تشكل هذه المشاعر القوة الدافعة التي تبني شخصياتنا وتضيف نكهة إلى حياتنا، وكلما ازدادت قدرتنا على فهم مشاعرنا، أصبحت إمكانية تعاملنا معها ورعايتها أفضل؛ لذلك نطلق على المقدرة على التعامل مع مشاعرنا ومشاعر الآخرين ومراعاتها مصطلح "الذكاء العاطفي".
الذكاء العاطفي هو القدرة على معرفة علامات الإرهاق العاطفي؛ إذ من الطبيعي أن تكون عاطفياً، وأن تتعاطف مع نفسك، وتتشارك المشاعر مع الآخرين، وتعبِّر لهم عنها؛ وهذا جزء هام من التنمية الشخصية والاجتماعية للفرد؛ ولكن، هل نستطيع حقاً التعرف على مشاعرنا بحيث نتجنب التورط بها بطريقة تسبب لنا الشعور بالإرهاق العاطفي؟
ماذا يعني الإرهاق العاطفي؟
الإرهاق العاطفي هو الحالة التي يطغى فيها شعورنا بمشاعر سلبية على اللحظة الحالية، وقد يكون ذلك في أي جانب من جوانب الحياة، وقد يتكرر كثيراً.
يرتبط الإرهاق العاطفي اليوم ارتباطاً وثيقاً بالعبء العاطفي، والذي يؤدي إلى الاحتراق العاطفي عند إدارته بطريقة سيئة؛ وقد يحدث الإرهاق العاطفي أيضاً نتيجة العلاقات الاجتماعية أو العائلية أو علاقات الصداقة أو العلاقات الحميمة؛ لكن، وبغض النظر عن مصدر هذه المشاعر، عندما يتكرر شعورك بالمشاعر التالية:
فقد تتفاقم لتصبح مشاعر:
وتصل إلى حالة من الإرهاق العاطفي تتمثل في الضجر والارتباك والتعب؛ فتشعر يومياً في أعماقك ببعض من المشاعر التي ذُكِرت أعلاه؛ لتجد أنَّها تسيطر على حياتك الحالية، وتحتل جزءاً من أنشطتك اليومية، وتسرق مقداراً كبيراً من قوتك الجسدية والعقلية وحيوتك ونشاطك.
علامات الإرهاق العاطفي وأعراضه:
ينتج الإرهاق العاطفي عن الأحاسيس والمشاعر السلبية؛ فنحن لا نشعر بالإرهاق العاطفي بسبب شعورنا بالتحفيز أو الحماس، كما لا يأتي الإرهاق العاطفي من مشاعر إيجابية كالشعور بالسعادة أو الامتنان أو الفضول؛ لكنَّه يأتي من فهمنا السلبي للأحداث الحياتية.
يمكن لنا أن نقلل من الشعور بالإرهاق العاطفي أو أن نمتلك منظوراً أفضل وأكثر واقعية للحياة حالما نبدأ فهم الأشياء من منظور محايد، دون خلق مشاعر سلبية غير ضرورية؛ كما علينا تحديد أعراض وعلامات حالتنا قبل البدء بتفسير الأحداث؛ فمثلاً: نحتاج إلى معرفة كيف نشعر وكيف نتصرف.
ما هي أعراض الإرهاق العاطفي؟
الأعراض هي مؤشرات ذاتية أو موضوعية تشعر بها في داخلك، وتبدو الأعراض الأولى في الغالب أشبه بـ:
- التعب: وهو مؤشر شخصي على أنَّك تشعر إلى حد ما بالإرهاق، سواء الجسدي أم الذهني؛ وقد لا يكون هذا صحيحاً أيضاً إذا كنت ممَّن يميلون إلى التذمر.
- الملل: مؤشر موضوعي يمنحك شعوراً مزعجاً نابعاً من عدم معرفة ما يجب عليك فعله بسبب ابتعادك عن المشاعر الإيجابية وشعورك بالضجر والفراغ.
كما أنَّ هناك مزيداً من الأعراض، كالشعور المستمر بأنَّك غير جدير بالأشياء التي تفعلها، أو غير راضٍ عنها بغض النظر عن إنجازاتك؛ كما أنَّ شعورك بالتعب الجسدي المستمر والانفصال عمَّا يحدث حولك هو أحد الأعراض التي تشير إلى أنَّك مرهق فعلاً؛ وستؤدي هذه الأعراض حتماً إلى نمط سلوكي يتطور إلى عادة تذمر مزمنة، ممَّا يقود إلى علامات موضوعية للإرهاق العاطفي الذي قد يؤثر في الحياة المهنية والاجتماعية.
ما هي علامات الإرهاق العاطفي؟
يمكن الكشف عن علامات الإرهاق العاطفي من خلال الكلام ونبرة الصوت وحركات الوجه والجسد، وقد تُكشَف طبيعياً من قِبل مراقب خارجي قد يكون محترفاً أو قد يكون أحد المقربين؛ أي من قِبل شخص موثوق به ويدرك كيفية عمل المشاعر.
كما يمكنك اليوم كشف وتفسير علامات وطبيعة تعبيرات الوجه الدقيقة من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل استخدام الكاميرات ذات السرعة العالية؛ رغم أنَّ هذه الاختبارات غير فعالة بسبب تكلفتها المرتفعة.
لكن، مهما كانت التكنولوجيا الحديثة داعمة، يتعين علينا القيام بشيئين للتعرف على علامات وأعراض الإرهاق العاطفي:
- تحسين الوعي الذاتي من أجل الكشف عن العلامات، وينطبق الشيء نفسه على الأعراض أيضاً.
- الانفتاح على مشاركة مواقفنا ومشاعرنا وعواطفنا مع شخص نثق به؛ إذ قد يكون هذا الشخص مراقباً يتمتع بمعرفة كافية في المسألة المستهدفة، ويستطيع أن يُعلِمنا إذا أظهرنا أي علامة من علامات الإرهاق العاطفي.
4 علامات للإرهاق العاطفي:
تنعكس علامات الإرهاق العاطفي في تعابيرك العاطفية، وتظهر من خلال مزاجك والطريقة التي تتفاعل بها مع عواطفك وتديرها.
عندما تفتقر إلى الوعي الذاتي، فإنَّ الطريقة الأكثر فاعلية للتعرف على علامات الإرهاق العاطفي هي طلب استشارة تخصصية، أو الطلب من أحبائك أن يراقبوا سلوكك وردود أفعالك عن كثب، كمراقبة وضعية الجسد وحركات الوجه (التعابير الدقيقة)، بالإضافة إلى التعابير اللفظية أو غير اللفظية.
إنَّه لمن المعروف أنَّ مشاركة مثل هذه المشاعر الشخصية والضعف مع الآخرين ليس بالأمر السهل، ولكن علينا جميعاً أن نفهم شيئاً واحداً، وهو أنَّنا مترابطون جميعاً، وأنَّ نمونا الشخصي يعتمد على التواصل والعلاقة المتبادلة مع الناس من حولنا، وينطبق هذا بصورة خاصة على الأوقات التي تسوء فيها الأمور.
إذا لم تنفتح على المقربين منك، فكيف ستتمكن من رعاية مشاعرك الإيجابية والتعبير عن الصفات الإيجابية والفضائل التي تتمتع بها للآخرين؟
يكشف الوعي الذاتي الإرهاق العاطفي، تماماً كما يفعل معلم التأمل، فالتحليل ودراسة وتبادل الآراء حول المشاعر من أعماله اليومية.
يمكن للتأمل كعنصر فعال في إحياء الوعي الذاتي أن يساعد في تولي إدارة هذا الموضوع بأكمله، وقد أظهر بحث أُجرِي في هذا المجال أنَّ بإمكاننا معرفة أنَّنا نعاني من علامات الإرهاق العاطفي بمجرد أن نختبر الحالات المزاجية التالية:
1. الشعور بالتعب بسرعة كبيرة (إرهاق جسدي):
إنَّه لمن الطبيعي أن تشعر بالإرهاق الجسدي بعد القيام بنشاط بدني، لكن يستعيد الجسم قوته بعد أن ينال قسطاً من الراحة، فيعيد شحن نفسه ويجدد طاقته.
عادة ما يكون لديك القدرة على التحمل، والمرونة التي تساعدك على استيعاب العديد من العلامات المذكورة آنفاً في هذه الحالات؛ ولكن حالما يصبح الإرهاق الجسدي مزمناً، يفقد الجسم القدرة على تجديد طاقته بسهولة، ويشعر الشخص بالإجهاد والتعب الجسدي.
2. فقدان الاهتمام بالمشاركة في الأنشطة اليومية:
ينتج عن التعب المزمن حالة مزاجية يُعبَّر عنها من خلال ضعف الروح المعنوية والكسل والانزعاج والإحباط، ومن علامات الإرهاق العاطفي عدم إظهار الدافع أو الحيوية للمشاركة في أشياء جديدة في الحياة واستكشافها.
3. عدم التسامح في علاقاتك (طويلة الأمد):
ترتبط علامات الملل والانزعاج المستمرين بميل سلوكي يُظهِر اللامبالاة، ممَّا يجعلك أقل تسامحاً في علاقاتك؛ كما أنَّ العلامات المذكورة أعلاه تسبب نفاد الصبر بسرعة، ممَّا يُولِّد غضباً وحسداً وحتى كراهية، فينشأ مزيد من الإحباط من حقيقة أنَّك غير قادر على إدارة علاقاتك بأي مستوى كانت.
4. الشعور بعدم الأمان والعجز وعدم الجدارة:
تظهر هنا الحاجة إلى العزلة، وتصل إلى الحالة المزاجية التي تُشعِرك بعدم الأمان، وتبدأ التساؤل بشك وقلق عن قدراتك، ويقل تقديرك لذاتك أكثر وأكثر؛ فيتسبب هذا الخليط من المشاعر والمزاج بخلق الكثير من الارتباك والاستياء والحزن، الذي يصل بنا إلى نقطة الإرهاق العاطفي الكامل، أي إلى حالة من الاحتراق العاطفي.
شاهد بالفديو: 8 أسباب وراء انخفاض تقديرك لذاتك
تحدث هذه الحالة من التهيج العاطفي وعدم التوازن بصورة غير متوقعة إلى حدٍّ ما، ويزحف اليأس دون سابق إنذار إلى أعماق النفس؛ ممَّا يتسبب باستنفاذ كل حيوية الشخص وإبداعه.
كيف نمنع أو نتغلب على هذا الإرهاق؟
بصرف النظر عن التقنيات المختلفة للتغلب على الإرهاق الذهني، توجد طريقة واحدة للتعافي من الإرهاق العاطفي، وهي التأمل؛ لذا:
- امنع تطور المشاعر؛ أي بعبارة أخرى: تعرف على الشعور قبل أن ينشأ لتتمكن من إيقاف تطوره؛ فمثلاً: يقودك الشعور بالملل إلى الانزعاج، ممَّا يؤدي إلى الرفض والغيظ والإحباط، وما إلى ذلك من المشاعر.
- إنَّ مجرد ظهور فكرة سلبية وخلق شعور مدمر علامة على أنَّ تلك المشاعر السلبية على وشك الانفجار؛ والفكرة هنا هي منع هذه العملية واستبدالها بعقلية بنَّاءة ونشاط بدني.
- لا يمكن القيام بذلك إلَّا في حالة من التأمل ومراقبة الأفكار، كما يمكن لتمرينات التنفس أن تساعدك في الوصول إلى تلك الحالة.
- لأنَّ العواطف هي نتيجة التكرار اللاواعي وإدراك المشاعر التي يدعمها الخلق المستمر للأفكار، فمن الضروري أن نفهم أنَّ السبب الجذري للإرهاق العاطفي يكمن في تشكيل هذه الأفكار.
يمكن للحالة التأملية أن تُبطِّئ هذه العملية، ومن ثم تعطي صورة واضحة لما يجري في عمقنا الداخلي، فنعثر على السبب الجذري للمشكلة؛ ممَّا يمكِّننا من إيجاد حل لها.
أفكار أخيرة:
هنالك شيء واحد يستحق أن نتذكره، وهو أنَّه لا يوجد إنسان نجا من اضطراب المشاعر؛ فنحن نعاني جميعاً من تأثير المشاعر التي نخلقها لأنفسنا، لكنَّنا قد نستمتع بذلك أحياناً.
تُسلِّط التقنية المذكورة أعلاه الضوء على الطريقة التي تمكِّنك من تحديد وفهم المشاعر والتعامل معها من أجل التغلب على الإرهاق العاطفي وتحقيق التوازن العاطفي في حياتك، ويمكنك من هنا أن تختبر بطريقة آمنة الشعور بأن تكون ضحية مشاعرك المختلفة والمستفيد منها.
لا مفر من النظر في كيفية عمل المشاعر والتعامل معها؛ ذلك لأنَّ التقنيات الخاصة بكيفية التغلب على الإرهاق العاطفي تتعلق بالبدء بالتعلم العاطفي الذاتي، وهذا جزء أساسي من ممارسة عادة التأمل التي تُطرَح هنا.
استخدم هذه التقنية لموازنة مشاعرك السلبية وتطوير ذكائك العاطفي، حيث ترسل إليك جميع المشاعر التي تختبرها في حالة التأمل الوجودي علامات من أجل تنمية ذكائك العاطفي وقوتك الذهنية؛ واعلم أنَّ المشاعر موجودة لتحليلها وفهمها، وليس للاستمتاع بها أو تجنبها فحسب؛ وأنَّها موجودة لتتبناها وتتعامل معها، وليس لتضيع في غمرتها.
أضف تعليقاً