مفهوم الصبر:
يخالف الصبر في اللغة العربية كلمة الجَزَع، والمقصود فيه؛ كبت النفس، ومنعها عن الجَزع، والغضب، بينما دينياً فهو؛ الابتعاد عن المحرمات التي لم يحلها الله عز وجل، والقيام بما أمر الله من عبادات، وعدم الغضب والتضجر أو الجزع، أو الاعتراض عن كل ما كتبه الله عز وجل، وهو حسن التعامل عند الوقوع في المصائب والأزمات، دون السخط من الذي حصل.
والصبر عموماً وببساطة؛ يعني الكبت والكف، وهو كف نفس الإنسان عن السخط والقلق، وأكدت الدراسات الحالية أنَّ للصبر آثاراً إيجابية كثيرة، والصبر عند الإنسان الذي يحب هو أن يبعد نفسه عن الشخص الذي يحبه، والصبر أيضاً يكون على أيام الضيق والأمر غير المحبوب؛ أي القدرة على تحمُّلها، وهناك شهر الصبر الذي هو شهر الصيام؛ أي شهر رمضان، وسُمِّي بشاسباب الصهر الصبر؛ لأنَّ الإنسان يكف نفسه عن الملذات من الطعام والشراب والمتع.
والصبر أيضاً هو الاستطاعة على البقاء بصورة قوية في أيام الظلمة الحالكة، والتي أيضاً نستطيع أن نختصرها بالمثابرة في محاربة الاستفزاز، والصبر هو الصمود الدائم على الأمور المرهِقة نفسياً وجسدياً والقدرة على استيعابها بنفس راضية دون الشعور بالاستياء والحزن بحيث لا يدرك أي شخص آخر أنَّك وقعتَ في مصيبة أبداً ويظنك تعيش حياة رفاهية مطلقة.
ماذا يعني الصبر من الناحية الطبية؟
يرى الطب أنَّ هناك العديد من مضاعفات الأمراض جاءت في صورة معالجة عطل ما أو تنظيم سير الأمور في الجسم البشري، فارتفاع درجة حرارة الجسم هو نتيجة عملية التهابية تحدث في جسم الإنسان لتحضير الحالة المناسبة لتخلُّص الجسم من الأجسام الغريبة التي دخلَت إلى الجسم كالجراثيم مثلاً، والسعال أيضاً هو عبارة عن أسلوب فيزيولوجي الهدف منه هو تخلص جهاز التنفس من البلغم المتجمع بما يحوي من مواد أو عوامل خطيرة وغير مفيدة، والحال ذاته في الإسهال فهو آلية فيزيولوجية ثانية تأتي في الصورة ذاتها؛ وذلك للتخلص مما بقي في الأمعاء من الجراثيم أو من مواد سامَّة، لكن حتى بالنسبة إلى هذه الآليات المفيدة جداً والمساعِدة على التخلص من المرض والشفاء التام، قد تنحرف عن طريقها وغايتها المفيدة في بعض الأحيان، فيبقى أثرها الضار ويختفي أثرها المفيد، فكل ما ذُكِر من هذه الأشياء بحاجة إلى الصبر.
أسباب الصبر:
1. وجود الإنسان بين أهله وأقاربه:
عندما يكون الإنسان بين أمه وأبيه وإخوته، فإنَّه يجد من يكفكف دموعه ويقوي من عزيمته وإصراره، ويكون الأهل إلى جانبه في أوقات حزنه وبؤسه، ويدفعون عنه الهم ويعينونه على مصاعب الحياة، وخاصةً الأخ، فيمكن أن يحمي أخيه من غدرات الزمن ويكون كتفه حين ينهار وظهره حين ينكسر.
2. وجود الأصدقاء الأوفياء في حياتنا:
حين يحظى الإنسان بأصدقاء أوفياء، فإنَّ هؤلاء الأصدقاء يمكن أن يكونوا بجانبه أيضاً، وبعض الأصدقاء يكونون بمنزلة الأخوة ويقدمون الغالي والنفيس من أجل إخراج من يحبون من مصيبتهم، فعندما يرى الإنسان أصدقاءه حوله وقت مصيبته، فإنَّه يزداد صبراً وحلماً، ويشعر بالقوة في أضعف حالاته، وقد صدق من قال: "رُبَّ أخٍ لم تلده أمك".
3. الإيمان بالله سبحانه وتعالى:
إنَّ الإيمان بالله من أكثر الأمور التي تجعل الإنسان يصبر على البلية؛ لأنَّه يعتقد جازماً أنَّ كل شيء بيد الله عز وجل، وأنَّ الأقدار مكتوبة وليس لنا قوة أن نغيِّر من حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنَّ الله يختار لنا ما يناسبنا حتى وإن لم يلقَ ذلك إعجابنا، فهو أدرى منا في حالنا من أنفسنا.
4. الإكثار من الصلاة والاستغفار:
الصلاة والدعاء إلى الله وقت الشدة يخفف من تعب الإنسان وحزنه؛ لأنَّه بذلك يكون قد رفع المصيبة إلى من هو أقدر على حلها؛ ألا وهو الله سبحانه وتعالى، ويكون قد أزاحها عن كاهله؛ مما يولِّد الأمل في داخله بأنَّ الله قد يصلح حاله ويستجيب لدعائه، ويقدر له حظاً جميلاً ينسيه مرارة الألم الذي مرَّ به.
5. مشاهدة مصيبة الغير:
عندما يرى الإنسان مصائب الناس التي هي أقسى من مصيبته بكثير، فيشعر الإنسان بهوان مصيبته، وأنَّه أحسن حالاً على الرغم من حزنه من أناس كثيرين، وبذلك يحمد الله على ما أصابه.
6. إشغال الإنسان نفسه بالعمل وعدم الاستسلام للوسواس:
عندما يبقى الإنسان مشغولاً وممتلئاً بالعمل، ينسى مصاعب الحياة وأحزانها، أما إذا بقي الإنسان جالساً على كرسيه وحيداً، فإنَّ الأفكار السيئة سوف تسيطر عليه وتحد من صبره وإصراره؛ لأنَّ التفكير بالمصائب مصيبة بحد ذاتها؛ لذلك عندما يقع الإنسان بمصيبة، يمكنه العمل أو قراءة الكتب والمجلات أو القيام بزيارات عند الأهل والأصدقاء.
7. التمعن بالمصيبة جيداً:
في كثير من الأحيان إذا أمعنَّا النظر في المصائب التي تواجهنا وتعترضنا في هذه الحياة، فنجد أنَّها لا تستحق كل ذلك الحزن والأسف، فنحن دائماً نعطي الأمور أكثر مما تستحق ولا ندرك ذلك إلا بعد قضاء وقت طويل من الحزن والأسى؛ لذلك علينا أن نفكر طويلاً بكل شيء يحصل معنا، ويجب ألا نعطي أي شيء أكثر من حقه سواء في السراء أم في الضراء.
أنواع الصبر:
مجالات الصبر كثيرة، وأنواعه هائلة ومختلفة، تتضمن زوايا حياة الإنسان جميعها بشكل تقريبي، ومن هذه الأنواع ما يأتي:
- الصبر في المثابرة على الأعمال التي تكون بحاجة إلى زمن طويل بشكل نسبي، وهذا ما يحتاج إلى الكثير من المواظبة والعمل بشغف كبير أيضاً.
- إمساك النفس عن ردات الفعل المستعجلة والسريعة، فعلى الإنسان أن يتجنب ردات الفعل المؤذية التي يمكن أن يندم عليها في وقت لاحق، فعند الغضب، يجب على الإنسان أن يضبط نفسه ويتجنب التلفظ بالكلمات البذيئة، وأن يعطي نفسه وقتاً كافياً للتفكير، وأن يتروى في ردات الأفعال وتحكيم العقل والتفكير في القول والفعل اللذان يمكن أن يصدرا.
- عدم الاستعجال والتعقل عند المضي لإنجاز الاحتياجات الدنيوية المعنوية والمادية، والابتعاد عن العجلة، وأخذ الأمور ببساطة وعدم جعلها صعبة التحقيق؛ لأن استصعاب الوصول إلى الأهداف يولِّد التشاؤم.
- إمساك النفس عن الخوف والفزع في الأمور التي تحتاج إلى العزيمة والشجاعة، حتى يصل الإنسان إلى الشيء الذي يصبو إليه والذي يعود بالفائدة إليه.
- إمساك النفس عن التطاول في المغريات وما يراود النفس من أهواء وشهوات؛ وذلك للابتعاد عن النتائج المؤذية وغير الصحيحة.
- إمساك النفس، فإنَّ ذلك يولِّد بداخلنا إحساساً بالرضا بأنَّنا قد عملنا بأصلنا ولم نُسِئ لأحد أبداً، وبذلك نبقى بضمير مرتاح.
- ضبط النفس ومحاولة تعويدها على مضاعفة قدرة مواجهتها للمصائب والآفات الجسدية والمعنوية؛ وذلك من أجل الوصول إلى الخير.
- كظم الغيظ عند التعرض للإساءة من قِبل الناس والعمل على أن نقابل الإساءة بالإحسان.
- الصبر على طلب العلم والعمل على تحصيله بشتى الوسائل، فيجب على الإنسان أن يحارب الظروف والمصاعب من أجل العلم؛ لأنَّ العلم هو شرف الإنسان ومقياس رفعته وعلو مكانته، وقد صدق من قال: "اطلب العلم ولو كان في الصين".
فوائد الصبر:
- نجد الصبر تعليماً للإنسان على السيطرة على إرادته، فإن كان شخصاً صلباً وصبر على مصابه، فهنا الصبر يزيد من قوَّته وعزيمته، وإن كان ضعيفاً وصبر على المصائب، فذلك يجعله قوياً ويشير إلى قوة إيمانه.
- ليست نهاية الصبر إلا الفرج، فكلما ازداد صبر الشخص على مصابه، نزل به، وكلما ازداد صبر الإنسان في سعيه نحو الطريق الذي يريده، كان الفرج الذي ينتظره أكبر، وهذا فيه حكمة إلهية خلقها الله سبحانه وتعالى.
- الصبر يجعل الإنسان قادراً على التمكن من تحمُّل مصائب الحياة وتقلباتها العديدة والمختلفة، ويعمل الصبر أيضاً على بناء شخصية قوية للإنسان ويجعله يمتلك القدرة على محاربة المصاعب بكل إقدام وشجاعة.
- الصبر أسلوب للوصول إلى احترام الناس كلهم؛ لأنَّ الشخص الصبور يكون دائماً يمتلك القدرة على تحمُّل الآخرين في جميع حالاتهم النفسية والجسدية، وأيضاً الإنسان الصبور يمتلك القدرة على تقبل الناس كلهم حوله وتحمُّل مسؤولية الأمور بشجاعة وثقة وهدوء.
- الإنسان الصبور يلقى محبة الناس ويصبح مضرب مثل بالصبر يقتدي به الناس ويحاولون الاستفادة من الأحداث التي مرَّ بها، ويصبح حديثه بالنسبة إليهم دافعاً لتقبُّل الحياة بكل ظروفها.
تعلُّم الصبر:
يستطيع الشخص أن يتعلم الصبر عندما تكون له إرادة صلبة قوية لذلك، فعملية التعلم هي تعديل في الأسلوب، وهذا هو المصطلح الذي تستند إليه معظم الدراسات الحديثة، أو بشرح آخر، هو تبديل بعض الأمور في أسلوب الإنسان تبديلاً تحسينياً يوصَف من ناحية بتمثُّل دائم للوضع، ويوصَف من ناحية أخرى بأتعاب مستمرة يقدمها الإنسان للوصول إلى هذه الحالة؛ وذلك تحقيقاً للأهداف المرجوة، وتظهر عملية التعلم كنتيجة لتواصل الفرد مع محيطه وكسبه لأساليب حياتية جديدة لتعينه على التكيف مع بيئته.
وهكذا، تعلُّم الصبر يحتاج إلى آلية جدية لكي نتعلمه، إلا أنَّ تعلُّم الصبر قد يكون أصعب ما يمكن الإنسان تعلُّمه، لكنَّ آلية التعلم ذاتها بحاجة إلى إصرار؛ وبذلك نرى أنَّ الإنسان الصابر هو من أقوى الناس، ويمكن أن نَعُدَّ أنَّ الصبر هو نوع من أنواع الذكاء، فهو يجعلنا نتكيف مع الظروف السيئة بأقصى درجة ممكنة، ويخرجنا منها بأقل الخسائر الممكنة.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لكي تكون صبوراً
أضف تعليقاً