السلام الذاتي والتصالح مع الذات

تطالعنا الحياة اليومية بالعديد من القصص التي تحمل في طياتها المعاناة بأشكالها المختلفة، فالكثيرون منا يتعرَّضون إلى الضغوطات المختلفة في العمل والحياة الاجتماعية عامة ونُصاب بالتعب الجسدي والنفسي وتبدأ رحلة الكفاح لدى كل فرد منَّا، فكيف يمكننا الوصول إلى تحقيق السلام الداخلي والتصالح مع الذات؟



أولاً: ما هو السلام الداخلي؟

يُعرَف السلام الداخلي بحالة الهدوء والصفاء التي يعيشها الإنسان مع تكوينه النفسي والعقلي، وقدرته على البقاء مرتاح النفس ومحافظاً على قوَّتها وثباتها في مواجهة مواقف الحياة التي قد تكون قاسية أحياناً ومليئة بالضغوطات المختلفة، والتي تسبب له التوتر المستمر والقلق والحزن والاكتئاب أو الشعور بالنقص وعدم الكمال ومن ثم افتقاده إلى الشعور بالراحة النفسية والسعادة، فالفرد الذي يشعر بالسلام الداخلي يحاول دائماً البحث عن السعادة؛ أي السعادة الحقيقية وليس الادِّعاء بأنَّه سعيد فقط.

 شاهد: 9 قواعد مهمة لتنعم بالسلام الداخلي

 

ثانياً: ما هو التصالح مع الذات؟

يُعَدُّ التصالح مع الذات المصدر الأساسي لتكيُّف الفرد، فهو عبارة عن إحساس الفرد الموضوعي بنقاط قوة شخصيته ونقاط ضعفها وقدراته واستعداداته وعيوبه، مع الاعتراف بها وتقبُّلها كما هي دون رفض أو انتقاد أو إصدار الأحكام؛ أي هو شعور الفرد بأنَّه جيد كما هو عليه، وهذا الشعور يستمتع به الفرد ويحقق له السعادة حتى لو رفضه الآخرون.

ثالثاً: كيف يمكن التصالح مع الذات؟

1. حلِّل شخصيتك واكتب قائمة بنقاط قوَّتها ونقاط ضعفها.

2. اكتب قائمة بالصفات التي ترغب في أن تمتلكها، والتي تكون مرغوبة اجتماعياً في الوقت نفسه، وحدِّد سبل الوصول إليها.

مثلاً إذا أردت أن تكون إنساناً فعَّالاً ومحبوباً اجتماعياً، فحدِّد النشاطات والأفكار التي يتعيَّن عليك القيام بها؛ مثل زيارة الأصدقاء ومشاركتهم اهتماماتهم والوقوف إلى جانبهم عندما يحتاجون إلى الدعم والمساعدة، وزُر الأماكن الثقافية والمعارض والندوات؛ حيث يمكنك التعرُّف إلى المزيد من الأشخاص الذين ربما تجمعك بهم أشياء مشتركة ويفتحون لك الآفاق الجديدة.

3. لا تسعَ إلى تحقيق الكمال:

لا تفسد حياتك في سعيك إلى الوصول إلى الكمال وإلى الإنجاز الذي لا يضاهى، وربما تضع أهدافاً غير واقعية وصعبة التحقُّق، وهذا التصرف سوف يدفعك إلى الشعور باليأس والإحباط عند عدم تحققه؛ لذا لا تسمح للفشل بأن يتملكك، وضع أهدافاً منطقية قابلة للتحقيق وليس بالضرورة أن تكون بمنتهى المثالية، وانسَ أمر الظهور بمظهر الشخصية الاستثنائية الخالية من العيوب.

4. تقبَّل الواقع كما هو:

كل إنسان يرغب في أن يجعل حياته أفضل، وهذه صفة عامة لدى كل البشر، ولا يجب الإنكار أنَّها صفة جميلة وجيدة وتضفي عنصر الطموح لدى الفرد، ولكن إذا كان هذا الطموح وهذه الرغبة أكبر من الواقع وتتجاوز الإمكانات الواقعية للفرد، فعندئذ يكون ضررها أكثر من فائدتها؛ لذا تخلَّ عن تلك النظرة وتبنَّ النظرة الإيجابية التي تُقِر بالواقع كما هو وقدِّم أفضل ما يمكنك تقديمه ضمن استطاعتك وتقبَّل النتيجة مهما كانت.

5. تعلَّم كيف تحب حياتك:

أحضر دفتراً واكتب يومياً شيئاً أو أكثر من نِعم الله عليك وقدِّم الشكر والامتنان لله عز وجل على هذا العطاء، فعندما تفعل ذلك، سوف تستطيع أن تصنع سعادتك وفقاً للواقع الذي تعيشه.

6. سامح الآخرين:

كل فرد منَّا عرضة إلى الظلم من قِبل الآخرين، وهنا تكون أمام خيارات عدَّة؛ الأول أن تغضب وتستاء وتمتلئ بمشاعر البغض وتفكر في الانتقام، والثاني أن تسامح وتمضي في سبيلك؛ إذ إنَّ القدرة على مسامحة الآخرين تقلل من سيطرة تلك المشاعر السلبية عليك وتساعد على التحرُّر من كل ما يعوق راحتك النفسية، ومن ثم الوصول إلى السلام الداخلي الذي يدفعك إلى الاستمرار في الحياة بسعادة.

7. سامح نفسك:

قيِّم حياتك وتصرفاتك وطريقة تعاملك مع الآخرين، وحدِّد ما اقترفته من أخطاء بحقِّ الآخرين واعترف بها صراحةً، وعبِّر عن شعورك بخالص الحزن والأسى تجاه هؤلاء الأشخاص واعتذر واطلب السماح، ولكن تذكَّر أنَّك غير قادر على إجبار الآخرين على مسامحتك وقبول اعتذارك، واطلب الصفح منهم واترك اتخاذ القرار لهم.

8. تقبَّل الآخرين:

ويعني هذا الانفتاح على آراء الآخرين وعدم إصدار الأحكام عليهم، فتقبُّل الآخرين يعني استعداد الفرد للسماح للناس بالقول أو الفعل أو اعتقاد ما يريدون دون معاقبتهم أو انتقادهم أو الشعور بالضغينة تجاههم واحترام الاختلاف معهم.

9. كن شخصاً صبوراً:

يتميز الشخص الصبور بسعة ورحابة صدره، ويستقبل الحياة بتفاؤل ولا يستاء مزاجه تجاه أي سبب عابر، والصبر ليس صفة يرثها الإنسان عن آبائه؛ بل هي صفة يمكن تعلُّمها من خلال الحياة اليومية، وانظر إلى الأشياء بسهولة ولا تضخمها.

10. تأمَّل:

إذ يمكن أن يمنحك التأمُّل الشعور بالهدوء والسلام وصفاء الذهن والتوازن في شخصيتك، وكل ذلك ينعكس إيجابياً على سلامك الداخلي.

شاهد أيضاً: 10 أمور بسيطة تحقق لك الرضا الذاتي عن نفسك

 

رابعاً: متى تتصالح مع نفسك؟

إنَّ كل فرد منا يحيا ضمن صراع بينه وبين نفسه، فالمشاعر السلبية والإيجابية تجاه مختلف الموضوعات تُعَدُّ تعبيراً عن ذلك الصراع الذي يجول في النفس، وقد يشعر الفرد بأنَّه أصبح شخصاً بلا قيمة وبلا أي نفع، وأنَّ إنجازه للمهمات المنوطة به بدأ بالانخفاض، كما أنَّ أحلامه وطموحاته بدأت بالاختفاء، وعلاقاته مع الآخرين أخذت بالانهيار، وكل فرد معرَّض إلى ذلك، وهنا تأتي أهمية فكرة أن يتصالح الفرد مع ذاته لينتشل نفسه من تلك الحفرة التي أَوقَع نفسه بها.

ولكي يتصالح الفرد مع نفسه، عليه أن يراجع نفسه أولاً ويشكر الله على نعمه الكثيرة عليه، وأنَّه طالما هو موجود على قيد الحياة، فإنَّ كل شيء قابل للإصلاح والتقويم، فيجب أن يستغل كل لحظة في حياته الحالية ويترك الماضي يمضي بسلام ويفكر في وقته الحالي وكيف يعيد بناء نفسه ويستعيد ثقته بنفسه وكل ما قد خسره ويطور حياته للأفضل.

خامساً: ما معنى أن يكون الإنسان متصالحاً مع نفسه؟

أن يكون الإنسان متصالحاً مع ذاته يعني أن يضع نفسه في مكانها الصحيح، ولا يُكبِّر حجم الأخطاء أو الإنجازات التي يصنعها، ويجب على الإنسان تحقيق التوازن في شخصيته وإعطاء القدر الحقيقي لكل شيء، فتقبَّل عيوب الشخصية وزلاتها، ولا تقهر نفسك ولا تهِنها، وتقبَّل آراء الآخرين المختلفة عن رأيك، وابقَ متفائلاً وتوقَّع الخير دائماً وفي كل المسائل، وشجع الآخرين على امتلاك الأمل دائما، وأيضاً انتقد نفسك ليس من أجل أن تجعلها تتألم؛ بل من أجل بنائها، واعتنِ بنفسك وأَنجِز أشياءك بهدوء وأَدخِل التغيرات الإيجابية إلى حياتك وحياة الآخرين.

إقرأ أيضاً: كيف لا تخسر ذاتك؟ مكوِّنات الثروة الحقيقية للإنسان

سادساً: كيف تتصالح مع الماضي؟

يقول "جلال الدين الرومي": "الجرح هو المكان الذي يدخل منه النور".

غالباً ما تلاحقك الذكريات المؤلمة من الماضي وتُواصل مطاردتك في حياتك الحالية، وتعوق تأديتك لأعمالك وتحقيق التقدم في عملك، كما تسلب راحة بالك وتسرق سعادتك وسلامك الداخلي؛ ولكي تعيد السلام إلى روحك، يجب عليك التوقُّف عن الهروب من آلامك ومحاولة عدم التفكير فيها؛ بل ويجب مواجهتها وإنهاء دورها في مستقبلك، واتِّخاذ القرار بجعل حياتك أفضل.

إليك بعض النصائح للتصالح مع ماضيك وإعادة السلام إلى داخلك:

1. أولاً اعترِف بمشاعرك الحقيقة:

احترامها واقبَل بها مهما كانت وابدأ مواجهتها.

2. اعترف بالأخطاء التي ارتكبتها:

ساعِد نفسك على التحرُّر من الأعباء الداخلية، واسمح لصوت الضمير بالخروج من رأسك، ومن الهام أيضاً تدوين هذه الأخطاء على ورق والابتعاد عن جلد الذات؛ بل وراجع نفسك وتوقَّف عند أسباب الوقوع في هذه الأخطاء لتبدأ باتخاذ الخطوات المناسبة لمعالجتها وتصحيحها.

3. اتبع القاعدة الشائعة التي تقول:

"إنَّ الإنسان يتعلم من خلال أخطائه"، ويمكنك التفكير في أنَّك فعلت كل ما باستطاعتك في ذلك الوقت لتؤدي الأمور كما يجب، وإنَّك وقعت في هذا الخطأ أو ذاك دون تخطيط مسبق منك؛ بل كانت مشيئة الله.

4. الحوار مع نفسك:

إنَّ قمة النضوج النفسي هي قدرتك على محاورة نفسك؛ إذ لا يُعَدُّ ذلك جنوناً كما يصفه بعض الأشخاص غير العالمين، فحديثك مع نفسك يساعدك على الوقوف الفعلي على نقاط الضعف وتحديد المشاعر السلبية بوضوح وذكر الأخطاء التي وقعت بها، وقيامك بذلك سيساعدك على تحقيق الرضى عن نفسك وعن طريقة تفكيرك، كما يساعدك على تحقيق التسامح مع نفسك والوصول إلى السلام الداخلي.

5. توقَّف عن جلد ذاتك:

ولا تقسُ على نفسك، وحاول إيجاد تبرير لكل فعل قمت به ولا تضخم أي فعل.

6. أَفرِز أفعالك بدقة:

أحضِر ورقتين واكتب كل فعل وحاول كتابة أسبابك لفعله في وقتها، ثم حاول أن تكتب إجابة عقلانية ورحيمة تخفض من هول ما كنت تشعر به تجاه ذلك الفعل.

7. إن كان ذلك الفعل الذي يمنعك عن العيش بسلام يتعلق بأشخاص آخرين:

أو يؤذي شخصاً آخر، فيجب عليك أن تحدد السبل الكفيلة بإنهاء الشعور بالذنب؛ مثل الذهاب إليه والتحدُّث إليه أو توجيه الاعتذار له، أو تقديم التعويض له، أو أن تُحسِّن علاقتك به، فمواجهة الشخص الذي سببت له الأذى خطوة هامة جداً في مسامحة نفسك.

8. من الطبيعي أن تقضي ساعات طويلة من يومك وأنت تُحلِّل وتراجع ما حدث معك:

غالباً ما تتذكر فقط الأفعال السيئة التي قمت بها، وعند حدوث ذلك عليك أن تبدأ باستحضار أي فعل أو موقف تصرفت به بشكل جيد، أو تذكُّر الأشخاص الذين ساعدتهم عندما احتاجوا إلى ذلك أو أي إنجاز يدعو إلى الفخر به ويحقق سعادة سواءً لك أم لشخص آخر.

9. تنزَّه في أماكن تحب الوجود فيها:

سيساعدك ذلك على تخفيف التوتر والشعور بالاكتئاب.

الخلاصة:

إنَّ التصالح مع الذات هو السبيل إلى الوصول إلى السلام الداخلي، فتخلَّص من المشاعر السلبية واسعَ إلى تحقيق التوازن في شخصيتك، وعِش لحظتك الحالية بتفاصيلها وكُفَّ عن القلق من الماضي وآثاره، فجميعنا نعيش حياة واحدة؛ لذا حاول أن تملك سبل السعادة الحقيقية.

المصادر: 1،2،3،4،5




مقالات مرتبطة