير فيما ستفعله بشكل مختلف يحول دون ارتكاب نفس الأخطاء في المستقبل، فكيف ستتصرف إذا كانت لديك فرصة للرجوع في الزمن؟ على الرغم من أنَّه لا ينبغي التمسك بالماضي، لكن قد يكون النظر إلى الأحداث السابقة بشكل بنَّاء مفيداً.
9. التوقف عن التحدث السلبي إلى نفسك:
لا يمكن أن يجعل الانتقاد الذاتي مشاعر الذنب أفضل؛ بل قد يكون ضاراً لصحتك النفسية والجسدية وفقاً للأبحاث؛ لذا حاول أن تصبح أكثر وعياً بالحديث السلبي إلى نفسك وتحدي معتقداتك، فعند ممارسة الانتقاد الذاتي، حاول الانتقال إلى الحديث الإيجابي بدلاً من ذلك.
10. وضع حدود صحية:
لا يجب أن تشعر بالذنب لرفضك أو تخصيص وقت لنفسك، فجزء أساسي من تعلُّم كيفية التعامل مع الذنب هو وضع حدود صحية في العلاقات مع الأشخاص في حياتك، وقد يساعد وجود حدود واضحة على الدفاع عن نفسك وتجنب الشعور بالذنب.
11. معاملة الأخطاء بوصفها فرصاً:
قد تؤدي الأخطاء إلى نتائج سلبية، ولكنَّها أيضاً قد تكون فرصاً قيِّمة للتعلم، فإذا كنت قد ارتكبت خطأ ما، فاعترف به وفكر في كيفية اتخاذ خيارات مختلفة في المستقبل، فإنَّ معالجة أخطائك قد تكون فرصة للنمو.
12. الغفران لنفسك:
التغلب على الذنب ليس سهلاً عندما تفعل شيئاً قد يؤذي الأشخاص الذين تهتم بهم، بينما يجب عليك تحمُّل مسؤولية سلوكك، فلا ينبغي أن تنسى أنَّك تستحق الغفران؛ إذ يساعدك الغفران لنفسك على التخلص من شعور الذنب والعمل على تحسين نفسك.
13. ممارسة الامتنان:
التفكير المتكرر في الأخطاء السابقة ليس بنَّاءً دائماً، فقد تساعد ممارسة الامتنان على التخلص من الذنب والتركيز على جوانبك الإيجابية.
14. التحدث مع اختصاصي نفسي:
إذا كنت لا تستطيع معرفة كيفية التعامل مع الذنب الذي تشعر به، فقد حان الوقت لمناقشة مشاعرك مع محترف في مجال الصحة العقلية، فقد يكون الذنب غير الصحي عرضاً للاكتئاب، والشعور المستمر بالذنب في بعض الأحيان مرتبط بالصدمة؛ لذا قد تكون جلسات العلاج النفسي وسيلة للاعتراف بالذنب ومعالجته والتخلص منه وتخفيف تأثيره في حياتك.
في الختام:
قد يتطلب التخلص من الشعور بالذنب التفكير الذاتي لتحديد مصدر الندم وسبب شعورك به، كما ينطوي ذلك على تحديد ما إذا كنت تعاني من الذنب المضطرب، أو الذنب السام، أو الندم الفعلي بسبب شيء قمت به.
سواء كان الذنب مبرراً أم مبنياً على مسؤولية متخيلة، تذكَّر أنَّك إنسان، ونحن جميعنا نرتكب أخطاء، فحاول أن تعترف بمشاعرك، وتصلح الموقف إن وجد، ثم اغفر لنفسك، وإذا كنت بحاجة إلى مساعدة على التخلص من الشعور الدائم بالذنب، ففكر في التواصل مع محترف في مجال الصحة العقلية.
أضف تعليقاً