ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "أنوباف سريفاستاتا" (Anubhav Srivastava)، ويقدِّم لنا فيه أفضل النصائح للتغلُّب على الشعور بالذنب وعيش حياة مُرضية.
إنَّ الضمير الحي أمرٌ جيد بالطبع؛ لكنَّنا أحياناً نُعمِّم الأمور ونُحمِّل أنفسنا مسؤولية الأحداث التي لم نتدخل فيها على الإطلاق أو قليلاً فقط، وأحياناً قد نكون مسؤولين عنها عن غير قصد، وفي أحيانٍ أخرى قد نكون ارتكبنا أخطاء حقاً، والنتيجة هي شعور كبير بالذنب الذي يحرمنا نوم الليل.
لقد ارتكبت أيضاً في حياتي مثل أي شخص آخر بعض الأخطاء التي لست فخوراً بها، وكان بعضها أشياء فعلتها عن قصد في الماضي، وبعضها حدث في المدة الأخيرة، ولو لم أطبِّق هذه الاستراتيجيات، لما استطعت أن أعيش حياةً سعيدة ومُرضية على الرَّغم من أحداث الماضي.
لذا في هذا المقال، سوف أقدِّم 4 نصائح ساعدتني على التعامل بنجاح مع شعوري بالذنب، فإذا نفعتني ولو جزئياً، فعلى الأرجح سوف تساعدك أيضاً:
1. ميِّز بين الأحداث التي كانت خطأك وتلك التي لم تكن:
العامل الأهم هو أنَّك لست مسؤولاً عن أشياء عدة تشعر بالذنب حيالها؛ فالحياة غير متوقعة أبداً، ومعظم الأشياء التي تحدث خارجةٌ عن إرادتك تماماً.
إذا قرَّر شخص ما الانتحار أمام سيارتك، فهل هذا خطؤك؟ بالطبع لا، وإذا كان شخص ما يقود دراجةً نارية بتهوُّر دون أن يرتدي خوذة، ويتجاهل إشارات المرور وصدم سيارتك، فهل هذا خطؤك؟ أيضاً لا، لا نستطيع اتهامك حتى بتهمة التسبب بالوفاة عن غير عمد إلا إذا قدت سيارتك بتهوُّر أيضاً.
لا شك في أنَّ هذه الحوادث صادمة جداً وتؤثِّر فيك عاطفياً تأثيراً عميقاً جداً، وهذا من أسباب شعور الناس بالذنب حتى لو لم يكونوا مسؤولين عن بعض الأشياء.
في العام الماضي توفي شخص أعرفه بسبب نوبة قلبية، ونادراً ما تعاملت معه شخصياً، وكنت مهذباً جداً في المرة الوحيدة التي التقيته فيها؛ لكنَّه كان عزيزاً جداً على شخص يهمني كثيراً، وقد عانى قبل وفاته توتراً كبيراً؛ لكنَّ الجميع يعانون اليوم التوتر لسبب أو لآخر، وعلى الرَّغم من ذلك، شعرت بذنبٍ كبير بعد وفاته.
لكن عندما تحدَّثتُ عن هذا الموضوع مع أشخاص أثق بهم، جعلوني أفهم أنَّني لم أصب ذلك الرجل بأمراض القلب، وذكروني بأنَّني كنت مهذباً جداً في المرة الوحيدة التي تعاملت فيها معه، وأنَّني احترمت رغباته لأطول فترة أيضاً؛ لذلك فأنا لم أفعل أي شيء عن قصد أو حتى عن غير قصد لإلحاق الأذى به، كيف أستطيع أن ألوم نفسي على أمرٍ مُقدَّر له أن يحدث؟
يجب أن تكون موضوعياً وأن تعرف تماماً دورك الحقيقي، هل تسببت عن قصد في حدوث ذلك؟ وإذا لم تفعل، فيجب أن تتجاوز الأمر، لكن كيف تستطيع ذلك؟ يجب أن تطلب مساعدة الأشخاص الذين تثق بهم، تماماً مثلما فعلت.
لكن ترتكب في بعض المواقف أخطاءً بالفعل وتشعر الآن بالذنب، فماذا تفعل عندها؟
شاهد بالفيديو: 10 أسباب تجعلك فخوراً بارتكاب الأخطاء
2. أدرك أنَّك سترتكب الأخطاء كما يفعل أي شخص آخر:
لقد ارتكب أعظم الناس في العالم أخطاءً ندموا عليها لاحقاً، وقد يكون هؤلاء الأشخاص مثالاً يُحتذى به لعدد كبير من الناس؛ لكنَّهم مع ذلك ليسوا معصومين من ارتكاب الزلات، فانظر إلى حياة أي شخص عظيم في التاريخ، من المُرجَّح أنَّه قام ببعض الأشياء غير اللطيفة.
على سبيل المثال، استغلَّ العالِم "توماس إديسون" (Thomas edison) العالِم "نيكولا تيسلا" (Nikola tesla) وبذل قصارى جهده لإخفاء اختراعاته بعدما ذهب كلٌّ منهما في طريقه، لقد استغله، ولم يدفع له ما وعد بدفعه، وأرسل بعض الحمقى لإحراق مختبره، وصعق فيلاً كي ينفي صحة تجاربه؛ أي من الواضح أنَّ "إديسون" لم يعامِل العبقري الرائع "تسلا" باحترام كبير، وقد اعترف "إديسون" على فراش الموت، بأنَّه كان يجب أن يعامِل "تسلا" باحترام أكبر، ومع ذلك يُعدُّ "إديسون" شخصاً يستحق الاحترام والتقدير، كما ينبغي؛ لأنَّ مساهماته تفوق سماته السلبية.
لدينا جميعاً جانب رمادي، لا أحد منا يستطيع أن يدعي أنَّه لم يرتكب أي خطأ في حياته، نرتكب جميعاً الأخطاء، بعضها خطير وبعضها الآخر أقل خطورة، وبعضها مقصودٌ وبعضها الآخر ليس كذلك، لكن إذا لم تسامح نفسك أو على الأقل تمضي قدماً في حياتك، فسوف تشعر بالعجز.
لقد قمت ببعض الأشياء الخاطئة عن عمد، خاصةً عندما كنت مراهقاً، والتي ندمت عليها لاحقاً، ولم أعامل والديَّ معاملةً حسنة، وبذَّرت في أموالهم، وتنمَّرتُ على بعض الأطفال على الرَّغم من أنَّني تعرضتُ للتنمُّر بنفسي.
هل أنا فخور بهذه الأشياء؟ بالطبع لا، هل أتمنى لو أنَّها لم تحدث؟ نعم؛ لكنَّ الجميع يرتكبون الأخطاء، وخاصةً عندما يكونون صغاراً، ولقد درست الناس في جميع أنحاء العالم ووجدت أنَّ حتى القادة العظماء معرضون لارتكاب الأخطاء، إذاً كيف يستطيع شخص عادي مثلي ألا يرتكب أي خطأ؟
إنَّ إدراك هذه الحقيقة ساعدني كثيراً على مسامحة نفسي والمضي قدماً في حياتي.
3. لا تكن مهووساً بالماضي:
لا بأس في أن تشعر بالحنين إلى الماضي، وتتذكر الأوقات الجيدة، أو تعترف أنَّك ارتكبت بعض الأخطاء، لكن إذا علقت في حلقة التفكير السلبي، فإنَّك تدمِّر حياتك، تستطيع أن تتخيل كل ما استطعت القيام به بشكل مختلف، لكن بصراحة هل يهم ذلك بعد الآن؟
تعلَّم من أخطائك، لكن لا تهتم بهذه الأخطاء، فهذا سيغذي الشعور بالذنب الذي لا يطاق.
في الواقع، يتأثَّر دماغك جداً في الأشياء التي تركز عليها انتباهك، وهذا هو أساس العلاج السلوكي المعرفي الذي يُستخدم لعلاج الاكتئاب واضطرابات القلق دون استخدام الأدوية.
إذا ركَّزت على الأشياء السلبية، فسوف تتدهور حياتك ويتضاعف شعورك بالذنب إلى درجة أنَّك قد تُفكِّر بالانتحار، وفي الواقع حدثت العديد من هذه الأمور وشعر الناس بذنب شديد، لدرجة أنَّ الأمر انتهى بهم بالانتحار بعد شهور أو سنوات من وقوع الحدث.
لو أنَّهم فقط حصلوا على المساعدة التي يحتاجون إليها وتعلموا أنَّ الهوس بالماضي ليس هو الحل؛ بل هو في الواقع المشكلة، لكانت حياتهم مختلفةً تماماً، لو تعلموا أنَّ التركيز على الحاضر هو الخيار الأفضل، لما كانوا الآن بيننا فحسب؛ بل عاشوا أيضاً حياةً مُرضية على الرَّغم من أحداث ماضيهم.
كما ذكرتُ آنفاً، لقد قمت بأشياء معينة في الماضي لست فخوراً بها؛ لكنَّني أعلم أنَّ الهوس بهذه الأشياء لن يغيِّر ما حدث حقاً، وفي الواقع سيجعلني ذلك أشعر بمزيد من الذنب والاكتئاب ويؤدي إلى نتيجة مدمرة، أدركت أنَّني لا أستطيع تغيير الماضي وحتى المستقبل ليس تحت سيطرتي بالكامل، والشيء الوحيد الذي أستطيع التحكم به هو أفعالي في الوقت الحاضر.
من أفضل الطرائق التي تعلمت من خلالها تجاوز الماضي هي ممارسة التأمل اليقظ، فأنا أُخصص فترات قصيرة من الوقت كل أسبوع وأجلس بهدوء وأركز على تنفسي فقط، وقد يتبادر إلى ذهني الماضي والمستقبل أو حتى بعض الأشياء التخيلية، لكن عندما يحدث ذلك، أعيد انتباهي إلى اللحظة الحالية وأركِّز على أنفاسي.
لقد كانت فوائد التأمل حتى لفترات قصيرة هائلةً جداً، وأصبحت أكثر مهارة في الحفاظ على تركيزي على الحياة اليومية، بدلاً من الشعور بالذنب تجاه الأشياء التي لا أستطيع تغييرها أو الحلم بالمستقبل البعيد.
4. لا تحاول أن تكون مثالياً:
عندما تفعل أشياء تندم عليها، فمن الطبيعي أن تحاول تصحيحها، صحيح أنَّك لا تستطيع تغيير الماضي، لكنَّك تستطيع القيام بأشياء معينة لضمان عدم تكرار الأخطاء نفسها، وربما تريد أيضاً القيام بأشياء تمنحك إحساساً بالراحة، حتى يؤمن قلبك بأنَّ الأشياء الإيجابية التي تقوم بها تفوق الآن على الأقل الأشياء السلبية التي فعلتها سابقاً.
لا بأس في ذلك على الإطلاق، ولا ضرر في عمل الخير أبداً، لكن على الرَّغم من ذلك يجب أن تدرك أنَّ تغيير العادات يستغرق وقتاً طويلاً، وأنَّه لا يوجد إنسانٌ مثالي، ومن المحتمل أن تُخطئ من حين إلى آخر هنا وهناك وتعود إلى العادات نفسها أو الأفعال السلبية القديمة، ولا بأس في ذلك أيضاً لأنَّك إنسان، وإذا حاولت أن تكون مثالياً طوال الوقت، فإنَّك تُعرِّض نفسك للفشل؛ لأنَّ أي انتكاسة ستصدمك كثيراً لدرجة أنَّك ستغرق في الذنب مرةً أخرى.
لقد أخطأتُ عندما أسأت معاملة والديَّ في مراهقتي؛ لذا أحاول تعويض ذلك الآن؛ إذ أعاملهما بأكبر قدرٍ من الحب والاحترام.
لقد أخطأت عندما بذَّرت أموالاً كثيرة؛ لذا فإنَّني الآن أتخذ خطوات حقيقية لإدارة الأموال إدارة أفضل وأصبحت أكثر حكمةً في إسرافها.
لقد ارتكبت خطأً لمَّا تنمرت على بعض الأطفال عندما كنت أصغر سناً، ولقد جعلتهم يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم؛ لذا أحاول الآن تعويض ذلك من خلال مساعدة الآخرين على النجاح في حياتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
لكن هل أنا مثالي؟ بالطبع لا، وفي بعض الأحيان أستاء من والدي، وفي أحيانٍ أخرى أتخذ قرارات مالية سخيفة، كما أتجادل مع الناس من حينٍ إلى آخر، على الرَّغم من أنَّ ذلك نادراً جداً ما يحدث.
لكن إذا حاولت أن أكون مثالياً، فسوف أستسلم عند التعرض لأول انتكاسة، وربما سأستسلم لحقيقة أنَّ عاداتي لن تتغير وأغرق في الذنب مرةً أخرى، فبدلاً من ذلك، أصبحت أظنُّ أنَّ الانتكاسات هي دليلٌ على أنَّني أحرزت تقدماً مذهلاً، فإذا تسلقت جبلاً، من البديهي أن تنزلق بين الفينة والأخرى.
لذا بدلاً من البكاء كلما عادت عاداتي القديمة إلى الظهور مرة أخرى، عقدت العزم على بذل قصارى جهدي، دون أن أحاول أن أكون مثالياً، ونتيجةً لذلك أحرزت تقدماً بعد الآخر، وأعيش اليوم حياة سعيدةً ومُرضية.
شاهد بالفيديو: كيف تصبح شخصاً مثالياً مُعتدلاً؟
في الختام:
آمل أن تؤثِّر فيك هذه النصائح، وإذا كان الأمر كذلك، فاعلم أنَّه من الحكمة تطبيقها أيضاً، فلا شيء يستطيع أن يحل محل تطبيق المعلومات التي تتلقاها على أرض الواقع، ولقد اتَّبعتُ هذه النصائح بنفسي، والتقدم الذي أحرزته خير دليل على أنَّك تستطيع أن تعيش حياة سعيدةً وتتغلب على الشعور بالذنب على الرَّغم من الأخطاء التي ارتكبتها، سواء عن قصد أم عن غير قصد.
أفهم أنَّ كل شخص له وضعٌ مختلف، وفي بعض الأحيان قد يكون من الصعب التخلص من الذنب تماماً، لكن لا بأس في ذلك؛ لأنَّ الهدف ليس القضاء على الشعور بالذنب تماماً؛ بل الهدف هو عيش حياةٍ مثمرة، وعدم السماح للذنب بالسيطرة على حياتك، وبصرف النظر عن وضعك الآن، فإنَّ تطبيق هذه النصائح الأربع التي ذكرتها سيساعدك بالتأكيد على تحقيق ذلك.
أضف تعليقاً