الوضع الاقتصادي الصعب وتأثيره في صحة الإنسان النفسية والجسدية

نحن نعيش اليوم حياةً متسارعة مليئة بالضغوط والأعباء المالية والاقتصادية؛ إذ ارتفعت تكاليف المعيشة ارتفاعاً مبالغاً فيه، واتجه المجتمع ليُصبح أكثر مادية واستهلاكية، وبات الإنسان بحاجة إلى العمل ساعات طويلة، حتى يؤمِّن متطلبات حياته، وأصبحت الكثير من الدول تُعاني من وضع اقتصادي صعب؛ الأمر الذي انعكس بدوره على صحة أفرادها النفسية والجسدية، وعلى علاقاتهم الأسرية.



ما تأثير الوضع الاقتصادي الصعب في الإنسان؟

نقول إنَّ الإنسان يُعاني من وضع اقتصادي صعب، عندما لا يكفيه دخله لتأمين المستويات الدنيا من الغذاء والملبس والتعليم والرعاية الصحية، وتأمين كل ما يُعدُّ من الحاجات الأساسية ليعيش مستوى معيشة كريمة.

إذ بحسب تقارير الإحصاءات العالمية، وتقارير منظمة اليونسكو: "إنَّ أقل من 20% من البشر في العالم المُعاصر، يُسيطرون على أكثر من 80% من ثروات الكرة الأرضية".

وبحسب تقارير التنمية الإنسانية العربية: "إنَّ العالم العربي يعيش في حالة من انخفاض الإنتاج الكلي لعناصر الإنتاج بشكل مستمر ومُتصاعد، وإنَّ أقل من 10% من شعوب المنطقة تعيش ضمن إطار الحياة الكريمة متوسطة الدرجة، والـ 90% الباقية تعيش ما دون خط الفقر؛ أي ما دون خط احترام الإنسان وتوفير الحياة الكريمة".

تأثير الوضع الاقتصادي الصعب في صحة الإنسان النفسية:

أثبتت الدراسات أنَّ الضيق المادي يُسبب كثيراً من الأمراض النفسية للإنسان، مثل:

1. الاكتئاب:

أُجريت دراسة بريطانية هدفت إلى التعرُّف إلى إذا ما كان الوضع الاقتصادي الصعب، والعيش في مجتمعات محرومة، يُمكن أن يؤثِّر في الصحة النفسية للإنسان سواء الرجل أم المرأة؛ حيث تناولت الدراسة أكثر من 20 ألف شخص، وطُلِب منهم ملء استبيانات تحتوي أسئلة تفصيلية عن صحتهم النفسية وتاريخهم المرضي، مع إرفاق البريد الإلكتروني لعناوينهم؛ وذلك لمعرفة ما إذا كانوا يعيشون في مجتمعات محرومة فعلاً، وأنَّهم يُكابدون أوضاعاً اقتصادية صعبة.

واستمرت الدراسة مدة 5 سنوات، وتوصَّلت إلى النتيجة الآتية:

إنَّ الوضع الاقتصادي الصعب والعيش في الحرمان، يؤثِّر فعلاً في الصحة النفسية للإنسان، وأنَّ هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون وضعاً اقتصادياً صعباً، هم الفئة المُرجَّح إصابتها بالاكتئاب بنسبة 51%، أكثر من أولئك الذين لا يعيشون وضعاً اقتصادياً صعباً، وركَّزت الدراسة على أنَّ الرجال أكثر تأثراً بالأوضاع الاقتصادية من المرأة، وذلك نتيجة شعور الرجل بالمسؤولية تجاه الأعباء المادية لعائلته.

كما توصَّلت دراسة أجراها باحثون في معهد ماساشوستس وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة، إلى وجود رابط بين الفقر والصحة العقلية والنفسية، والإصابة باضطرابات الاكتئاب والقلق؛ إذ كشفت الدراسة أنَّ أصحاب الرواتب المنخفضة يكونون أكثر عُرضة للمعاناة من الاكتئاب بما يتراوح بين 1.5 إلى 3% مقارنة بأصحاب الرواتب الأفضل.

2. الحرمان من السعادة:

تُعدُّ دولة الدنمارك من أكثر دول العالم سعادةً، وسبب ذلك رفاهية الفرد وارتفاع دخله فيها.

إذ تؤكد العديد من الدراسات الحديثة، أنَّ امتلاك المال يُعدُّ عاملاً أساسياً في جلب السعادة؛ حيث يُمكِّن المال الشخص من تحسين ظروف حياته، والعيش برفاهية، وممارسة كل الهوايات والنشاطات التي يُحبها، والسفر إلى البلدان التي يرغب في زيارتها، كما يجنِّبه القلق من المستقبل، وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ نقص المال يحرم الإنسان السعادة والشعور بالأمان؛ فكيف لهذا الإنسان أن يشعر بالسعادة، وهو محتاج وغير قادر على تأمين أجار منزله مثلاً؟

إقرأ أيضاً: 8 أشياء تحرم الإنسان من متعة العيش بسعادة

3. الحرمان من الحرية:

يحرم الوضع الاقتصادي الصعب الإنسان من الحرية، فهو غير قادر على اختيار أين يعيش، أو اختيار الجامعة التي يحلم أن يُكمل تعليمه فيها، أو شراء البيت الذي يحلم به، أو اتخاذ قرار الزواج وتكوين أسرة.

4. الانتحار:

يفقد الإنسان الذي يُعاني من ظروف اقتصادية صعبة الرغبة في الحياة، وقد تدفعه الأوضاع الاقتصادية السيئة جداً إلى التفكير في الانتحار، لشعوره بأنَّ إنسانيته قد تلاشت، فنسمع لسان حاله يقول: "الموت أفضل من الحياة"، "عايشين من قلة الموت"، "نحن والأموات سواء"، والأمر شائع عند الرجال أكثر من النساء؛ إذ تُمثل نسبة إقدام الرجال على الانتحار بسبب الوضع الاقتصادي، ما يزيد على ثلاث مرات نسبته عند النساء.

5. القلق الدائم:

يُصاب من يُعاني من ضائقة مادية بالقلق والتوتر الدائم؛ وذلك بسبب التفكير في إمكان التوفيق بين الدخل القليل المتاح، وبين الوفاء بالالتزامات وتأمين الاحتياجات.

شاهد بالفيديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

6. عدم الثقة بالنفس:

غالباً ما يفقد الشخص الذي يُعاني من ظروف اقتصادية صعبة ثقته بنفسه، خاصة لدى الرجل المسؤول عن زوجة وأولاد، وذلك عند عجزه عن تأمين متطلبات عائلته، كما نُشرت دراسة عام 2013 في مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي"، تقول: "إنَّ المبلغ الذي نجنيه له تأثير في طريقة عرضنا أنفسنا على الآخرين عند التعارف".

7. مشكلات مع الشريك:

تقتل الظروف المادية الصعبة الحب بين الأزواج، فكما يقول المثل الشعبي: "عندما يدخل الفقر من الباب، يهرب الحب من الشباك"؛ لذا تتأثر حياة الشخص العاطفية والعائلية بوضعه الاقتصادي الصعب، وتبدأ المشكلات تطفو على السطح.

8. المزاج السيِّئ:

تجعل الظروف الاقتصادية الصعبة الشخص نزقاً وعصبياً، وفي مزاج سيِّئ أغلب الوقت.

إقرأ أيضاً: 5 طرق يدعمها علم النفس للتخلص من المزاج السيئ

9. عدم التركيز:

غالباً ما يُصاب الشخص الذي يُعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، بالشرود والتشتت، وعدم القدرة على التركيز، لكثرة همومه وتفكيره في كيفية تدبير أموره المالية.

10. التخبط في القرارات:

يميل الشخص الذي يُعاني وضعاً اقتصادياً صعباً إلى اتخاذ قرارات سيئة، وغالباً ما تجلب له مزيداً من الديون، مثل القروض بفوائد عالية، أو بيع أصل يمتلكه بسعر زهيد.

11. الحقد والضغينة:

قد يُصاب الإنسان الذي يُعاني من وضع اقتصادي صعب، من مشاعر حقد وضغينة على غيره من أبناء مجتمعه، الذين يعيشون في رفاهية اقتصادية، وقد تتفاقم الحالة لديه إلى رغبة في الانتقام وإلحاق الأذى بهم.

12. انحراف القيم:

للأسف، من المعروف على مرِّ التاريخ أنَّه حيثما وُجِد الفقر والأوضاع الاقتصادية الصعبة، انتشرت الجريمة والسرقة والعنف والتشرد والأعمال غير الأخلاقية.

  • علاوة على ما ذُكر آنفاً، هناك أعراض أخرى تظهر على من يُعاني وضعاً اقتصادياً صعباً؛ مثل:
  • التأثير في علاقات الإنسان الاجتماعية وقدرته على التواصل.
  • صعوبة التكيف مع الحياة.
  • اضطراب الهوية الذاتية.
  • صعوبة في النوم، أو الإفراط في النوم.
  • فقدان الاستمتاع بأي نشاط كان يُسبب السعادة سابقاً.
  • إدمان الكحول والمخدرات.
  • الانحدار الأخلاقي، والانحراف في معاني القيم والمبادئ؛ حيث نجده يُبرر السرقة، ويُحلل الرشوة في العمل، ويستخف بقيم الأمانة والصدق.

تأثير الوضع الاقتصادي الصعب في صحة الإنسان الجسدية:

تؤدي المشكلات المالية إلى مشكلات صحية كثيرة، ومن أبرزها:

1. سوء التغذية:

يُعدُّ من أكثر الأمراض المرتبطة بالوضع الاقتصادي الصعب شيوعاً، والذي ينتج عن عدم حصول الجسم على الغذاء الصحي الغني بالفيتامينات والعناصر الضرورية له؛ وذلك لعدم قدرة الشخص على شراء أصناف مغذية من الطعام، والتنويع فيها من لحومات وأجبان وفواكه.

2. مشكلات الجهاز الهضمي:

يبقى الشخص الذي يُعاني من مشكلات اقتصادية، في حالة توتر وعصبية، وتُعدُّ العصبية سبباً رئيساً لمشكلات الجهاز الهضمي كأمراض المعدة، والقولون العصبي، والمغص، وعسر الهضم.

3. ضعف المناعة:

كما قلنا آنفاً، ينتج عن الأوضاع الاقتصادية السيئة إصابة الشخص بالقلق والتوتر؛ الأمر الذي يتسبب في نقص المناعة، ويجعل الجسم أكثر عرضة للأمراض.

4. النوبات القلبية والجلطات المفاجئة:

يُصاب الإنسان نتيجة سوء الوضع الاقتصادي بالتوتر والقلق الدائم، ويُحفِّز التوتر على إنتاج خلايا الدم البيضاء بكميات كبيرة، فيتجمَّع الفائض منها في جدران الأوعية الدموية مُسبباً ضيقاً في مجرى الدم؛ الأمر الذي يؤدي إلى تشكُّل الخثرات، التي تسد الأوعية الدموية وتوقُّف سريان الدم فيها، فتحدث النوبات القلبية أو الجلطات الدماغية.

أهمية المال في حياتنا:

تأتي أهمية المال من دوره في تنمية الجوانب الآتية:

1. الجانب الجسدي والصحي:

عندما تتوفر القدرة المالية لدى الشخص، تتوفر لديه القدرة لشراء الطعام الصحي، وربما الاشتراك بنوادٍ رياضية لممارسة الرياضة، ويستطيع الحصول على أوقات للراحة والاسترخاء، فهو ليس بحاجة إلى أن يعمل طوال النهار لكسب عيشه.

2. الجانب الفكري:

يستطيع الشخص عند توفر المال، شراء ما يحلو له من الكتب والمراجع، واتباع الكورسات والدورات التي تزيد مهاراته، والسفر إلى بلدان جديدة والتعرُّف إلى ثقافاتها وحضاراتها.

3. الجانب الروحي:

يقوى الجانب الروحي للإنسان بامتلاكه المال، وذلك عندما يُفعِّل هذا الشخص الجانب الخيِّر والإنساني لديه، بمساعدة الفقراء ومنح الصدقات.

4. الجانب العاطفي:

يمنح الاكتفاء المالي السعادة والراحة للشريكين، ممَّا ينعكس على الشخص استقراراً عاطفياً؛ إذ يمكنهما تنفيذ كل ما يخطر في بالهما من دون الحاجة إلى إعداد ميزانية للأمر؛ على سبيل المثال، يمكنهما متى شاءا الخروج لتناول العشاء في مطعم رومنسي على البحر، أو إحضار الهدايا وتحضير المفاجآت للشريك في عيد ميلاده، أو السفر إلى أحد البلدان وقضاء الإجازة.

إقرأ أيضاً: فك أحجية المال والسعادة من خلال الحقيقة

التغلب على آثار الوضع الاقتصادي الصعب:

هذه مجموعة من النصائح للتغلب على الوضع الاقتصادي الصعب وتحسينه:

  • اعلم أنَّ الوضع الاقتصادي الصعب هو وضع مؤقت، تلك هي أول خطوة يجب أن تُفكِّر فيها؛ إذ لا شيء يبقى على حاله.
  • لا تقع في دوَّامة الحظ التي يقع فيها الأشخاص الفاشلون، فتستسلم لوضعك المالي التعيس، متذرعاً بالحظ والقدر؛ بل ابحث عن حلول بديلة، وابدأ العمل عليها.
  • ابدأ مشروعك، فإن كنت ممَّن يعتمدون على وظيفة ثابتة ذات دخل ثابت، فيجب أن تُغيُّر طريقة تفكيرك، وتتجه نحو الحرية المالية بإنشاء مشروعك الخاص، وكلمة مشروع لا تعني بالضرورة أن تُؤسس شركة وتُدير موظفين؛ بل يُمكن أن يكون مشروعك عملاً على الإنترنت مثلاً، وأنت في المنزل، فكما يُقال: لا تُفكِّر في الحليب، فكِّر في البقرة.
  • خذ قراراً بكل الإرادة والتصميم بتغيير وضعك الاقتصادي، ولا تنتظر الصدفة والحظ؛ بل ابدأ التخطيط والعمل، وقد تفشل مرة واثنتان وثلاث؛ لذا تقبَّل الفشل ولا تستعجل النتائج، واقرأ قصص النجاح والسير الذاتية للأشخاص الناجحين، والذين أصبحوا من أثرياء العالم، كيف نهضوا بعد كل سقوط ولم ييأسوا، حتى وصلوا إلى هدفهم.
  • اخرج من منطقة الراحة، وفكِّر خارج الصندوق، جرِّب أفكاراً جديدة وغامِر، فكل من نجح وحقق ثروة، خاطر وغامر ولم يستمع لكلام المُحبطين من حوله.
  • ابحث عن موهبة أو هواية لديك، كنت تحب القيام بها في صغرك، سواء كانت رسماً أم كتابة أم رياضة أم أي شيء تُمارسه بشغف وحماسة، فمن يدري، ربما تكون هواية الطفولة هذه نقطة قوَّتك التي ستجعلك من الأثرياء.
  • تجنَّب الوقوع في هوس المال عندما تنجح، فيُصبح شغلك الشاغل جمع الأموال وتخزينها، وتذكَّر أنَّ المال وسيلة للعيش الكريم وليس هو الغاية بحد ذاته.

أنت من تصنع وضعك الاقتصادي:

في الختام، كل إنسان مِنَّا يتأثر بالظروف المادية الصعبة، التي تُلقي بظلالها على صحتنا النفسية والجسدية، فتتملكنا مشاعر القلق حول المستقبل، ولكن يجب علينا ألَّا نستسلم للظروف، وألَّا نقف أمامها مكتوفي الأيدي، ونثق بأنفسنا وقدراتنا أنَّنا قادرون على التغيير، وأنَّنا نحن من نصنع وضعنا الاقتصادي، فنتخذ قراراً بكل عزيمة وإصرار على إيجاد الحل، وكما يقول "بيل غيتس" أغنى رجل في العالم: "ليس خطأك أن تولد فقيراً؛ بل خطأك أن تموت فقيراً".

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة