عندما تجدُ نفسك عالقاً في هذا المزاج، فلا بأس من الشعور بذلك لفترةٍ قصيرةٍ فقط؛ لكنَّك لست مُضطراً إلى الاستمرار في هذه الحالة التي لن تُفيدك في شيء؛ فالمزاجُ السيئُ ليس شعوراً مُنتِجاً أو مُواتياً لعيش حياتك بسعادة وهناء.
ما الذي يتسبَّبُ بالمزاج السيئ؟
يعتقدُ بعض علماء النفس أنَّ الحالةَ المزاجية السيئة تنشأ بسبب انخفاض تقدير الذاتِ وكبريائها، حيثُ يقول الباحث روي باوميستير (Roy Baumeister) أنَّ الناس يستنزفون الموارد المعرفية عندما يستخدمون قوةَ إرادتهم لتجنُّب الإغراءات.
عندما تكونُ مُتوتراً بعض الشيء، ويحصل أمرٌ ما يُدخِلك في مزاجٍ سيئ؛ فقد يتجلَّى ذلك بشكل غضبٍ أو انفعالٍ أو تشاؤم، ويسبِّب تقلُّباتٍ في ضغط الدم لديك، وزيادةً في مستوى هرمون التوتر (الكورتيزول).
هناك العديدُ من الأسباب التي يمكن أن تُدخِلنا في مزاجٍ سيئ، وكلُّها ذات طابعٍ شخصي تماماً، فهي تتعلَّقُ بكَ وبوضعك؛ كما قد تتنوع الأسباب لذلك، إلَّا أنَّ هنالك بعض الاستراتيجيات الشائعة التي يمكن أن تساعد الأشخاص الذينَ يُعانونَ من ذلك.
شاهد بالفيديو: 6 أمور تقف وراء المزاج المتعكر
5 طرق للتخلّص من المزاج السيئ:
يُمكنكَ الاختيارُ من القائمة الآتية ما قد يناسبك، إذ يمكن لهذه الطرائق أن تكون ناجعةً للتخلُّص من بعض حالات سوء المزاج؛ لكن ضَع في اعتبارك أنَّه إذا كان سبب سوء مزاجك مشاعرُ قويةٌ تجاهَ حدثٍ ما، فيجبُ أن تواجهَ هذا الشعورَ وتتعامل مع الموقف؛ فالطريقةُ الأكثرُ فعاليةً للتخلُّص منه تتلخَّصُ في مواجهةِ مشاكلك وحلِّها.
1. الامتِنان:
الامتنان هو القدرة على تحويل عقليتك من النقص والسلبية إلى الوفرة والإيجابية؛ إذ من السهل أن تنغمسَ في الشعورِ السلبي بسببِ المُجتمع الذي تعيش فيه، وثقافته، ووسائل الإعلام، وغيرها من الأسباب.
ومع ذلك، يُمكِنك -حرفياً- تغيير التركيب الجزيئي للدماغ من خلال ممارسة الامتنان؛ ذلك لأنَّه يحافظ على عمل المادة الرمادية، ويجعلكَ تشعرُ أنَّك أكثرُ صحةً وسعادة.
إنَّ لقوةَِ الامتنان تأثيراً شاملاً، وقد دعم العلماء هذه الحقيقة مراراً، حيثُ تُمكِّنك ممارسته من تنشيط منطقة ما تحت المهاد (الوطاء) والأجزاء الأخرى من مسارات المُكافأة في الدماغ لتحسينِ مزاجك. والدماغ البشري كنزٌ عظيم، إذ يُمكنك استخدامه لتوليد مشاعرَ إيجابيةٍ أو سلبية، فهذا خيارُك في نهاية المطاف.
لذا مارِس الامتنان كوسيلةٍ لتبديدِ مزاجك السيئ، وتذكَّر أنَّه ليس عليك البدء بأشياءَ كبيرة، بل بأمور صغيرةٍ مثل تقدير الأشياء البسيطة في الحياة، مثل رائحة القهوة، أو لُطف شخصٍ غريب، أو صوت ضحك طفلك؛ لتكتشف أنَّ الامتنان يُمكنُ أن يكونَ حالةً إدمانية، مثله مثل المزاج السيئ تماماً.
2. التمرينات الرياضيَّة:
إنَّ الامتنان لميزةٌ رائعة، لكنَّها قد لا تكفي؛ فأحياناً قد تكون في مزاجٍ سيئٍ للغاية، بحيث لا تكونُ في وضعٍ يسمح لك بالتعبير عنه. يمكنك هنا ممارسةُ الرياضة، حيثُ توجد الكثير من الأدلة التي تدعمُ فكرةَ أنَّ التمرين مُعزِّزٌ قويُّ التأثيرِ في المزاج.
يُمكنُ للتمرينات أن تُسبِّبَ عدة تحولاتٍ هامَّةً في جسم الإنسان، وأبرزها إطلاقُ أربعة موادَّ كيميائيةٍ في الدماغ، وهي: السيروتونين والدوبامين والإندورفين والنورأدرينالين؛ حيثُ تُطلَقُ هذه المواد الكيميائيةُ في جسمك، وهي مُصممةٌ لتُشعِرك بالسعادة، ويُطلَق عليها في الواقع "هرمونات السعادة".
إذا كنت غارقاً في مزاج سيئ، فحاوِل ممارسةَ التمرينات، أو اذهب في نزهةٍ طويلة، أو مارِس الجري؛ وستندهشُ من مدى الراحةِ التي قد تشعرُ بها جرَّاءَ ذلك.
3. التأمُّل:
سنتحدَّثُ هُنا عن طريقةٍ أعمقَ للتعاملِ مع المزاج السيئ، وهي: التأمل.
يشكِّل العالم مصدراً للقلق والتوتر، وقد لا تتمكَّنُ مُمارسة الامتنان أو الرياضة من تبديدِ المزاج السيئ، وقد تحتاج أحياناً إلى التوقُّف للحظةٍ والتنفس بعمق.
إنَّه لمن السهل جداً الانغماس في تلك الأفكار السلبية العائمة في رأسك، لذا خُذ وقتكَ للتفكير فيها ومواجهتها.
عندما تكون متوتراً أو في حالةٍ مزاجيةٍ سيئة، تصبحُ قشرةُ الفصِّ الجبهي الأُنسي مفرطةَ النشاط، ممَّا يُدخِلك في حالة اكتئاب.
لقد وُجِدَ أنَّ التأمل يُحدِثُ تغييراتٍ في بعض مناطق الدماغ التي ترتبط بالكآبة على وجه التحديد. يشرح د. جون دينيجر (Dr. John W. Denniger) -مديرُ الأبحاث في معهد بنسون هنري في مستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفرد- ذلك قائلاً: "يُدرِّبُ التأملُ الدماغَ كي يكون في حالة تركيزٍ مستمرة، والعودة إلى هذا التركيز عندما يعتريكَ التفكير والعواطف والأحاسيس الجسدية السلبية؛ وهو ما يحدث كثيراً عندما تشعر بالتوتر والقلق".
إنَّ التأمل طريقةٌ أخرى لكي تنعمَ بمُساعدة جسمكَ المُذهلِ في تدعيم طريقتك للتخلُّص من المزاج السيئ؛ فهو يجعلك تقف وتواجه تلك المشاعر، ويخفِّفُ التوتر الذي تتسبَّب به هذه المشاعر؛ كما أنَّ هناك خياراتٌ عديدةٌ لممارسة التأمل يُمكنها تحسين مزاجكَ وحالتكَ النفسيةِ عموماً.
4. الراحة:
إذا كنت مرهقاً، فلن تساعدك الاستراتيجيات السابقةُ كثيراً؛ فنحنُ مُجرَّد بشر، ونحتاجُ أن نعيش ونتنفس ونأكل ونتعَب قبل أيِّ شيءٍ آخر؛ فعندما يعتريكَ المزاج السيئ، قد يكون السببُ في ذلك أنَّك مُتعبٌ ومُنهك.
تحتاجُ أحياناً أن ترتاحَ فقط، وهو أمرٌ مُستهجنٌ في العديد من الثقافات، فنحن نعيش في عالمٍ شعارهُ "أنجِز كلَّ شيءٍ الآن"؛ وإذا ارتحت، فسيُنظَر إليك على أنَّك شخصٌ كسول؛ وهذا أمرٌ مُستنزِفٌ ومُرهِق.
لقد أظهرت الدراسات أنَّ الحرمان الجزئي من النوم له تأثيرٌ كبيرٌ في المزاج، حيثُ وجد باحثون من جامعة بنسلفانيا أنَّ الأشخاصَ الذين لم يناموا سوى 4.5 ساعة في الليلة لمدة أسبوع واحدٍ، أبلغوا عن شعورهم بالتوتر والغضب والحزن والإرهاق العقلي؛ وعندما استأنف الأشخاص نفسهم النوم لساعاتٍ طبيعية كُلَّ ليلةٍ، لاحظوا تحسناً كبيراً في مزاجهم.
حاوِل أن ترتاح، وليس المقصود هنا النوم أكثر أو أخذ قيلولةٍ فحسب؛ بل التوقف عن رغبتكَ المستمرة في العملِ أو التفكير. اجلس فقط، وخصص يوماً لا تفعل فيه أيَّ شيء، واستثمره لإعادةِ شحن طاقتك.
5. التواصل مع نظام الدعم خاصتك:
هذا أمرٌ هامٌّ للغاية، ونحنُ نُقلِّلُ قيمته غالباً؛ فعندما نُصاب بالإحباط، نشعرُ بالانفصال وعدم تقدير من حولنا لنا؛ لكنَّ التواصل والتحدُّثَ عن مزاجك السيئ مع صديقٍ موثوق، يساعدك -فعلياً- في التخلص من المزاج السيئ.
يُساعدنا هذا في معالجةِ مشاعرنا، ووضعها في منظورِها الصحيح، والحصول على المشورة والدعم.
تقترحُ دراسةٌ جديدةٌ تقومُ على تصوير الدماغ من قِبل علماء النفس أنَّ الكلام عن مشاعرنا يجعل الحزن والغضب والألم أقلَّ حدةً؛ فعندما نتحدث عن مشاعرنا، تُصبح أقل حدة، ونتمكَّنُ من الاسترخاء قليلاً.
لذا لا تخَشَ التواصل مع الآخرين، ومع أنَّ هذا ليس سهلاً دائماً؛ ولكنَّ الافصاحَ عمَّا يجولُ في ذهنكَ يمكن أن يساعدكَ حقاً على المضي قُدماً.
يبدو الأمر أحياناً كما لو أنَّنا نُبقِي كلَّ هذه الضوضاء في أذهاننا، فتزدادُ تدريجياً لنشعرُ بالارتباك؛ وقد يكونَ قضاءُ الوقت في التعبير عن كيفية شعورك في مكانٍ آمنٍ علاجاً جيداً يعزِّز مزاجك عندما تتلقَّى الدعم والطمأنينة.
أفكار أخيرة:
قد تكون عالقاً في مزاجٍ سيئ، لكنَّك المسؤول عن مزاجك وأفعالك؛ إذ يمكن لشخصٍ أو شيءٍ ما أن يتسبَّب باضطراب مزاجك، لكنَّك مسؤول عمَّا تشعر به وما تفعله للمُضي قُدماً.
يمكنك اختيار القيام بالأنشطة السابقةِ لتعزيز مزاجك، وتحمّلِ مسؤولية ما تشعر به؛ ممَّا يمنحك القوة لدعم مزاجك والسيطرة عليه.
لا شيءَ يدومُ إلى الأبد، ولا حتَّى المزاج السيئ؛ لذا انظر إلى المستقبل والأمور بطريقةٍ صحيحة؛ فذاتَ يوم، لن تتذكَّر هذه اللحظة حتى، فلا تجعلها تتغلَّبُ عليك الآن.
أضف تعليقاً